شرح الحديث السادس والتسعين من كتاب بهجة قلوب الأبرار

 

الحديث السادس والتسعون: فضل بِرِّ الْوَالِدَيْنِ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رِضَى اللَّهِ فِي رِضَى الْوَالِدَيْنِ. وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" أخرجه الترمذي. وصححه ابن حبان والحاكم

 

أخرجه موقوفا : البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 14) (رقم : 2)، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 230) (رقم : 1698)

 

وأخرجه مرفوعا : الترمذي "سننه" (4/ 310) (رقم : 1899)، وفي "العلل الكبير" = ترتيب علل الترمذي الكبير (ص: 312) (رقم : 579)، وابن وهب في "الجامع" (ص: 151) (رقم : 92)، والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (6/ 376) (رقم : 2394)، وابن حبان البستي في "صحيحه" (2/ 172) (رقم : 429)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/ 168) (رقم : 7249) والبيهقي في "شعب الإيمان" (10/ 246) (رقم : 7445 و 7446 و 7447)، وابن شاهين البغدادي في "الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" (ص: 93) (رقم : 299)، وابن بطة العكبري[1] في "الإبانة الكبرى" (7/ 128) (رقم : 99)، والنسوي[2] في "الأربعين" (ص: 74) (رقم : 31)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "الفوائد" (ص: 63) (رقم : 28)، والخليلي في "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (2/ 617) (رقم : 179)،  مرفوعا.

 

والحديث حسن صحيح : حسن موقوفا، وصحيح مرفوعا،  صرح بذلك الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (رقم : 515).

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 196_198):

"هذا الحديث دليل على فضل بر الوالدين ووجوبه، وأنه سبب لرضى الله تعالى. وعلى التحذيرِ عن عقوق الوالدين وتَحْرِيْمِه، وأنه سببٌ لسخط الله.

 

ولا شك أن هذا من رحمة الله بالوالدين والأولاد، إذ بين الوالدين وأولادهم من الاتصال ما لا يشبهه شيء من الصلات والارتباط الوثيق والإحسان من___الوالدين الذي لا يساويه إحسان أحد من الخلق.

 

والتربية المتنوعة وحاجة الأولاد الدينية والدنيوية إلى القيام بهذا الحق المتأكد، وفاءٌ بالحق، واكتسابا للثواب، وتعليما لذريتهم أن يعاملوهم بما عاملوا به والديهم.

 

هذه الأسباب وما يتفرع عنها موجب لجعل رضاهما مقرونا برضى الله. وضده بضده.

 

وإذا قيل: فما هو البر الذي أمر الله به ورسوله؟

 

قيل: قد حده الله ورسوله بحد معروف، وتفسير يفهمه كل أحد. فالله تعالى أطلق الأمر بالإحسان إليهما.

 

وذكر بعض الأمثلة التي هي أنموذج من الإحسان. فكل إحسان قولي أو فعلي أو بدني، بحسب أحوال الوالدين والأولاد والوقت والمكان، فإن هذا هو البر.

 

وفي هذا الحديث: ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضى الوالدين: فالإحسان موجب وسبب، والرضى أثر ومسبب.

 

فكل ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفية، وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما، فإنه داخل في البر،

 

كما أن العقوق: كل ما يسخطهما من قول أو فعل. ولكن ذلك مقيد بالطاعة لا بالمعصية.

 

فمتى تعذر على الولد إرضاء والديه إلا بإسخاط الله، وجب تقديم محبة الله على محبة الوالدين، وكان اللوم والجناية من الوالدين، فلا يلومان إلا أنفسهما.

 

وفي هذا الحديث: إثبات صفة الرضى والسخط لله، وأن ذلك متعلق بمحابه ومراضيه. فالله تعالى يحب أوليائه وأصفياءه ويحب من قام بطاعته وطاعة رسوله،

 

وهذا من كماله وحكمته وحمده، ورحمته. ورضاه وسخطه،___من صفاته المتعلقة بمشيئته وقدرته.

 

والعصمة في ذلك: أنه يجب على المؤمن أن يثبت ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله من صفات الكمال الذاتية والفعلية، على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده ويعلم أن الله ليس له ند، ولا كفو، ولا مثيل في ذاته وأسمائه، وصفاته وأفعاله. والله أعلم." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

وقال محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى (المتوفى: 1353هـ) _رحمه الله_ في "تحفة الأحوذي" (6/ 21):

"وَسَخَطُ الرَّبِّ (بِفَتْحَتَيْنِ : ضِدُّ الرِّضَا) فِي سَخَطِ الْوَالِدِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُطَاعَ الْأَبُ وَيُكْرَمَ، فَمَنْ أَطَاعَهُ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَغْضَبَهُ، فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ. وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ." اهـ

 

وقال عبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي ثم الْمُنَاوِيّ القاهري (المتوفى: 1031هـ) _رحمه الله في "فيض القدير" (4/ 33):

"وقد تظاهرت على ذلك النصوص، وفي خبر مرفوع: "لعن الله العاق لوالديه." [م]." اهـ

 

وقال محمد بن إسماعيل الحسني، الكحلاني، المعروف بـ"الأمير الصنعاني" (المتوفى: 1182هـ) _رحمه الله_ في "سبل السلام" (2/ 632):

"الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إرْضَاءِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَتَحْرِيمِ إسْخَاطِهِمَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ مَرْضَاةُ اللَّهِ، وَالثَّانِيَ فِيهِ سَخَطُهُ، فَيُقَدِّمُ رِضَاهُمَا عَلَى فِعْلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ،

كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرو «أَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاك؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» [خ م]

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ : "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي قَدْ هَاجَرْت."

قَالَ : "هَلْ لَك أَهْلٌ بِالْيَمَنِ؟" فَقَالَ : "أَبَوَايَ."

قَالَ : "أَذِنَا لَك؟" قَالَ : "لَا"

قَالَ : "فَارْجِعْ، فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَك، فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» وَفِي إسْنَادِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ[3]،

وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْجِهَادِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَالْأَمِيرِ حُسَيْنٍ ذَكَرَهُ فِي الشِّفَاءِ وَالشَّافِعِيُّ، فَقَالُوا: يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْجِهَادِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْأَبَوَانِ إلَّا فَرْضَ الْعَيْنِ. كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْأَبَوَانِ بِالْإِجْمَاعِ.

وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْمَنْدُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَبَوَانِ مَا لَمْ يَتَضَرَّرَا بِسَبَبِ فقد الْوَلَدِ، وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُ رِضَاهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَخَطُ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]،

قُلْت : الْآيَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا إذَا حَمَلَاهُ عَلَى الشِّرْكِ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَالْعَيْنِ، لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ خَصَّصَ فَرْضَ الْعَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَ حَقُّ الْأَبِ وَحَقُّ الْأُمِّ فَحَقُّ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي قَالَ أُمُّك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ أَبُوك»

فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى تَقْدِيمِ رِضَا الْأُمِّ عَلَى رِضَا الْأَبِ،

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ مَا لِلْأَبِ، قَالَ: وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْلِ ثُمَّ الْوَضْعِ ثُمَّ الرَّضَاعِ. قُلْت وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15] وَمِثْلُهَا {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأُمَّ تَفْضُلُ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ وَنَقَلَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقُرة عيون الأخيار - ط الرشد (ص: 216):

"هذا الحديث : دليل على فضل برّ الوالدين ووجوبه، وأنه سبب لرضى الله تعالى. وعلى التحذير عن عقوق الوالدين وتحريمه، وأنه سبب لسخط الله." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقُرة عيون الأخيار" - ط الرشد (ص: 216):

"ولا شك أن هذا من رحمة الله بالوالدين والأولاد؛ إذ بين الوالدين وأولادهم من الاتصال ما لا يشبهه شيء من الصلات والارتباط الوثيق، والإحسان من الوالدين الذي لا يساويه إحسان أحد من الخلق, والتربية المتنوعة وحاجة الأولاد، الدينية والدنيوية إلى القيام بهذا الحق المتأكد؛ وفاء بالحق، واكتساباً للثواب، وتعليماً لذريتهم أن يعاملوهم بما عاملوا به والديهم." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقُرة عيون الأخيار" - ط الرشد (ص: 216_217):

"وفي هذا الحديث : ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضى الوالدين؛ فالإحسان موجب وسبب، والرضى أثر ومسبب. فكل ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفية، وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما، فإنه داخل في البر،

كما أن العقوق، كل ما___يسخطهما من قول أو فعل. ولكن ذلك مقيد بالطاعة لا بالمعصية. فمتى تعذر على الولد إرضاء والديه إلا بإسخاط الله، وجب تقديم محبة الله على محبة الوالدين. وكان اللوم والجناية من الوالدين، فلا يلومان إلا أنفسهما." اهـ

 

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد السعدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقُرة عيون الأخيار - ط الرشد (ص: 217):

"وفي هذا الحديث: إثبات صفة الرضى والسخط لله، وأن ذلك متعلق بمحابه ومراضيه. فالله تعالى يحب أولياءه وأصفياءه. ويحب من قام بطاعته وطاعة رسوله. وهذا من كماله وحكمته وحمده، ورحمته ورضاه وسخطه، من صفاته المتعلقة بمشيئته وقدرته.

والعصمة في ذلك: أنه يجب على المؤمن أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله من صفات الكمال الذاتية والفعلية، على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده. ويعلم أن الله ليس له نِدٌّ، ولا كفو، ولا مثيل في ذاته وأسمائه، وصفاته وأفعاله. والله أعلم."

 

وقال عبد الله بن عبد الرحمن البسام التميمي (المتوفى: 1423هـ) _رحمه الله_ في "توضيح الأحكام من بلوغ المرام" (7/ 331_332):

"* ما يؤخذ من الحديث:

1 - حق الوالدين كبير؛ فقد قرن تبارك وتعالى حقَّه بحقِّهما؛ فقال تعالى: {وَوَصَّيْأَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

2 - وفي هذا الحديث جعل الله رضاه من رضائهما، وسخطه من سخطهما، فمن أرضاهما فقد أرضى الله، ومن أسخطهما فقد أسخط الله.

3 - فيه وجوب إرضائهما، وتحريم إسخاطهما؛ ذلك أن إرضاءهما من الواجبات، وإسخاطهما من المحرمات.

4 - النصوص في وجوب بر الوالدين، وتحريم عقوقهما كثيرة جدًّا، ومنها: ما رواه مسلم (2551) من حديث أبي هريرة، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَغِمَ أنف، ثمَّ رغفَ أنف، ثمَّ رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنَّة".

وجاء في البخاري (527) ومسلم (85) من حديث ابن مسعود قال: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصَّلاة لوقتها، قلت: ثمَّ أي؟ قال: بر الوالدين، قلت؛ ثمَّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".

وجاء في الصحيحين، من حديث أبي بكرة؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلاَ أُنَبِّئُكم بأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: الإِشْرَاكُ باللهِ، وَعُقُوق الوالدين".

5 - وطاعة الوالدين إنَّما تكون بالمعروف؛ فلا طاعة لهما في معصية الله تعالى؛ فقد قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ طاعَة لمخلوقٍ في معصية الخالق".

قال صديق حسن في تفسيره [فتح البيان في مقاصد القرآن (10/ 285)] : "وجملة هذا الباب أنَّ طاعة الوالدين لا____تراعى في ركوب معصية، ولا ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات."

وقال في شرح الإقناع : ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة؛ كتعلم واجبٍ عليه، وما يقوم به دينه، من طهارةٍ، وصلاةٍ، وصيام، ونحو ذلك، وإنْ لم يحصل ذلك ببلده، فله السفر لطلبه بلا إذنهما؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.

6 - أمَّا بخصوص طاعة الوالدين في المباحات:

فقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الَّذي ينتفع به الأبوان، ولا يتضرَّر هو بطاعتهما فيه قسمان:

قسم: يضرهما تركه؛ فهذا لا يستراب في وجوب طاعتهما فيه.

وقسم: ينتفعان به، ولا يضره؛ فتجب طاعتهما فيه.

7 - وقال فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته، قال: لا يحل له أنْ يطلِّقها، بل عليه أنْ يبرها، وليس تطليق امرأته من برها.

قال في الآداب الكبرى: فإن أمره أبوه بطلاق امرأته، لم يجب، ذكره أكثر الأصحاب، وسأل رجلٌ الإمام أحمد، فقال: إنَّ أبي يأمرني أنْ أُطلِّق امرأتي، فقال: لا تطلِّقها.

قال الرَّجل: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أنْ يطلِّق امرأته، قال: حتَّى يكون أبوك مثل عمر، رضي الله عنه." اهـ

 

وقال وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (6/ 284):

"في هذا الحديث فوائد :

* أولاً : الحث على إرضاء الوالدين، وجه ذلك أنه سبب لرضا الله عز وجل ولكن هذا ليس على إطلاقه فإن من الوالدين من يرضى بالفسوق ويسخط الصلاح فهل يكون____رضاهما في رضا الله؟ لا، إذن المراد رضا الوالدين إلا فيما يسخط الله، فإن رضا الله مقدم على رضا الوالدين.

* ومن فوائد الحديث : إثبات الرضا لله عز وجل، وأنه صفة حقيقية وهي غير رضانا، وهذا الذي عليه السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، أي: أن الله تعالى يرضى ويغضب ويكره ويحب وأن هذه صفات كلها حقيقة، لكن من المعلوم أنها لا تشبه رضا المخلوقين أو محبة المخلوقين؛ لأنهما أكمل، وقد قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].

* ومن فوائد الحديث : التحذير من سخط الوالدين؛ لأن ذلك سبب لسخط الله." اهـ



[1] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (2/ 351) : "العُكْبَرِيُّ (بِضَم الْعين وَسُكُون الْكَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخرهَا رَاء) : هَذِه النِّسْبَة إِلَى عكبرا وَهِي بليدَة على دجلة فَوق بَغْدَاد بِعشْرَة فراسخ خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء." اهـ

[2] وفي الأنساب للسمعاني (13/ 95) (رقم : 5007) : "النسوي : بفتح النون والسين المهملة والواو، هذه النسبة إلى نسا، وقد ذكرنا النسبة إليها النسائي، ومنهم من قال: بالواو وجعل النسبة إليها النسوي، واشتهر بهذه النسبة : أبو العباس الحسن ابن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء النسوي الشيباني، إمام، متقن، ورع، حافظ." اهـ

قلت : وهو صاحب الأربعين.

[3] بل الحديث صحيح : صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 648) (رقم : 2482)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين