شرح الحديث 55 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

[55] الثاني: عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب _رضي الله عنهما_ قَالَ : حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - :

«دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ» . رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث صحيح».

قوله: «يَريبُكَ» هُوَ بفتح الياء وضمها: ومعناه اتركْ مَا تَشُكُّ في حِلِّهِ وَاعْدِلْ إِلَى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ.

 

ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب _رضي الله عنهما_ :

 

وفي "سير أعلام النبلاء" – ط. الرسالة (3/ 245) :

الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ * (ع) :ابْنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإِمَامُ السَّيِّدُ، رَيْحَانَةُ___ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِبْطُهُ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، الشَّهِيْدُ.

مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ. وَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانِهَا. وَعَقَّ عَنْهُ جَدُّهُ بِكَبشٍ، وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ." اهـ

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 384)

وتواترت الآثار الصحاح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال لحسن ابن علي: إن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. رواه جماعة من الصحابة.

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 398)

وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُنِي وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا ".

وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ". صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

وفي صحيح البخاري (8/ 7) (رقم: 5994):

عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا»

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 400)

وَمَنَاقِبُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَحِشْمَةٍ، كَانَ يَكْرَهُ الْفِتَنَ وَالسَّيْفَ، وَكَانَ جَوَادًا مُمَدَّحًا، تَزَوَّجَ سبعين امرأة ويطلقهن، وقلما كان تفارقه أَربَعُ ضَرَائِرَ.

وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لَا تُزَوِّجُوا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلَاقٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ، فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ امْرَأَةً فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمِائَةِ جَارِيَةٍ، مَعَ كُلِّ جَارِيَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُجِيزُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: حَجَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ حَجَّ أَكْثَرَهُنَّ مَاشِيًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَإِنَّ نَجَائِبَهُ تُقَادُ مَعَهُ.

وَقَالَ جَرِيرٌ: بَايَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ الْحَسَنَ وَأَحَبُّوهُ أَكْثَرَ مِنْ أَبِيهِ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 385)

ولما قتل أبوه علي رضي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفًا، كلهم قد كانوا بايعوا أباه عليًا قبل موته على الموت، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه، فبقي نحوًا من أربعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى معاوية، وسار معاوية إليه، فلما تراءى الجمعان، وذلك بموضع يقال له مسكن من أرض السواد بناحية الأنبار علم أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى تذهب أكثر الأخرى، فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه ألا يطلب أحدًا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه، فأجابه معاوية، وكاد يطير فرحًا

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 387)

عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:

مَكَثَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لا يُسَلِّمُ الأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَؤَمِّرَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ بِالطَّائِفِ. قَالَ: وَسَلَّمَ الأَمْرُ الْحَسَنُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَبَايَعَ النَّاسُ مُعَاوِيَةَ حِينَئِذٍ، وَمُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ إِلا شَهْرَيْنِ.

قَالَ أبو عمر رضي الله عنه: هذا أصح ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر، وكل من قَالَ:

إن الجماعة كانت سنة أربعين فقد وهم، ولم يقل بعلم، والله أعلم.

ولم يختلفوا أن المغيرة حج عام أربعين على ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك، والله أعلم.

ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة لمعاوية حياته لا غير، ثم تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك، ورأى الحسن ذلك خيرًا من إراقة الدماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحق بها.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 389)

ودفن ببقيع الغرقد، وصلى عليه سعيد بن العاص، وكان أميرًا بالمدينة قدمه الحسين للصلاة على أخيه، وقال: "لولا أنها سُنَّةٌ ما قدَّمْتُكَ."

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 654) :

"وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ الْحُسَيْنُ بْنُ علي سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ بِهَا أَمِيرٌ." اهـ

 

تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 403)

تُوُفِّيَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَرَّخَهُ فيها المدائني، وخليفة العصفري، وهشام ابن الْكَلْبِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَالْغُلَابِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ بِالْمَدِينَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 389)

"وقال قتادة وأبو بكر بْنُ حَفْصٍ: سُمَّ الحسنُ بْنُ عليّ، سَمَّتْهُ امرأتُهُ جعْدَةُ بِنْتُ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ." اهـ

 

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 390)

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَسَنِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 668) (رقم: 2518)، أبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/ 499) (رقم: 1274)، وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (3/ 117) (رقم: 4984)، وأحمد في "مسنده" (3/ 248) (رقم: 1723)، الدارمي في "سننه" (3/ 1648) (رقم: 2574)، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/ 117) (رقم: 5201)، وفي "المجتبى" (8/ 327) (رقم: 5711)، وابن حبان في "صحيحه" (2/ 498) (رقم: 722)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 75) (رقم: 2708)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 546) (رقم: 10819)، وغيرهم: عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْديِّ، عن لْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_.

 

والحديث صحيح: صحح الحديث الشيخ الألباني _رحمه الله_ في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1/ 44) (رقم : 12)، وقال :

"صحيح. ورد عن جماعة من الصحابة، منهم: الحسن بن على، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

وقال تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع المنفلوطي المصري الشافعي ، المعروف بـ"ابن دقيق العيد القشيري" (المتوفى: 702 هـ) _رحمه الله_ في "شرح الأربعين النووية" (ص: 45_46):

"وقال بعض العلماء:

"المشتبهات ثلاثة أقسام:___

* منها: ما يعلم الإنسان أنه حرام ثم يشك فيه هل زال تحريمه أم لا، كالذى يحرم على المرء أكله قبل الذكاة إذا شك في ذكاته لم يزل التحريم إلا بيقين الذكاة والأصل في ذلك حديث عدي المتقدم ذكره.

* وعكس ذلك: أن يكون الشيء حلالاً، فيشك في تحريمه كرجل له زوجة، فشك في طلاقها أو أمة فيشك في عتقها.

فما كان من هذا القسم فهو على الإباحة حتى يعلم تحريمه والأصل في هذا الحديث عبد الله بن زيد فيمن شك في الحدث بعد أن تيقن الطهارة[1].

* القسم الثالث: أن يشك في شيء فلا يدري أحلال أم حرام ويحتمل الأمرين جميعاً ولا دلالة على أحدهما،

فالأحسن: التنزه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في التمرة الساقطة حين وجدها في بيته فقال: "لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها" [خ]." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 392)

فيه: إشارة إلى الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه.

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 196)

فكأن فى فتياه عليه السلام باجتناب الشبهات دلالة على اختيار القول فى الفتوى، والاحتياط فى النوازل والحوادث المحتملات للتحليل والتحريم التى لا يقف العالم على حلالها وحرامها؛ لاشتباه أسبابها،

وهذا معنى قوله عليه السلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) يقول: دع ما تشك فيه ولا تتيقن إباحته، وخذ ما لا شك فيه ولا التباس.

وقال ابن المنذر :

"قال بعضهم : الشبهات تنصرف على وجوه:

فمنها: شىء يعلمه المرء محرمًا ثم يشك فيه هل حل ذلك أم لا، فما كان من هذا النوع فهو على أصل تحريمه، لا يحل التقدم عليه إلا بيقين، مثل الصيد حرام على المرء أكله قبل ذكاته، وإذا شك فى ذكاته لم يزل عن التحريم إلا بيقين الذكاة، والأصل فيه حديث عدى بن حاتم أن النبى _صلى الله عليه وسلم_ قال له:

(إذا أرسلت كلبك فخالطه كلب لم تسم عليه فلا تأكل؛ فإنك لا تدرى أيهما قتله)،

وهذا أصل لكل محرم أنه على تحريمه حتى يعلم أنه قد صار حلالا بيقين." اهـ

 

التعيين في شرح الأربعين (1/ 120) نجم الدين الطوفي :

واعلم أن الأشياء إما واضح الحِل، أو واضح الحرمة، أو مرتاب فيه، والريبة، قد تقع في العبادات والمعاملات والمناكحات وسائر أبواب الأحكام، وترك الريبة في ذلك كله إلى غيرها أمر عميم النفع كثير الفائدة

وتفاصيل ذلك تكثر، وهذه قاعدته، والله عزَّ وجلَّ أعلم بالصواب.

 

وقال عبد الله بن صالح المحسن _رحمه الله_ في "الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها (الشرح الموجز المفيد)" (ص: 25):

"يرشدنا هذا الحديث إلى أن المؤمن يترك ما يشك في حله خشية أن يقع في الحرام وهو لا يشعر بل عليه أن. ينتقل مما يشك فيه إلى ما كان حله متيقنا ليس فيه شبهة ليكون مطمئن القلب ساكن النفس راغبا في الحلال الخالص متباعدا عن الحرام والشبهات وما تتردد فيه النفس." اهـ

 

وقال عبد الله بن صالح المحسن _رحمه الله_ في "الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها (الشرح الموجز المفيد)" (ص: 25)

"الفوائد:

1- إن على المسلم أن يبني أموره على اليقين ليكون في أمر دينه على بصيرة.

2- النهي عن الوقوع في الشبهات وما تتردد فيلة النفس بين حله أو حرمته.

3- استحباب الورع عما كان فيه شبهة حرام وإن كان الأصل الحل." اهـ

 

الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 25)

الفوائد:

1- إن على المسلم أن يبني أموره على اليقين ليكون في أمر دينه على بصيرة.

2- النهي عن الوقوع في الشبهات وما تتردد فيلة النفس بين حله أو حرمته.

3- استحباب الورع عما كان فيه شبهة حرام وإن كان الأصل الحل.

 

شرح المصابيح لابن الملك (3/ 390)

"إن نفسَ المؤمن تطمئنُّ للصدق وترتاب للكذب، فارتيابُكَ فيه أَمَارةُ بطلانه، وطُمَأْنِينتُك فيه علامة حَقِّيته." اهـ

 

وقال أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974 هـ) في الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 297)

ثم هذا الحديث قاعدةٌ عظيمةٌ من قواعد الدين، وأصلٌ في الورع الذي عليه مدار اليقين، ومنجٍ من ظُلَم الشكوك والأوهام المانعة لنور اليقين.

ومن ثم تنزَّه يزيد بن زريع عن خمس مئة ألف من ميراث أبيه، فلم يأخذها، وكان أبوه يلي الأعمال للسلاطين، وكان يزيد يعمل الخوص ويتقوَّت منه إلى أن مات.

وقال الفضيل: (يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد عليَّ أمران إلا أخذت بأشدهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك).

وقال حسان بن أبي سنان: (ما شيءٌ أهون من الورع، إذا رابك شيءٌ. . فدعه)

وهذا إنما يَسهُل على مثله رضي اللَّه تعالى عنه.

واحتكر المِسْوَر بن مخرمة طعامًا كثيرًا، فرأى سحابًا في الخريف فكرهه، ثم قال: أراني كرهت ما ينفع المسلمين، فآلى ألَّا يربحَ فيه شيئًا، فأخبر بذلك عمر رضي اللَّه تعالى عنه، فقال له: (جزاك اللَّه خيرًا)؛ وفيه: أن المحتكر ينبغي له أن يتنزَّه عن ربح ما احتكره احتكارًا منهيًا عنه.

وسُئلتْ عاشة رضي اللَّه تعالى عنها عن أكل الصيد للمحرم، فقالت: (إنما هي أيامٌ قلائل، فما رابك. . فدعه) يعني: ما اشتبه عليك هل هو حلالٌ أو حرامٌ_____فاتركه؛

فإن العلماء اختلفوا في إباحة الصيد للمحرم إذا لم يصده هو، ومن ثَمَّ كان الخروج من الخلاف أفضل؛ لأنه أبعد عن الشبهة." اهـ

 

وقال الراغب في الذريعة الى مكارم الشريعة (ص: 227):

"الورع أصله جبن وضعف[2]، وقد يستعمل في كل واحد منهما لكنه جعل في عرف الشرع عبارة عن ترك التسرع إلى تناول أعراض الدنيا، وذلك على ثلاثة أضرب:

واجب: وهو الإحجام عن المحارم وذلك للناس كافة، وندب: وهو الوقوف عن الشبهات وذلك للأوساط، وفضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للمتقين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين."

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1899)

وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَبْنِيَ الْمُكَلَّفُ أَمْرَهُ عَلَى الْيَقِينِ الْبَحْتِ وَالتَّحْقِيقِ الصِّرْفِ، وَيَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1899)

وَقَدْ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَاءَ هَذَا الْقَوْلُ مُمَهِّدًا لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَمَعْنَاهُ إِذَا وَجَدْتَ نَفْسَكَ تَرْتَابُ فِي الشَّيْءِ فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَطْمَئِنُّ إِلَى الصِّدْقِ وَتَرْتَابُ مِنَ الْكَذِبِ، فَارْتِيَابُكَ فِي الشَّيْءِ مُنْبِئٌ عَنْ كَوْنِهِ بَاطِلًا أَوْ مَظَنَّةً لِلْبَاطِلِ فَاحْذَرْهُ، وَاطْمِئْنَانُكَ إِلَى الشَّيْءِ مُشْعِرٌ بِكَوْنِهِ حَقًّا فَاسْتَمْسِكْ بِهِ، وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَقَالِ وَالْفِعَالَ وَمَا يَحِقُّ أَوْ يَبْطُلُ مِنَ الِاعْتِقَادِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مَخْصُوصٌ بِذَوِي النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ الْقُدْسِيَّةِ الطَّاهِرَةِ مِنْ أَوْضَارِ الذُّنُوبِ وَأَوْسَاخِ الْآثَامِ. اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 510) للمناوي :

"فَمَا اطْمَأَن إِلَيْهِ الْقلب فَهُوَ بالحلال أشبه وَمَا نفر عَنهُ فَهُوَ بالحرام أشبه." اهـ

 

فيض القدير (3/ 425) للمناوي :

"فما اطمأن إليه القلب فهو بالحلال أشبه وما نفر عنه فهو بالحرام أشبه قال الحكيم: هذا عند المحققين الموصوفين بطهارة القلوب ونور اليقين فأولئك هم أهل هذه الرتبة أما العوام والعلماء الذين غذوا بالحرام فلا التفات إلى ما تطمئن إليه قلوبهم المحجبة بحجب الظلمات." اهـ

 

فيض القدير (3/ 529)

والحاصل أن الصدق إذا مازج قلب الكامل امتزج نوره بنور الأيمان فاطمأن وانطفأ سراج الكذب فإن الكذب ظلمة والطلمة لا تمازج النور."

 

فيض القدير (3/ 529) للمناوي :

"وفي هذه الأحاديث : عموم يقتضي أن الريبة تقع في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الأحكام وإن ترك الريبة في ذلك كله ورع قالوا: وهذه الأحاديث قاعدة من قواعد الدين وأصل في الورع الذي عليه مدار اليقين وراحة من ظلم الشكوك والأوهام المانعة لنور اليقين

<تنبيه> قال العسكري: "لو تأملت الحذاق هذا الحديث لتيقنوا أنه قد استوعب كل ما قيل في تجنب الشبهات." اهـ

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 29) للشيخ إسماعيل بن محمد بن ماحي السعدي الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) :

"يستفاد منه :

1 - أن على المسلم بناء أموره على اليقين. وأن يكون في دينه على بصيرة.

2 - النهي عن الوقوع في الشبهات، والحديث أصل عظيم في الورع وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعا ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس))." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 154)

"وهذا الحديث من جوامع الكلم وما أجوده وأنفعه للعبد إذا سار عليه، فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء كثيرة، فنقول: دع الشك إلى ما لاشكّ فيه حتى تستريح وتسلم، فكل شيء يلحقك به شكّ وقلق وريب اتركه إلى أمر لا يلحقك به ريب، وهذا مالم يصل إلى حد الوسواس، فإن وصل إلى حد الوسواس فلا تلتفت له.

وهذا يكون في العبادات، ويكون في المعاملات، ويكون في النكاح، ويكون في كل أبواب العلم." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 156_158) :

"من فوائد هذا الحديث:

1_أن الدين الإسلامي لا يريد من أبنائه أن يكونوا في شكّ ولا قلق، لقوله: دَعْ مَا يرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَيَرِيْبُكْ.

2_أنك إذا أردت الطمأنينة والاستراحة فاترك المشكوك فيه واطرحه جانباً، لاسيّما بعد الفراغ من العبادةحتى لايلحقك القلق، ومثاله: رجل طاف بالبيت وانتهى وذهب إلى مقام إبراهيم ليصلي، فشك هل طاف سبعاً أو ستًّا فماذا يصنع؟

الجواب: لايصنع شيئاً، لأن الشك طرأ بعد الفراغ من العبادة، إلا إذا تيقن أنه طاف ستًّا فيكمل إذا لم يطل الفصل.________

3_أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، لأن هاتين____الجملتين: "دع مايريبك إلى مالايريبك" لو بنى عليهما الإنسان مجلداً ضخماً لم يستوعب ما يدلان عليه من المعاني، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم." اهـ من كلام الشيخ العثيمين

 

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 56)

1 هذا الحديث فيه الأمرُ بترك ما يرتاب المرءُ فيه ولا تطمئنّ إليه نفسه، ويحدث قلقاً واضطراباً في النفس، وأن يصير إلى ما يرتاح إليه قلبُه وتطمئنّ إليه نفسه.

وهذا الحديث شبيه بما تقدَّم في حديث النعمان بن بشير: "فمن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"، وهما يدلاَّن على أنَّ المتَّقي ينبغي له ألاَّ يأكل المال الذي فيه شبهة، كما يحرم عليه أكل الحرام.

2 قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/280) : "ومعنى هذا الحديث يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتِّقائها؛ فإنَّ الحلالَ المحضَ لا يحصلُ للمؤمن في قلبه منه ريب، والريب بمعنى القلق والاضطراب، بل تسكن إليه النفس، ويطمئنّ به القلب، وأمَّا المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشكِّ".

وقال أيضاً (1/283) : "وها هنا أمرٌ ينبغي التفطُّن له، وهو أنَّ التدقيق في التوقف عن الشبهات إنَّما يصلح لِمَن استقامت أحواله كلُّها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأمَّا مَن يقع في انتهاك المحرَّمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورَّع عن شيء من دقائق الشُّبَه، فإنَّه لا____يحتمل له ذلك، بل يُنكر عليه، كما قال ابن عمر لِمَن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: "يسألوني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:

(هما ريحانتاي من الدنيا) ".

3 مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1 ترك ما يكون فيه ريبة، والأخذ بما لا ريبة فيه.

2 أنَّ تركَ ما يُرتاب فيه فيه راحة للنفس وسلامتها من القلق.

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 348)

(المسألة الثالثة): فِي فوائده:

(منها) : ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو الحثّ عَلَى ترك الشبهات.

(ومنها) : أن الْحَدِيث فيه إثبات صحبة الحسن -رضي الله عنه-، وأنه سمع منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

(ومنها) : أن منْ شك فِي شيء منْ الأقوال والأعمال أنه منهيّ عنه أم لا، أو سنة أو بدعة، ترك ذلك، وعدَل إلى ما لا يشك فيه منهما، والمقصود أن يبني المكلّف أمره عَلَى اليقين البحت، والتحقيق الصرف، ويكون عَلَى بصيرة فِي دينه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 163_164) لابن القيم :

"قال شيخنا : "والاحتياط حسن، ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة. فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط"، وبهذا خرج الجواب عن احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وَعِرْضِهِ" وقوله: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ" وقوله: "الإِثمُ مَا حَاكَ فى الصَّدْرِ".

فهذا كله من أقوى الحجج على بطلان الوسواس.

فإن الشبهات ما يشتبه فيه الحق بالباطل، والحلال بالحرام، على وجه لا يكون فيه دليل على أحد الجانبين، أو تتعارض الأمارتان عنده، فلا يترجح فى ظنه احداها، فيشتبه عليه هذا بهذا، فأرشده النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ترك المشتبه والعدول إلى الواضح الجلى.

ومعلوم أن غاية الوسواس أن يشتبه على صاحبه: هل هو طاعة وقربة، أم معصية وبدعة؟ هذا أحسن أحواله،

والواضح الجلى هو اتباع طريق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما سنه للأمة قولا وعملا. فمن أراد ترك الشبهات عدل عن ذلك المشتبه إلى هذا الواضح. فكيف ولا شبهة بحمد الله هناك؟ إذ قد بينت بالسنة أنه تنطع وغلو، فالمصير إليه ترك للسنة، وأخذ بالبدعة، وترك لما يحبه الله تعالى ويرضاه، وأخذ بما يكرهه ويبغضه، ولا يتقرب به إليه البتة، فإنه لا يتقرب إليه إلا بما شرع، لا بما يهواه العبد ويفعله من تلقاء___

نفسه. فهذا هو الذى يحيك فى الصدر ويتردد فى القلب، وهو حوازّ القلوب.

وأما التمرة التى ترك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أكلها، وقال: "أَخْشَى أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ".

فذلك من باب اتقاء الشبهات، وترك ما اشتبه فيه الحلال بالحرام، فإن التمرة كانت قد وجدها فى بيته، وكان يؤتى بتمر الصدقة، يقسمه على من تحل له الصدقة، ويدخل بيته تمر يقتات منه أهله، فكان فى بيته النوعان، فلما وجد تلك التمرة لم يدر عليه الصلاة والسلام، من أى النوعين هى؟ فأمسك عن أكلها. فهذا الحديث أصل فى الورع واتقاء الشبهات، فما لأهل الوسواس وما له؟" اهـ

 

شرح مختصر من "جامع العلوم والحكم" لابن رجب _رحمه الله_:

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 280)

وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ يَرْجِعُ إِلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَاتِّقَائِهَا، فَإِنَّ الْحَلَالَ الْمَحْضَ لَا يَحْصُلُ لِمُؤْمِنٍ فِي قَلْبِهِ مِنْهُ رَيْبٌ - وَالرَّيْبُ: بِمَعْنَى الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ - بَلْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَيَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ، وَأَمَّا الْمُشْتَبِهَاتُ فَيَحْصُلُ بِهَا لِلْقُلُوبِ الْقَلَقُ وَالِاضْطِرَابُ الْمُوجِبُ لِلشَّكِّ.

·     وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ وَرِعًا، تَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ.

·     وَقَالَ الْفُضَيْلُ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الْوَرَعَ شَدِيدٌ، وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَمْرَانِ إِلَّا أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ.

·     وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا شَيْءٌ أَهْوَنُ مِنَ الْوَرَعِ، إِذَا رَابَكَ شَيْءٌ، فَدَعْهُ. وَهَذَا إِنَّمَا يَسْهُلُ عَلَى مِثْلِ حَسَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

·     قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَتَبَ غُلَامٌ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ إِلَيْهِ مِنَ الْأَهْوَازِ: إِنَّ قَصَبَ السُّكَّرِ أَصَابَتْهُ آفَةٌ، فَاشْتَرِ السُّكَّرَ فِيمَا قِبَلَكَ، فَاشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ فَإِذَا فِيمَا اشْتَرَاهُ رِبْحُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، قَالَ: فَأَتَى صَاحِبَ السُّكَّرِ، فَقَالَ: يَا هَذَا إِنَّ غُلَامِي كَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ، فَلَمْ أُعْلِمْكَ، فَأَقَلَّنِي فِيمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: قَدْ أَعْلَمْتَنِي الْآنَ، وَقَدْ طَيَّبْتُهُ لَكَ، قَالَ: فَرَجَعَ فَلَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا هَذَا إِنِّي لَمْ آتِ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَأُحِبُّ أَنَّ تَسْتَرِدَّ هَذَا الْبَيْعَ، قَالَ: فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ.________

·     وَكَانَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ إِذَا طَلَبَ الْمَتَاعَ وَنَفَقَ، وَأَرْسَلَ يَشْتَرِيهِ يَقُولُ لِمَنْ يَشْتَرِي لَهُ: أَعْلِمْ مَنْ تَشْتَرِي مِنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ طُلِبَ.

·     وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: تَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فِيمَا لَا تَرَوْنَ بِهِ الْيَوْمَ بَأْسًا.

·     وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ قَدْ بَعَثَ طَعَامًا إِلَى الْبَصْرَةِ مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ يَوْمَ يَدْخُلُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، فَأَتَاهُ كِتَابُهُ: إِنِّي قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَوَجَدْتُ الطَّعَامَ مُبَغَّضًا فَحَبَسْتُهُ، فَزَادَ الطَّعَامُ، فَازْدَدْتُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ: إِنَّكَ قَدْ خُنْتَنَا، وَعَمِلْتَ بِخِلَافِ مَا أَمَرْنَاكَ بِهِ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي، فَتَصَدَّقْ بِجَمِيعِ ثَمَنِ الطَّعَامِ عَلَى فُقَرَاءِ الْبَصْرَةِ، فَلَيْتَنِي أَسْلَمُ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ.

·     وَتَنَزَّهَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَمْسِائَةِ أَلْفٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ، وَكَانَ أَبُوهُ يَلِي الْأَعْمَالَ لِلسَّلَاطِينِ، وَكَانَ يَزِيدُ يَعْمَلُ الْخُوصَ، وَيَتَقَوَّتُ مِنْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

·     وَكَانَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ قَدِ احْتَكَرَ طَعَامًا كَثِيرًا، فَرَأَى سَحَابًا فِي الْخَرِيفِ فَكَرِهَهُ، فَقَالَ: أَلَا أُرَانِي قَدْ كَرِهْتُ مَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَآلَى أَنْ لَا يَرْبَحَ فِيهِ شَيْئًا، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا.[3]

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 282_283)

وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الشُّبْهَةِ، وَلَكِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّ مِنْ مَسَائِلِ الِاخْتِلَافِ مَا ثَبَتَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُخْصَةٌ لَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ، فَاتِّبَاعُ تِلْكَ الرُّخْصَةِ أَوْلَى مِنِ اجْتِنَابِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الرُّخْصَةُ بَلَغَتْ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ، فَامْتَنَعَ مِنْهَا لِذَلِكَ، وَهَذَا كَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ شَكُّهُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا لِصِحَّةِ النَّهْيِ___عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُوجِبُ ذَلِكَ.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 283)

وَهَاهُنَا أَمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّ التَّدْقِيقَ فِي التَّوَقُّفِ عَنِ الشُّبُهَاتِ إِنَّمَا يَصْلُحُ لِمَنِ اسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُ كُلُّهَا، وَتَشَابَهَتْ أَعْمَالُهُ فِي التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، فَأَمَّا مَنْ يَقَعُ فِي انْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَرَّعَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَقَائِقِ الشُّبَهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَسْأَلُونَنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا»

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 285)

وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: " «إِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ» " يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ: " «وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» " وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الصِّدْقَ، وَعَلَامَةُ الصِّدْقِ أَنَّهُ تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ، وَعَلَّامَةُ الْكَذِبِ أَنَّهُ تَحْصُلَ بِهِ الرِّيبَةُ، فَلَا تَسْكُنُ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ، بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ.

وَمِنْ هُنَا كَانَ الْعُقَلَاءُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعُوا كَلَامَهُ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، عَرَفُوا أَنَّهُ صَادِقٌ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ، وَإِذَا سَمِعُوا كَلَامَ مُسَيْلِمَةَ، عَرَفُوا أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْبَاطِل



[1] والحديث هو: شكى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". رواه البخاري في الوضوء باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن حديث (رقم: 137).

[2] وقال ابن فارس في مقاييس اللغة (6/ 100)

"(وَرَعَ) الْوَاوُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْكَفِّ وَالِانْقِبَاضِ. مِنْهُ الْوَرَعُ: الْعِفَّةُ، وَهِيَ الْكَفُّ عَمًّا لَا يَنْبَغِي ; وَرَجُلٌ وَرِعٌ. وَالْوَرَعُ: الرَّجُلُ الْجَبَانُ، وَوَرُعَ يَوْرُعُ وُرْعًا، إِذَا كَانَ جَبَانًا. وَوَرَّعْتُهُ: كَفَفْتُهُ، وَأَوْرَعْتُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «وَرِّعِ اللِّصَّ وَلَا تُرَاعِهِ» ، أَيْ بَادِرْ إِلَى كَفِّهِ." اهـ

[3] قال الشيخ محمد بن علي بن آدم _رحمه الله_ في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 350) :

"قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وبالجملة فما نُقل عن السلف -رضي الله عنهم- فِي هَذَا الباب كثير، فينبغي للمسلم أن يحتاط فِي أمر دينه، ويحرص كلّ الحرص عَلَى البراءة مما يَشِين دينه، وعرضه، اللَّهم ارزقنا التقوى، واجعلنا منْ عبادك المتّقين، واختم لنا بخاتمة السعادة عند انقضاء الأجل، آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب."

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين