الحديث التاسع والتسعون من تهجة قلوب الأبرار

 

الحديث التاسع والتسعون:

فضل التمسّك بالسنن في آخِرَ الزَّمَانِ

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يِأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ[1]." رَوَاهُ الترمذي

 

شرح الحديث

 

وقال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (11/ 3393):

"أيْ: كما لا يقدر القابض على الجمر أن لا يصبر لاحتراق يده، كذلك المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي، وانتشار الفتن وضعف الإيمان.

 

وقال جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ) في "قوت المغتذي على جامع الترمذي" (2/ 762):

"فيضاعف ثواب العامل منهم على عمله لقلة من يعمل ذلك العمل، ولا يلزم من ذلك أفضليته على من تقدَّم، بل يكُون ذلك العمل الخاص الذي عمله هذا المتأخر مضاعف الثواب لقلة الأعوان عليه." اهـ

 

وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3365) للقاري:

"قَالَ الْجَعْبَرِيُّ: أَيْ: هَذَا الزَّمَانُ زَمَانُ الصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُنْكِرَ الْمَعْرُوفُ وَعُرِفَ الْمُنْكَرُ وَفَسَدَتِ النِّيَّاتُ، وَظَهَرَتِ الْخِيَانَاتُ، وَأُوذِيَ الْمُحِقُّ، وَأُكْرِمَ الْمُبْطِلُ، فَمَنْ يَسْمَعُ لَك بِالْحَالَةِ الَّتِي لُزُومُهَا فِي الشِّدَّةِ كَالْقَابِضِ عَلَى جَمْرِ النَّارِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: " «ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلٍّ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ خَاصَّةُ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ» "، انْتَهَى.

 

وقال محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهرى (المتوفى: 1367هـ) _رحم الله_ في "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية ومعه النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية" (ص: 177):

"وقد أصبحنا في زمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، فانظر إلى حصول الفساد في جميع الأقطار الإسلامية، من فشو الربا، والزنى، والقمار بأنواعه بترخيص من الحكومات المحلية، وإباحة ذلك رسمياً والكذب، واللواط، والسرقات وقطع الأشجار، وحرق الزروع، وإفساد ما بين المرأة وزوجها، وما بين الوالد وولده، وما بين الأخ وأخيه، وما بين الصاحب وصاحبه، والغيبة، والنميمة، وتبرج النساء، وخلع عذار الحياء. ووجودهن في حمامات البحر مختلطين بالرجال الأجانب الفجرة الفسقة، والاجتماع بدور الملاهي، والسينما، والنوادي، وغير ذلك مما يوجب غضب الله تعالى وسخطه،

فنسأل الله السلامة، وتغيير الحال إلى أصلح، وإرجاع العباد إلى مجد سلفهم، وما كانوا عليه من الحمية، والشهامة، والتقوى، والمهابة، وغير ذلك من صفات المؤمنين الذين قال الله تعالى في حقهم ما قال في غير آية.

ولا تكون الأمة خير الأمم إلا إذا كانت متصفة بهذه الأصول الثلاثة: الإيمان بالله تعالى قلباً وقالباً، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وإذا فقدت هذه الأصول، أو بعضها؛ لا تكون كذلك. ولا تحفظ، ولا تدوم إلا بإقامة هذه الأصول الثلاثة،

ولذلك اشترط على هذه الأمة أن يكون من غرضها في الدفاع عن نفسها، وحفظ وجودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأنها لولا ذلك لا تكون مستحقةً للبقاء في الأرض، وأكد الأمر بهذه الفريضة في آيات سورة آل عمران بما لا يعرف له نظير في كتاب من الكتب السابقة، ولم تقم به أمة من الأمم على هذا الوجه.

إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يحتاجان إلى تحمل مكاره، وصبر على أذى في سبيلهما،

فمن قام بذلك فلا يسخط، ولا يمل، ولا يغضب، بل يواصل ذلك بصدر رحب، وأخلاق حميدة، ولسان طلق، وقلب مفعم بالإيمان، والصدق، والإخلاص، ويلين للناس جانبه؛ حتى يتمكن من إزالة المنكر بطرق مفيدة، وسبل سهلة، ويكون أسلوبه ذا فنون وأنواع؛ ليقنع صاحب المنكر، ويستولي على قلبه ولُبِّه، ويستعمل له الأدلة الوافية كل بحسبه، وينزل الناس منازلهم." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 526) (رقم: 2260)، وفي "العلل الكبير" = ترتيب علل الترمذي الكبير (ص: 329) (رقم: 611)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (6/ 113_114) (رقم: 1229)، وابن بطة العُكْبَرِيُّ في الإبانة الكبرى (1/ 196) (رقم: 31)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (71/ 317)، وفي "معجمه" (1/ 575) (رقم: 710)، أبو سعد ابنُ السمعانِيِّ في "المنتخب من "معجم الشيوخ" (ص: 124)، والقاضي أبي علِيٍّ الصَّدَفِيُّ في "معجم الأصحاب" (ص: 109)، وابن النديم العقيلي في "بغية الطلب فى تاريخ حلب" (4/ 1832)، والمزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (21/ 386)، ابن الخطيب في "الإحاطة في أخبار غرناطة" (2/ 145).

 

والحديث صحيح: صححه الألباني _رحمه الله_ سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 645) (رقم: 957).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال المؤلف الشيخ المفسر عبد الرحمن بن ناصر التميمي السعدي _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" – ط. الوزارة (ص: 200):

"وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا.

أما الخبر، فإنه _صلى الله عليه وسلم_ أخبر:

* أنه في آخر الزمان يَقِلُّ الْخَيْرُ وأسبابُه، ويكثُرُ الشرُّ وأسبابُهُ،

* وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقلَّ القليل،

 

وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة:

* فتن الشبهات والشكوك والإلحاد،

* وفتن الشهوات وانصرافِ الخلق إلى الدنيا وانهماكِهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعفِ الإيمان، وشدة التفردِ لقلة المعين والمساعد.

 

ولكن المتمسكَ بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضلِ الخلق، وأرفعِهم عند الله درجة، وأعظمِهِمْ عنده قَدْرًا.

 

وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته:

* أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة،

* وأن يعرفوا أنه لا بد منها،

* وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجاتِ، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.___

 

وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره _صلى الله عليه وسلم_، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه،

* إيمان ضعيف،

* وقلوب متفرقة،

* وحكومات متشتتة،

* وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين،

* وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين،

* وإلحادٌ وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان،

* ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق.

* ثم إقبالُ الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغُ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون،

* ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا،

* وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله، وبكل ما ينسب إليه،

* وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد.

 

فمع هذه الشرور المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، والمزعجات الملمة، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث.

 

ولكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات.

 

فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال:

* "لا حول ولا قوة إلا بالله" و"حسبنا___الله ونعم الوكيل.

* "على الله توكلنا."

* اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى."

* "وأنت المستعان."

"وبك المستغاث."

* "ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"

 

ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير.

 

وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا...} [الطلاق: 2]،

 

{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] –

 

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } [الطلاق: 4]

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 184)

السَّاعَة تقوم فِي الْأَغْلَب وَالْأَكْثَر على شرار النَّاس

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (4/ 143)

ولقد وقع المتمسّك بدينه في هذا العصر العصيب على حال الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك، فما أكثر من يسمّى بمحمد وأحمد، وينتسب إلى الإسلام، وليس من أهله، بل هو من أهل النفاق والشقاق، أو من ضعفاء الإيمان، ديدنهم دين المجرمين الأولين، يلمزون ويغمزون الملتزمين بالسنّة، ويرونهم متخلّفين، وجامدين، وأصبحت شعائر السنّة بينهم غريبة، فالسنيّ عندهم لئيم، والبدعيّ والخرافيّ بينهم كريم، وأصبح المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، فأيّ غربة أشدّ من هذه الغربة؟ ، وأيّ مصيبة يصاب بها أهل الإسلام أكثر من هذا؟ ، الخير فيهم مهجور، والسنّيّ بينهم مدحور، ولسان الحقّ عندهم كليل، والداعي إلى السنة ذليل، يختفي فيهم الموحّد، ويتطاول بينهم الملحد، فطوبى لمن تمسّك بالإسلام الحقّ في مثل هذا المجتمع، وهجر الخرافات والبدع.

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (11/ 333)

عون المعبود وحاشية ابن القيم (11/ 333)

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَعْمَالَ تَشْرُفُ بِثَمَرَاتِهَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَرِيبَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ كالغريب في أوله وبالعكس لقوله عليه السلام بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي يُرِيدُ الْمُنْفَرِدِينَ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ الْإِنْفَاقُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مَدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ أَيْ مُدَّ الْحِنْطَةِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ أَثْمَرَتْ فِي فَتْحِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَا لَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ بِالنُّفُوسِ لَا يَصِلُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ إِلَى فَضْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِقِلَّةِ عَدَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِلَّةِ أَنْصَارِهِمْ فَكَانَ جِهَادُهُمْ أَفْضَلَ وَلِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ مَعَ النُّصْرَةِ وَرَجَاءِ الْحَيَاةِ لَيْسَ كَبَذْلِهَا مَعَ عَدَمِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر جَعَلَهُ أَفْضَلَ الْجِهَادِ لِيَأْسِهِ مِنْ حَيَاتِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بَيْنَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ لِعَدَمِ الْمُعِينِ وَكَثْرَةِ الْمُنْكَرِ فِيهِمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكُونُ القابض كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ لَا يَسْتَطِيعُ دَوَامَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُ فِي حِفْظِ دِينِهِ وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُعِينِ وَعَدَمِ الْمُنْكَرِ فَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ الْحَدِيثُ انْتَهَى، كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ." اهـ

 

وقال ابن عبد البر _رحمه الله_ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (20/ 252):

عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ."

قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَمَا تِلْكَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَيْسَ هُوَ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ لِصَبْرِهِ عَلَى الذُّلِّ وَالْفَاقَةِ وَإِقَامَةِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (20/ 255)

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي مَعَ تَوَاتُرِ طُرُقِهَا وَحُسْنِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا،

وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الزَّمَنِ الْفَاسِدِ الَّذِي يُرْفَعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالدِّينُ مِنْ أَهْلِهِ وَيَكْثُرُ الْفِسْقُ وَالْهَرْجُ وَيُذَلُّ الْمُؤْمِنُ وَيُعَزُّ الْفَاجِرُ وَيَعُودُ الدِّينُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَيَكُونُ الْقَائِمُ فِيهِ بِدِينِهِ كَالْقَابِضِ على الجمر،

فيتسوي حنيئذ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِآخِرِهَا فِي فَضْلِ الْعَمَلِ إِلَّا أَهْلَ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ تَدَبَّرَ آثَارَ هَذَا الْبَابِ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ." اهـ

 

تأويل مختلف الحديث (ص: 181)

فَلَسْنَا نَشُكُّ فِي أَنَّ صَحَابَتَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، مِثْلُ الْفَضْلِ الَّذِي أُوتُوهُ.

 

فيض القدير (6/ 456)

الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسى بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع


بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 203)

[الخاتمة]

الخاتمة (1) تمت هذه الرسالة المشتملة على شرح تسع وَتِسْعِينَ حَدِيثًا، مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْجَوَامِعِ، فِي أَصْنَافِ الْعُلُومِ، وَالْمَوَاضِيعِ النَّافِعَةِ، وَالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، وَالْفِقْهِ وَالْآدَابِ، وَالْإِصْلَاحَاتِ الشَّامِلَةِ، وِالْفَوَائِدِ الْعَامَّةِ.

قال ذلك معلقها: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي. غفر الله له ولوالديه ووالديهم، وجميع المسلمين.

وفرغ منه في العاشر من شعبان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

وقد وقع الفراغ من نقلها بعون الله تعالى وتيسيره من خط المؤلف في 27 رمضان سنة 1371 هـ بقلم الفقير إلى ربه المنان، عبد الله بن سليمان آلعبد الله السلمان. غفر الله له ولوالديه ووالديهم وجميع المسلمين.

هذه جوهرة نفيسة، وروضة ممرعة، هي بغية الراغبين، ونزهة المستفيدين، وبهجة الناظرين، لما ظهرت به من مظهر أنيق، وتحلت به من زهور المعارف والتحقيق، ولما أودعته من فوائد جليلة، سهل اجتناؤها، وثمرات دانية طاب مذاقها، ومناهل عذبة، راق مشربها حيث اشتملت على بيان العقائد النافعة، والأصول الجامعة، والأحكام المتنوعة، والآداب السامية، وغيرها من المواضيع المهمة، والعلوم الجمة، التي تكسب الإنسان هدى ورشدا، وتزيده بصيرة ويقينا.

وحسبك منها أنها شرح لكلام هو أشرف الكلام، بعد كلام الله وأجمعه للخير وأنفعه، كلام أعلم الخلق، وأفصحهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وتبيين لمقاصده الشريفة، وكنوزه النفيسة، يقدمها الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن ناصر السعدي، جزاه الله عن الإسلام وأهله خيرا، ولا زالت شموس تحقيقه مشرقة، وبذور علومه نيرة.



[1] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 333) للمظهري الزيداني : "(الجَمْرُ): الحطب المحترق قبل أن تخبو ناره." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين