شرح الآيات والواردة في باب الصدق من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

وقال المصنف الإمام النووي :

"وَقالَ تَعَالَى: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب (35) ] ."

 

وتمام الآية :

 

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 35]

 

سبب نزول الآية:

 

وفي زاد المسير في علم التفسير (3/ 464) لابن الجوزي :

"قوله _تعالى_ : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) في سبب نزولها خمسة أقوال :

أحدها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم قُلْنَ: ما له ليس يُذْكَر إِلاَّ المؤمنون، ولا يذكر المؤمنات بشيء؟! فنزلت هذه الآية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.

والثاني: أن أُمَّ سَلَمَة قالت: يا رسول الله يُذْكَرُ الرجال ولا نُذْكَر! فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى: لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ «1» ، قاله مجاهد.

والثالث: أن أُمَّ عُمَارة الأنصارية قالت: قلت: يا رسول الله بأبي وأُمِّي ما بالُ الرجال يُذْكَرون، ولا تُذْكرَ النساء؟! فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة. وذكر مقاتل بن سليمان أن أُمُّ سَلَمة وأُمُّ عُمَارة قالتا ذلك، فنزلت الآية في قولهما «2» .

والرابع: أن الله تعالى لمَّا ذكر أزواج رسوله دخل النساءُ المُسْلمات عليهنَّ فقُلْنَ: ذُكِرْتُنَّ ولم نُذْكَر، ولو كان فينا خيرٌ ذُكِرنا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.

والخامس: أن أسماء بنت عُمَيس لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء___

رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالت: يا رسول الله إِن النساء لفي خَيْبة وخسار، قال: «ومم ذاك» ؟ قالت: لأنهنَّ لا يُذْكَرْنَ بخير كما يُذْكَر الرجال، فنزلت هذه الآية، ذكره مقاتل بن حيَّان." اهـ كلام ابن الجوزي _رحمه الله_

 

تفسير إجمالي للآية

 

وفي "جامع البيان" – ت. شاكر (20/ 268) للطبري :

"يقول _تعالى ذكره_:

* إن المتذللين لله بالطاعة والمتذللات،

* والمصدقين والمصدقات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما أتاهم به من عند الله،

* والقانتين والقانتات لله، والمطيعين لله والمطيعات له فيما أمرهم ونهاهم،

* والصادقين لله فيما عاهدوه عليه والصادقات فيه،

* والصابرين لله في البأساء والضراء على الثبات على دينه وحين البأس والصابرات،

* والخاشعة قلوبهم لله وجلا منه ومن عقابه____والخاشعات،

* والمتصدقين والمتصدقات وهم المؤدون حقوق الله من أموالهم والمؤديات،

* والصائمين شهر رمضان الذي فرض الله صومه عليهم والصائمات ذلك،

* والحافظين فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم والحافظات ذلك إلا على أزواجهن إن كن حرائر أو من ملكهن إن كن إماء،

* والذاكرين الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم والذاكرات،

كذلك أعد الله لهم مغفرة لذنوبهم، وأجرًا عظيمًا: يعني ثوابًا في الآخرة على ذلك من أعمالهم عظيمًا، وذلك الجنة." اهـ

 

وفي "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 665) للسعدي :

"{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} أي : لهؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة، والمناقب الجليلة، التي هي، ما بين اعتقادات، وأعمال قلوب، وأعمال جوارح، وأقوال لسان، ونفع متعد وقاصر، وما بين أفعال الخير، وترك الشر، الذي من قام بهن، فقد قام بالدين كله، ظاهره وباطنه، بالإسلام والإيمان والإحسان.

فجازاهم على عملهم "بِالْمَغْفِرَةِ" لذنوبهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات. {وَأَجْرًا عَظِيمًا} لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم." اهـ

 

وقال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي، المعروف بـ"ابن عاشور" المالكي (المتوفى : 1393 هـ) _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (22/ 21):

"وَالصِّدْقُ كُلُّهُ حَسَنٌ، وَالْكَذِبُ لَا خَيْرَ فِيهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.

وَشَمَلَ ذَلِكَ الْوَفَاءَ بِمَا يُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ كَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِالنذرِ، وَتقدم عِنْد قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177]." اهـ

 

قال أبو فائزة _حفظه الله_:

أشار إلى قول الله _تعالى_:

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]

 

وقال محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر التونسي، المعروف بـ"ابن عاشور" المالكي (المتوفى : 1393 هـ) _رحمه الله_ في "التحرير والتنوير" (22/ 22_24):

"وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْعَشْرُ عَلَى جَوَامِعِ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا.___

فَالْإِسْلَامُ: يَجْمَعُ قَوَاعِدَ الدِّينِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ الَّتِي هِيَ أَعْمَالٌ، وَالْإِيمَانُ يَجْمَعُ الِاعْتِقَادَاتِ الْقَلْبِيَّةَ الْمَفْرُوضَةَ وَهُوَ شَرْطُ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا،

قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَد: 17] .

وَالْقُنُوتُ: يَجْمَعُ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا مَفْرُوضَهَا وَمَسْنُونَهَا، وَتَرْكَ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْإِقْلَاعَ عَنْهَا مِمَّنْ هُوَ مُرْتَكِبُهَا، وَهُوَ مَعْنَى التَّوْبَةِ، فَالْقُنُوتُ هُوَ تَمَامُ الطَّاعَةِ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِلتَّقْوَى. فَهَذِهِ جَوَامِعُ شَرَائِعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ.

وَالصِّدْقُ: يَجْمَعُ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مِنْ مُوَافَقَةِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِلْوَاقِعِ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالْعُقُودِ وَالِالْتِزَامَاتِ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ بِالْوَفَاءِ بِهَا وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ، وَمُطَابَقَةِ الظَّاهِرِ لِلْبَاطِنِ فِي الْمَرَاتِبِ كُلِّهَا. وَمِنَ الصِّدْقِ صِدْقُ الْأَفْعَالِ.

وَالصَّبْرُ: جَامِعٌ لِمَا يَخْتَصُّ بِتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ مِنَ الْأَعْمَالِ كَالْجِهَادِ وَالْحِسْبَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمُنَاصَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحَمُّلِ الْأَذَى فِي اللَّهِ، وَهُوَ خُلُقٌ عَظِيمٌ هُوَ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ مَحَامِدِ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَالْإِنْصَافِ مِنَ النَّفْسِ.

وَالْخُشُوعُ[1]: الْإِخْلَاصُ بِالْقَلْبِ وَالظَّاهِرِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَتَجَنُّبُ الْمعاصِي، وَيدخل فِيهِ الْإِحْسَانِ وَهُوَ الْمُفَسَّرُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

وَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ جَمِيعُ الْقُرَبِ النَّوَافِل فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِ الْخُشُوعِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّوْبَةُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ الْمَرْءُ مِنَ الْكَبَائِرِ إِذْ لَا يَتَحَقَّقُ الْخُشُوعُ بِدُونِهَا.

وَالتَّصَدُّقُ : يَحْتَوِي جَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ والْعَطِيَّاتِ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَالْإِرْفَاقِ.

وَالصَّوْمُ: عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلِذَلِكَ خُصِّصَتْ بِالذِّكْرِ مِعَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُ مَشْمُولٌ لِلْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]،

وَيَفِي صَوْمَ النَّافِلَةِ، فَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الصَّوْمِ تَنْوِيهٌ بِهِ.

وَفِي الحَدِيث «قَالَ الله تَعَالَى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» [خ م].

وَحِفْظُ الْفُرُوجِ: أُرِيدَ بِهِ حِفْظُهَا عَمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِحِفْظِهَا عَنْهُ، وَقَدِ انْدَرَجَ فِي هَذَا جَمِيعُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا وَمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لَهَا.

وَذِكْرُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْتَ لَهُ مُحَمَلَانِ :___

* أَحَدُهُمَا: ذِكْرُهُ اللِّسَانِيُّ، فَيَدْخُلُ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَطَلَبُ الْعِلْمِ ودراسته.

قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»،

فَفِي قَوْلِهِ: «وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ» إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جَنْسِ عَمَلِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]

وَقَالَ فِيمَا أخبر عَنهُ رَسُولُهُ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

«وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» [خ م]

وَشَمَلَ مَا يُذْكَرُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ.

* وَالْمَحْمَلُ الثَّانِي: الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ،

وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ،

وَهُوَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 135]،

فَدَخَلَ فِيهِ التَّوْبَةُ وَدَخَلَ فِيهَا الِارْتِدَاعُ عَنِ الْمَظَالِمِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْحِرَابَةِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ.

وَمِمَّا يُوضح شُمُوله لهَذِهِ الشَّرَائِع كُلِّهَا: تَقْيِيدُهُ بِـ"كَثِيراً"، لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فَقَدِ اسْتَغْرَقَ ذِكْرُهُ عَلَى الْمَحْمَلَينِ جَمِيعَ مَا يُذْكَرُ اللَّهُ عِنْدَهُ.

وَيُرَاعَى فِي الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً عَلَى مَا حَدَّدَهُ الشَّرْعُ فِي تَفَاصِيلِهَا." اهـ

 

وقال جابر بن موسى أبو بكر الجزائري _رحمه الله_ في "أيسر التفاسير" (4/ 270)

من هداية الآيات[2] :

1- بشرى المسلمين والمسلمات بمغفرة ذنوبهم ودخول الجنة إن اتصفوا بتلك الصفات المذكورة في هذه الآية وهي عشر صفات أولها الإسلام وآخرها ذكر الله تعالى.

2- فضل الصفات المذكورة إذ كانت سبباً في دخول الجنة بعد مغفرة الذنوب.

3- تقرير مبدأ التساوي بين الرجال والنساء في العمل والجزاء في العمل الذي كلف الله تعالى به النساء والرجال معاً، وأما ما خص به الرجال أو النساء فهو على خصوصيته للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن والله يقول الحق ويهدي السبيل." اهـ

 

 

 

 

ثم قال الإمام النووي مصنف رياض الصالحين :

"وَقالَ تَعَالَى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد (21) ] ."

 

وتمام الآية:

 

{فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)} [محمد: 20، 21]

 

تفسير الآية :

 

وقال أبوْ الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "زاد المسير في علم التفسير" (4/ 120)

"((فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ)) أي: في إِيمانهم وجهادِهم، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ من المعصية والكراهة." اهـ

 

وقال نصر بن محمد، الشهير بـ"أبي الليث السمرقندي" (المتوفى: 373 هـ) _رحمه الله_ في "بحر العلوم" (3/ 303):

"يعني: لو صدقوا الله في النبي، وما جاء به، لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ من الشرك والنفاق." اهـ

 

وقال السعدي _رحمه الله_ في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 788):

"{فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ} أي: جاءهم الأمر جد، وأمر محتم، ففي هذه الحال لو صدقوا الله بالاستعانة به، وبذل الجهد في امتثاله {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} من حالهم الأولى، وذلك من وجوه:

منها: أن العبد ناقص من كل وجه، لا قدرة له إلا إن أعانه الله، فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده.

ومنها: أنه إذا تعلقت نفسه بالمستقبل، ضعف عن العمل، بوظيفة وقته، وبوظيفة المستقبل، أما الحال، فلأن الهمة انتقلت عنه إلى غيره، والعمل تبع للهمة، وأما المستقبل، فإنه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه.

ومنها: أن العبد المؤمل للآمال المستقبلة، مع كسله عن عمل الوقت الحاضر، شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته، على ما يستقبل من أموره، فأحرى به أن يخذل ولا يقوم بما هم به ووطن نفسه عليه،

فالذي ينبغي أن يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر، ويؤدي وظيفته بحسب قدرته، ثم كلما جاء وقت استقبله بنشاطٍ وهمةٍ عالية مجتمعةٍ غير متفرقة، مستعينا بربه في ذلك، فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع أموره." اهـ



[1] قال ابن فارس _رحمه الله_ في "مقاييس اللغة" (2/ 182):

"(خَشَعَ) الْخَاءُ وَالشِّينُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى التَّطَامُنِ. يُقَالُ خَشَعَ، إِذَا تَطَامَنَ وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، يَخْشَعُ خُشُوعًا. وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ، إِلَّا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْإِقْرَارَ بِالِاسْتِخْذَاءِ،

وَالْخُشُوعَ فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [القلم: 43] . قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الْخَاشِعُ الْمُسْتَكِينُ وَالرَّاكِعُ." اهـ

[2] يعني : من فوائد الآيات وأحكامها.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين