شرح الحديث 72 من صحيح الترغيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 140)


1 - (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين).


72 - (6) [صحيح] ورُوي عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"طلب العلمِ فريضةٌ على كل مسلمٍ. . . . . " (1).

رواه ابن ماجه وغيره.

__________

(1) انظر التعليق على هذا الحديث في الكتاب الآخر (3 - العلم/ 1 - باب).

 

شرح الحديث:

 

والعلم الذي ورد مدحه وذم جاهله: هو العلم الشرعي من الكتاب والسنة. وبين ذلك جماعة من أهل العلم، منهم:

 

أما العلم لغة:

 

فقال المرتضى الزبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس" (33 / 126):

(عَلِمَهُ _كَسَمِعَه_ عِلْمًا ، بالكَسْرِ : عَرَفَه). اهـ

 

وقال أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، الشهير بـ"ابن فارس" (المتوفى: 395هـ) _رحمه الله_ في "معجم مقاييس اللغة" (4 / 109):

"(علم) -العين واللام والميم- أصلٌ صحيح واحد:

* يدلُّ على أثَرٍ بالشيء يتميَّزُ به عن غيره___...

* والعِلْم: نقيض الجهل، وقياسه قياس العَلَم والعلامة". اهـ من ." اهـ

 

قال علي بن محمد الشريف الجرجاني (المتوفى: 816 هـ) _رحمه الله تعالى_ في التعريفات (1 / 199):

"وقيل: "العلم : هو إدراك الشيء على ما هو به." اهـ

 

وأما تعريف العلم اصطلاحا فقد عرَّفه جماعة من العلماء وههنا أنقل لكم من أقوالهم:

 

قال الشاطبي _رحمه الله تعالى_  من "الاعتصام" (1 / 52):

"ثم العلم الذي أحيل عليه والحق الذي حُمِدَ، إنَّمَا هُوَ القُرْآنُ، وما نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللهِ". اهـ

 

قال الشوكاني _رحمه الله تعالى_ في "فتح القدير للشوكاني" (1 / 373):

"وَفِي ذَلِكَ فضيلة لأهل العلم جليلة، ومنقبة نبيلة لقرنهم بِاسْمِهِ وَاسْمِ مَلَائِكَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِأُولِي الْعِلْمِ هُنَا: عُلَمَاءُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَتِهِمَا، إِذْ لَا اعْتِدَادَ بِعِلْمٍ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلْمِ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ." اهـ

 

قال ابن حجر _رحمه الله تعالى_ في "فتح الباري" (1/ 141):

"وقوله _عز وجل_: (رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) واضح الدلالة في فضل العلم، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم،

والمراد بـ(العلم): العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه." اهـ

 

قوله _صلى الله عليه وسلم_: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)،

قال النووي _رحمه الله_ في "شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية" (ص / 31):

"وفي الحديث: فضل التيسير على المعسر، وفضل السعي في طلب العلم. والمراد: العلم الشرعي." اهـ

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (11/ 396_397) :

"وَالْعِلْمُ الْمَمْدُوحُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي وَرِثَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_:

{إنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ}.

وَهَذَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ :____

"عِلْمٌ بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ" وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ وَفِي مِثْلِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ وَنَحْوَهُمَا.

وَ"الْقِسْمُ الثَّانِي " : الْعِلْمُ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِمَّا كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَمَا هُوَ كَائِنُ الْأُمُورِ الْحَاضِرَةِ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَاتِ الْقَصَصِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَصِفَةَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَ"الْقِسْمُ الثَّالِثُ " : الْعِلْمُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ مِنْ مَعَارِفِ الْقُلُوبِ وَأَحْوَالِهَا وَأَقْوَالِ الْجَوَارِحِ وَأَعْمَالِهَا وَهَذَا الْعِلْمُ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْعِلْمُ بِأُصُولِ الْإِيمَانِ وَقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَهَذَا الْعِلْمُ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَا وُجِدَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ جُزْءٌ مِنْ جُزْءٍ مِنْ جُزْءٍ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ." اهـ

 

وقال ابن تيمية _رحمه الله_ "بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية" (ص: 264):

"العالم في الحقيقة ذو العلم : سواء كان العلم عِلْمَ الشريعةِ والدينِ أو غيرَهُ من العلوم،

وإذا أطلق مُطْلِقٌ فَقَالَ : (رأيت العلماء)، أو (جاءني عالم)، فلا يُفْهَمُ من إطلاقه أصحابُ الْحِرَفِ والصناعات، بل لا يفهم منه إلا علماء الشريعة." اهـ

 

وقال الحافظ ابن رجب _رحمه الله_ :"

"العلم النافع من هذه العلوم كلها : ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك.

والاجتهاد في تمييز صحيحه من سقيمه أولا ثم الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا وفي ذلك كفاية لمن عقل وشغل لمن بالعلم النافع عنى واشتغل". اهـ من "بيان فضل علم السلف على علم الخلف" (ص: 70_71) لابن رجب الحنبلي _رحمه الله_/ ت : محمد بن ناصر العجمي، ط. دار الصميعي، سنة 1406 هـ

 

قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 115):

"(طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم) أَرَادَ بِهِ مَا لَا مندوحة لَهُ عَن تعلمه كمعرفة الصَّانِع ونبوة رسله وَكَيْفِيَّة الصَّلَاة وَنَحْوهَا، فَإِن تعلمه فرض عين." اهـ

 

وقال الصنعاني _رحمه الله_ في "سبل السلام" (2/ 688) عند قوله _صلى الله عليه وسلم_ : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" :

وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا...

وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى شَرَفِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْمُتَفَقِّهِينَ فِيهِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ وَالْعُلَمَاءِ. وَالْمُرَادُ بِهِ: مَعْرِفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ." اهـ

 

q           قال مصطفى بن سعد السيوطي الرحيبانى الحنبلي (المتوفى: 1243هـ) _رحمه الله_ في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (1/ 541):

"وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ:

"أَنَّ تَذَاكُرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ إحْيَائِهَا ، وَأَنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ"

قُلْتُ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالطَّلَاقُ، وَنَحْوُ هذا؟ قَالَ: نَعَمْ." اهـ

 

قال علي بن سلطان القاري عن قوله _صلى الله عليه وسلم_ : ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة)):

"(عِلْمًا): نَكِرَةٌ لِيَشْمَلَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الدِّينِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، إِذَا كَانَ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ." اهـ من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 286)

 

وقال الشاطبي _رحمه الله_ في "الموافقات" (1/ 83):

"وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ بِه." اهـ

 

وقال الشاطبي _رحمه الله_ في "الموافقات" (1/ 89) :

"الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، أَعْنِي: الذي مدح الله ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ أَهْلَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، هُوَ: الْعِلْمُ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ، الَّذِي لَا يُخلي صَاحِبَهُ جَارِيًا مَعَ هَوَاهُ كَيْفَمَا كَان." اهـ

 

وقال شيخنا عبد المحسن العباد _حفظه الله_ :

" العلم المحمود المُثنى عليه وعلى أهله في الكتاب والسّنّة : "علم الشريعة" التي بعث الله بها رسوله الكريم _عليه أفضلُ الصلاةِ وأَتَمُّ التسليمِ_، فكل ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ من مدحٍ للعلم وثناءٍ على حملته، إنما يراد به هذا العلمُ الشرعي، علمُ الكتابِ والسّنّةِ والفقهُ في الدين" . اهـ من كتب ورسائل عبد المحسن بن حمد العباد البدر (5/9)

 

وقال محمود شكري الألوسي _رحمه الله تعالى_ في "روح المعاني" (2/ 81):
"والمراد بـ(العلم) : العلم الشرعي المتقبس من مشكاة النبوة فإن أهله هم الممدوحون." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 81) (رقم : 224)، والبزار في مسنده = البحر الزخار (13/ 240) (رقم : 6746)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 7) (رقم : 9)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (5/ 223) (رقم : 2837)، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 273) و (7/ 210)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 35 و 38) (رقم : 27 و 30)[1]،

 

الحديثُ صحَّحه الألبانيُّ في "صحيح سنن ابن ماجه" رقم (183), واستوفى في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" طرقه بحثًا واستقراءً وتتبُّعًا، ثم قال:

"فالحديثُ بمجموع ذلك صحيحٌ بلا ريب عندي."

 

ثم نقل عن العراقي تصحيحَ بعضِ الأئمة لبعضِ طرقه، ونقل تحسينَ المزي والسيوطي للحديث، ثم قال: "والتحقيق أنه صحيح، والله أعلم".

ثم قال: "اشتهر الحديث في هذه الأزمنة بزيادة "مسلمة", ولا أصل لها ألبتة, وقد نبَّه على ذلك السخاوي فقال: "قد ألحق بعضُ المصنفين بآخر هذا الحديث و"مسلمة", وليس لها ذكرٌ في شيءٍ من طرقه, وإن كان معناها صحيحًا". انظر: "تخريج أحاديث مشكلة الفقر"، للألباني (ص 48 – 62)

 

وقال الإثيوبي في "مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه" (4/ 334):

"والحاصل أن الحديث حسنٌ بكثرة طرقه، وقد أجاد الكلام الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم وفضله" 1/ 23 - 62 واستوفى محقق الكتاب الكلام، فأجاد وأفاد، وكذا الحافظ السخاويّ في "المقاصد الحسنة" ص (275 - 277). والله تعالى أعلم." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/ 170_174):

"قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:

* إِنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْقَوْلِ: عِلْمَ التَّوْحِيدِ، وَمَا يَكُونُ الْعَاقِلُ مُؤْمِنًا بِهِ.

فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ، إِذْ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى الْعُمُومِ، دُونَ الْخُصُوصِ.

* وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِذَا لَمْ يَقُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ كُلِّ سُقْعٍ وَنَاحِيَةٍ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ , وَهَذَا الْقَوْلُ يُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ." اهـ

 

ثم قال الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه (1/ 171_174):

«لَيْسَ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ فَرِيضَةً، إِذَا طَلَبَ بَعْضُهُمْ أَجْزَأَ عَنْ بَعْضٍ مِثْلُ الْجِنَازَةِ إِذَا قَامَ بِهَا بَعْضُهُمْ أَجْزَأَ عَنْ بَعْضٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ»

قُلْتُ: وَالَّذِي أَرَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِفُرُوعِ الدِّينِ،

فَأَمَّا الْأُصُولُ الَّتِي هِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَوْحِيدُهُ وَصِفَاتُهُ وَصِدْقُ رُسُلِهِ، فَمِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَعْضٍ.

* وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَرْضًا أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ مِنْ عِلْمِ حَالِهِ.

وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَ...حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ قُلْتُ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ." أَيُّ شَيْءٍ تَفْسِيرُهُ؟"

قَالَ: «لَيْسَ هُوَ الَّذِي تَطْلُبُونَ، إِنَّمَا طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ، يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَهُ»....

عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ: مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ؟ قَالَ___:

«أَنْ لَا يُقْدِمَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ إِلَّا بِعِلْمٍ، يَسْأَلُ وَيَتَعَلَّمُ , فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ» وَفَسِّرْهُ.

قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاجِبًا أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّكَاةَ. فَإِذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَمْ يُخْرِجُ، وَمَتَى يُخْرِجُ، وَأَيْنَ يَضَعُ. وَسَائِرَ الْأَشْيَاءِ عَلَى هَذَا»

قُلْتُ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , أَنَّهُ أَمَرَ تَاجِرًا بِالْفِقْهِ قَبْلَ التِّجَارَةِ...

عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أُرِيدُ أَنْ أَتَّجِرَ. فَقَالَ لَهُ: «الْفِقْهُ قَبْلَ التِّجَارَةِ، إِنَّهُ مَنْ تَجَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْقَهَ، ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ».___

عَنْ مَالِكٍ _وَذَكَرَ الْعِلْمَ_، فَقَالَ:

«إِنَّ الْعِلْمَ لَحَسَنٌ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَا يَلْزَمُكَ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ، إِلَى حِينَ تُمْسِي، وَمِنْ حِينِ تُمْسِي، إِلَى حِينِ تُصْبِحُ. فَالْزَمْهُ، وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا»...

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنٍ الرَّجُلِ، يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ:

«أَمَّا مَا يُقِيمُ بِهِ الصَّلَاةَ، وَأَمْرَ دِينِهِ مِنَ الصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَذكر شَرَائِع الْإِسْلَامِ» قَالَ: «يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ»

قُلْتُ: فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ طَلَبُ مَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَتُهُ، مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ، عَلَى حَسَبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ،

وَكُلُّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ وَعَبْدٍ، تُلْزَمُهُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ___فَرْضًا، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَعَرُّفُ عِلْمِ ذَلِكَ.

وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَنْ يعْرفَ مَا يَحِلُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ.

فَجَمِيعُ هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا جَهْلُهُ، وَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا فِي تَعَلُّمِ ذَلِكَ، حَتَّى يَبْلُغُونَ الْحُلُمَ، وَهُمْ مُسْلِمُونَ، أَوْ حِينَ يُسْلِمُونَ بَعْدَ بُلُوغِ الْحُلُمِ،

وَيُجْبِرُ الْإِمَامُ أَزْوَاجَ النِّسَاءِ وَسَادَاتِ الْإِمَاءِ عَلَى تَعْلِيمِهِنَّ مَا ذَكَرْنَا،

وَفَرْضٌ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا، أَنْ يَأْخُذَ النَّاسَ بِذَلِكَ، وَيُرَتِّبَ أَقْوَامًا لِتَعْلِيمِ الْجُهَّالِ، وَيفْرضَ لَهُمُ الرِّزْقَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَيَجِبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ تَعْلِيمُ الْجَاهِلِ , لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:

«مَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقًا مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، حَتَّى أَخَذَ مِيثَاقًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَيَانِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ»

 

المدخل لابن الحاج (4/ 200):

"قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ _رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ_:

مَعْنَاهُ: مَا وَجَبَ عَلَيْك عَمَلُهُ وَجَبَ عَلَيْك الْعِلْمُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ الطَّاعَةَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ فَلَيْسَتْ بِطَاعَةٍ.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الصَّائِغَ يَقْعُدُ فِي دُكَّانِهِ وَيَمْتَلِئُ عَلَيْهِ الدُّكَّانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ بِالنِّسَاءِ مَعَ كَوْنِهِ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ فِي الْغَالِبِ وَيُبَاشِرُهُنَّ بِيَدِهِ حِينَ قِيَاسِ مَا صَاغَهُ لَهُنَّ فَيَتَعَيَّنُ الْحَذَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَيُخِلُّ بِالنِّيَّاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا. أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ." اهـ

 

المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 76):

"الخروج من أرضٍ غلبها الحرام، فإن طَلَبَ الحلالِ فَرْضٌ على كلً مسلمٍ. وقد قيل في قوله _صلّى الله عليه وسلم_: (طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ) أنّه طلب علم الحلال من الحرام." اهـ

 

معالم السنن (4/ 185_186):

"وهذا في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه، ويتعين عليه فرضه، كمن رأى كافراً يريد الإسلام يقول: (علموني ما الإسلام، وما الدين؟).

وكمن يرى رجلاً حديثَ الْعَهْدِ بالإسلامِ، لا يُحْسِنُ الصلاةَ، وقد حضر وقتُها: (يقول علموني كيف أصلي).

وكمن جاء مستفتياً في حلال أو حرام، يقول: (افتوني وارشدوني)،

فإنه يلزم في مثل هذه الأمور أن لا يمنعوا الجواب عما سألوا عنه من العلم، فمن فعل ذلك آثماً مستحقاً للوعيد والعقوبة وليس كذلك الأمر في نوافل العلم التي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها.__

وسئل الفضيل بن عياض عن قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم، فقال كل عمل كان عليلت فرضاً فطلب علمه عليك فرض،، وما لم يكن العمل به عليك فرضاً فليس طلب علمه عليك بواجب.

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 431)

عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ، وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ وَلَا أَعْمَلَ بِهِ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ إِنْ تَوْسَّدْتَ الْعِلْمَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَوَسَّدَ الْجَهْلَ» ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ عَلَى مَا مَاتُوا عَلَيْهِ، يُبْعَثُ الْعَالِمُ عَالِمًا، وَالْجَاهِلُ جَاهِلًا.

ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ _رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ_: "مَا أَنْتَ بِوَاجِدٍ شَيْئًا أَضْيَعُ لَهُ مِنْ تَرْكِهِ." اهـ

 

تفسير الموطأ للقنازعي (2/ 577)

وقالَ أَبو عُمَرَ: لَيْسَ هُوَ بِفَرْضٍ، ولَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَيجْزِي فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ، إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ العَدُوُّ بِمَدِينَةِ المُسْلِمِينَ وَيُحَاصِرُوهُمْ، فَوَاجِبٌ عَلَى المُسْلِمِينَ نَصْرَهُم والدَّفْعُ عَنْهُمْ،

وكَذَلِكَ طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَامَّةٌ يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا، ومَنْ كَان فِيهِ مَوْضِع للإمَامَةِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قُوَّةُ الطلَبِ، ويُلْزَمُ كُلُّ مُؤْمِنٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ مَالَا يَسَعْهُ جَهْلُهُ.

وقالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: (طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ الجِهَادِ، ولَوْلَا العِلْمُ مَا عُلِمَ الجِهَادُ)." اهـ

 

الذخيرة للقرافي (1/ 143_144):

"أَفْتَى أَصْحَابُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَحَكَى الشَّافِعِي فِي "رِسَالَتِهِ" وَالْغَزَّالِيُّ فِي "إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ" الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.

فَفَرْضُ الْعَيْنِ الْوَاجِب عَلَى كُلِّ أَحَدٍ: هُوَ عِلْمُهُ بِحَالَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا،

* مِثَالُهُ: رَجُلٌ أَسْلَمَ وَدَخَلَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ،

فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ،

* فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِغِذَائِهِ، قُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَرَادَ الزَّوَاجَ.

وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي ذَلِكَ،

* أَوْ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَهَادَةً،

فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ شُرُوطَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ.

* فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصْرِفَ ذَهَبًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ الصَّرْفِ.

فَكُلُّ حَالَةٍ يَتَّصِفُ بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهَا.

فَعَلَى هَذَا لَا يَنْحَصِرُ فَرْضُ الْعَيْنِ فِي الْعِبَادَاتِ وَلَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَا يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَغْبِيَاءِ،

وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)

فَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حَالَةٌ، فَعَلِمَ، وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ.

وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ،

وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ: فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ طَاعَةً، وَعَصَى اللَّهَ مَعْصِيَةً،

فَفِي هَذَا الْمَقَامِ: يَكُونُ الْعَالِمُ خَيْرًا مِنَ الْجَاهِلِ،

وَالْمَقَامُ الَّذِي يَكُونُ الْجَاهِلُ فِيهِ خَيْرًا مِنَ الْعَالِمِ: مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْلَمُهُ، وَشَرِبَهُ آخَرُ يَجْهَلُهُ. فَإِنَّ الْعَالِمَ يَأْثَمُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، فَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا من الْعَالم___،

وَكَذَلِكَ مَنِ اتَّسَعَ فِي الْعِلْمِ بَاعُهُ، تَعْظُمُ مُؤَاخَذَتُهُ لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ، فَهُوَ أَسْعَدُ حَالًا مِنَ الْعَالِمِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ: فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِحَالَةِ الْإِنْسَانِ،

فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ لِيَكُونُوا قُدْوَةً لِلْمُسْلِمِينَ حِفْظًا لِلشَّرْعِ مِنَ الضَّيَاعِ،

وَالَّذِي يَتَعَيَّنُ لِهَذَا مِنَ النَّاسِ: مَنْ جَادَ حِفْظُهُ، وَحَسُنَ إِدْرَاكُهُ، وَطَابَتْ سَجِيَّتُهُ وَسَرِيرَتُهُ. وَمَنْ لَا، فَلَا." اهـ

 

المدخل لابن الحاج (4/ 211)

يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يَحْرُمُ أَوْ يُنْدَبُ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يُبَاحُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ أَحَدًا بِالْجَهْلِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»

قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْك عَمَلُهُ وَجَبَ عَلَيْك الْعِلْمُ بِهِ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُكَلَّفُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فِي أَمْرِ الزَّادِ وَمَا يُنْفِقُهُ فِي حَجِّهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَطْيَبِ جِهَةٍ تُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ." اهـ

 

المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 318)

قوله: "طلب العلم فريضة" واعلم: أن المراد بالعلم الذي هو فريضة على كل مسلم: العلم الذي طلبه فرض عين لا فرض كفاية، وذلك مختلف باختلاف الأشخاص." اهـ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 34)

وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَجْعَلُ فَضْلَ يَوْمِي فِي تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ؟ فَقَالَ هَلْ تُحْسِنُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَقُومُ بِهِ صَلَاتُك: قَالَ نَعَمْ قَالَ: عَلَيْك بِالْعِلْمِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ وَقِيلَ لَهُ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ قَالَ نَعَمْ لِأَمْرِ دِينِك وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ تَعْلَمَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ وَلَا يُفَرِّطُ فِي ذَلِكَ قُلْتُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ.

قُلْت: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ قَالَ الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْعِلْمِ قَالَ أَمَّا مَا يُقِيمُ بِهِ دِينَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَذَكَرَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ مَنْصُور لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَذَاكَرَ بَعْضِ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إلَيْك مِنْ إحْيَائِهَا قَالَ: الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ قُلْت الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالطَّلَاقُ وَنَحْوُ هَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: «طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبٌ» لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ يَلْزَمُهُ طَلَبُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ إذَا وَقَعَتْ فَلَا حَاجَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي ذَلِكَ.

 

الأربعون حديثا للآجري (ص: 76_77):

"اعْقِلْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ، مَا خَاطَبَكَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ يَحُثُّكَ عَلَى طَلَبِ عِلْمِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعُلَمَاءِ،

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَنَاءَ الْعِلْمِ بِقَبْضِ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَعْلَمَكَ أَنَّ الْخَيْرَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، وَفِيمَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ،

اعْقِلْ هَذَا وَاطْلُبْ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُنْفَى عَنْكَ بِهِ___الْجَهْلُ، وَتَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ وَتُرِيدُ اللَّهَ الْعَظِيمَ بِهِ،

فَإِنَّهُ عَلَيْكَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»." اهـ[2]

 

تنبيه:

 

ورد حديث مشهور في فضل طلب العلم،

أخرجه: شعب الإيمان (3/ 193) (رقم: 1543) بإسناده:

عن الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ، - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - حدثنا أَبُو عَاتِكَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ."

 

وأخرجه: الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 230_231) (رقم: 777)، تاريخ أصبهان = أخبار أصبهان (2/ 124)، المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص: 241) (رقم: 325)، جامع بيان العلم وفضله (1/ 28 و 1/ 30) (رقم: 20 و 22)، الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (ص: 72 و 75 و 76) (رقم: 1 و 2 و 3)،

 

أبو عاتكة البصرى، أو الكوفى، واسمه: طريف بن سلمان (ويقال: سلمان بن طريف)، من صغار التابعين،

 

وفي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (1/ 601):

وقال [الخطيب]: ولا يحفظ " ولو بالصين " إلا عن أبي عاتكة، وهو متروك الحديث...

فآفة الحديث: أبو عاتكة هذا وهو متفق على تضعيفه، بل ضعفه جدا العقيلي كما رأيت والبخاري بقوله: منكر الحديث، والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، كما رواه ابنه عنه (2 / 1 / 494).

وذكره السليماني فيمن عرف بوضع الحديث، وذكر ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 199 / 1) عن الدوري أنه قال: وسألت يحيى بن معين عن أبي عاتكة هذا فلم يعرفه، وعن المروزي: أن أبا عبد الله يعني الإمام أحمد ذكر له هذا الحديث؟ فأنكره إنكارا شديدا."

قلت: وقد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 215) وقال: قال ابن حبان: باطل لا أصل له." اهـ كلام الألباني _رحمه الله_

 

وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (1/ 600) (رقم: 416): "باطل".

 



[1] وله شاهد حسن عن ابن عمر أخرجه تمَّام الرازي في فوائده (1/ 32) (رقم : 56)

[2] وفي الأربعون البلدانية لابن عساكر (ص: 15)

وَأرْسل إِلَيْهِم رَسُولا فيهم أيده بالحجج والبراهين، فعلمهم، وفهمهم، وأدبهم، على وَجه التمرين. وَأمر أمته المرحومة بِطَلَب الْعلم وَلَو بالصين، ليميزوا بِهِ إِذا سَمِعُوهُ: بَين الغث والسمين، ووعد الثَّوَاب لمن حفظ التَّبْلِيغ، والتلقين، على أمته

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين