الحديث الرابع والتسعون من كتاب بهجة قلوب الأبرار لأبي فائزة البوجيسي

 

الحديث الرابع والتسعون: النهي عن الإسراف في المباحات.

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلْ واشربْ، والبَسْ وتصدق، من غَيْرِ سَرَف وَلَا مَخيلة" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود. وعلقه البخاري

 


ترجمة عَبْد الله بن عَمْرو القرشي السهمي _رضي الله عنهما_

 

وقال خير الدين الزركلي في "الأعلام" (4/ 111):

"عَبْد الله بن عَمْرو (7 ق هـ - 65 هـ = 616 - 684 م)

عبد الله بن عمرو بن العاص، من قريش: صحابي، من النساك. من أهل مكة. كان يكتب في الجاهلية، ويحسن السريانية. وأسلم قبل أبيه.

فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أن يكتب ما يسمع منه، فأذن له. وكان كثير العبادة حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا - الحديث.

وكان يشهد الحروب والغزوات. ويضرب بسيفين. وحمل راية أبيه يوم اليرموك. وشهد صفين مع معاوية. وولاه معاوية الكوفة مدة قصيرة.

ولما ولي مزيد امتنع عبد الله من بيعته، وانزوى - في إحدى الروايات - بجهة عسقلان، منقطعا للعبادة. وعمي في آخر حياته. واختلفوا في مكان وفاته. له 700 حديث." اهـ


تخريج الحديث:

 

حسن: أخرجه البخاري في "صحيحه" (7/ 140) قبل (رقم: 5783) تعليقًا، ووصله النسائي في "سننه" (5/ 79) (رقم: 2559)، وفي السنن الكبرى (3/ 62) (رقم: 2351)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1192) (رقم: 3605)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 171) (رقم: 24877)، وأحمد في "مسنده" - عالم الكتب (2/ 181 و 2/182) (رقم: 6695 و 6708)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"  كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 607) (رقم: 571)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (ص: 199) (رقم: 157)، وفي "الشكر" (ص: 22) (رقم: 51) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 150) (رقم: 7188)، وتَمَّام الرازي في "الفوائد" (2/ 106) (رقم: 1265)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 315 و 8/ 259) (رقم: 4251 و 5786)، وفي "الآداب" (ص: 200) (رقم: 488).

 

حسن: حسن الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 830) (رقم: 4505)، "وتخريج المشكاة" (رقم: 4381)

 

شرح المفردات:

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (9/ 78)

والسرف والخيلاء محرمان، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، و {لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 18]

وقال عليه السلام: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره خيلاء) وهذا وعيد شديد." اهـ

 

وقال أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ) في "المفردات في غريب القرآن" (ص: 407): "السَّرَفُ: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان." اهـ

 

وقال مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ) في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" (3/ 216):

"بصيرة فى السرف:

وهو مجاوزة الحدّ فى النفقة وغيره، وفى النفقة أَشهر. وتارة يقال اعتبارًا بالقَدْر، وتارةً بالكيفيَّة، ولهذا قال سفيان: ما أَنفقتَ فى غير طاعة الله فهو سَرَف وإِن كان قليلا. وقوله تعالى: {وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار} أَى المتجاوزون فى أُمورهم الحدّ.

وسُمِّىَ قوم لوط مسرفين لأَنَّهم تعدّوا فى وضع البَذْر المَحرث المخصوص بقوله تعالى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} .

وقولُه: {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} يتناول الإِسراف فى الأَموال وغيرها. وقولُه: {فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل} فسَرَفه أَن يقتل غير قاتله، إِمّا بالعدول عنه إِلى ما هو أَشرف منه، أَو بتجاوز قتل القاتل إِلى غيره، حَسْبَمَا كانت الجاهليّة تفعله." اهـ

 

قال الله _تعالى_:

{يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]

 

جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 203)

الَّذِي يحب الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء فَإِن هَذَا مَحْمُود، وَبِه يصلح حَالُ بني آدم، وَلَوْلَا ذَلِك لما استقامت نفس الْأَنْسَاب وَلَا وجدت الذُّرِّيَّة وَلَكِن يجب الْعدْل وَالْقَصْد فِي ذَلِك كَمَا قَالَ تَعَالَى وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا وكما قَالَ تَعَالَى:

{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} [المؤمنون: 6، 7]

فَإِذا تجَاوز حد الْعدْل وَهُوَ الْمَشْرُوع صَار ظَالِما عاديا بِحَسب ظلمه وعدوانه." اهـ

 

وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (2/ 137):

"وقد جعل الله _سبحانه_ للعدل المأمور به حدا، فمن تجاوزه كان ظالما معتديا، وله من الذم والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه، الذى خرج به عن العدل،

ولهذا قال _سبحانه وتعالى_: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] .

قال فيمن ابتغى سوى زوجته أو ملك يمينه:

{فَمَن اُبْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولِئكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وقال {وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]." اهـ

 

قال السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 287)

 فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما." اهـ

 

تفسير ابن كثير ت سلامة (3/ 406)

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ: سرَف ومَخِيلة.

 

الطب النبوي لابن القيم (ص: 158)

وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]،

فَأَرْشَدَ عِبَادَهُ إِلَى إِدْخَالِ مَا يُقِيمُ الْبَدَنَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عِوَضَ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ فِي الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ،

فَمَتَى جَاوَزَ ذَلِكَ كَانَ إِسْرَافًا، وَكِلَاهُمَا مَانِعٌ مِنَ الصِّحَّةِ جَالِبٌ لِلْمَرَضِ، أَعْنِي عَدَمَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَوِ الْإِسْرَافَ فِيهِ.

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 193_194):

"هذا الحديث مشتمل على استعمال المال في الأمور النافعة في الدين والدنيا، وتجنب الأمور الضارة.

وذلك أن الله تعالى جعل المال قواما للعباد، به تقوم أحوالهم الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية.

وقد أرشد الله ورسوله فيه - استخراجا واستعمالا، وتدبيرا وتصريفا - إلى أحسن الطرق وأنفعها، وأحسنها عاقبة: حالا ومآلا.

أرشد فيه إلى السعي في تحصيله بالأسباب المباحة والنافعة، وأن يكون الطلب جميلا، ولا كسل معه ولا فتور، ولا انهماك في تحصيله انهماكا يخل بحالة الإنسان، وأن يتجنب من المكاسب المحرمة والرديئة،

 

ثم إذا تحصل، سعى الإنسان في حفظه واستعماله بالمعروف، بالأكل والشرب واللباس،___والأمور المحتاج إليها، هو ومن يتصل به من زوجة وأولاد وغيرهم، من غير تقتير ولا تبذير.

 

وكذلك إذا أخرجه للغير، فيخرجه في الطرق التي تنفعه، ويبقى له ثوابها وخيرها، كالصدقة على المحتاج من الأقارب والجيران ونحوهم، وكالإهداء والدعوات التي جرى العرف بها.

 

وكل ذلك معلق بعدم الإسراف، وقصد الفخر والخيلاء، كما قيده في هذا الحديث، وكما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]

فهذا هو العدل في تدبير المال: أن يكون قواما[1] بين رتبتي البخل والتبذير، وبذلك تقوم الأمور وتتم.

وما سوى هذا، فإثم وضرر، ونقص في العقل والحال. والله أعلم.

 

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (3/ 102)

(ومنها): إباحة التجمّل بلبس الثياب الجميلة، والنعال الجميلة، لكن بشرط أن يخلو ذلك من الْمَخِيلة، والإسراف

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 61)

في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان ذمّ الخيلاء في الصدقة، على الوجه الذي قررناه آنفًا (ومنها): إباحة أكل الطيّبات، والمستلذّات، بشرط أن لا يصل إلى حدّ الإسراف (ومنها): إباحة التجمّل باللباس، إذا لم يؤدّ إلى الإسراف أيضًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".



[1] وسطا

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين