شرح الحديث 73-74 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 140_141)

73 - (7) [حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"سبعٌ يَجْري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: من عَلَّم عِلْماً، أو كَرى (2) نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".

رواه البزار، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال:

"هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرد به أبو نعيم عن العرزمي.

 

ورواه البيهقي ثم قال:

"محمد بن عُبيد الله العرزمي ضعيف، غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه وهما -يعني هذا الحديث، والحديث الذي ذكره قبله (3) - لا يخالفان الحديث الصحيح، فقد قال فيه:

"إلاّ من صدقة جارية"، وهو يجمع ما جاء به من الزيادة (4) " انتهى.___

 

(قال الحافظ) عبد العظيم : "وقد رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في "صحيحه" بنحوه من حديث أبي هريرة، ويأتي إن شاء الله تعالى". [يعني قريباً في هذا الفصل].

__________

(2) أي: حفره وأخرج طينه. جاء في "المصباح": "وكَرَيْتُ النهر كرياً، من باب (رمى): حفرتُ فيه حفرة جديدة"، ولبعضه شاهد كما قال المصنف.

(3) يشير إلى حديث أبي هريرة بمعناه، وهو الآتي في الباب برقم (11)، والحديث الصحيح بعده.[1]

(4) الأصل: (ما وردا به من الزيادة والنقصان)! والتصويب من "شعب الإيمان" (3/ 248).

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (13/ 483) (رقم : 7289)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 122) (رقم : 3175)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (2/ 343_344)، وأبو بكر ابْنُ أبي داود في "المصاحف" (ص: 463)

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 674) (رقم: 3602)

 

من فوائد الحديث:

 

وقال الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر _حفظه الله_ في "الموقع الرسمي" له[2] بعنوان "سَبْعٌ يَجْرِيْ لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِيْ قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ":

"إنَّ من عظيم نعمة الله على عباده المؤمنين: أن هيَّأ لهم أبواباً من البر والخير والإحسان عدِيْدَةً يقوم بها العبد الموفَّقُ في هذه الحياة، ويجري ثوابها عليه بعد الممات،

فأهل القبور في قبورهم مُرْتَهَنُوْنَ، وعن الأعمال مُنْقطعون، وعلى ما قدَّموا في حياتهم محاسبون ومجزيون، بينما هذا الموفَّق في قبره الحسنات عليه متوالية ، والأجور والأفضال عليه متتالية،

ينتقل من دار العمل، ولا ينقطع عنه الثواب، تزداد درجاتُه وتَتَنَامَى حسناتُه وتتضاعَفُ أجورُه، وهو في قبره؛ فما أكرمها من حال، وما أجمله وأطيبه من مآل.

وقد ذكر النبي _صلى الله عليه وسلم_ أموراً سبعةً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعدما يموت؛

فعن أنس _رضي الله عنه_ قال:

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: ((سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّم عِلْماً، أو أجرى نهراً، أو حَفَر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته))

وتأمل أخي المسلم مليًّا هذه الأعمال، واحرص على أن يكون لك منها حظٌّ ونصيب ما دمت في دار الإمهال، وبادِرْ إليها أشدَّ المبادرةِ قبل أن تنقضي الأعمارُ وتتصرَّم الآجالُ،

وإليك بعْضَ البيانِ والإيضاح لهذه الأعمالِ:

أولاً: تعليم العلم.

والمراد بـ"العلم" هنا: العلم النافع الذي يبصِّر الناس بدينهم، ويعرِّفهم بربهم ومعبودهم، ويهديهم إلى صراطه المستقيم، العلم الذي به يُعرف الْهُدَى من الضلال والحقُّ من الباطل، والحلالُ من الحرام،

وهنا يتبين عِظَمُ فضلِ العلماءِ الناصحين والدعاةِ المخلصين؛ الذين هم في الحقيقة سراج العباد، ومنار البلاد، وقِوام الأمة، وينابيع الحكمة،

حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة؛ فهم يعلِّمون الجاهل، ويذكِّرون الغافل، ويرشدون الضال، لا يُتَوقَّعُ لهم بائقة ولا يُخاف منهم غائلةٌ،

وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه بين الناس موروثةً، ومؤلفاتُه وأقوالُه بينهم متداولةً،

منها يفيدون، وعنها يأخذون، وهو في قبره تتوالى عليه الأجور، ويتتابع عليه الثواب، وقديماً كانوا يقولون: "يموت العالم ويبقى كتابه."

بينما الآن صوت العالم يبقى مسجَّلاً في الأشرطة المشتملة على دروسه العلمية ومحاضراته النافعة وخطبه القيِّمة؛

فينتفع بها أجيال لم يعاصروه، ولم يُكتب لهم لُقِيُّه. ومن يساهم في طباعة الكتب النافعة ونشر المؤلفات المفيدة وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية، فله حظٌّ وافر من ذلك الأجر، إن شاء الله.

ثانياً : إجراء النهر؛

والمراد: شق جداول الماء من العيون والأنهار، لكي تصل المياهُ إلى أماكن الناس ومزارِعِهِمْ؛ فيرتوي الناس، وتُسقى الزروعُ، وتَشْرَبُ الماشيةُ،

وكم في مثل هذا العملِ الجليل، والتصرفِ النبيل من الإحسان للناس والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء الذي به تكون الحياةُ، بل هو أهم مقوِّماتها،

ويلتحق بهذا: مدُّ الماءِ عِبَرِ الْأَنَابِيْبِ إلى أماكِنِ الناسِ، وكذلك وضع برادات الماء في طرقهم، ومواطن حاجاتهم.

ثالثاً: حفر الآبار؛

وهو نظير ما سبق، وقد جاء في السنة عن أبي هريرة _رضي الله عنه_:

أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: 

((بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ،

فَقَالَ الرَّجُلُ: "لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي."

فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ.

قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّه، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟"

فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)) [رواه البخاري (2466)، ومسلم (2244)].

فكيف إذاً بمن حفر البئر وتسبَّب في وجودها حتى ارتوى منها خلقٌ وانتفع بها كثيرون .

رابعاً: غرسُ النخل؛

ومن المعلوم: أن النخل سيِّدُ الأشجار وأفضلُها وأنفعُها وأكثرُها عائدةً على الناس، فمن غرس نخلاً، وسبَّل ثمره للمسلمين، فإن أجره يستمر، كلَّما طعِم من ثمره طاعم، وكلما انتفع بنخله منتفِعٌ من إنسانٍ أو حيوانٍ،

وهكذا الشأنُ في غَرْسِ كلِّ ما ينفع الناسُ من الأشجار، وإنما خُصَّ النخل هنا بالذكر لفضله وتميُّزِهِ.

خامساً : بناء المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله، والتي أذِنَ اللهُ _جل وعلا_ أن تُرفع، ويُذكَر فيها اسمه،

وإذا بُني المسجد، أقيمت فيه الصلاة، وتُلي فيه القرآن، وذُكر فيه الله، ونُشِرَ فيه العِلْمُ، واجتمع فيه المسلمون، إلى غير ذلك من المصالحِ العظيمةِ، ولِبانيه أجرٌ في ذلك كله؛

عن عثمان ابن عفان _رضي الله عنه_ قال:

سمعتُ النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ )) [رواه البخاري (450) ، ومسلم (533)].

سادساً: توريث المصحف؛

وذلك يكون بطباعة المصاحف، أو شرائها ووقْفِها في المساجد ودور العلم حتى يستفيد منها المسلمون،

ولواقفها أجرٌ عظيم، كلما تلا في ذلك المصحف تالٍ، وكلما تدبر فيه متدبر، وكلما عمل بما فيه عامل .

سابعاً: تربية الأبناء وحسن تأديبهم والحرص على تنشئتهم على التقوى والصلاح حتى يكونوا أبناءً بررة وأولاداً صالحين؛ فيدعون لأبويهم بالخير ويسألون الله لهم الرحمة والمغفرة ؛ فإنَّ هذا مما ينتفع به الميت في قبره.

وقد ورد في الباب في معنى الحديث المتقدم ما جاء عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: 

((إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)) 

[رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن ابن ماجه) (198)][3].

وعن أبي أمامة الباهلي _رضي الله عنه_:

عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: 

((أَرْبَعَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ: مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أُجْرِيَ لَهُ أَجْرُهُ مَا عُمِلَ بِهِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَجْرُهَا يَجْرِي لَهُ مَا جَرَتْ، وَرَجُلٌ تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَهُوَ يَدْعُو لَهُ)) [رواه أحمد (5/ 260 - 261) والطبراني (7831) وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (877)][4].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 

((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) [رواه مسلم (1631)]

وقد فسَّر جماعة من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف؛ وهي أن يحبَّس الأصل وتسبَّل منفعته. وجُلُّ الخصال المتقدِّمة داخلة في الصدقة الجارية .

وقوله في الحديث ((أو بيتاً لابن السبيل بناه))، 

فيه: فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواءً ابن السبيل أو طلاب العلم أو الأيتام أو الأرامل أو الفقراء والمساكين، وكم في هذا من الخير والإحسان.

وقد تحصَّل بما تقدم جملة من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها بعد الممات،

وقد نظمها السيوطي رحمه الله في أبيات فقال :

إذا مَاتَ ابنُ آدم لَيْسَ يجرِي

        عَليه مِن فِعَــــالٍ غيرُ عَشْرِ

علوم بثَّها ، ودعــاءُ نَجْلٍ

        وغَرْسُ النَّخلِ ، والصدقاتُ تجري

وَوِراثةُ مُصحفٍ ، ورِباطُ ثَغْرٍ

        وحَفْرُ البئرِ ، أو إجراءُ نَهـــرِ

وبيتٌ للغريبِ بَنــاهُ يأوي

        إليه ، أو بِناءُ مَــــحلِّ ذِكْرِ

وقوله ((ورباط ثغر))، 

شاهده حديث أبي أمامة المتقدم، وحديث سلمان الفارسي _رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله _صلى اله عليه وسلم_ يقول: 

((رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ )) [رواه مسلم (1913) ] 

أي: ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر.

ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير، وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان، وأن يهدينا سواء السبيل." اهـ كلام الشيخ عبد الرزاق البدر _حفظه الله_.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 141)

74 - (8) [حسن] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها؛ إلا ذكرَ الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً" (1).

رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي: "حديث حسن".

__________

(1) المراد بالدنيا: كل ما يشغل عن الله تعالى ويبعد عنه، ولعنه: بعده عن نظره. والاستثناء في قوله: "إلا ذكر الله" منقطع، ويحتمل أن يراد بها العالَمُ السفلي كله، وكل ما له نصيب في القبول عنده تعالى قد استثني بقوله: "إلا ذكر الله" إلخ، فالاستثناء متصل.

و (الموالاة): المحبة. أي: إلا ذكر الله، وما أحبه الله تعالى مما يجري في الدنيا. أو بمعنى المتابعة،

فالمعنى ما يجري على موافقة أمره تعالى أو نهيه.

ويحتمل أن يراد: وما يوافق ذكر الله، أي: يجانسه ويقاربه، فطاعته تعالى، واتباع أمره، واجتناب نهيه؛ كلها داخلة فيما يوافق ذكر الله. والله أعلم.

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (4/ 561) (رقم: 2322)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1377) (رقم: 4112)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (ص: 62) (رقم: 126)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 326)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/ 228) (رقم: 1580)، وأبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (2/ 231) (رقم: 3111)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 135) (رقم: 135)، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 229) (رقم: 4028)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2/ 311) (رقم: 1330)

 

والحديث حسن: حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 703) (رقم: 2797)

 

وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 703)

2797

 

شرح غرائب الكلمات :

تحفة الأحوذي (6/ 504)

قَوْلُهُ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ أَيْ مَبْغُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهَا مُبْعَدَةً عَنِ اللَّهِ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا أَيْ مِمَّا يُشْغِلُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ

وَمَا وَالَاهُ أَيْ أَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَفْعَالِ الْقُرْبِ أَوْ مَعْنَاهُ مَا وَالَى ذِكْرَ اللَّهِ أَيْ قَارَبَهُ مِنْ ذِكْرِ خَيْرٍ أَوْ تَابَعَهُ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُوجِبُ ذَلِكَ

قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْمُوَالَاةُ الْمَحَبَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ

وَقَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا يَعْنِي مَلْعُونٌ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِي الدُّنْيَا وَمَا سِوَاهُ مَلْعُونٌ

وَقَالَ الْأَشْرَفُ : هُوَ مِنَ الْمُوَالَاةِ، وَهِيَ : الْمُتَابَعَةُ،

وَيَجُوزُ : أَنْ يُرَادَ بِمَا يُوَالِي ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ،

(وَعَالَمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ)

قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ : "أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَيَكُونُ الْوَاوَانِ بِمَعْنَى (أَوْ)."

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 37)

وَرَأَى ابْنُ الشِّخِّيرِ ابْنَ أَخٍ لَهُ يَتَعَبَّدُ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، الْعِلْمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَقَالَ مُهَنًّا: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: حَدِّثْنَا مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ قَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ قُلْتُ: لِمَنْ، قَالَ: لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُصَحِّحُ النِّيَّةَ قَالَ يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَّابٍ قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَعْلَمُ النَّاسَ فِي زَمَانٍ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ قُلْتُ وَلِمَ؟ قَالَ: ظَهَرَتْ بِدَعٌ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَدِيثٌ وَقَعَ فِيهَا.

وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَمَلًا أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ لِمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَحَسُنَتْ نِيَّتُهُ وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُرَادُ اللَّهُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ.

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 322_323)

فيه: ذم ما أشغل من الدنيا عن ذكر الله وطاعته، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ] ، وأما ما أعان على طاعة الله من الدنيا فليس بمذموم، قال تعالى: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء___الزَّكَاةِ} [النور (37) ] ،

وفي حديث مرفوع : «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر» .

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 757)

الملعون من الدنيا، ما ألهى عن طاعة الله.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون (9) ] .

 

تحفة الأحوذي (6/ 505)

وَقَالَ [المناوي] :

"الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ لِأَنَّهَا غَرَّتِ النُّفُوسَ بِزَهْرَتِهَا وَلَذَّتِهَا فَأَمَالَتْهَا عَنِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى الْهَوَى وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِهِ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَيْ هِيَ وَمَا فِيهَا مُبْعَدٌ عَنِ اللَّهِ إِلَّا الْعِلْمُ النَّافِعُ الدَّالُّ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَاللَّعْنُ وَقَعَ عَلَى مَا غَرَّ مِنَ الدُّنْيَا لَا عَلَى نَعِيمِهَا وَلَذَّتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَاوَلَهُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ." انْتَهَى

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3285)

وإذا عرفت حقيقة الدنيا فدنياك ومالك، فيه لذة في العاجل. وهي مذمومة فليست وسائل العبادات من الدنيا كأكل الخبز مثلا للتقوى عليها. وإليها الإشارة بكون الدنيا مزرعة الآخرة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ما كان لله منها)).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى جعل الدنيا ثلاثة أجزاء: جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر، فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكفار يتمتع.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 199_200)

فَالدُّنْيَا وَكُلُّ مَا فِيهَا مَلْعُونَةٌ، أَيْ مَبْعَدَةٌ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّهَا تَشْغَلُ عَنْهُ، إِلَّا الْعِلْمَ النَّافِعَ الدَّالَّ عَلَى اللَّهِ، وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَطَلَبِ قُرْبِهِ وَرِضَاهُ، وَذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ مِمَّا يُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يَتَّقُوهُ وَيُطِيعُوهُ، وَلَازِمُ ذَلِكَ دَوَامُ ذِكْرِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، تَقْوَى اللَّهِ حَقَّ تَقْوَاهُ أَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى. وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ إِقَامَ الصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالطَّوَافُ. وَأَفْضَلُ أَهْلِ الْعِبَادَاتِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلَّهِ فِيهَا، فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ مِنَ الدُّنْيَا الْمَذْمُومَةِ___وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِيجَادِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3241)

فَالْحَدِيثُ إِذًا مِنْ بَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا هَذَا النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَنْطُوقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَبِالْمَفْهُومِ عَلَى رَذَائِلِهَا.

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

قَالَ الْغَزالِيّ من عرف نَفسه وَعرف ربه وَعرف الدُّنْيَا وَعرف الْآخِرَة شَاهد بِنور البصيرة وَجه عَدَاوَة الدُّنْيَا للآخرة وانكشف لَهُ أَن لَا سَعَادَة فِي الْآخِرَة إِلَّا لمن قدم على الله عَارِفًا بِهِ محباً وَأَن الْمحبَّة لَا تنَال إِلَّا بدوام الذّكر، والمعرفة لَا تنَال إِلَّا بدوام الْفِكر

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 14)

وَمن أحب مَا لَعنه الله فقد تعرض للعنه وغضبه قَالَ الْغَزالِيّ لَعَلَّ ثلث الْقُرْآن فِي ذمّ الدُّنْيَا

 

فيض القدير (2/ 327)

قال الحكيم : نبه بذكر الدنيا وما معها على أن كل شيء أريد به وجه الله فهو مستثنى من اللعنة وما عداه ملعون فالأرض صارت سببا لمعاصي العباد بما عليها فبعدت عن ربها بذلك إذ هي ملهية لعباده وكلما بعد عن ربه كان منزوع البركة

 

فيض القدير (3/ 549)

وفيه أن ذكر الله أفضل الأعمال ورأس كل عبادة،

والحديث من كنوز الحكم وجوامع الكلم لدلالته بالمنطوق على جميع الخلال الحميدة وبالمفهوم على رذائلها القبيحة

 

فيض القدير (3/ 550)

الدنيا مذمومة مبغوضة إليه تعالى إلا ما تعلق منها بدرء مفسدة أو جلب مصلحة فالمرأة الصالحة يندفع بها مفسدة الوقوع في الزنا والأمر بالمعروف جماع جلب المصالح والذكر جماع العبادة ومنشور الولاية ومفتاح السعادة والكل يبتغى به وجه الله تعالى

 

فيض القدير (4/ 370)

قال الإمام الرازي: قد دل على فضل العلماء والعلم وشرفه المعقول والمنقول فمن الشواهد العقلية أن كون العلم صفة كمال والجهل صفة نقص معلوم للعقلاء ضرورة ولذلك لو قيل للعالم يا جاهل تأذى به ولو قيل للجاهل يا عالم فرح وإن علم كذب القائل وقد وقر في طباع الحيوانات الانقياد للإنسان لكونه أعلم منهم وفي طباع الناس كل طائفة منقادة للأعلم منها وتعظمه والعالم يطير في أقطار الملكوت ويسبح في بحار المعقولات والجاهل في ظلمات الجهل وضيقه فإن قيل قد ذكر فضل العالم والعلم وشرفه فهل هذا الفضل للعلماء والعلم من حيث [ص:371] هو أو للبعض من العلوم دون بعض أو لكلها كيف كانت؟ قلنا أما العلم من حيث هو ففيه شرف وتزكية للنفس وهو خير من الجهل إلا ما كان علما شيطانيا يهدي إلى الشر ويوقع فيه كالسحر وما ليس كذلك فمنه مباح ومنه مندوب ومنه واجب

 

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 410)

قال القرطبي: لا يفهم من هذا الحديث سب الدنيا مطلقاً ولعنها، فقد جاء من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ، وإذا قال العبد: لعن الله الدنيا قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه»[5]

أخرجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله الهاشمي، والجمع بين ذلك بحمل الأحاديث الواردة في إباحة لعن الدنيا على ما يبعد منها عن الله تعالى ويشغل عنه، وحمل___الوارد بالمنع على ما قرّب إلى الله تعالى أو أعان على عبادته سبحانه، كما يومىء إليه الاستثناء في حديث الباب بقوله: إلا ذكر الله وما والاه الخ.......

 

شرح رياض الصالحين (3/ 368) للعثيمين :

ولو كانت الدنيا محبوبة إلى الله عز وجل ما حرم منها نبيه صلى الله عليه وسلم " فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالماً ومتعلماً" وما يكون في طاعة الله عز وجل.

 

السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (2/ 22) للعزيزي :

ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان مبعداً عن الله وشاغلاً عنها كما قال بعض السلف كل ما شغلك عن الله من مال وولد فهو عليك مشئوم وهو الذي نبه الله على ذمّه بقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادة الله فهو المحمود بكل لسان والمحبوب لكل إنسان فمثل هذا لا يسب بل يرغب فيه ويحب وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال (إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلماً)

 

مجموع الفتاوى (1/ 29)

وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا دُونَ اللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ؛ فَصَارَتْ الْمَخْلُوقَاتُ وَبَالًا عَلَيْهِ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ كَمَالٌ وَجَمَالٌ لِلْعَبْدِ؛ وَهَذَا مَعْنَى مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا؛ إلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ} . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ؛ وَغَيْرُه

 

مجموع الفتاوى (8/ 76)

فَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْعَبْدُ وَلَا يَكُونُ طَاعَةً لِلَّهِ وَعِبَادَةً وَعَمَلًا صَالِحًا فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَإِنْ نَالَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ رِئَاسَةً وَمَالًا فَغَايَةُ الْمُتَرَئِّسِ أَنْ يَكُونَ كَفِرْعَوْنَ وَغَايَةُ الْمُتَمَوِّلِ أَنْ يَكُونَ كقارون. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وَقَارُونَ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُعِينُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَا يَنْفَعُ فَمَا لَا يَكُونُ بِهِ لَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لَهُ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَقُولَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .

 

مجموع الفتاوى (10/ 213)

وَكُلَّمَا كَانَ فِي الْقَلْبِ حُبٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَتْ فِيهِ عُبُودِيَّةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكُلَّمَا كَانَ فِيهِ عُبُودِيَّةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ كَانَ فِيهِ حُبٌّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَحَبَّةٍ لَا تَكُونُ لِلَّهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَالدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ وَلَا يَكُونُ لِلَّهِ إلَّا مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ. فَكُلُّ عَمَلٍ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ وَكُلُّ عَمَلٍ لَا يُوَافِقُ شَرْعَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ بَلْ لَا يَكُونُ لِلَّهِ إلَّا مَا جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَأَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ.

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 40)

فذِكْره: جميع أنواع طاعته، فكل من كان فى طاعته فهو ذاكره، وإن لم يتحرك لسانه بالذكر، وكل من والاه الله فقد أحبه وقربه؛ فاللعنة لا تنال ذلك إلا بوجهه، وهى نائلة كل ما عداه.

 

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 85)

وَكُلُّ مَا بَاعَدَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنْهُ.

وَضِدُّ الْبَرَكَةِ اللَّعْنَةُ؛ فَأَرْضٌ لَعَنَهَا اللَّهُ أَوْ شَخْصٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَوْ عَمَلٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَكُلَّمَا اتَّصَلَ بِذَلِكَ وَارْتَبَطَ بِهِ وَكَانَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَلَا بَرَكَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ.

وَقَدْ لَعَنَ عَدُوَّهُ إِبْلِيسَ وَجَعَلَهُ أَبْعَدَ خَلْقِهِ مِنْهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ جِهَتَهُ فَلَهُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ وَاتِّصَالِهِ بِهِ، فَمِنْ هَاهُنَا كَانَ لِلْمَعَاصِي أَعْظَمُ تَأْثِيرٍ فِي مَحْقِ بَرَكَةِ الْعُمُرِ وَالرِّزْقِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَكُلُّ وَقْتٍ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، أَوْ مَالٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ بَدَنٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ فَهُوَ عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ وَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَجَاهِهِ وَعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ إِلَّا مَا أَطَاعَ اللَّهَ بِهِ.

وَلِهَذَا مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعِيشُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَيَكُونُ عُمُرُهُ لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمْلِكُ الْقَنَاطِيرَ الْمُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ مَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَبْلُغُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَهَكَذَا الْجَاهُ وَالْعِلْمُ.

وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، أَوْ عَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ» .

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 69_70)

وَلما كَانَت الدُّنْيَا حقيرة عِنْد الله لاتساوي لَدَيْهِ جنَاح بعوضة كَانَت وَمَا فِيهَا فِي غَايَة الْبعد مِنْهُ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة اللَّعْنَة وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلقهَا مزرعة للآخرة ومعبرا اليها يتزود مِنْهَا عبَادَة اليه فَلم يكن يقرب مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ متضمنا___لاقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهوالعلم الَّذِي بِهِ يعرف الله ويعبد وَيذكر ويثنى عَلَيْهِ ويمجد وَلِهَذَا خلقهَا وَخلق اهلها كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا خلقت الْجِنّ والانس الا ليعبدون

 

التذكرة في الوعظ (ص: 86) لابن الجوزي :

ذمّ الدُّنْيَا

لَيْسَ الذاكر من قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَقَلبه مصر على الذُّنُوب وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا هم بِمَعْصِيَة ذكر مقَامه بَين يَدي علام الغيوب كَمَا قَالَ بعض السّلف لَيْسَ الذاكر من هَمهمْ بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا الذاكر من إِذا جلس فِي سوقه وَأخذ يزن بميزانه علم ان الله مطلع عَلَيْهِ فَلم يَأْخُذ إِلَّا حَقًا وَلم يُعْط إِلَّا حَقًا فَمَا يَنْبَغِي للعباد أَن ينشغلوا عَن الْمُنعم بِشَيْء من نعمه وَلَا يلتهوا عَنهُ بِشَيْء

 

لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية (1/ 133) للسفاريني :

والدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة (3) وأسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة (4) فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية أخرب اللَّه العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة، فالرسل صلوات اللَّه وسلامه عليهم وسائط بين اللَّه وبين خلقه في أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده، وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربهم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"[6]

 

الدرر السنية في الأجوبة النجدية (14/ 107)

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :

"فإذا كثر العلم وقل الجهل، حصل بسببه من الخير والحسنات ما لا يحصيه إلا الله، إن قبله الله." اهـ

 

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 156)

مَعْنَى الدُّنْيَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَلَاذَّ النُّفُوسِ، وَشَهَوَاتِهَا، وَجَمِيعَ حُطَامِهَا، وَزَهْرَاتِهَا، وَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14] ، وَحُبَّ الْبَقَاءِ فِيهَا، فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ الْمَلْعُونَةَ إِذَا كَانَتْ لِلنُّفُوسِ وَشَهَوَاتِهَا وَلَذَّةِ الطَّبْعِ [ص:157]، وَالتَّلَهِّي بِهَا، وَالشُّغْلِ فِيهَا، وَالْحُبِّ لَهَا، وَلَمْ تَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأُولَى الَّتِي يَلِيهَا الْمَوْتُ وَالْفَنَاءُ، وَالْآخِرَةُ هِيَ الْحَيَاةُ الْبَاقِيَةُ، الَّتِي لَيْسَ لَهَا زَوَالٌ وَلَا فَنَاءٌ



[1] أخرجه شعب الإيمان (5/ 121_122) (رقم : 3174):

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْفَرَائِينِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ___مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مَرْزُوقُ بْنُ أَبِي الْهُذَيْلِ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَغَرُّ :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهَرًا كَرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ " وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 142) (رقم : 77)

[2] https://al-badr.net/muqolat/2477

[3] وحسنه في "تخريج مشكاة المصابيح" (1/ 84) (رقم: 254)، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 443) (رقم: 2231)، صحيح الترغيب والترهيب (1/ 142 و 1/ 156 و 1/ 229) (رقم: 77 و 112 و 275).

[4] أخرجه أحمد في "مسنده" - عالم الكتب (5/ 260 و 5/ 269) (رقم: 22247 و 22318)، والروياني في "مسنده" (2/ 288) (رقم: 1223)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 205) (رقم: 7831)، والآجري في "أخلاق العلماء" (ص: 43)، وصححه في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 157) (رقم: 114)،

[5]  ضعفه الألباني _رحمه الله_

[6]  أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 35)؛ والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 158) عن أبي هريرة وقال الحاكم صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي في التلخيص، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 159) رقم 490.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين