شرح الحديث 91-93 من الأدب المفرد

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 46)

91 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ (ثقة ثبت: ت 222 هـ):

الحكم بن نافع البهرانى ، أبو اليمان الحمصي، مولى امرأة من بهراء يقال لها أم سلمة كانت عند عمر بن رؤبة التغلبي، كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له :  خ م د ت س ق

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ (ثقة عابد: 162 هـ):

شعيب بن أبى حمزة : دينار ، القرشى الأموى مولاهم ، أبو بشر الحمصي، من كبار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

رتبته عند ابن حجر :  ثقة عابد ، قال ابن معين : من أثبت الناس فى الزهرى

 

عَنِ الزُّهْرِيِّ (الفقيه الحافظ متفق على جلالته و إتقانه : 125 هـ):

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرَةَ القرشي الزهري ، أبو بكر المدني، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ثقة مكثر: ت 94 أو 104 هـ بـ المدينة):

أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشى الزهرى ، المدنى ، قيل اسمه عبد الله ، و قيل إسماعيل (وقيل اسمه و كنيته واحد )، من الوسطى من التابعين

الوفاة :  روى له:  خ م د ت س ق 

 

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ (ت 57 هـ):

عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي اليماني  (حافظ الصحابة) _رضي الله عنه_، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسٌ[1]،

فَقَالَ الْأَقْرَعُ: "إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا."

فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (15/ 431)

6975 - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ*، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَلَا أَرَاهُ يَصْنَعُ هَذَا بِهَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَكُونُ لِيَ الْوَلَدُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ، وَمَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ»

 

مسند أبي يعلى الموصلي (10/ 500)

6113 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ يُقَبِّلُ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا. قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ وُلِدَ لِي عَشَرَةٌ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ»

 

تخريج الحديث:

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 46) (رقم: 91)، صحيح البخاري (8/ 7) (رقم: 5997)، صحيح مسلم (4/ 1808) (رقم: 2318)، سنن أبي داود (4/ 355) (رقم: 5218)، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 318) (رقم: 1911)، وعبد الرزاق الصنعاني في المصنف (11/ 298) (رقم: 20589) مسند الحميدي (2/ 263) (رقم: 1137)، مسند أحمد - عالم الكتب (2/ 228 و 2/ 241 و 2/ 269 و 2/ 514) (رقم: 7121 و 7289 و 7649 و 10673)، النفقة على العيال لابن أبي الدنيا (1/ 340 و 1/ 388 و 1/ 419) (رقم: 178 و 223 و 250)، مسند أبي يعلى الموصلي (10/ 296 و 10/ 385) (رقم: 5892 و 5983)، صحيح ابن حبان (2/ 202 و 2/ 210 و 12/ 406 و 12/ 408 و 15/ 431) (رقم: 457 و 463 و 5594 و 5596 و 6975)، الشريعة للآجري (5/ 2165) (رقم: 1655)، المعجم الأوسط (8/ 64) (رقم: 7974)، وفي مسند الشاميين (4/ 177) (رقم: 3047)، أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (ص: 208) (رقم: 172)، فوائد تمام (1/ 229) (رقم: 556)، أمالي ابن بشران - الجزء الأول (ص: 325) (رقم: 751)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 336) (رقم: 1055)، السنن الكبرى للبيهقي (7/ 162) (رقم: 13576)، شعب الإيمان (13/ 376) (رقم: 10501)، الآداب للبيهقي (ص: 10) (رقم: 13).

 

من فوائد الحديث:

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (37/ 477_480):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من شدّة الرأفة، والشفقة، والرحمة للصغير والكبير،

وهذا من فضل الله تعالى عليه، كما قال تعالى:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159]،

فكان ذلك مصداقَ قوله _عز وجل_: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].

2 - (ومنها): بيان ما عليه الأعراب من بقايا الجفاء، وغلظ الطبع، وقسوة القلب الذي كانوا عليه قبل الإسلام، كما أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله:

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)} [التوبة: 97].

3 - (ومنها): أن من لا يرحم الناس لا يرحمهم الله تعالى. ومن يرحمهم، يرحمه جزاء وفاقًا، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} [الرحمن: 60].

4 - (ومنها): ما قال القرطبيّ رحمه الله: وفي هذه الأحاديث ما يدلّ على

جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة، والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على

جهة الأَنفَة، وهذه القُبلة هي على الفم.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "على الفم" مما لا دليل عليه، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.

قال: ويُكره مثل ذلك في الكبار؛ إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر___الأول، ولا يدلّ على شفقة،

فأما تقبيل الرأس، فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم، وأما تقبيل اليد، فكرهه مالك، ورآه من باب الكِبْر. وإذا كان ذلك مكروهًا في اليد كان أحرى وأَولى في الرِّجْل،

وقد أجاز تقبيل اليد والرِّجل بعض الناس، مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجليه حين سألوه عن مسائل، فأخبرهم بها، ولا حجة في ذلك؛ لأنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد نزهه الله عن الكِبْر، وأُمِنَ ذلك عليه، وليس كذلك غيره؛ ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه، واعتقادهم صدقه، فأقرَّهم على ذلك ليبيِّن للحاضرين _بإذلالهم أنفسهم له_ ما عندهم من معرفتهم بصدقه، وأن كفرهم بذلك عناد وجحد، ولو فَهِمت الصحابة _رضي الله عنهم_ جواز تقبيل يده، ورِجله، لكانوا أوَّل سابق إلى ذلك،

فيفعلون ذلك به دائمًا، وفي كل وقت، كما كانوا يتبركون ببزاقه، ونخامته،

ويدْلُكُوْنَ بذلك وجوههم، ويتطيّبون بعرقه، ويقتتلون على وَضُوئه، ولم يُرْوَ قطُّ

عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قبّل له يدًا ولا رجلًا؛ فصحَّ ما قلناه، والله

وليّ التوفيق. انتهى كلام القرطبيّ ["المفهم" 6/ 110].

قال الجامع _عفا الله عنه_:

هذا الذي قاله القرطبيّ من نفيه ثبوت تقبيل اليد والرِّجل ليس كما زعم، بل هو ثابت عنه _صلى الله عليه وسلم_، من وجوه كثيرة.

قال ابن بطّال رحمه الله: اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك، وأنكر ما روي فيه، وأجازه آخرون، واحتجوا بما رُوي عن ابن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فَرّوا قالوا: نحن الفرارون، فقال: بل أنتم العَكّارون، أنا فئة المؤمنين، قال: فقبّلنا يده،

قال: وقبّل أبو لبابة، وكعب بن مالك، وصاحباه يد النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ حين تاب الله عليهم، ذكره الأبهريّ،

وقبّل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبّل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه.

قال الأبهريّ: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم،

وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدِينه، أو لِعلمه، أو لِشرفه، فإن ذلك

جائز،

قال ابن بطال: وذكر الترمذيّ من حديث صفوان بن عسال: "أن___يهوديين أتيا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فسألاه عن تسع آيات. . . الحديث، وفي آخره: فقبّلا يده ورجله"، قال الترمذيّ: حسن صحيح.

قال الحافظ _رحمه الله_:

"حديث ابن عمر أخرجه البخاريّ في "الأدب المفرد"، وأبو داود،

وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقيّ في "الدلائل"، وابن المقرئ،

وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقرئ،

وحديث أبي عبيدة أخرجه سفيان في "جامعه"،

وحديث ابن عباس أخرجه الطبريّ، وابن المقرئ،

وحديث صفوان أخرجه أيضًا النسائيّ، وابن ماجه، وصححه الحاكم."

قال: "وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقرئ جزءًا في تقبيل اليد، سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرةً وآثارًا.

فمن جَيِّدها حديث الزارع العبديّ، وكان في وفد عبد القيس: "قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبّل يد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ورِجله"، أخرجه أبو داود [حديث حسن، رواه أبو داود][2]،

ومن حديث مزيدة العَصَريّ مثله، ومن حديث أسامة بن شريك: "قال: قمنا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقبّلنا يده"، وسنده قويّ،

ومن حديث جابر: أن عمر قام إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقبّل يده، ومن حديث بُريدة في قصة الأعرابيّ والشجرة: "فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أقبّل رأسك، ورجليك، فأذن له".

وأخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" من رواية عبد الرحمن بن رزين:

قال: "أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفًّا له ضخمة؛ كأنها كف بعير، فقمنا إليها،

فقبّلناها."

وعن ثابت: أنه قبّل يد أنس،

وأخرج أيضًا أن عليًّا قبّل يد العباس، ورِجله،

وأخرجه ابن المقرئ، وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعيّ قال: قلت لابن أبي أوفى:

"ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فناوَلنيها،

فقبّلتها." ["الفتح" 11/ 57]

قال الجامع _عفا الله عنه_:

قد ثبت بما ذُكر مشروعيّة تقبيل اليد والرِّجل؛ فإن هذه الأحاديث منها ما هو صحيح حجة بنفسه، ومنها ما هو ضعيف شاهد للصحيح،

وإنما كرهه من كرهه كمالك إذا كالن للتكبّر والتعظيم، كما سبق عن___الأبهريّ، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد،

وقد كنت كتبت فيه رسالة جمعت فيها ما ورد في التقبيل ونحوه، أسأل الله تعالى أن يرزقني إتمامها، والله تعالى أعلم." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

51- باب أدب الوالد وبره لولده

 

92 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ:

"كَانُوا يَقُولُونَ: (الصَّلَاحُ مِنَ اللَّهِ، وَالْأَدَبُ مِنَ الْآبَاءِ)."

[قال الشيخ الألباني : ضعيف]

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (صدوق يهم):

محمد بن عبد العزيز بن محمد العُمَرِيُّ ، أبو عبد الله الرملي، المعروف بـ"ابن الواسطي" المُؤَذِّن، روى له:  خ تم س 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ (ثقة لكنه كثير التدليس و التسوية: ت 194 أو 195 هـ):

الوليد بن مسلم القرشى مولاهم، أبو العباس الدمشقي، مولى بنى أمية، من الوسطى من أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ نُمَيْرِ بْنِ أَوْسٍ (مقبول):

الوليد بن نمير بن أوس الأشعرى ، الدمشقى، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له :  بخ 

 

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ (ثقة ، ووَهِمَ من عده فى الصحابة: ت 121 أو 122 هـ):

نمير بن أوس الأشعري (قاضى دمشق)، من الوسطى من التابعين، روى له:  بخ ت 

 

نص الحديث:

 

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ:

"كَانُوا يَقُولُونَ: (الصَّلَاحُ مِنَ اللَّهِ، وَالْأَدَبُ مِنَ الْآبَاءِ)."

 

شرح الحديث:

 

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 236)

قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَقُولُونَ أَكْرِمْ وَلَدَك وَأَحْسِنْ أَدَبَهُ.

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 552):

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:

"لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُزَيِّنْ عَمَلَهُ بِالْأَدَبِ." رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: "طَلَبْت الْعِلْمَ فَأَصَبْت فِيهِ شَيْئًا، وَطَلَبْت الْأَدَبَ، فَإِذَا أَهْلُهُ قَدْ مَاتُوا."

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لَا أَدَبَ إلَّا بِعَقْلٍ، وَلَا عَقْلَ إلَّا بِأَدَبٍ،

كَانَ يُقَالُ: الْعَوْنُ لِمَنْ لَا عَوْنَ لَهُ الْأَدَبُ.

وَقَالَ الْأَحْنَفُ: "الْأَدَبُ نُورُ الْعَقْلِ، كَمَا أَنَّ النَّارَ فِي الظُّلْمَةِ نُورُ الْبَصَرِ."

كَانَ يُقَالُ: الْأَدَبُ مِنْ الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ مِنْ اللَّهِ.

كَانَ: يُقَال مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ صَغِيرًا، قَرَّتْ بِهِ عَيْنُهُ كَبِيرًا،

وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّبْهُ وَالِدَاهُ أَدَّبَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ."

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 553)

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ لِي مَخْلَدَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ: نَحْنُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْحَدِيثِ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ»

 

تخريج الحديث:

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 46) (رقم: 92)، النفقة على العيال لابن أبي الدنيا (1/ 536) (رقم: 357)، تاريخ دمشق لابن عساكر (62/ 231)

 

والحديث ضعيف: ضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد (ص: 29) (رقم: 20)، ففيه الوليد بن مسلم، وهو مدلس، ولم يصرح، عن الوليد بن نمير مجهول الحال.

  

  

93 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْقُرَشِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَاهُ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدَكَ نَحَلْتَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَأَشْهِدْ غَيْرِي» ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَلَا إِذًا» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ الشَّهَادَةُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُخْصَةً.

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

 

محمد بن سلام بن الفرج السلمى مولاهم ، أبو عبد الله أو أبو جعفر ، البخارى البيكندى و يقال الباكندى ( أيضا و بالفاء أيضا )

المولد :  162 هـ

الطبقة :  10 : كبار الآخذين عن تبع الأتباع

الوفاة :  227 هـ

روى له :  خ  ( البخاري )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة ثبت

 

عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن محمد و قيل ابن شراحيل ، القرشى البصرى السامى ، أبو محمد ، و لقبه أبو همام

الطبقة :  8  : من الوسطى من أتباع التابعين

الوفاة :  189 هـ

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة

 

داود بن أبى هند : دينار بن عذافر ، و يقال : طهمان القشيرى مولاهم ، أبو بكر ، و يقال أبو محمد ، البصرى ( أصله من خراسان )

الطبقة :  5  : من صغار التابعين

الوفاة :  140 هـ و قيل قبلها

روى له :  خت م د ت س ق  ( البخاري تعليقا - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة متقن ، كان يهم بأخرة

 

عامر بن شراحيل ، و قيل ابن عبد الله بن شراحيل ، و قيل ابن شراحيل بن عبد ، الشعبى ، أبو عمرو الكوفى

الطبقة :  3  : من الوسطى من التابعين

الوفاة :  بعد 100 هـ

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة مشهور فقيه فاضل

 

النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس و يقال ابن خلاس الأنصارى الخزرجى ، أبو عبد الله المدنى ( أمه عمرة بنت رواحة )

المولد :  2 هـ بـ المدينة

الطبقة :  1 : صحابى

الوفاة :  65 هـ بـ حمص

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  له و لأبويه صحبة

 

أخرجه (البخاريّ) في "الهبة" (2586 و 2587 و 2650)، وفي الأدب المفرد (ص: 47) (رقم: 93)، (مسلم) [3/ 4170 و 4171 و 4172 و 4173 و 4174 و 4175 و 4176 و 4177 و 4178 و 4179] (1623)، و (أبو داود) في "البيوع" (3543)، و (الترمذيّ) في "الأحكام" (1367)، و (النسائيّ) في "النُّحْل" (6/ 258 - 259) و"الكبرى" (4/ 117 - 118)، و (ابن ماجه) في "الهبات" (2376)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (16491 و 16492 و 16493)، و (الحميديّ) في "مسنده" (922)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (11/ 220)، و (أحمد) في "مسنده" (4/ 268 و 270)، و (ابن الجارود) في "المنتقى" (991)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (5097 و 5098 و 5099 و 5100 و 5101 و 5102 و 5103 و 5104)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار" (4/ 84 و 87)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (3/ 456)، و (الدارقطنيّ) في "سننه" (3/ 42)، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (6/ 176) و"الصغرى" (5/ 491)، والله تعالى أعلم.

 

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 283_286):

"(المسألة الثالثة): في فوائده:

1 - (منها): بيان مشروعيّة الهبة إذا لم يكن هناك ما يمنعه، من تفضيل بعض الأولاد على بعض.

2 - (ومنها): الندب إلى التأليف بين الإخوة، وتركُ ما يوقع بينهم الشحناء، أو يورث العقوق للآباء، قاله في "الفتح" (1)، وقال القرطبيّ رحمه الله:

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 284)

دلّ الحديث على حضِّ الأب على سلوك الطرق المفضية بابنه إلى برِّه، وتجنّب ما يفضي إلى نقيض ذلك. انتهى (1).

3 - (ومنها): أن عطيّة الأب لابنه الصغير في حِجره لا تحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يُغني عن القبض، وقيل: إن كانت الهبة ذهبًا، أو فضّةً فلا بدّ من عزلها، وإفرازها.

4 - (ومنها): أنه لا ينبغي تحمّل الشهادة فيما ليس بمباح.

5 - (ومنها): مشروعيّة الإشهاد في الهبة، وليس بواجب.

6 - (ومنها): جواز الميل إلى بعض الأولاد، والزوجات، دون بعض، وإن وجبت التسوية بينهم في غير ذلك.

7 - (ومنها): أن للإمام الأعظم أن يتحمّل الشهادة، وتظهر فائدتها، إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يُجيزه، أو يؤدّيها عند بعض نُوّابه.

8 - (ومنها): مشروعيّة استفصال الحاكم، والمفتي عما يحتمل الاستفصال، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ألك ولدٌ غيره؟ "، فلما قال: نعم، قال: "أفكلهم أعطيت مثله؟ "، فلما قال: لا، قال: "لا أشهد"، فيفهم منه أنه لو قال: نعم، لشهد.

9 - (ومنها): جواز تسمية الهبة صدقةً.

10 - (ومنها): أن للإمام كلامًا في مصلحة الولد.

11 - (ومنها): المبادرة إلى قبول الحقّ، وأمْر الحاكم، والمفتي بتقوى الله عز وجل في كلّ حمال.

12 - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى سوء عاقبة الحرص، والتنطّع؛ لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده لَمَا رجع فيه، فلما اشتدّ حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه.

13 - (ومنها): ما قال المهلّب: فيه أن للإمام أن يردّ الهبة، والوصيّة ممن يعرف منه هروبًا عن بعض الورثة.

14 - (ومنها): أنه استُدلّ به على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه،___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 285)

وكذلك الأمّ، وهو قول أكثر الفقهاء، وقد تقدّم تحقيق المذاهب، وأدلّتها في الباب الماضي، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

15 - (ومنها): أنه يدلّ على الاحتياط في العقود بشهادات الأفضل والأكبر.

16 - (ومنها): أن فيه دليلًا: على أن حَوْز الأب لابنه الصغير ما وهبه له جائز، ولا يحتاج إلى أن يحوزه غيره؛ فإن النُّعمان كان صغيرًا، وقد جاء به أبوه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يحمله.

قال عياض: ولا خلاف في هذا بين العلماء فيما يُعرف لا بعينه، واختلف المذهب فيما لا يُعرف بعينه، كالمكيل، والموزون، وكالدراهم: هل يجزئ تعيينه، والإشهاد عليه، والختم عليه في الحوز، أم لا يجزىء ذلك حتى يخرجها من يده إلى يد غيره؟ وأجاز ذلك أبو حنيفة وإن لم يخرجه من يده (1)، وكذلك اختُلف في هبته له جزءًا من ماله مشاعًا.

قال القرطبيّ: وهذا الحكم إنما ينتزعه من هذا الحديث من حمل قوله: "فارجعه" على الاعتصار (2).

واختلف العلماء فيما لم يُقْبَض من الهبات، هل تلزم بالقول، أم لا حتى تُقْبَض؟ فذهب الحسن البصريّ، وحمَّاد بن أبي سليمان، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل إلى أنَّها تلزم بالقول، ولا تحتاج إلى حوزٍ، كالبيع.

وقال أبو حنيفة، والشافعيّ: لا تلزم بالقول، بل بالحوز.

وذهب مالك: إلى أنها تلزم بالقول، وتتم بالحوز، وقد تقدم ذلك، والعلماء مُجْمِعُون على لزومها بالقبض، وهبة المشاع جائزة عند الجمهور، ومنعها أبو حنيفة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 286)

قال الجامع عفا الله عنه: القول باشتراط القبض في الهبة مما يحتاج إلى دليل، فالأرجح ما ذهب إليه الأولون، من لزوم الهبة بالقول، وإن لم تُقبض، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 289_291):

"والحاصل أن المذهب الأول القائل بوجوب التسوية بين الأولاد، وحَمْل النهي على التحريم هو الحقّ؛ لوضوح حجّته، واستنارة محجّته، فيجب التسوية بينهم في العطيّة مطلقًا، سواء كانوا ذُكورًا أو إناثًا، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.

ثم رأيت تحقيقًا للعلامة أبي العبّاس القرطبيّ، وإن كان مضى في كلام الحافظ، إلا أنه أجاد فيه، وأفاد، فأردت إلحاقه بما مضى؛ تتميمًا للفائدة، وتثبيتًا للعائدة، قال رحمه الله:

لا يجوز أن يَخُصَّ بعض ولده بعطاء ابتداءً، وهل ذلك على جهة التحريم، أو الكراهة؟ قولان لأهل العلم، وإلى التحريم ذهب طاووس، ومجاهد، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأن ذلك يُفْسَخُ إن وقع، وذهب الجمهور: مالك في المشهور عنه، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وغيرهم: إلى أن ذلك لا يُفْسَخ إذا وقع، وقد حَكَى ابن المنذر عن مالك وغيره جواز ذلك؛ ولو أعطاه ماله كله، وحَكَى غيره عن مالك: أنَّه إن أعطاه ماله كله أرتجعه، قال___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 290)

سحنون: من أعطى ماله كله ولدًا أو غيره، ولم يبق له ما يقوم به؛ لم يَجُز فِعْله.

فمن قال بالتحريم تمسَّك بظاهر النهي، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلح هذا، ولا أشهد على جوْر"، وبقوله: "اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم"، وبأمره بردّ ذلك، ومن قال بالكراهة انصرف عن ذلك الظاهر بقوله: "أشهدْ على هذا غيري"، قال: ولو كان حرامًا لَمَا قال هذا، وأنه كان يذمُّ من فَعَلَ ذلك، ومن يَشْهَد فيه، ويغلِّظ عليه، كعادته في المعقود المحرَّمة، وبقوله: "أيسرُّك أن يكونوا لك في البرِّ سواء؟ "، فإنه نبَّه على مراعاة الأحسن، وبأن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- نَحَل عائشة -رضي الله عنهما- جادَّ عشرين وسقًا من ماله بالغابة، ولم ينحل غيرها من ولده شيئًا من ذلك، ولأن الأصل جواز تصرُّف الإنسان في ماله مطلقًا، وتأوّل هؤلاء ما احتجَّ به المتقدِّمون من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلح هذا"، وأن ذلك "جَوْر" على أن ذلك على الكراهة؛ لأن من عدل عن الأَوْلى والأصلح يصدُق عليه مثل ذلك الإطلاق؛ لأنه مما لا ينبغي أن يُقْدِم عليه، ولذلك لم يشهد فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأما أمْره بارتجاع ذلك؛ لأنه يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده، كما تقدَّم، وهو يدل على صحَّة الهبة المتقدمة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مُره فليراجعها"، وكان ذلك دليلًا على صحة الطلاق الواقع في الحيض.

وللطائفة الأولى أن تنفصل عن ذلك بمنع: أن قوله: "أشهد على هذا غيري" ليس إذنًا في الشهادة، وإنَّما هو زجرٌ عنها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قد سمَّاه جورًا، وامتنع من الشهادة فيه، فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين في ذلك بوجه.

وعن قوله في قوله: "أيسرك أن يكونوا في البر سواء؟ ": أن ذلك تنبيهٌ على الأحسن، بأن ذلك ممنوع، بل ذلك تنبيهٌ على مدخل المفسدة الناشئة عنه، وهو العقوق؛ الذي هو من الكبائر.

وعن نُحْلِ أبي بكر -رضي الله عنه-: أن ذلك يَحتمل أنَّه كان قد نحل أولاده نُحلًا يعادل ذلك، ولم يُنقَل، ثم إن ذلك الفعل منه لا يعارض به قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التمسك بالأصل: أن ذلك غير قادح؛ لأن الأصل الكلِّيّ والواقعة المعيّنة المخالفة لذلك الأصل في حكمه لا تعارض بينهما، كالعموم والخصوص، وقد___

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 291)

تقرر في الأصول: أن الصحيح بناء العام على الخاص، وعن التأويل: أن ذلك مجاز، وهو على خلاف الأصل، وعن الارتجاع: بمنع أن يُحْمَل ذلك على الاعتصار؛ فإن لفظ الردِّ ظاهر في الفسخ، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ"، أي: مفسوخ، ويؤيد ذلك قوله: "فردَّ أبي تلك الصدقة"، والصَّدقة لا يعتصرها الأب بالاتفاق.

وعند هذا الانفصال يتبيَّن للناظر: أن القائل بالتحريم هو الذي صال، وأمَّا القول بالجواز، فلم يَظْهَر له وجه فيه يُجَاز.

[تنبيه]: مِن أبعد تأويلات ذلك الحديث قول من قال: إن النهي فيه إنَّما يتناول من وهب ماله كلَّه لبعض ولده، وكأنه لم يسمع في الحديث نفسه: إن الموهوب كان غلامًا فقط.

وإنما وهبه له لمَّا سألته أمُّه بعض الموهبة من ماله، وهذا يُعلم منه على القطع: أنه كان له مالٌ غيره. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (1)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.



[1] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 335_336):

"الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَنْدَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافِدًا، رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، ذَكَرَ نِسْبَتَهُ___هَذِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ." اهـ

وفي "الأعلام" للزركلي (2/ 5):

"الأقرع بن حابس (000 - 3 1 هـ = 000 - 651 م):

الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارميّ التميمي: صحابي، من سادات العرب في الجاهلية. قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في وفد من بني دارم (من تميم) فأسلموا.

وشهد حنينا وفتح مكة والطائف. وسكن المدينة. وكان من المؤلفة قلوبهم ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر. وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة.

واستشهد بالجوزجان. وفي المؤرخين من يرى أن اسمه (فراس) وأن الأقرع لقب له، لقرع كان برأسه. وكان حكما في الجاهلية." اهـ

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" – ط. دار صادر (7/ 37)

الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسِ بْنِ عِقَالِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَكَانَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ، وَكَانَ يَنْزِلُ أَرْضَ بَنِي تَمِيمٍ بِبَادِيَةِ الْبَصْرَةِ." اهـ

[2] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 357) (رقم: 5225)، وحسنه الألباني دون ذكر الرجلين في "تخريج المشكاة" (رقم: 4688) - التحقيق الثاني.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين