الحديث الثامن والتسعون من بهجة قلوب الأبرار

 

الحديث الثامن والتسعون: قلّة أهل الكمال والفضل.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ[1]. لَا تكاد تجد فيها راحلة" متفق عليه

 

ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي –رضي الله عنهما-

 

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن قُرْط بن رِياح[2] بن رَزاح[3] بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر (قريش) بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ : القرشى العدوى[4]،

 

كنيته : أبو عبد الرحمن المكى ثم المدنى،

 

إسلامه وفضائله:

 

أسلم قديما مع أبيه و هو صغير لم يبلغ الحلم ، و هاجر معه ، و قدمه فى ثقله ، و استصغر يوم أحد ، و شهد الخندق و ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 209)

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ آدَمَ، جَسِيْماً، إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ السَّاقَيْنِ، يَطُوْفُ.

وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَقُ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 210)

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الفَتْحَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً.

 

و هو شقيق حفصة أم المؤمنين ، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. اهـ .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً نَافِعاً عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَنْ : أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَبِلاَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ عَمِّهِ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، وَأَسْلَمَ، وَحَفْصَةَ أُخْتِهِ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِم.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 208)

عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَارَزَ رَجُلاً فِي قِتَالِ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ

 

صحيح البخاري (9/ 40) (رقم : 7029) : عن حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَقَالَ نَافِعٌ: «فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ»

 

وفي رواية :

صحيح البخاري (9/ 41) (رقم : 7031) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ»

 

و قال عبد الله بن مسعود : أن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر .

 

و قال جابر بن عبد الله : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به و مال بها ، إلا عبد الله بن عمر .

 

و قال سعيد بن المسيب : مات ابن عمر يوم مات ، و ما فى الأرض أحد أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منه .

 

و قال الزهرى : لا نعدل برأى ابن عمر ، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة، فلم يخف عليه شىء من أمره ، و لا من أمر أصحابه .

 

و قال مالك : بلغ ابن عمر ستا و ثمانين سنة ، وافى فى الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 211)

وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ العَلاَءِ المَازِنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ، قَالَ:

قَالَتْ عَائِشَةُ لابْنِ عُمَرَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي؟

قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ لَنْ تُخَالِفِيْهِ - يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ -.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ فِي الفَضْلِ مِثْلُ أَبِيْهِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 213)

عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:

لَوْ نَظرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ

 

و قال نافع ، عن ابن عمر : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر

و أنا ابن ثلاث عشرة ، فردنى ، و عرضت عليه يوم أحد ، و أنا ابن أربع عشرة

فردنى ، و عرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة فأجازنى .

 

و قال الزبير بن بكار: "هاجر و هو ابن عشر سنين ، و شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة، ومات سنة ثلاث و سبعين."

 

و قال الواقدى ، و كاتبه محمد بن سعد ، و خليفة بن خياط ، و غير واحد : مات سنة أربع و سبعين .

 

قال أبو سليمان بن زبر: "وهذا أثبت، أن ابن عمر مات فى هذه السنة ، وأن أبا نعيم قد أخطأ فى ذكره فى سنة ثلاث و سبعين ، فإن رافع بن خديج مات سنة أربع ، وابن عمر حى وحضر جنازته."

 

و قال رجاء بن حيوة : أتانا نعى ابن عمر ، و نحن فى مجلس ابن محيريز ، فقال:

ابن محيريز : والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أمانا لأهل الأرض .

 

و مناقبة و فضائلة كثيرة جدا .

 

روى له الجماعة . اهـ .

ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ

 قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 330 :

و قال ابن يونس : شهد فتح مصر .

 

و قال أبو نعيم الحافظ : أعطى ابن عمر القوة فى الجهاد ، و العبادة ، و البضاع ، و المعرفة بالآخرة ، و الإيثار لها ، و كان من التمسك بآثار النبى صلى الله عليه و آله وسلم بالسبيل المتين ، و ما مات حتى أعتق ألف إنسان أو أزيد ،

 

و توفى بعد الحج .

 

و ذكر الزبير : أن عبد الملك لما أرسل إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق عليه

ذلك فأمر رجلا معه حربة يقال إنها كانت مسمومة ، فلما دفع الناس من عرفة لصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه ، فمرض منها أياما ثم مات رضى الله عنه . اهـ .

 

ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ

قال الحافظ فى "تقريب التهذيب" ص / 315 :

و هو أحد المكثرين من الصحابة و العبادلة ، و كان من أشد الناس اتباعا للأثر . اهـ .

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: البخاري في "صحيحه" (رقم: 6498)، ومسلم في "صحيحه" (رقم: 2547) بعد (232)، و (الترمذيّ) في "الأمثال" (2872)، و (ابن ماجه) في

"الفتن" (3990)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 7 و 44 و 70 و 88 و 109 و 121 و122 و 139)، و (ابن المبارك) في "الزهد" (186)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (1/ 259)، و (الحميديّ) في "مسنده" (663)، و (الطحاويّ) في "مشكل الآثار" (2/ 200 و 201)، و (عبد بن حميد) في "مسنده" (1/ 238)، و (الطبرانيّ) في "الكبير" (13240 و 14105)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (5797 و 6139)، و(أبو الشيخ) في "الأمثال" (133 و 134)، و (القضاعيّ) في "مسند الشهاب" (197)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (9/ 19)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (4195)، والله تعالى أعلم.

 

شرح الحديث:

فتح الباري لابن حجر (11/ 335)

"فَالْمَعْنَى: (لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ رَاحِلَةً) تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ،

وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ، بِأَنْ يُعَاوِنَ رَفِيقَهُ وَيُلِينَ جَانِبَهُ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 335)

وَالثَّانِي أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة،

وَمِنْه: قَوْله _تَعَالَى_: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) } [الأعراف: 187]،

قُلْتُ: وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ أَخْذًا بالتأويل الأول..." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 335)

وَنقل عَن بن قُتَيْبَةَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ هِيَ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِK،فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ فِي النَّسَبِ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا رَاحِلَةَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ،

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، قَالَ:

"وَقَول بن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا الْكَامِلَ فِيهِ الرَّاغِبَ فِي الْآخِرَةِ قَلِيلٌ كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ."

وَقَالَ النَّوَوِيُّ:

"هَذَا أَجْوَدُ، وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا، قَوْلُ آخَرِينَ: إِنَّ الْمَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلَ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ."

قُلْتُ هُوَ الثَّانِي إِلَّا أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِالزَّاهِدِ وَالْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ،

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

"الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ وَالْحُمَالَاتِ عَنْهُمْ وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ عَزِيزُ الْوُجُودِ كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 335):

"وَقَالَ بن بَطَّالٍ:

"مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْمَأَ الْبُخَارِيُّ بِإِدْخَالِهِ فِي بَابِ رَفْعِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ، فَالِاخْتِيَارُ عَدَمُ مُعَاشَرَتِهِ،

وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ فِي الْحَدِيثِ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم حَيْثُ يصيرون يخونون وَلَا يُؤْتَمَنُونَ،

وَنَقَلَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا عَنْ مُغْلَطَايْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ كَلَامُهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْزُهُ، فَقَالَ: لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّخْصِيصِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَفَّارِ، وَالله اعْلَم." اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 199_200):

"هذا الحديث مشتمل على خبر صادق، وإرشاد نافع.

أما الخبر، فإنه _صلى الله عليه وسلم_ أخبر أن النص شامل لأكثر الناس، وأن الكامل - أو مقاربَ الكمالِ - فيهم قليل، كالإبل المائة، تستكثرها،

 

فإذا أردت منها راحلة تصلح للحمل والركوب، والذهاب والإياب، لم تكد تجدها، وهكذا الناس كثير، فإذا أردت أن تنتخب منهم من يصلح للتعليم أو الفتوى أو الإمامة، أو الوِلايات الكبار أو الصغار، أو الوظائفِ المهمة، لم تكد تجد من يقوم بتلك الوظيفة قياما صالحا،

 

وهذا هو الواقع، فإن الإنسان ظلوم جهول، والظلم والجهل سبب للنقائص، وهي مانعة من الكمال والتكميل.

 

قال الله _تعالى_: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب: 72]

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 673)

يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن الله عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه [ص:674] تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، [ولم تؤديها] فعليك العقاب.

{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (3/ 488)

قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ظَلوماً لنفسه، غِرّاً بأمر ربِّه، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني: ظَلوماً لنفسه، جَهولاً بعاقبة أمره، قاله مجاهد. والثالث: ظَلوماً بمعصية ربِّه، جَهولاً بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب.

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 489)

"أَلَا إِنَّ الْأَمَانَةَ هِيَ الْفَرَائِضُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الطَّاعَةُ.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ اؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْأَمَانَةُ: الدِّينُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: الْأَمَانَةُ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالِاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ.

وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا، بَلْ هِيَ مُتَّفِقَةٌ وَرَاجِعَةٌ إِلَى أَنَّهَا التَّكْلِيفُ، وَقَبُولُ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي بِشَرْطِهَا، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ قَامَ بِذَلِكَ أُثِيبَ، وَإِنْ تَرَكَهَا عُوقِبَ، فَقَبِلَهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ، إِلَّا مَنْ وَفَّقَ اللَّهُ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ." اهـ

 

وأما الإرشاد، فإن مضمون هذا الخبر إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه ينبغي لمجموع الأمة أن يسعوا، ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات، والأمور الكلية العامة النفع.

 

وقد أرشد الله إلى هذا المعنى في قوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122]

 

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

 

فأمر بالجهاد، وأن يقوم به طائفة كافية، وأن يتصدى للعلم طائفة أخرى، ليعين هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، وأمره تعالى بالولايات والتولية أمر بها، وبما لا تتم إلا به من الشروط والمكملات.

 

فالوظائف الدينية والدنيوية، والأعمال الكلية، لا بد للناس منها ولا___تتم مصلحتهم إلا بها، وهي لا تتم إلا بأن يتولاها الأكفاء والأمناء،

 

وذلك يستدعي السعي في تحصيل هذه الأوصاف بحسب الاستطاعة. قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] والله أعلم.



[1] وفي فتح الباري لابن حجر (11/ 335)

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ إِبِلٌ يَقُولُونَ لِفُلَانٍ إِبِلٌ أَيْ مِائَةُ بَعِيرٍ وَلِفُلَانٍ إِبِلَانِ أَيْ مِائَتَانِ قُلْتُ فَعَلَى هَذَا فَالرِّوَايَةُ الَّتِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ يَكُونُ قَوْلُهُ مِائَةٌ تَفْسِيرًا لِقولِهِ إِبِلٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَإِبِلٍ أَيْ كَمِائَةِ بَعِيرٍ وَلَمَّا كَانَ مُجَرَّدُ لَفْظِ إِبِلٍ لَيْسَ مَشْهُور الِاسْتِعْمَال فِي الْمِائَة ذكر الْمِائَة توضحيا ورفعا لِلْإِلْبَاسِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْإِبِلُ اسْمُ مِائَةِ بَعِيرٍ فَقَوْلُهُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الْمُرَادُ بِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَالْمِائَةِ الْمِائَةِ انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى تَسْلِيمِ قَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ مَا قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ عَشَرَةُ آلَافٍ بَلِ الْمِائَةُ الثَّانِيَةُ لِلتَّأْكِيدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ لافضل فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى مَشْرُوفٍ وَلَا لِرَفِيعٍ عَلَى وَضِيعٍ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا رَاحِلَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُرَحَّلُ لِتُرْكَبَ وَالرَّاحِلَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ كُلُّهَا حَمُولَةٌ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ وَلَا تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا

[2] وفي العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (5/ 330) لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسى المكي (المتوفى: 832 هـ) : براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت." اهـ

[3] وفي المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 992) : وأمَّا رَزَاح , بفتح الراء , هو جد عُمَر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رياح عَبد الله بن قرط بن رَزَاح بن عَدِيّ بن كَعْب.

[4] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 38) (رقم : 127) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ :

«عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ»

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين