شرح الحديث 103 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

 

56_ باب حق الجار

 

103 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَنِ الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: «لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ» ، وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: «لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

وراة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ (ثقة حافظ: ت 220 هـ):

أحمد بن حميد الطريثيثى، أبو الحسن الكوفي، يعرف بـ"دَارِ أُمِّ سَلَمَةَ"[1] (ختن عبيد الله بن موسى)، روى له :  خ س

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ (صدوق عارف رمى بالتشيع: ت 295 هـ):

محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي مولاهم ، أبو عبد الرحمن الكوفي، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

* عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ (صدوق):

محمد بن سعد الأنصاري الشامي، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له:  بخ ت فق  

* قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَةَ الْكَلَاعِيَّ (مقبول):

أبو ظبية، السُّلَفِيُّ[2] ثم الكلاعي الشامي الحمصي (لا يعرف اسمه، وقيل: إن اسمه كنيته)، من كبار التابعين، روى له:  بخ د س ق 

 

* قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ (صحابي مشهور: ت 33 هـ بـ الجرف):

المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك البهرانى ثم الكندى الزهرى أبو الأسود أو أبو عمرو أو أبو معبد المعروف بالمقداد بن الأسود، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

يَقُولُ: سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَنِ الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: «لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ» ، وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: «لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ»

 

وفي صحيح البخاري (6/ 18) (رقم: 4477)، وصحيح مسلم (1/ 90) (رقم: 86): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود _رضي الله عنه_ قَالَ:

سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ،

قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ».

قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 50) (رقم: 103)، وفي "التاريخ الكبير" (8/ 54) (رقم: 2126)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (6/ 8) (رقم: 23854)، والبزار في "مسنده"  = "البحر الزخار" (6/ 50) (رقم: 2115)، و الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 254) (رقم: 6333)، و"المعجم الكبير" (20/ 256) (رقم: 605)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 99) (رقم: 9105)، أبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (5/ 169) (رقم: 7851)، قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 488) (رقم: 881)، وابن الجوزي _رحمه الله_ في "ذم الهوى" (ص: 195)، والْمِزِّيُّ في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (25/ 261).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 615 و 2/ 678) (رقم: 2404 و 2549)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 900) (رقم: 5043)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 136) (رقم: 65).

 

وحسنه مقبل بن هادي الوادعي (المتوفى: 1422 هـ) _رحمه الله_ في "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" (2/ 197) (رقم: 1141)، والأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (39/ 277) (رقم: 23854).

 

من فوائد الحديث:

 

صيد الخاطر (ص: 293) (رقم: 933):

"كل المعاصي قبيحة، وبعضها أقبح من بعض: فإن الزنا من أقبح الذنوب، فإنه يفسد الفرش، ويغير الأنساب. وهو بالجارة أقبح." اهـ

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 422)

إيذَاءُ الْجَارِ وَلَوْ ذِمِّيًّا كَأَنْ يُشْرِفَ عَلَى حُرَمِهِ أَوْ يَبْنِيَ مَا يُؤْذِيهِ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ لَهُ شَرْعًا

 

وقال المطيعي (المتوفى سنة 1407 هـ) _رحمه الله_ في "تكملة المجموع شرح المهذب" (20/ 4_5):

"أجمعت الشرائع القديمة والحديثة على حرمة الزنا، وهو أن يأتي رجل وامرأة بفعل الجماع بغير أن تكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة، وما زالت المجتمعات

البشرية مجمعة عليه منذ أقدم عصور التاريخ إلى يومنا الحاضر ولم يخالفها فيه حتى اليوم إلا شرذمة قليلة من الذين جعلوا عقولهم تابعة لاهوائهم وشهواتهم البهيمية أو أوتوا من قبل عقولهم، ويظنون كل مخالفة للنظام والعرف الجارى اختراعا لفلسفة جديدة، والعلة في هذا الاجماع العالمي أن الفطرة الانسانية بنفسها تقتضي حرمة الزنا، ومما يتوقف عليه بقاء النوع الانساني وقيام التمدن الانساني أن لا تكون الحرية للرجل والمرأة في أن يجتمعا ابتغاء اللذة وقضاء لشهوتهما النفسية متى شاء اثم يفترقا متى أرادا، بل يجب أن تكون العلاقة بين كل رجل وامرأة قائمة على عهد للوفاء دائم بحكم معروف في المجتمع، وتكون مستندة إلى ضمان المجتمع كله.

قالت الحنابلة في منار السبيل: الزنى هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من أكبر الكبائر، قال الامام أحمد لا أعلم حدا بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا، وأجمعوا على تحريمه.

ولقد كان الزنا في الجاهلية على قسمين سرا وعلانية، وعاما وخاصا، فالخاص السرى هو أن يكون للمرأة خدن يزنى بها سرا فلا تبذل نفسها لكل أحد،___والعام الجهرى هو المراد بالسفاح، كما قال ابن عباس وهو البغاء، وكان البغايا من الاماء وكن ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن.

 

وقال ابن النحاس في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 140):

ومن أفحش أنواعه أيضًا الزنا بزوجة المجاهد، لأنها على القاعد كأمه.

وفي "صحيح مسلم": عن بريدة _رضي الله عنه_ قال قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_:

«حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟».[3]

زاد النسائي في رواية «أترون يدع له من حسناته شيئًا».[4]

قال الشيخ شمس الدين ابن القيم _رحمه الله_:

"الزنا على مراتب بعضها أشر من بعض الزنا بالأجنبية التي لا زوج لها عظيم، وأعظم منه الزنا بالأجنبية التي لها بعل وأعظم منه الزنا بذوات المحارم، وزنا الثيب أقبح من زنا البكر، وزنا الشيخ أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر أقبح من زنا العبد، وكذا العالم أقبح من زنا الأمي.

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 356)

وتأكد أمرُ الجارة لحرمتها وحرمة زوجها أو وليها

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (2/ 176)

أما أذى الجار فمحرم؛ لأن الأذى بغير حقّ محرم لكل أحد، ولكن في حق الجار هو أشد تحريمًا.

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 288)

وَمثله أمته وَنَحْو بنته وَأمه لَان من حق الْجَار على الْجَار أَن لَا يخونه فِي أَهله فان فعل كَانَ عِقَاب تِلْكَ الزنية تعدل عِقَاب عشر زنيات." اهـ

 

فيض القدير (5/ 258)

ويقاس بها نحو أمته وبنته وأخته وذلك لأن من حق الجار على الجار أن لا يخونه في أهله فإن فعل ذلك كان عقاب تلك الزنية يعدل عذاب عشر زنيات

قال الذهبي في "الكبائر"[5]:

"فيه أن بعض الزنا أكبر إثما من بعض،

قال: وأعظم الزنا بالأم والأخت وامرأة الأب وبالمحارم وبامرأة الجار روى الحاكم وصححه والعهدة عليه من وقع على ذات محرم فاقتلوه، فالزنا كبيرة إجماعا وبعضه أفحش من بعض، وأقبحه زنا الشيخ بابنته وأخته مع كونه غنيا له حلائل، وزناه بجارية إكراها ونحو ذلك، ودونه في القبح زنا الشاب البكر بشابة خلت به وشاكلته بفعل وقام نادما تائبا." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 21_22):

"وذلك لعظم___حق الجار فإفساد أهله أعظم عند الله ومثله ابنته وأخته وكل ذي رحم له فإن زنية واحدة بها كإثم عشر زنيات بغيرها." اهـ

 

فيض القدير (5/ 258)

فيه تحذير عظيم من أذى الجار بكل طريق من فعل أو قول،

وقد أخرج الطبراني من حديث ابن عمر قال:

"خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: «لَا يَصْحَبْنَا الْيَوْمَ مَنْ آذَى جَارَهُ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا بُلْتُ فِي أَصْلِ حَائِطِ جَارِي؟ فَقَالَ: «لَا تَصْحَبْنَا الْيَوْمَ»[6]." اهـ

 

الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (16/ 71):

"إنما كان الزنا بالمرأه الجار أشد وأفظع من الزنا بغيرها، لأنَّ الله _تعالى_ جعل للحوار حقا، وأمر الجارَ بالاحسان إلى الجار،

فمن زنى بامرأة جارِهِ، فقد افتات على حقه، وأساء إليه، بل الإحسانُ،

وذلك قال _صلى الله عليه وسلم_: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن) قالها بالتكرار ثلاثا للتاكيد، أي: لايؤمن إيمانا كاملا، أوْ هو في حق المستحيل (قيل: ومن رسول الله؟ قال: الذى لا يأمن جاره بوائقه)، جمع بائقة، وهي الغافلة، أيْ: لا يأمن جاره غوائله وشرَّه، ولا شيء أقبح ولا أفظع من هتك العرض،

ويقال مثل ذلك في السارق من جاره، لأنه افتياتٌ على حقه وإيذاءٌ له." اهـ

 

رش البرد شرح الأدب المفرد (ص ٧٥)

"فقه الحدیث:

1 ـ فيه تحذير عظيم من أذى الجار بأي فعل أو قول .

٢ ـ من حق الجار على الجار أن لا يخونه في أهله وماله .

3 ـ للجار حق عظيم يجب حفظ جواره، ومراعاته بإيصال ضروب الإحسان إليه حسب الطاقة، ودفع الضرر عنه

4 ـ وفيه أن بعض الزنا أكبر إثما وأقبح وأفحش من البعض الآخر." اهـ



[1] لُقِّبَ بذلك لأنه جَمَعَ حَدِيْثَ أم سلمة. وانظر " تهذيب الكمال " 1 / 298 بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف التعليق (رقم: 2).

[2] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 126) لابن الأثير: "السُّلَفِي (بِضَم السِّين وَفتح اللَّام وَفِي آخرهَا فَاء): هَذِه النِّسْبَة إِلَى سلف، وَهُوَ بطن من الكلاع، والكلاع من حمير، واشتهر بِهَذِهِ النِّسْبَة جمَاعَة." اهـ

[3] أخرجه مسلم في "صحيحه" (3/ 1508) (رقم: 1897)، وأبو داود في "سننه" (3/ 8) (رقم: 2496)، والنسائي في "سننه" (6/ 50_51) (رقم: 3189_3191)

[4] أخرجه النسائي في "سننه" (6/ 51) (رقم: 3191)، وفي "السنن الكبرى" (4/ 310) (رقم: 4385)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 616) (رقم: 2406)، وفي صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 601) (رقم: 3141)

[5] انظر: الكبائر للذهبي (ص: 17).

[6] أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (9/ 181) (رقم: 9479)، وهو ضعيف منكر كما قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (11/ 434) (رقم: 5274)، وضعيف الترغيب والترهيب (2/ 158) (رقم: 1521)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين