Hadits 22 Shohih Targhib

 

2 - (الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه)

 

22 - (1) [صحيح] عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: فُلانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ، هُوَ قارئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ".

رواه مسلم والنسائي.

 

ورواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في "صحيحه"؛ كلاهما بلفظ واحد عن (1) الوليد ابن الوليد أبي عثمان المديني؛ أن عُقبةَ بنَ مسلم حدَّثه، أن شُفَيّاً الأصبحيّ حدثه :

أنه دخل المدينةَ فإذا هو برجلٍ قد اجْتمَعَ عليه الناسُ، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرةَ، قال: فَدَنَوْتُ منه، حتى قَعدتُ بين يديه؛ وهو يحدِّث الناسَ، فلمَّا سَكَتَ وخلا، قلت له: أسألك بحقِّ وبحقِّ، لمّا حَدَّثْتَني حديثاً سمعتَه من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعَقِلْتَه وعَلِمتَه،

فقال أبو هريرة : "أفعلُ، لأحدِّثنَّك حديثاً حَدَّثنيه رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِلْتهُ وعلمتُه"،

ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدِّثنَّك حديثاً حدَّثنيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيرُه،

ثم نَشَغَ أبو هريرة نَشغةً أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه، فقال: أفعلُ، لأُحَدِّثَنَّك حديثاً حدثنيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيره،

ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً شديدةً، ثم مال خارّاً (2) على وجهه، فأسندتُه طويلاً، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إن الله تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ، يَنزلُ إلى العبادِ (3)، لِيَقضِيَ بينهم، وكلُّ أمّةٍ جاثيةٌ، فأولُ من يُدعى به رجلٌ جمع القرآنَ، ورجلٌ قُتلَ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرُ المال، فيقولُ اللهُ عز وجل للقارئِ: ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فما عَمِلتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنت أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقول الله عز وجل له: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقالَ: فلان قارئٌ، وقد قيل ذلك.

ويؤتى بصاحب المال، فيقولُ اللهُ عز وجل: ألم أُوْسع (4) عليك حتّى لم أدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدِ؟ قال: بلى يا ربِّ؛ قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُكَ؟ قال: كُنتُ أَصِلُ الرَّحِمُ، وأتصدَّقُ. فيقولُ الله له: كذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جوادٌ، وقد قيل ذلك.

ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيلِ الله، فيقولُ اللهُ له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أيْ ربِّ! أَمَرْتَ بالجهاد في سبيلكَ، فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقولُ الملائكةُ: كَذَبْتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك". ثم ضرب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ركبتي، فقال:

"يا أبا هريرة! أولئك الثلاثةُ أولُ خلقِ الله تُسعَر بهم النارُ يومَ القيامةِ".

قال الوليدُ أبو عثمان المديني: وأخبرني عُقبةُ أن شُفَيّاً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدّثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيّافاً لمعاويةَ قال: فدخل عليه رجلٌ فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فُعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بَقِيَ مِنَ الناسِ؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً، حتى ظَنَنَّا أنه هالكٌ، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بِشَرٍّ. ثم أفاق معاويةُ، ومسح عن وجهه، وقال: صدق اللهُ ورسولُه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}."

 

ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو في حرفين.

 

قوله: (جريء) هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد، أي: شجاع.

(نَشَغ) بفتح النون والشين المعجمة وبعدها غين معجمة، أي: شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً.

__________

(1) في الأصل وغيره: "وعن"، وهو خطأ، نتج عنه إشكال، وهو عدم استقامة العطف في آخر هذه الرواية بقوله: "ورواه ابن خزيمة .. ". لأن المعطوف عليه غير مذكور قبله! والحقيقة أنه الترمذي وابن حبان اللذان ذكرا في آخر الرواية الأولى، فلمّا فُصلا عن هذه الرواية بإثبات الواو العاطفة ظهر الإشكال، ولا إشكال بعد حذف الواو كما بيّنا.

(2) خَرَّ يَخِرُّ بالضم والكسر: إذا سقط من علو. وخر الماء يخِر بالكسر.

(3) قلت: هذا النزول نزول حقيقي كما يليق بجلاله وكماله، وهو صفة فعل لله عز وجل، فإياك أن تتأوله كما يفعل الخلف؛ فتضل.

(4) هو بتسكين الواو ومخفّف، أي: أُغْنِكَ. الناجي.

 

تخريج الحديث :

 

الرواية الأولى : أخرجها مسلم في "صحيحه" (3/ 1513) (رقم : 1905)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (4/ 488) (رقم : 7441) وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (1/ 324) (رقم : 309)، وأحمد في "مسنده" (14/ 29) (رقم : 8277)، والنسائي في "سننه" (6/ 23) (رقم : 3137)، وفي "السنن الكبرى" (رقم : 4330 و 8029 و 11495)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (رقم : 364 و 2524)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 283) (رقم : 18549)، وفي "شعب الإيمان" (4/ 191) (رقم : 2378 و 6387)، وفي "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 312) (رقم : 481)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (2/ 192)، وابن أبي الدنيا في "الأهوال" (ص: 156) (رقم : 194)، والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (ص: 69) (رقم : 107)، والطبري في "تهذيب الآثار" - مسند عمر (2/ 792) (رقم : 1115).

 

الرواية الثانية : أخرجها الترمذي في "سننه" (4/ 591) (رقم : 2382)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 115) (رقم : 2482)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (4/ 489) (رقم : 7443)، وابن حبان في "صحيحه" (2/ 135) (رقم : 408)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 579) (رقم : 1527)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (9/ 135) (رقم : 6387)، وأبو الفضل الزُّهْرِيُّ في "حديثه" (ص: 629) (رقم : 687).

 

من فوائد الحديث :

 

وقال محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي، الشهير بـ"ابْنِ الْحَاجِّ" (المتوفى: 737هـ) _رحمه الله_ في "المدخل" (1/ 16):

"قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : "وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَمْ يُرِدْ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى"،...

وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ فَانْظُرْ إلَى ذَلِكَ الْمَنْصِبِ الْعَظِيمِ وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا كَيْفَ رَجَعَتْ فِي حَقِّ هَذَا الْقَارِئِ____الْمِسْكِينِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ الْعُظْمَى بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالْمُفَاخَرَةِ؟ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ رَجَعَ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا ذُكِرَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ وَقْتِهِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى طَرَفٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ بِفَضِيلَةِ الْعِلْمِ، يَقُولُ : "نَاقِلٌ نَاقِلٌ" خَوْفًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْصِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذِبًا أَيْضًا؛

لِأَنَّ النَّاقِلَ لَيْسَ بِعَالِمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ كَالْخَيَّاطِ وَالْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ هَذَا إذَا كَانَ نَقْلُهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِلَّا كَانَ دَجَّالًا فَيُسْتَعَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ النَّقْلُ لَيْسَ إلَّا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُلُوبِ.

 

وقال عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، المعروف بـ"ابن الْمُبَارَك الْمَرْوَزِيِّ" (المتوفى: 181هـ) _رحمه الله_ في "الزهد والرقائق" (1/ 151):

"بَابُ ذَمِّ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ." اهـ

 

وقال محمد بن حبان التميمي، الدارمي، المعروف بـ" أبو حاتم البُسْتِيُّ" (المتوفى: 354هـ) _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (2/ 135):

"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَنْ رَاءَى فِي عَمَلِهِ يَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا." اهـ

 

وقال أحمد بن الحسين الخُسْرَوْجِردي الْخُرَاسَانِيُّ، المعروف بـ"أبي بكر البيهقي" (المتوفى: 458هـ) _رحمه الله_ في "السنن الكبرى" (9/ 282):

"بَابُ بَيَانِ النِّيَّةِ الَّتِي يُقَاتِلُ عَلَيْهَا لِيَكُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ _عَزَّ وَجَلَّ_." اهـ

 

وقال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي بـ"ابن خزيمة النيسابوريِّ" (المتوفى: 311هـ) _رحمه الله_ في "صحيحه" (4/ 115):

"بَابُ التَّغْلِيظِ فِي الصَّدَقَةِ مُرَآةً وَسُمْعَةً، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَائِيَ بِالصَّدَقَةِ مِنْ أَوَائِلِ مَنْ تَسْتَعِرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَاللَّهَ نَسْأَلُ أَنْ يُعِيذَنَا مِنَ النَّارِ بِعَفْوِهِ،

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18] ". اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (13/ 50):

"قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ (فِي الْغَازِي وَالْعَالِمِ وَالْجَوَّادِ)، وَعِقَابِهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِدْخَالِهِمُ النَّارَ دَلِيلٌ :

* عَلَى___تَغْلِيظِ تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ[1]،

* وَعَلَى الْحَثِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ _تَعَالَى_ :

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5][2]،

* وفيه : أن العمومات الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا،

* وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ : كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ _تَعَالَى_ مُخْلِصًا." اهـ

 

وقال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) _رحمه الله_ في "المجموع شرح المهذب" (1/ 23):

"اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَضْلِ في طلب إنما هو في من طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِغَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا وَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ قَهْرِ الْمُنَاظِرِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 908):

"يشهد لهذا الحديث قولُه _تعالى_:

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود (15، 16)] ." اهـ

 

وقال يعقوب بن إسحاق النَّيْسَابُوْرِيُّ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ[3]، المعروف بـ"أبو عوانة" (المتوفى: 316هـ) _رحمه الله_ في مستخرج أبي عوانة (4/ 487):

"بَابُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ، أَوْ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ لِيُذْكَرَ، أَوْ لِلرِّيَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ قِتَالِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ، وَالْخَبَرِ المُوجِبِ لِمَنْ قَاتَلَ لِيُقَالَ شُجَاعٌ خِزْيَ النَّارِ

 

المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص: 311)

بَابُ كَرَاهِيةِ طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَمَا جَاءَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ

 

الأهوال لابن أبي الدنيا (ص: 145)

ذِكْرُ الْحِسَابِ وَالْعَرْضِ وَالْقِصَاصِ

 

اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 69)

بَابُ مَا جَاءَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّشْدِيدِ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لِلصَّيْتِ وَالذِّكْرِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ لِلْعَمَلِ بِهِ وَاكْتِسَابِ الْأَجْرِ

 

تهذيب الآثار مسند عمر (2/ 787) للطبري :

"وَالَّذِي فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْفِقْهِ تَصْحِيحُ قَوْلِ مِنْ قَالَ: كُلُّ عَامِلٍ عَمِلَ عَمَلًا فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ عَلَى وَجْهٍ فَإِنَّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَلَى مَا صَرَفَهُ إِلَيْهِ بِنِيَّتِهِ وَنَوَاهُ بِقَلْبِهِ , لَا عَلَى مَا يَبْدُو لِعَيْنِ مَنْ يَرَاهُ." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (12/ 53) لأبي العباس القرطبي :

"وقوله : (( إن أول الناس يُقضى عليه يوم القيامة رجل استُشْهِد ، ورجل تعلم العلم ، وورجل أنفق ماله )) ؛ هذا يخالفُه قولَه : (( أول مايحاسب به العبد المسلم من عمله صلاته )) ، الحديث ، وقولَه : (( أول مايقضى فيه بين الناس في الدِّماء )).

قد يسبق إلى الوهم أن هذه الأحاديثَ متعارضة من حيث الأولية المذكورة في كل حديث منها ؛ وليس كذلك ؛ فإنه إنَّما كان يلزم ذلك لو أريد بكل أولي منها أنه أوَّلٌ بالنسبة إلى كل ما يُسأل عنه ، ويقضى فيه ،

وليس في شيءٍ من تلك الأحاديث ما ينصُّ على ذلك ، وإنما أراد - والله أعلم- : أن كل واحد من تلك الأوليات أوَّلٌ بالنسبة إلى ما في بابه ،

فأول ما يحاسبُ به من أركان الإسلام الصلاة ، وأول ما يحاسب به من المظالم الدِّماء ، وأول ما يحاسب به مما ينتشر فيه صِيتُ فاعله تلك الأمور .

وهذا أوَّلُ ما يقاربه ويناسبه ، وهكذا تعتبر كل ما يردُ عليك من هذا الباب ، والله تعالى أعلم ." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 37)

والذي أرى لكل مجاهد ومعلم للخير ومنفق في سبيل الله عز وجل أن يجتهد في إخفاء ذلك ليسلم أو في إظهاره ليقتدى به؛

فإن عرض له في إحدى الطريقين عارض نزغ من الشيطان أتبعه بالاستغفار والإنابة، والله الموفق لكل مؤمن. والدليل على ما ذهبنا إليه من معنى هذا الحديث الدعاء في نطق الحديث: (ولكنك تعلمت ليقال)،

فأتى باللام المستغرقة للجزاء عن الفعل، وهو قوله: (ولكنك فعلت ليقال) وهذا لا يدخل فيه من فعل شيئا لله فقيل فيه؛ فسره أن قيل.

ويدل على أنه لم يكن في فعله إرادة الله سبحانه بشيء ما ولا مخالطة بحال؛ لأن اللام قد أخبر به عما احتوت إرادته عليه في فعله، ولم يكن في ذلك شيء لله، فلذلك ما كان جزاه الحق أنه لم يكن له في الآخرة من نصيب؛ لأنه لم يكن في عمله شيء لها." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 666) :

"وفيه تنبيه على أن مجرد قراءته كاف في الاعتبار." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 289)

(وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ) أَيْ: سَخِيُّ كَرِيمٌ (فَقَدْ قِيلَ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ عَمِلَ لِأَيِّ غَرَضٍ يَكُونُ

 

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 310)

والحديث دليل على وجوب الإخلاص في الأعمال، وهو كما قال تعالى: {وما أمرو إلا ليعبدوالله مخلصين له الدين} [5:98] ، وأن العمومات الواردة في فضل الجهاد، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كل ذلك محمول على من فعل ذلك لله تعالى مخلصاً.

 

شرح رياض الصالحين (6/ 345) للعثيمين :

"وهذا دليل على أنه يجب على طالب العلم في طلب العلم أن يخلص نيته لله عز وجل وألا يبالي أقال الناس أنه عالم أو شيخ أو أستاذ أو مجتهد أو ما أشبه ذلك لا يهمه هذا الأمر، لا يهمه إلا رضا الله عز وجل حفظ الشريعة وتعليمها ورفع الجهل عن نفسه ورفع الجهل عن عباد الله حتى يكتب من الشهداء الذين مرتبتهم بعد مرتبة الصديقين.

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]

وأما من تعلم لغير ذلك، ليقال إنه عالم وإنه مجتهد وإنه علامة وما أشبه لك من الألقاب فهذا عمله حابط والعياذ بالله، وهو أول من يقضى عليه ويسحب على وجهه في النار ويكذب يوم القيامة ويوبخ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (6/ 347) :

"* وفي هذا : دليل على أنه يجب على الإنسان أن يخلص النية لله في جميع ما يبذله من مال أو بدن أو علم أو غيره،

* وأنه إذا فعل شيئاً مما يبتغي به وجه الله تعالى وصرفه إلى غير ذلك، فإنه آثم به والله الموفق." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 199_200) للشيخ محمد بن علي الأثيوبي :

"في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان وعيد من قاتل ليُقال: فلان جريء. (ومنها): أن فيه دليلاً على تغليظ تحريم الرياء، وشدّة عقوبته. (ومنها): الحثّ على لزوم الإخلاص في الأعمال، كما قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. (ومنها): أن فيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد في سبيل اللَّه تعالى، إنما هي لمن أراد به وجه اللَّه تعالى. (ومنها): أن الثناء الوارد على العلماء____والمنفقين في وجوه الخيرات كله محمول على من فعل ذلك كله ابتغاء وجه اللَّه تعالى، مخلصًا، لا يشوبه شيء من الرياء والسمعة، ونحو ذلك." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (26/ 200)

إنما كان هؤلاء الثلاثة أول خلق اللَّه تعالى تُسعر بهم النار -واللَّه تعالى أعلم- لكون هذه العبادات رفيعة القدر عند اللَّه تعالى، فإنه لا يخفى تنويه اللَّه تعالى في محكم كتابه، بفضل الجهاد، ورفع منزلة العلماء، على سائر الناس، وتخصيص المنفقين في سبيله بالدرجات العلى، فلما لم يَبتغ أصحابها بها وجه اللَّه تعالى الذي عظّم شأنها، ورفع قدرها، والذي يجازي عليها بما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بل طلبوا بها العاجل، وآثروا الفاني على الباقي، جازاهم اللَّه تعالى بأن جعلهم أول من تُسعر بهم النار؛ إذ العقاب على قدر عظم الْجُرْم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 34)

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقُولُ: كَمَا أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءُ فَشَرُّ النَّاسِ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، فَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَهُمُ الْعُلَمَاءُ، وَالشُّهَدَاءُ، وَالصِّدِّيقُونَ، وَالْمُخْلِصُونَ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ.

 

تلبيس إبليس (ص: 131)

ذكر تلبيس إبليس عَلَى الغزاة

قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَدْ لَبِسَ إِبْلِيسُ عَلَى خلق كثير فخرجوا إِلَى الجهاد ونيتهم المباهاة والرياء ليقال فلان غاز وربما كان المقصود أن يقال شجاع أَوْ كان طلب الغنيمة وإنما الأعمال بالنيات

 

الكبائر للذهبي (ص: 144) :

"قَالَ الْخطابِيّ : "مَعْنَاهُ من عمل عملاً على غير إخلاص إِنَّمَا يُرِيد أَن يرَاهُ النَّاس ويسمعوه جوزي على ذَلِك بِأَنَّهُ يشهره ويفضحه فيبدو عَلَيْهِ مَا كَانَ يبطنه ويسره من ذَلِك وَالله أعلم." اهـ

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 62)

(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ) قَدْ شَهِدَ بِتَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ قَائِلًا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أَيْ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ : «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ___الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً»[4] .

 

وفي "بلوغ الغاية من تهذيب بداية الهداية (ص: 104) لأبي عبد الرحمن وائل بن حافظ بن خلف البحيري:

"وأما الرياء: فهو الشرك الخفي وهو أحد الشركين، وذلك: طلب المنزلة في قلوب الخلق لتنال بها الجاه والحشمة، وحب الجاه من الهوى المتبع المهلك،

وفيه هلك أكثر الناس، فما أهلك الناس إلا الناس، ولو أنصف الناس حقيقة لعلموا أن أكثر ما هم فيه من العلوم والعبادات فضلاً عن أعمال العادات ليس يحملهم عليه إلا مراءاة الناس، وهي محبطة للأعمال." اهـ

 

وقال حامد بن محمد الشارقي الإماراتي _رحمه الله_ في "فَتْحِ اللهِ الْحَمِيْدِ الْمَجِيْدِ في شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيْدِ" (ص: 167):

"واعلم أن الله تعالى من حكمته وعدله يعامل الذي يقصد غيره في عمل أو قول بنقيض قصده وذلك لأنه تعالى ينظر إلى العامل فإن كان عمله لله خالصاً يجازيه به وإن أشرك معه غيره يرجعه إذاً خائباً خاسراً، قال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} . [طه: 111].

وأيضاً يريد المرائي أن يعظم في أعين الناس بعمله أو قوله فيرائي الله به فيسقط من عين الناس أولاً ثم من عيونهم." اهـ

 

وقال أبو زكريا أحمد بن إبراهيم المعروف بـ"ابن النحاس الدمشقي" (المتوفى: 814 هـ) _رحمه الله_ في "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين" (ص: 75):

"فليحقق الإنسان قصده ويحرر نيته، ويحاسب نفسه قبل يوم التلاق، يوم هم بارزون لا يخفي على الله منهم شيء {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق: 9 - 10].

وليعلم أن المحاسب لا يعزب عن علمه مثقال ذرة وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور." اهـ

 

هذا ما تيسر جمعه، ولله الحمد والمنة، "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب". وصلى الله على نبينا الكريم وآله وصحبه وسلم أجمعين.

 

 



[1] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 77)

وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ عَلَى تَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ، كَمَا خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ___يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي: رِيحَهَا.

وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ.»

وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ، وَجَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَفْظُ حَدِيثِ جَابِرٍ: «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَالنَّارَ النَّارَ.» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِثَلَاثٍ: لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْفُقَهَاءَ، أَوْ لِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ، وَابْتَغُوا بِقَوْلِكُمْ وَفِعْلِكُمْ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى وَيَذْهَبُ مَا سِوَاهُ." اهـ

[2] وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 532) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي (المتوفى: 954هـ) :

وَالْإِخْلَاصُ مَصْدَرُ أَخْلَصْتُ الْعَسَلَ إذَا صَفَّيْته مِنْ شَوَائِبِ كَدَرِهِ فَالْمُخْلِصُ فِي عِبَادَتِهِ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُهَا مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى عَمَلِهَا قَصْدَ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَابْتِغَاءَ مَا عِنْدَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً بَلْ تَكُونُ مُصِيبَةً مُوبِقَةً لِصَاحِبِهَا فَإِمَّا كُفْرٌ وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ وَإِمَّا رِيَاءٌ وَهُوَ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَمَصِيرُ صَاحِبِهِ إلَى النَّارِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ." اهـ

[3] وقال علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الشهير بـ"ابن الأثير" _رحمه الله_ في "اللباب في تهذيب الأنساب" (1/ 55):

"الإِسْفِرَايِينِيّ بِكَسْر الْألف وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَالرَّاء وَكسر الْيَاء المنقوطة بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا - هَذِه النِّسْبَة إِلَى إسفراين وَهِي بليدَة بنواحي نيسابور على منتصف الطَّرِيق إِلَى جرجان خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء فِي كل فن مِنْهُم أَبُو عوَانَة يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الإِسْفِرَايِينِيّ أحد حفاظ الدُّنْيَا." اهـ

[4] حسنه الأرنؤوط في "تخريج مسندِ أَحْمَدَ"، ط. الرسالة (39/ 43) (رقم : 23636)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين