شرح الحديث 98-100 من الأدب المفرد

98 - وَعَنْ عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

"أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ، فَوَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَزَعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

* وَعَنْ عَبْدَةَ (ثقة ثبت: ت 187 هـ )

عبدة بن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* عَنْ هِشَامٍ (ثقة فقيه: 145 أو 146 هـ)

هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشى الأسدي، أبو المنذر، وقيل أبو عبد الله المدنى

الطبقة :  5  : من صغار التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

* عَنْ أَبِيهِ (ثقة: 94 هـ على الصحيح):

عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشى الأسدى ، أبو عبد الله المدنى، الطبقة :  3  : من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ عَائِشَةَ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا_ (ت: 57 هـ):

عائشة بنت أبى بكر : الصديق التيمية ، أم المؤمنين ، أم عبد الله، روى له :  خ م د ت س ق

 

شرح الحديث:

 

والحديث سبق بنا في الحديث (رقم: 90)

 

 

 

وهذا استفهام كما فسَّرتْه رواية أحمد في "مسنده":

«لَا أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ نَزَعَ مِنْكَ الرَّحْمَةَ»

 

وعن أَبي هريرة _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَبَّلَ النَّبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ _رضي الله عنهما_، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِس،

فَقَالَ الأقْرَعُ: "إن لِي عَشرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أحَداً."

فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_، فَقَالَ:

«مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ!» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

ووقع نحو ذلك لعيينة بن حِصْن بن حُذيفة الفزاريّ، أخرجه أبو يعلى في

"مسنده" بسند رجاله ثقات، إلى أبي هريرة _رضي الله عنه_.

 

ففي "مسند أبي يعلى الموصلي" (10/ 385) (رقم: 5983): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

"دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَرَآهُ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ،

فَقَالَ: "أَتُقَبِّلُهُمَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ عُيَيْنَةُ: وَإِنَّ لِي عَشَرَةً فَمَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ»

 

وقال أبوْ الْفَرَجِ عبد الرحمن بن علي الدمشقي، المعروف بـ"ابن الجوزيِّ" (المتوفى: 597 هـ) _رحمه الله_ في "تلقيح فهوم أهل الأثر" (ص: 502): "هَذَا الرجل قيل إِنَّه الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي وَقيل عُيَيْنَة بن حصن." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 46 و 48) (رقم: 90 و 98)، وفي "صحيحه" (8/ 7) (رقم: 5998)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 1808) (رقم: 2317)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1209) (رقم: 3665)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (6/ 56 و 6/ 70) (رقم: 24291 و 24408)، وهناد بن السري في "الزهد" (2/ 620)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 849) (رقم: 901)، وابن أبي داود في "مسند عائشة" (ص: 53 و 54 و 72) (رقم: 13 و 15 و 50)، وابن حبان في "صحيحه" (12/ 407) (رقم: 5595)، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" (ص: 100 و 101) (رقم: 26 و 28)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 162) (رقم: 13577)، وفي "شعب الإيمان" (13/ 377) (رقم: 10502)، "الآداب" (ص: 11) (رقم: 14)، وفي "الأربعين الصغرى" (ص: 133) (رقم: 74)، والبغوي في "شرح السنة" (13/ 34) (رقم: 3447).

 

من فوائد الحديث:

 

تطريز رياض الصالحين - (1 / 174)

في هذا الحديث: الشفقة على الأولاد، وتقبيلهم ورحمتهم.

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (3 / 11)

ما نزعه الله تعالى لا يقدر أحد على وضعه.

 

شرح رياض الصالحين - (2 / 554):

"وفي هذا: دليلٌ على تقبيل الصبيان شفقة عليهم ورقة لهم ورحمة بهم.

وفيه: دليلٌ على أن الله تعالى قد أنزل في قلب الإنسان الرحمة، وإذا أنزل الله في قلب الإنسان الرجمة فإنه يرحم غيره، وإذا رحم غيره رحمه الله عزّ وجلّ_." اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار - (1 / 269)

وكذلك رحمة الأطفال الصغار والرقة عليهم ، وإدخال السرور عليهم من الرحمة ، وأما عدم المبالاة بهم ، وعدم الرقة عليهم ، فمن الجفاء والغلظة والقسوة."

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 282)

وقوله فى حديث الأقرع بن حابس أنه ذكر له أنه لا يقبل ولده: " إنه من لا يرحم لا يرحم " كلام عام، ليس هو راجع لخصوص رحمة الولد، إنما هو على عموم الرحمة

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 283)

المشروعة، كما قال فى الحديث الآخر: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله "، وكما قال:" إنما يرحم الله من عباده الرحماء "[خ م]

"ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء" [ت][1].

ومن الرحمة واجبة؛ وهى كف الأذى عن المسلمين، وإغاثة الملهوف، وفك العانى، وإحياء المضطر، واستنقاذ الغريق، والواقع فى هلكته وتسميته.

ومن ذلك: سد خلة الضعفاء والفقراء من الواجبات، فهذا كله من لم يرد حق الله فيه عافية الله ومنعه رحمته إذا أنفذ عليه وعيده، إن شاء عفا عنه وسمح له بفضل رحمته وسعتها." اهـ

 

وقال حمزة بن محمد بن قاسِمٍ الْمَغْرِبِيُّ (المتوفى 1431 هـ) _رحمه الله_ في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (5/ 244):

"فقه الحديث: دل هذا الحديث على مشروعية معانقة الأطفال وتقبيلهم، وكونه سنة مستحبّة." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 474)

"وقال القرطبيّ -رحمه الله-:

"...وحكمة هذه الرحمة تسخير القويّ للضعيف، والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه، وتتمّ مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير،

وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة، هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادَّخرها الله تعالى ليوم القيامة؛ فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها، وشدائدها حتى يخصَّهم منها، ويدخلهم في جنته، وكرامته." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 477_480):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من شدّة الرأفة، والشفقة، والرحمة للصغير والكبير،

وهذا من فضل الله تعالى عليه، كما قال تعالى:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159]،

فكان ذلك مصداقَ قوله _عز وجل_: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].

2 - (ومنها): بيان ما عليه الأعراب من بقايا الجفاء، وغلظ الطبع، وقسوة القلب الذي كانوا عليه قبل الإسلام، كما أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله:

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)} [التوبة: 97].

3 - (ومنها): أن من لا يرحم الناس لا يرحمهم الله تعالى. ومن يرحمهم، يرحمه جزاء وفاقًا، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن: 60].

4 - (ومنها): ما قال القرطبيّ رحمه الله: وفي هذه الأحاديث ما يدلّ على

جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة، والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على

جهة الأَنفَة، وهذه القُبلة هي على الفم.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "على الفم" مما لا دليل عليه، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: ويُكره مثل ذلك في الكبار؛ إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر___الأول، ولا يدلّ على شفقة،

فأما تقبيل الرأس، فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم، وأما تقبيل اليد، فكرهه مالك، ورآه من باب الكِبْر. وإذا كان ذلك مكروهًا في اليد كان أحرى وأَولى في الرِّجْل،

وقد أجاز تقبيل اليد والرِّجل بعض الناس، مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجليه حين سألوه عن مسائل، فأخبرهم بها، ولا حجة في ذلك؛ لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد نزهه الله عن الكِبْر، وأُمِنَ ذلك عليه، وليس كذلك غيره؛ ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه، واعتقادهم صدقه، فأقرَّهم على ذلك ليبيِّن للحاضرين _بإذلالهم أنفسهم له_ ما عندهم من معرفتهم بصدقه، وأن كفرهم بذلك عناد وجحد، ولو فَهِمت الصحابة _رضي الله عنهم_ جواز تقبيل يده، ورِجله، لكانوا أوَّل سابق إلى ذلك،

فيفعلون ذلك به دائمًا، وفي كل وقت، كما كانوا يتبركون ببزاقه، ونخامته،

ويدْلُكُوْنَ بذلك وجوههم، ويتطيّبون بعرقه، ويقتتلون على وَضُوئه، ولم يُرْوَ قطُّ

عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قبّل له يدًا ولا رجلًا؛ فصحَّ ما قلناه، والله

وليّ التوفيق. انتهى كلام القرطبيّ ["المفهم" 6/ 110].

قال الجامع _عفا الله عنه_:

هذا الذي قاله القرطبيّ من نفيه ثبوت تقبيل اليد والرِّجل ليس كما زعم، بل هو ثابت عنه _صلى الله عليه وسلم_، من وجوه كثيرة.

قال ابن بطّال رحمه الله: اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك، وأنكر ما روي فيه، وأجازه آخرون، واحتجوا بما رُوي عن ابن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فَرّوا قالوا: نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العَكّارون، أنا فئة المؤمنين، قال: فقبّلنا يده،

قال: وقبّل أبو لبابة، وكعب بن مالك، وصاحباه يد النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ حين تاب الله عليهم، ذكره الأبهريّ،

وقبّل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبّل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه.

قال الأبهريّ: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم،

وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدِينه، أو لِعلمه، أو لِشرفه، فإن ذلك

جائز،

قال ابن بطال: وذكر الترمذيّ من حديث صفوان بن عسال: "أن___يهوديين أتيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فسألاه عن تسع آيات. . . الحديث، وفي آخره: فقبّلا يده ورجله"، قال الترمذيّ: حسن صحيح.

قال الحافظ _رحمه الله_:

"حديث ابن عمر أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد"، وأبو داود،

وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقيّ في "الدلائل"، وابن المقرئ،

وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقرئ،

وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في "جامعه"،

وحديث ابن عباس أخرجه الطبريّ، وابن المقرئ،

وحديث صفوان أخرجه أيضًا النسائيّ، وابن ماجه، وصححه الحاكم."

قال: "وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقرئ جزءًا في تقبيل اليد، سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرةً وآثارًا.

فمن جَيِّدها حديث الزارع العبديّ، وكان في وفد عبد القيس: "قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبّل يد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ورِجله"، أخرجه أبو داود [حديث حسن، رواه أبو داود][2]،

ومن حديث مزيدة العَصَريّ مثله، ومن حديث أسامة بن شريك: "قال: قمنا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقبّلنا يده"، وسنده قويّ،

ومن حديث جابر: أن عمر قام إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقبّل يده، ومن حديث بُريدة في قصة الأعرابيّ والشجرة: "فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أقبّل رأسك، ورجليك، فأذن له".

وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" من رواية عبد الرحمن بن رزين:

قال: "أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفًّا له ضخمة؛ كأنها كف بعير، فقمنا إليها،

فقبّلناها."

وعن ثابت: أنه قبّل يد أنس،

وأخرج أيضًا أن عليًّا قبّل يد العباس، ورِجله،

وأخرجه ابن المقرئ، وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعيّ قال: قلت لابن أبي أوفى:

"ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فناوَلنيها،

فقبّلتها." ["الفتح" 11/ 57]

قال الجامع _عفا الله عنه_:

قد ثبت بما ذُكر مشروعيّة تقبيل اليد والرِّجل؛ فإن هذه الأحاديث منها ما هو صحيح حجة بنفسه، ومنها ما هو ضعيف شاهد للصحيح،

وإنما كرهه من كرهه كمالك إذا كالن للتكبّر والتعظيم، كما سبق عن___الأبهريّ، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد،

وقد كنت كتبت فيه رسالة جمعت فيها ما ورد في التقبيل ونحوه، أسأل الله تعالى أن يرزقني إتمامها، والله تعالى أعلم." اهـ

99 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ:

أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا، فَقَالَ الْعَامِلُ:

"إِنَّ لِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ."

فَزَعَمَ عُمَرُ، أَوْ قَالَ عُمَرُ:

"إِنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ لَا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ، إِلَّا أَبَرَّهُمْ."

 

[قال الشيخ الألباني: حسن]

 

 

رواة الحديث:

 

* حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ (ثقة ثبت تغير فى آخر عمره: 223 هـ أو 224 هـ):

محمد بن الفضل السدوسي، أبو النعمان البصري، المعروف بـ"عارم"، من صغار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ثقة ثبت فقيه: ت 179 هـ):

حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجَهْضَمِي، أبو إسماعيل البصري الأزرق (مولى آل جرير بن حازم، وكان جده درهم من سَبْيِ سجستان)، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* عَنْ عَاصِمٍ (ثقة: ت 142 هـ):

عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري (مولى بني تميم، ويقال: مولى عثمان بن عفان، ويقال مولى ابن زياد)، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

* عَنْ أَبِي عُثْمَانَ (ثقة ثبت عابد: ت 95 هـ):

عبد الرحمن بْنُ مُلِّ بْنِ عمرو بْنِ عَدِيِّ بْنِ وَهْبِ بْنِ رَبيعة بن سعدٍ، أبو عثمان النهدي الكوفي، من كبار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

* أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (23 هـ بـ المدينة):

عمر بنُ الخطابِ بْنِ نُفيل بْنِ عبد العُزَّى بْنِ رِيَاح بن عبد الله بن قُرْطِ بْنِ رَزَاح بن عدِيٍّ القرشي العدي، أبو حفص (أمير المؤمنين) _رضي الله عنه_، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا، فَقَالَ الْعَامِلُ:

"إِنَّ لِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ."

فَزَعَمَ عُمَرُ، أَوْ قَالَ عُمَرُ:

"إِنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ لَا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ، إِلَّا أَبَرَّهُمْ."

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 48) (رقم: 99)، وعبد الرزاق الصنعاني في "المصنف" (رقم: 20590)

والحديث حسن: حسن إسناده الألباني _رحمه الله_ في "صحيح الأدب المفرد" (ص: 64) (رقم: 72)

 

من فوائد الحديث:

 

رش البرد (ص 72_73):

فقه الحديث:

"يفهم من كلام عمر _رضي الله عنه_: أن أوفى الناس بحقوق العباد وحقوق الله أقربهم من رحمة الله، وكلام عمر هذا مستفاد من كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم حول جزاء البر والاحسان الى الآخرين." اهـ

 

عون الأحد الصمد (1/ 122):

"هذان النصان من جملة النصوص التي فيها الترغيب في الاتصاف بصفة الرحمة والتحذير من التخلي والتخلص من الرحمة، ألا وإن من آثار الرحمة تقبيل الأطفال، سواء أطفال الإنسان لنفسه أو لقرابتـه أو لإخوانه المؤمنين والمؤمنات،

فعطفه عـلى الصغير ورحمته لـه وتقبيله إياه رحمـة، وقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقبل الأطفال ويحملهم على ظهره حتى في الصلاة كما في قصـة زينـب بـنـت أبي العاص،

فالمقصود أن مـن جملة ما يتصف به الإنسان من الرحمة رحمة الضعيف والأطفال من الضعفاء والنساء من الضعفاء والبنات الصغار من الضعفاء،

فإذا وجد الإنسان من نفسـه الرحمة على هؤلاء فقد أنعم الله عز وجل عليه بهذا الخلق العظيم، وهذا العمل الذي حث عليه النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأقواله وأفعاله." اهـ

 

54- باب الرحمة مائة جزء

 

100 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ (ثقة ثبت: ت 222 هـ):

الحكم بن نافع البهراني، أبو اليمان الحمصي، مولى امرأة من بهراء يقال لها أم سلمة كانت عند عمر بن رؤبة التغلبي، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له :  خ م د ت س ق

 

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ (ثقة عابد: 162 هـ):

شعيب بن أبى حمزة : دينار ، القرشى الأموى مولاهم ، أبو بشر الحمصي، من كبار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

رتبته عند ابن حجر :  ثقة عابد ، قال ابن معين : من أثبت الناس فى الزهرى

 

 

عَنِ الزُّهْرِيِّ (الفقيه الحافظ متفق على جلالته و إتقانه : 125 هـ):

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرَةَ القرشي الزهري ، أبو بكر المدني، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ (ثقة: ت94 هـ):

سعيد بن المسيب بن حُزْنِ بن أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشى المخزومى، أبو محمد المدني (سيد التابعين)، من كبار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ (ت 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي اليماني  (حافظ الصحابة) _رضي الله عنه_، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ،

وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»

 

تخريج الحديث:

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 48) (رقم: 100)، صحيح البخاري (8/ 8 و 8/ 99) (رقم: 6000 و 6469)، صحيح مسلم (4/ 2108) (رقم: 2752)، و (الترمذيّ) في "الدعوات" (3541)، و (ابن ماجة) في "الزهد" (4293)، و (ابن المبارك) في "الزهد" (1/ 367)، و (الدارميّ) في "سننه" (2/ 321)، و ابن حبّان) في "صحيحه" (6147 و 6148)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (1/ 97) وفي "مسند الشاميين" (4/ 166)، و (اللالكائي) في "اعتقاد أهل السُّنَّة" (6/ 1197)، و (البيهقيّ) في "شعب الإيمان" (7/ 457)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (4179 و 4180) و"التفسير" (2/ 87)، والله تعالى أعلم.

 

شرح الحديث:

 

وفي رواية: «إنّ للهِ مئَةَ رَحمَةٍ، أنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجنِّ وَالإنس وَالبهائِمِ وَالهَوامّ، فبها يَتَعاطَفُونَ، وبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأخَّرَ اللهُ تِسْعاً وَتِسْعينَ رَحْمَةً يرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَة» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

ورواه مسلم أيضاً مِنْ رواية سَلْمَانَ الفارِسيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ

رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ للهِ تَعَالَى مِئَة رَحْمَةٍ فَمِنْهَا رَحْمَةٌ يَتَرَاحمُ بِهَا الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْعٌ وَتِسعُونَ لِيَومِ القِيَامَةِ» .

وفي رواية: «إنَّ الله خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ مَئَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّماءِ إِلَى الأرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا في الأرضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض، فَإذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أكملَهَا بِهذِهِ الرَّحمَةِ» .

 

أسباب ورود الحديث :

 

اللمع في أسباب ورود الحديث - (ص / 72)

سبب : أخرج أحمد عن جندب بن عبد الله البجلي قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ، ثم عقلها ، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ثم ركبها ، ثم نادى : اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا تشرك في رحمتنا أحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتقولون هذا أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا ما قال " ؟ قالوا : بلى. قال : " حظرت ، رحمة الله واسعة إن الله خلق مائة رحمة فأنزل الله رحمة واحدة يتعاطف بها الخلائق ، جنها وإنسها وبهائمها ، وعنده تسع وتسعون ، أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ ".

 

فوائد الحديث :

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 624_626):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان سعة رحمة الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.

2 - (ومنها): بيان عدد أقسام الرحمة، وأنه مائة جزء، والحقّ أنه لا يَعلم

حكمة التجزئة إلى هذا العدد إلَّا من أخبر بذلك، فالسلامة الإيمان به والتسليم.

3 - (ومنها): أن الرحمة المنقسمة إلى هذا العدد هي الرحمة الفعليّة

التابعة لمشيئته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فإنها مخلوقة قابلة للتقسيم، وأما الرحمة التي هي من

صفات ذاته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فإنها صفة قائمة به، لا تتجزّأ.

قال الشيخ البرّاك - حفظه الله تعالى -: دلّت النصوص من الكتاب والسُّنَة

على أنَّ الرحمة المضافة إلى الله تعالى رحمتان:

إحداهما: هي صفته، وصفاته تعالى غير مخلوقة، وإضافتها إليه تعالى

من إضافة الصفة إلى الموصوف، كما قال تعالى عن نبيّ الله سليمان - عَلَيْهِ السَّلَامْ -: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]،

وقال تعالى:

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، وقال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فهذان الاسمان

متضمّنان صفة الرحمة، فاسمه الرَّحمن يدلّ على الرحمة الذاتيّة التي لَمْ يزل،

ولا يزال موصوفًا بها، واسمه الرحيم يدلّ على الرحمة الفعليّة التابعة

لمشيئته - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، كما قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} [الإسراء: 54]، وقال تعالى:

{وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت: 21].

وأهل السُّنَّة والجماعة يُثبتون الرحمة لله تعالى صفة قائمة به، والمعطّلة،

ومن تبعهم ينفون حقيقة الرحمة عن الله تعالي، ومنهم الأشاعرة، ويؤوّلونها

بالإرادة، أو النعمة.

والرحمة الأخرى مما يضاف إليه تعالى: هي رحمة مخلوقة،

وإضافتها إليه هي إضافة مخلوق إلى خالقه، ومن شواهدها قول الله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} [الروم: 50]، وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)} [آل عمران: 107]، وقوله - للجنّة - كما في الحديث القدسيّ: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء".

والرحمة المذكورة في حديث الباب هي الرحمة المخلوقة، وهي التي جعلها الله – عَزَّ وَجَلَّ - في مائة جزء،

والرحمة المخلوقة في الدنيا والآخرة هي أثر الرحمة التي هي صفته، ومقتضاها. انتهى كلام البرّاك [راجع: هامش "الفتح" 13/ 544 - 545.]، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًا، والله تعالى أعلم.___

4 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهَ -: هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء،

والبشارة للمسلمين، قال العلماء: لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في

هذه الدار المبنية على الأكدار الإسلام، والقرآن، والصلاة، والرحمة في قلبه،

وغير ذلك مما أنعم الله تعالى به، فكيف الظن بمائة رحمة في الدار الآخرة،

وهي دار القرار، ودار الجزاء، والله أعلم (1).

5 - (ومنها): ما قاله ابن أبي جمرة - رَحِمَهُ اللهُ -: في الحديث إدخال السرور

على المؤمنين؛ لأنَّ العادة أن النفس يكمل فرحها بما وُهب لها إذا كان معلومًا

مما يكون موعودًا. انتهى (2).

6 - (ومنها): وفيه الحثّ على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله

تعالى المدّخرة للمؤمن في الآخرة، وسيأتي في حديث أبي هريرة الآتي في

الباب: "ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنّته أحد"، والله

تعالى أعلم." اهـ

 

     تطريز رياض الصالحين - (1 / 286)

الرحمة رحمتان: رحمة من صفات الذات، ورحمة من صفات الفعل.[3]

قال القرطبي: مقتضي هذا الحديث، أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مئة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم، وحصلت به مرافقتهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي، فبلغت مئة.

وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أنّ النفس يكمل فرحها بما وهب لها، إذا كان معلومًا مما يكون موعودًا.

وفيه: الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رَحَمَات الله تعالى المدخرة.

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 432)

قال ابن أبي جمرة: خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده، ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل. ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها.

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 432)

وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضا، وصرح بذلك المهلب فقال: الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم.

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 432_433)

وقال القرطبي: مقتضى هذا الحديث أن الله علم إن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي فبلغت مائة وكلها للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فإن رحيما____من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها، ويفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها إذا كمل كل ما كان في علم الله من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 433)

وقال ابن أبي جمرة: ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسع وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا، فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها. ويؤيده قوله: "غلبت رحمتي غضبي" .

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 433)

وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى، فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة، وأعلاهم منزلة من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة

 

     فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 433)

وقال ابن أبي جمرة: في الحديث إدخال السرور على المؤمنين، لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها إذا كان معلوما مما يكون موعودا. وفيه الحث على الإيمان، واتساع الرجاء في رحمات الله تعالى المدخرة. قلت: وقد وقع في آخر حديث سعيد المقبري في الرقاق "فلو يعلم الكافر بكل ما عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة" وأفرده مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى.

 

     شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (9 / 213)

قال المهلب : هذه الرحمة هى رحمته التى خلقها لعباده وجعلها فى نفوسهم ، والتى أمسك عند نفسه هى مايتراحمون به يوم القيامة ويتغافرون من التباعات التى كانت بينهم فى الدنيا

 

     شرح النووي على مسلم - (17 / 68_69)

هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين قال العلماء لأنه اذا حصل للانسان من رحمة واحدة فى هذه الدار المبنية على الأكدار الاسلام والقرآن والصلاة والرحمة فى قلبه وغير ذلك مما أنعم الله تعالى به فكيف الظن بمائة__رحمة فى الدار الآخرة وهى دار القرار ودار الجزاء والله أعلم

 

     تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي - (ص / 85) :

قَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِيَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَكْرَمَهُمْ بِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَشْكُرُوهُ وَيَعْمَلُوا عَمَلًا صَالِحًا لِأَنَّ مَنْ يَرْجُو رَحْمَتَهُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ وَيَجْتَهِدُ لِكَيْ يَنَالَ مِنْ رَحْمَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} [الكهف: 110] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}

 

 



[1] أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 285) (رقم: 4941)، الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 323) (رقم: 1924)، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 549) (رقم: 2256)

[2] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 357) (رقم: 5225)، وحسنه الألباني دون ذكر الرجلين في "تخريج المشكاة" (رقم: 4688) - التحقيق الثاني.

[3] قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (23 / 67)

أَي: الرَّحْمَة الَّتِي جعلهَا فِي عباده، وَهِي مخلوقة، وَأما الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ صفة من صِفَاته فَهِيَ قَائِمَة بِذَاتِهِ عز وَجل

قال ابن حجر في فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 432)

قلت: وحاصل كلامه أن الرحمة رحمتان، رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل وهي المشار إليها هنا.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين