شرح الحديث 71 من صحيح الترغيب والترهيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 139_140) :

71 - (5) [حسن] وعن صفوان بن عسالٍ المُرادي _رضي الله عنه_ قال:

"أتيت النبيّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وهو في المسجد مُتكئٌ على بُردٍ له أحمرَ، فقلتُ له: يا رسولَ الله! إني جئتُ أطلبُ العلمَ. فقال:

"مرحباً بطالبِ العلمِ، إنَّ طالبَ العلمِ تَحُفُّه الملائكةُ [وتظله](2) بأجنحتِها، ثم يركبُ بعضُهم بعضاً حتى يبلغوا السماءَ الدنيا من محبتهم لما يطلُبُ".___

رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد"،

وروى ابن ماجه نحوه باختصار، ويأتي لفظه إن شاء الله تعالى. [2 - باب/ الحديث الثاني].

__________

(2) زيادة سقطت من الأصل، استدركتها من "الطبراني" (8/ 63/ 1347).

 

ترجمة صفوان بن عسَّالٍ المرادي _رضي الله عنه_ :

 

وقال مغلطاي بن قَلِيْج بن عبد الله البكجري المصري الحكري المعروف بـ"لعلاء الدين مغلطاي الحنفي" (المتوفى: 762هـ) _رحمه الله_ في "إكمال تهذيب الكمال" (6/ 384):

"صفوان بن عسال المرادي ثم الربضي من بني الرَّبَض بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد." اهـ

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1501):

"صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبَضِ بْنِ زَاهِرِ بْنُ مُرَادٍ، وَكَانَ عِدَادُهُ فِي بَنِي حَمَلٍ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، سَكَنَ الْكُوفَةَ." اهـ

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 377) للذهبي :

"صَفْوان بْن عَسّال المُرَادِيّ. [الوفاة: 35 - 40 ه] : غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عشرة غزوة. وله أحاديث." اهـ

 

شرح الحديث:

 

وفي التبصرة لابن الجوزي (2/ 192):

"وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى وَضْعِهَا أَجْنِحَتَهَا ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: بَسْطُ الأَجْنِحَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّوَاضُعَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ. [1]

وَالثَّالِثُ: النُّزُولُ عِنْدَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَتَرْكُ الطَّيَرَانِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى إِلا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ." [م ت ق][2] [وللفائدة، فانظر: معالم السنن (1/ 61) للخطابي]

 

وتمام الحديث فيما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 54) (رقم: 7347):

عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:

حَدَّثَ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ قَالَ:

"أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بُرْدٍ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقَالَ:

«مَرْحَبًا بطالبِ الْعِلْمِ، طَالِبُ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّهِمْ لِمَا يَطْلُبُ، فَمَا جِئْتَ تَطْلُبُ؟»،

قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ:

"يَا رَسُولَ اللهِ، لَا نَزَالُ نُسَافِرُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَأَفْتِنَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ."

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ _صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ_: «ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ»

 

وفي "سنن الترمذي" – ت. أحمد شاكر (5/ 545_546) (رقم: 3535):

عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ المُرَادِيَّ، أَسْأَلُهُ عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ؟ فَقُلْتُ: ابْتِغَاءَ العِلْمِ، فَقَالَ: إِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ حَكَّ فِي صَدْرِي المَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ بَعْدَ الغَائِطِ وَالبَوْلِ، وَكُنْتَ امْرَأً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ، فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ فِي الهَوَى شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ يَا مُحَمَّدُ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ صَوْتِهِ هَاؤُمُ وَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَغْضُضُ. قَالَ الأَعْرَابِيُّ: المَرْءُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ القِيَامَةِ»،___فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَابًا مِنْ قِبَلِ المَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ، أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا، قَالَ سُفْيَانُ: قِبَلَ الشَّامِ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مَفْتُوحًا - يَعْنِي لِلتَّوْبَةِ - لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 54) (رقم : 7347)، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (8/ 42)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 155) (رقم : 162)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" = المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (8/ 45) (رقم : 35).

 

وأخرجه بمعناه أحمد في "مسنده" (30/ 9) رقم : 18089)، وابن حبان في "صحيحه" (3/ 381) (رقم : 1100)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 180) (رقم : 340).

 

من فوائد الحديث:

 

وقال محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى 1442 هـ) _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (3/ 467_469):

"في فوائده:

* مما يستفاد من هذا الحديث: تأدب طالب العلم، واحترامه لشيخه، وقد وردت أحاديث تدل عليه ساق الحافظ المنذري منها ما فيه الكفاية.

فمنها حديث جابر رضي الله عنه:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد -يعني في القبر-، ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ " فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري.

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" رواه أبو داود.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"البَركَة مع أكابركم" رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، وقال: صحيح على___شرط البخاري، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا". رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا". رواه أحمد بإسناد حسن. والطبراني والحاكم إلا أنه قال: "ليس منا".

وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويجل كبيرنا". رواه الطبراني من رواية ابن شهاب، عن واثلة، ولم يسمع منه.

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا". رواه الترمذي، وأبو داود، إلا أنه قال: "ويعرف حق كبيرنا".

وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: لقد سمعت حديثا منذ زمان:

"إذا كنت في قوم، عشرين رجلا، أو أكثر، فتصفحت وجوههم، فلم تر فيهم رجلا يهاب في الله، فاعلم أن الأمر قد رَقَّ" رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

أورد هذه الأحاديث الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، وهي في ص 44 - 45 من صحيح الترغيب للشيخ الألباني.

* ومنها: أن فيه شرف طالب العلم حيث إن الملائكة تخضع له،

وقد وردت في بيان شرفه أحاديث كثيرة:

منها ما أخرجه مسلم وغيره في حديث طويل "ومن سلك طريقا، يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة"

ومنها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، فقال: "مرحبا بطالب العلم، إن طالب___العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضا، حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب". رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم. وقال صحيح الإسناد. اهـ صحيح الترغيب ج 1 ص 32 - 34.

* ومنها: اعتناء المرء بسؤال العلماء عما يهمه من أمر دينه،

قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

* ومنها مشروعية المسح على الخفين في السفر، وتوقيته بثلاثة أيام، وأنه لا ينزع إلا من جنابة.

* ومنها: كون البول، والغائط، والنوم، من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له المصنف.

ولا خلاف بين أهل العلم في كون البول والغائط ناقضا للضوء، وأما النوم فسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 24)

وفي الحديث: فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتًا.

وفيه: فضل العلم وأهله، وفي صحيح مسلم، قال أنس: «ما فرحنا فرحًا أشد ما فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب» . وقال أنس: «أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بعملهم» ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 355_356)

فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ____عَلَى أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْفَلَكِيَّاتِ بَسِيطَةٌ لَا يَخْتَلِفُ مُقْتَضَيَاتُهَا وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَغْيِيرُ مَا هِيَ عَلَيْهِ،

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَوَاعِدُهُمْ مَنْقُوضَةٌ وَمُقَدِّمَاتُهُمْ مَمْنُوعَةٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا امْتِنَاعَ مِنِ انْطِبَاقِ مِنْطِقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَشْرِقُ مَغْرِبًا وَبِالْعَكْسِ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 108) للعثيمين :

هذا الحديث من أحاديث التوبة التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في بيان متي تنقطع التوبة. لكنه يشتمل على فوائد:

منها: أن زر بن حبيش أتي إلي صفوان بن عسال- رضي الله عنه- من أجل العلم- يبتغي العلم- فقال له صفوان بن عسال: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب)) .

وهذه فائدة عظيمة تدل على فضيلة العلم، وطلب العلم؛ والمراد به العلم الشرعي، أي: علم ما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم أما علم الدنيا فللدنيا، لكن طلب العلم الذي جاء به النبي صلي الله عليه وسلم هو الذي فيه الثناء والمدح، والحث عليه في القرآن والسنة. وهو نوع من الجهاد في سبيل الله، لأن هذا الدين قام بأمرين:

قام بالعلم والبيان، وبالسلاح: بالسيف والسنان.

حتى إن بعض العلماء قال: ((إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح)) لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم، والجهاد بالسلاح في سبيل الله مبني على العلم، لا يسير المجاهد، ولا يقاتل، ولا يحجم، ولا يقسم الغنيمة، ولا يحكم بالأسري؛ إلا عن طريق العلم، فالعلم هو كل شيء.

ولهذا قال الله عز وجل : (ايَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: من الآية11)

ووضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب واحتراماً له، وتعظيماً له، ولا يرد على هذا أن يقول القائل: أنا لا___أحس بذلك؟ لأنه إذا صح بذلك؟ لأنه إذا صح الخبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد عيانا.

أرأيت قوله صلي الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا- تبارك وتعالي- كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له)) .

نحن لا نسمع هذا الكلام من الله- عز وجل- لكن لما صح عن نبينا صلي الله علي وسلم صار كأننا نسمعه، ولذلك يجب علينا أن نؤمن بما قال الرسول صلي الله عليه وسلم وبما صح عنه مما يذكر في أمور الغيب، وأن نكون متيقنين لها كأنما نشاهدها بأعيننا ونسمعها بآذاننا.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110)

ففي هذا دليل واضح على أن الإنسان الذي عليه جوارب، أو عليه خفان؛ أن الأفضل أن يمسح عليهما ولا يغسل رجليه.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110)

ومنها: أنه ينبغي إذا أشكل على الإنسان شيء أن يسأل ويبحث عمن هو أعلم بهذا الشيء؛ حتى لا يبقي في قلبه حرج مما سمع، لأن بعض الناس يسمع الشيء من الأحكام الشرعية ويكون في نفسه حرج، ويبقي متشككاً متردداً، لا يسأل أحداً يزيل عنه هذه الشبهة، وهذا خطأ، بل الإنسان ينبغي له أن يسأل حتى يصل إلي أمر يطمئن إليه ولا يبقي عنده قلق.

فهذا زر بن حبيش- رحمه الله- سأل صفوان بن عسال- رضي الله عنه- عن المسح على الخفين؛ وهل عنده شيء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك، فقال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110) :

"فهذا الحديث فيه دليل علي ثبوت المسح على الخفين، وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك، وأخذ بهذا أهل السنة، حتى إن بعض____أهل العلم، الذين صنفوا في كتب العقائد، ذكروا المسح على الخفين في كتاب العقائد؛ وذلك لأن الرافضة خالفوا في ذلك؛ فلم يثبتوا المسح على الخفين وأنكروه،

والعجب أن ممن روي المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ومع ذلك هم ينكرونه ولا يقولون به، فكان المسح على الخفين من شعار أهل السنة ومن الأمور المتوترة عندهم؛ التي ليس عندهم فيها شك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 114)

فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب يوم القيامة)) نعمة عظيمة - ولله الحمد- وقد روي أنس بن مالك- رضي الله عنه- هذه القطعة من الحديث، أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال لرجل يحب الله ورسوله: ((إنك مع من أحببت)) قال أنس: ((فأنا أحب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبابكر عمر وأرجو أن أكون معهم)) .

وهكذا أيضاً نحن نشهد الله - عز وجل- على محبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته، وأئمة الهدي من بعدهم، ونسأل الله أن يجعلنا معهم.

هذه بشري للإنسان؛ أنه إذا احب قوما صار معهم وإن قصر به عمله؛ يكون معهم في الجنة ويجمعه الله معهم في الحشر، ويشربون من حوض الرسول صلي الله عليه وسلم جميعاً." اهـ

 



[1] وفي "بحر الفوائد" للكلاباذي (ص: 327): "يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى «تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا» أَيْ: تَخْضَعُ وَتَتَوَاضَعُ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمُتَوَاضِعِ الْمُنْذَلِّ لِلْحَقِّ خَافِضٌ الْجَنَاحَ،

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] ،

فَوَضْعُ الْجَنَاحِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّوَاضُعِ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ عُمَّالِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمْهَا ذَلِكَ فِي آدَمَ، وَذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ أَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً اسْتَخْبَرَتْ وَسَأَلَتِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الِاسْتِفْهَامِ،

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْكُتُبِيَّةِ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَهَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْظَامِ إِنَّ خَلْقًا يَكُونُ مِنْهُمُ الْفَسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ ثُمَّ يَكُونُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] ، وَعَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} [البقرة: 31] فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] فَقَالَ لِآدَمَ: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [ص:328] فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33] ،

تَصَاغَرَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي نَفْسِهَا وَرَأَتْ فَضْلَ آدَمَ عَلَيْهَا، وَأَلْزَمَهَا اللَّهُ الْخُضُوعَ لَهُ وَالسُّجُودَ، فَسَجَدَتْ لَهُ خُضَّعًا مُتَواضِعِينَ، فَتَأَدَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ الْأَدَبِ، فَلَمَّا ظَهَرَ لَهَا عِلْمُ بَشَرٍ خَضَعَتْ لَهُ وَتَوَاضَعَتْ، وَتَذَلَّلَتْ إِعْظَامًا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَرِضَا مِنْهُمْ بِالطَّلَبِ لَهُ وَالشُّغُلِ بِهِ، فَهَذَا بِالطُّلَابِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْأَخْيَارِ فِيهِمُ الرَّبَّانِيِّينَ مِنْهُمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ بِمَنِّهِ وَطَوْلِهِ إِنَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ." اهـ

[2] وفي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 459) (رقم : 3378) : عَنْ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 2074) (رقم : 2700)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1245) (رقم : 3791)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1002) (رقم : 5748)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين