شرح الحديث 77 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 142)

77 - (11) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إنَّ ممّا يلحقُ المؤمِنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موتِه : علماً علّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركه، أو مُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أَو بيتاً لابن السبيل___بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من مالِهِ في صحتِه وحياتِه، تَلحقُه من بعد موتِه". رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والبيهقي،

 

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" مثله؛ إلا أنه قال : "أو نهراً كراه"، وقال: "يعني حفره"، ولم يذكر المصحف.[1]

 

تخريج الحديث :

 

سنن ابن ماجه (1/ 88) (رقم : 242)، صحيح ابن خزيمة (4/ 121) (رقم: 2490)، شعب الإيمان (5/ 121) (رقم : 3174)[2]

 

الحديث صحيح: حسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 443) (رقم: 2231)

 

من فوائد الحديث:

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 351)

هَذِه الْأَعْمَال الْمَذْكُورَة يجْرِي على الْمُؤمن ثَوَابهَا ويتجدد من بعد مَوته، فَإِذا مَاتَ انْقَطع عمله إِلَّا مِنْهَا،

وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ هُنَا الْحصْرُ الْمَذْكُورُ فِي الحَدِيثِ الْمَارِّ:

"إِذا مَاتَ ابْن آدم، انْقَطع عمله، إِلَّا من ثَلَاث." [م]

فَإِن الْمَذْكُورَات تندرج فِي تِلْكَ الثَّلَاث، لِأَن الصَّدَقَة الْجَارِيَة تَشْمَل: الْوَقْفَ، وَالنّهْرَ، والبِئْرَ، وَالنَّخْل، وَالْمَسْجِدَ، والمصحف،

فَيمكن ردُّ جَمِيعِ مَا فِي الْأَحَادِيثِ إِلَى تِلْكَ الثَّلَاثِ، وَلَا تعَارض." اهـ

 

حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 106)

"قَوْلُهُ: (فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ)، أَيْ: أَخْرَجَهَا فِي زَمَانِ كَمَالِ حَالِهِ وَوُفُورِ افْتِقَارِهِ إِلَى مَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ،

وَفِيهِ: تَرْغِيبٌ إِلَى ذَلِكَ لِيَكُونْ أَفْضَلَ صَدَقَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ:

«أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا فَقَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ» الْحَدِيثَ،

وَإِلَّا فَكَوْنُ___الصَّدَقَةِ جَارِيَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي _حفظه الله_ في "شرح سنن ابن ماجة" – الشاملة (16/ 9):

"والصدقة حال الصحة والحياة أفضل، يقول النبي في صحيح البخاري لما سئل: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل -أي: لا تؤخر- حتى إذا بلغت -يعني: الروح- الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)،

فأفضل الصدقة ما كان في زمن الصحة والشح، (وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى) بخلاف ما إذا كان الإنسان مريضاً، وبسبب مرضه رخص عنده المال، بخلاف وقت الصحة يكون المال غال ونفيس؛ فإن تصدق في هذه الحالة كان أفضل. ومعلوم أن النية تسبق العمل، فمن تصدق بشيء فهو على حسب نيته." اهـ

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 435)

عَدُّ الولد من العمل صحيح؛ لأن الوالد سبب في وجوده، وسبب في صلاحه بإرشاده إلى الهدى، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- جعله من كسب الرجل، كما سيأتي للمصنّف بسند صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أطيب ما أكلَ الرجلُ من كسبه، وإن ولده من كسبه"، فسماه كسبًا (صَالِحًا) قيّده به؛ لأن الصالح هو الذي تستجاب دعوته، وتقبل أعماله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. وقَال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]

 

مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (4/ 437)

في فوائده:

1 - (منها): ما ترجم له المصنّف، وهو بيان ثواب معلّم الناس الخير، وهو واضح.

2 - (ومنها): بيان فضل الله على عباده المؤمنين، حيث جعل بعض أعمالهم لا تنقطع بعد الموت، بل جعلها جارية ما دام أثَرَهَا قائمًا.

3 - (ومنها): الترغيب إلى الصدقة في الحياة والصحّة؛ لكونه أفضل أنواع الصدقة، فقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله أَيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "أَنْ تَصَدَّقَ وأنت صحيح حَرِيصٌ، تَأْمُل الغنى، وتَخْشَى الفقر، ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان".

4 - (ومنها): أن فيه أن الكتب الموروثة من الشخص تكون من حسناته التي تبقى بعد موته، وإن انتقل ملكه إلى الورثة، فلا يشترط كونها موقوفة، فقد صرّح في هذا الحديث بقوله: "ومصحفًا ورّثه"، وهذا من فضل الله العظيم." اهـ

 

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (1/ 594_595):

"فيه الإشارة إلى أنه لو جمع التعليم والولد بأن يعلم الولد كان أولى وأحرى ليكون دعاؤه للوالد أفضل___وأقرب إجابة." اهـ

 

وقال محمد الأمين بن عبد الله الأُرَمي العَلَوي الهَرَري الشافعي (المتوفى 1441 هـ) في "مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى" (2/ 328):

"الوالد هو سبب في وجوده وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدي، كما جعل نفس العمل في قوله تعالى: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) _رحمه الله_ في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (1/ 8):

"فائدة عظيمة النَّفع:

وَقَفَ قومَ على عَالِمَ فَقَالوا: لَهُ إِنَّا سَائِلِوُكَ أفَمُجِيبُنَا أَنْتَ قَالَ: سَلُوا وَلا تُكْثُرُوْا فإِنَّ النَّهار لَنْ يَرْجِعَ، والعُمَرَ لَنْ يَعُودْ، والطَّالِبَ حَثْيث في طَلَبَه، قالوا: فأوْصِنَا، قال: (تَزوَّدُوا عَلَى قَدْرِ سَفرِكْمْ، فَإنَّ خَيْرَ الزَّاد مَا أبْلَغَ البُغْيَةَ، ثُمَّ قَالَ:الأيَّامُ صَحَائِفَ الأعمال فخلِدُهْا أحْسَنَ الأعمال، فإنَّ الفُرصَ تَمرُّ مَرَّ السَّحَاب والتَّوانِيَ مِن أخْلاق الكُسالى، ومنَ اسْتَوطْنَ مَرْكَبَ العَجْز عَثَرَ بِه، وتَزَوَّجَ التَّوانِيَ بالكَسل فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الخُسْران) أ. هـ.

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (1/ 8)

فائدة عظيمة النَّفع

أَشْرَفُ الأشْيَاءِ قَلْبُكَ وَوَقْتُكَ، فإذَا أَهْمَلْتَ قَلْبَكَ وضيَّعْتَ وَقْتَكَ، فَمَاذَا بَقِيَ مَعَك، كلُ الفَوَائِدِ ذَهَبَتْ.

 

فتح البيان في مقاصد القرآن (11/ 349)

"ينتفع الميت بكل ما قررته شريعة الإسلام في كتاب الله وهدي رسوله." اهـ

 

وقال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني الحنبلي النجدي (المتوفى: 1392هـ) _رحمه الله_ في "الإحكام شرح أصول الأحكام" (3/ 363):

"والحديث دليل على أنه ينقطع أجر كل عمل بعد الموت إلا هذه الثلاثة الأشياء. فإنه يجري أجرها بعد الموت. ويتجدد ثوابها. لكونه كاسبًا لها.

وفيه فضيلة الصدقة الجارية. والعلم الذي يبقى بعد موته. والتزوج الذي هو سبب وجود الأولاد." اهـ



[1]  أخرجه صحيح ابن خزيمة (4/ 121) (رقم : 2490)،  قال الأعظمي : "إسناده حسن لغيره لشواهده."

[2]  وأخرجه أبو بكر الصفار كما في "مجموع فيه عشرة أجزاء حديثية" (ص: 37) (رقم : 23)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين