Keutamaan Ilmu 29-30

  

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 52)

الْوَجْه التَّاسِع وَالْعشْرُونَ :

أنه _سُبْحَانَهُ_ لما اخبر مَلَائكَته بِأَنَّهُ يُرِيد أنْ يَجْعَل فِي الارض خَليفَةً، قَالُوا لَهُ : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)} [البقرة: 30 - 32]

إلى آخر قصَّة آدم، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم، فَأبى إبليس، فلعنه، وَأخرجه من السَّمَاء.

 

وَبَيَان فضل الْعلم من هَذِه الْقِصَّة من وُجُوه :

* أحدها : أنه سُبْحَانَهُ رد على الْمَلَائِكَة لما سَأَلُوهُ : كَيفَ يَجْعَل فِي الارض من هم أطوع لَهُ مِنْهُ، فَقَالَ : (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، فَأجَاب سُؤَالهمْ بِأَنَّهُ يعلم من بواطن الأمور وحقائقها مَالا يعلمونه، وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم.

فَظهر مَنْ هَذَا الْخَلِيفَة، من خِيَار خلقه وَرُسُله وأنبيائه وصالحي عباده وَالشُّهَدَاء وَالصديقين وَالْعُلَمَاء وطبقات أهل الْعلم والايمان من هُوَ خير من الْمَلَائِكَة،

وَظهر مَنْ إبليس، من هُوَ شَرّ الْعَالمين. فَأخْرج سُبْحَانَهُ هَذَا وَهَذَا، وَالْمَلَائِكَة لم يكن لَهَا عِلْمٌ لَا بِهَذَا وَلَا بِهَذَا وَلَا بِمَا فِي خلق آدم وإسكانه الأرضَ من الحكم الباهرة.

* الثَّانِي : أنه سُبْحَانَهُ لما أراد إظهارَ تَفْضِيلِ آدمَ وتمييزِه وفضلِه، مَيَّزَهُ عَلَيْهِم بِالْعلمِ، فَعَلَّمَهُ الأسماءَ كُلَّهَا ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة، فَقَالَ : (أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين)،

جَاءَ فِي التَّفْسِير : أَنَّهُمْ قَالُوا لن يخلق رَبنَا خلقا هُوَ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنَّا فظنوا أنهم خير وأفضل من الْخَلِيفَة الَّذِي يَجعله الله فِي الأرض.

فَلَمَّا امتحنهم بِعلمِ مَا علَّمه لهَذَا الْخَلِيفَةِ، أقَرُّوْا بِالْعَجْزِ وَجَهْلِ مَا لم يعلموه، فَقَالُوا : (سُبْحَانَكَ لاعلم لنا إِلَّا مَا علمتنا إنك أنْتَ الْعَلِيم الْحَكِيم)

فَحِينَئِذٍ أظهَرَ لَهُم فضل آدم بِمَا خصّه بِهِ من الْعلم، فَقَالَ : (يَا آدم أنبئهم باسمائهم، فَلَمَّا انبأهم بِأَسْمَائِهِمْ)، أقرُّوا لَهُ بِالْفَضْلِ

* الثَّالِث : أنه _سُبْحَانَهُ_ لما أن عرَّفهم فضْلَ آدمَ بِالْعلمِ وعَجْزَهم عَن معرفَة مَا علَّمه، قَالَ لَهُم : (ألم أقل لكم إني أعْلَم غيب السَّمَوَات والارض وَأعْلَم مَا تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون) فعرَّفهم سُبْحَانَهُ نَفسه بِالْعلمِ وأنه أحاط علما بظاهرهم وَبَاطِنهمْ وبغيب السَّمَوَات والأرض،

فتعرف إليهم بِصفة الْعلم، وعرَّفهم فضلَ نبيِّه وكليمه بِالْعلمِ وعجزهم عَمَّا آتَاهُ آدم من الْعلم.

وَكفى بِهَذَا شرفا للْعلم :

* الرَّابِع : أنه سُبْحَانَهُ جعل فِي آدم____ من صِفَات الْكَمَال مَا كَانَ بِهِ أفْضلَ من غَيره من الْمَخْلُوقَات،

وَأَرَادَ سُبْحَانَهُ أن يظْهر لملائكته فَضله وشرفه فأظهر لَهُم أحسن مَا فِيهِ وَهُوَ علمه، فَدلَّ على أن الْعلم أشرف مَا فِي الانسان وأن فَضله وشرفه إِنَّمَا هُوَ بِالْعلمِ،

وَنَظِير هَذَا مَا فعله بِنَبِيِّهِ يُوسُف _عَلَيْهِ السَّلَام_ لما أَرَادَ إظهار فَضله وشرفه على أهل زَمَانه كلهم، أظهر للْملك وأهل مصر مِنْ عِلْمِهِ بِتَأْوِيل رُؤْيَاهُ مَا عجز عَنهُ عُلَمَاء التَّعْبِير،

فَحِينَئِذٍ قدَّمه ومكَّنه وَسلَّم إليه خَزَائِن الأرض، وَكَانَ قبل ذَلِك قد حَبسه على مَا رَآهُ من حسن وَجهه وجمال صورته.

وَلما ظهر لَهُ حسن صُورَة علمه وجمال مَعْرفَته، أطلقه من الْحَبْس، ومكنه فِي الأرض. فَدلَّ على أن صُورَة الْعلم عِنْد بني آدم أبهى وأحسن من الصُّورَة الحسية، وَلَو كَانَت أجمل صُورَة.

وَهَذَا وَجه مُسْتَقل فِي تَفْضِيل الْعلم مُضَاف الى مَا تقدم فتم بِهِ ثَلَاثُونَ وَجها " اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (1/ 53)

وفي الأسماء التي علَّمه قولان: أحدهما: أنه علمه كل الأسماء، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. والثاني: أنه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة. ثم فيها أربعة أقوال: أحدها: أنه علمه أسماء الملائكة، قاله أبو العالية. والثاني: أنه علَّمه أسماء الأجناس دون أنواعها، كقولك: إِنسان وملك وجني وطائر، قاله عكرمة. والثالث: أنه علمه أسماء ما خلق في الأرض من الدواب والهوام والطير، قاله الكلبي ومقاتل ابن قتيبة. والرابع: أنه علمه أسماء ذريته، قاله ابن زيد.

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 53)

الْوَجْه الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: أنَّهُ _سُبْحَانَهُ_ ذمّ اهل الْجَهْل فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من كِتَابه،

فَقَالَ تَعَالَى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [الأنعام: 111]،

وَقَالَ : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 37]،

وَقَالَ تَعَالَى : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44]،

 

قال الطبري في "جامع البيان" – ت. شاكر (19/ 274):

"(إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ) يقول: ما هم إلا كالبهائم التي لا تعقل ما يقال لها، ولا تفقه، بل هم من البهائم أضلّ سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم، ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم، بل يكفرونها، ويعصون من خلقهم وبرأهم."

 

فَلم يقْتَصر _سُبْحَانَهُ_ على تَشْبِيه الْجُهَّال بالأنعام حَتَّى جعلهم أضلَّ سَبِيلا مِنْهُم،

وَقَالَ : {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]

أخبر أنَّ الْجُهَّال شَرُّ الدَّوَابِّ عِنْده على اخْتِلَاف أصنافها من الْحمير وَالسِّبَاع وَالْكلاب والحشرات وَسَائِر الدَّوَابّ.

 

فالجهال شَرّ مِنْهُم، وَلَيْسَ عَلي دين الرُّسُل أضرُّ من الْجُهَّال، بل أعداؤُهم على الْحَقِيقَة،

وَقَالَ تَعَالَى لنَبيه وَقد أعاذه : {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35]،

وَقَالَ كليمه مُوسَى _عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام_ : {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [البقرة: 67]،

وَقَالَ لأوّل رسله نوح _عَلَيْهِ السَّلَام_  : {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]،

 

فَهَذِهِ حَال الْجَاهِلين عِنْده، والأول حَال أهل الْعلم عِنْده،

 

وَاخْبَرْ _سُبْحَانَهُ_ عَن عُقُوبَته لأعدائه: أنه مَنعهم علم كِتَابه ومعرفتَه وفِقْهَهُ، فَقَالَ تَعَالَى

{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الإسراء: 45، 46]،

 

وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "زاد المسير في علم التفسير" (3/ 27):

"قوله تعالى: حِجاباً مَسْتُوراً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الحجاب: هو الأكنَّة على قلوبهم، قاله قتادة. والثاني: أنه حجابٌ يستره فلا يرونه وقيل: إِنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِذا قرأ القرآن.

قال الكلبي: وهم أبو سفيان والنضر بن الحارث وأبو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب." اهـ

 

وَأمر نبيه بالإعراض عَنْهُم، فَقَالَ : {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ،

وأثنى على عباده بالإعراض عَنْهُم ومتاركتهم كَمَا فِي قَوْله : {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } [القصص: 55]

وَقَالَ تَعَالَى : {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]،

وكل هَذَا يدل على قبح الْجَهْل عِنْده وبغْضِه للْجَهْل وَأَهلِه، وَهُوَ كَذَلِك عِنْد النَّاس، فَإِن كل أحد يتبرأ مِنْهُ، وَإِن كَانَ فيه." اهـ

 

زاد المسير في علم التفسير (3/ 327)

"وقال مقاتل بن حيّان: «قالوا سلاماً» أي: قولاً يسْلَمون فيه من الإِثم." اهـ

 

تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 586)

خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله. وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.

 

 

 

 

 

 

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 53)

الوجه الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ:

أنَّ الْعلم حَيَاةٌ وَنورٌ، وَالْجهْلَ موْتٌ وظُلْمَةٌ، وَالشَّر كُله: سَببُه عدَمُ الْحَيَاةِ. والنور وَالْخَيْر كُله: سَببه النُّورُ والحياة، فَإِن النُّورَ يكْشف عَن حقائق الأشياءِ، وَيبين مراتبها. والحياةُ هِيَ المصححة لصفات الْكَمَال الْمُوجبَة لتسديد الاقوال والاعمال.

فَكلما تصرف من الْحَيَاة، فَهُوَ خير كُله، كالحياء الَّذِي سَببُه كَمَالُ حَيَاةِ الْقلْبِ وتصورُه حَقِيقَة الْقبْح ونُفْرَتُه مِنْهُ،

وضدُه الوقاحة___وَالْفُحْش، وَسَببه: موت الْقلب وَعدم نفرته من الْقَبِيح،

وكالحياء الَّذِي هُوَ الْمَطَر الَّذِي بِهِ حَيَاةُ كل شَيْءٍ،

قَالَ _تَعَالَى_:

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام: 122]،

كَانَ مَيْتًا بِالْجَهْلِ قَلْبُهُ، فأحياه بِالْعلمِ، وَجعل لَهُ من الايمان نورا يمشى بِهِ فِي النَّاس."

 

قال محمد صديق حسن خان _رحمه الله_ في "فتح البيان في مقاصد القرآن" (4/ 233):

"(وجعلنا له نوراً) النور عبارة عن الهداية والإيمان، وقيل هو القرآن وقيل الحكمة، وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)." اهـ

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) } [الحديد: 28، 29].

 

زاد المسير في علم التفسير (4/ 239)

وفي المراد بالكفلين هاهنا قولان: أحدهما: أنّ أحدهما لإيمانهم بمن تقدَّم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمّد صلّى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس. والثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا. والثاني: أجر الآخرة، قاله ابن زيد.

 

زاد المسير في علم التفسير (4/ 239)

قوله عزّ وجلّ: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً.

فيه أربعة أقوال: أحدها: القرآن، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: تمشون به على الصراط، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: الهدى، قاله مجاهد. والرابع: الإيمان، قاله ابن السّائب.

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]،

 

تفسير القرطبي (3/ 283)

قَالَ قَتَادَةُ: الظُّلُمَاتُ الضَّلَالَةُ، وَالنُّورُ الْهُدَى، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ الضَّحَّاكُ والربيع. وقال مجاهد وعبدة ابن أَبِي لُبَابَةَ: قَوْلُهُ" اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا" نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ آمَنُوا بِعِيسَى فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِهِ، فَذَلِكَ إِخْرَاجُهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ.

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]،

 

فَأخْبر أنَّهُ روْحٌ تحصل بِهِ الْحَيَاةُ، وَنورٌ يحصل بِهِ الإضاءةُ والإشراق، فَجمع بَين الأصلين: الْحَيَاةِ والنورِ.

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) } [المائدة: 15 - 17]،

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [التغابن: 8]،

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء: 174] ،

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 10، 11]

 

وَقَالَ _تَعَالَى_:

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [النور: 35]،

 

فَضرب _سُبْحَانَهُ_ مَثَلاً لنوره الَّذِي قَذَفَهُ فِي قلب الْمُؤمن، كَمَا قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ _رضى الله عَنهُ_:

"مَثَلُ نُوْرِهِ فِي قلب عَبدِه الْمُؤمنِ، وَهُوَ نُوْرُ الْقُرْآنِ والإيمانِ الَّذِي أعطاه إِيَّاه، كَمَا قَالَ فِي آخر الْآيَة: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]،

يعْنى: نُوْرَ الايمان على نور الْقُرْآن،

 

كَمَا قَالَ بعض السّلف: "يكَاد الْمُؤمنُ ينْطق بالحكمة، وإن لم يسمع فِيهَا بالاثر، فَإِذا سمع فِيهَا بالاثر كَانَ نورا على نور."

 

وَقد جمع الله _سُبْحَانَهُ_ بَين ذكر هذَيْن النورين، وهما: الْكتاب والايمان، فِي غير مَوضِع من كِتَابه، كَقَوْلِه:

{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]

 

وَقَولِهِ _تَعَالَى_: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58]،

ففضل الله: الايمان. وَرَحمته: الْقُرْآن

 

وَقَولِهِ _تَعَالَى_: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]،

 

وَقد تقدّمت هَذِه الايات

 

وَقَالَ فِي آيَة النُّور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]

 

وَهُوَ: نور الايمان على نور الْقُرْآن،

 

وَفِي حَدِيث النواس بن سمْعَان _رضى الله عَنهُ_:

عَن النَّبِي: سنن الترمذي ت شاكر (5/ 144)

«إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ:

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}،

وَالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَهَذَا لَفظه[1]، والإمام أحْمَد، وَلَفظه:

"والداعي على رَأس الصِّرَاط كتاب الله والداعي فَوق الصِّرَاط واعظ الله فِي قلب كل مُؤمن."[2]

 

فَذكر الأصلين، وهما: دَاعِي الْقُرْآن، وداعي الايمان

 

وَقَالَ حُذَيْفَة: حَدثنَا رَسُول الله أنَّ الامانة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال ثمَّ نزل الْقُرْآن فَعَلمُوا من الايمان ثمَّ علمُوا من الْقُرْآن." [خ م][3]

 

عن حُذَيْفَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» أخرجه البخاري صحيحه (8/ 104 و 9/ 52 و 9/ 92) (رقم: 6497 و 7086 و 7276)، ومسلم في صحيحه (1/ 126) (رقم: 143).

 

وقال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (13/ 39):

"وَفِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السُّنَنَ وَالْمُرَادُ بِالسُّنَنِ مَا يَتَلَقَّوْنَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا." اهـ

 

وقال النووي _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (2/ 168)

أَمَّا الْجَذْرُ: فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ الْأَصْمَعِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتْحُ الْجِيمِ وَأَبُو عَمْرٍو يَكْسِرُهَا.

وَأَمَّا (الْأَمَانَةُ)، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا: التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ وَالْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ.

* قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ _رَحِمَهُ اللَّهُ_ فِي قَوْلِ اللَّهِ _تَعَالَى_:

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَال} [الأحزاب: 72]،

قال بن عَبَّاسٍ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا_: "هِيَ الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ _تَعَالَى_ عَلَى الْعِبَادِ.

* وَقَالَ الْحَسَنُ: "هُوَ الدِّينُ، وَالدِّينُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ."

* وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: "الْأَمَانَةُ: مَا أُمِرُوا بِهِ، وَمَا نُهُوا عَنْهُ."

* وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "الْأَمَانَةُ: الطَّاعَةُ."

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: "وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ."

قَالَ: "فَالْأَمَانَةُ فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمُ: الطَّاعَةُ وَالْفَرَائِضُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِأَدَائِهَا الثَّوَابُ وَبِتَضْيِيعِهَا الْعِقَابُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: "الْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ: هِيَ الْأَمَانَةُ الْمَذْكُورَةُ في قوله _تعالى_:

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ...} [الأحزاب: 72]،

وَهِيَ عَيْنُ الْإِيمَانِ. فَإِذَا اسْتَمْكَنَتِ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ، قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ التَّكَالِيفِ، وَاغْتَنَمَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَجَدَّ فِي إِقَامَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابي مُوسَى الاشعري _رضى الله عَنهُ_: عَن النَّبِي:

* "مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن: كَمثل الأترجة، طعْمُها طيِّبٌ، وريحها طيب.

* وَمثل الْمُؤمن الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن: كَمثل التمرة، طعمها طيبٌ، وَلَا ريح لَهَا.

* وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن: كالريحانة رِيحُهَا طيبٌ، وطعمها مُرٌّ،

* وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن: كَمثل الحنظلة، طعمُها مُرٌّ، ولا ريحَ لَهَا." [خ م]

 

فَجعل النَّاس أربعةَ أقسام:

* أهل الايمان وَالْقُرْآن، وهم خِيَار النَّاس،

* الثَّانِي: أهل الإيمان الَّذين لَا يقرءُون الْقُرْآن، وهم دونهم، فَهَؤُلَاءِ هم السُّعَدَاء.

والاشقياء قِسْمَانِ:

* أحدهما: من أوتى قُرْآنًا بِلَا إِيمَان فَهُوَ مُنَافِق،

* وَالثَّانِي: من لَا أوتى قُرْآنًا وَلَا إِيمَانًا.

 

وَالْمَقْصُود: أن الْقُرْآن والايمان هما نور يَجعله الله فِي قلب من يَشَاء من عباده، وأنهما أصل كل خير فِي الدُّنْيَا والاخرة، وعِلْمُهما أجل الْعُلُوم وأفضلُها، بل لَا علم فِي الْحَقِيقَة ينفع صَاحبه إلا عِلْمُهما، {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النور: 46]." اهـ

 



[1]  أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. شاكر (5/ 144) (رقم: 2859)، صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 592) (رقم: 2347)

[2]  أخرجه أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (4/ 182) (رقم: 17634)، وصححه الأرنؤوط في "تخريج مسند أحمد" – ط. الرسالة (29/ 182): "حديث صحيح."

[3]  قال ابن حجر في فتح الباري (11/ 334): "قَوْلُهُ (الْجَذْرُ): الْأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اتَّفَقُوا عَلَى التَّفْسِيرِ وَلَكِنْ عِنْدَ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْجِذْرَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَعِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ بِفَتْحِهَا." اهـ

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين