شرح الحديث 88 من الأدب المفرد

 

48- بَابُ مَنْ دَعَا لِصَاحِبِهِ أَنْ أكثِر مَالَهُ وولده

 

88 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَوْمًا، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي، إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا: «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ؟»

وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: فَأَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟

فَقَالَ: "جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ؟"

ثُمَّ صَلَّى بِنَا، ثُمَّ دَعَا لَنَا - أَهْلَ الْبَيْتِ - بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَتْ أُمِّي: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُوَيْدِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، كَانَ فِي آخِرِ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ»

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ (ثقة ثبت: ت 223 هـ بـ البصرة):

موسى بن إسماعيل المنقرى ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكى البصرى، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ (ثقة ثقة : ت 165 هـ):

سليمان بن المغيرة القيسى مولاهم البصرى ، أبو سعيد ، مولى بنى قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل، من كبار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

عَنْ ثَابِتٍ (ثقة عابد: ت 100 و بضع و عشرون هـ ):

ثابت بن أسلم البنانى ، أبو محمد البصرى، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق 

 

عَنْ أَنَسٍ (ت 92 هـ و قيل 93 هـ):

أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارى النجارى ، أبو حمزة المدنى، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث وشرحه:

 

عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

"دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يَوْمًا، وَمَا هُوَ[1] إِلَّا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي، إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا: «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ؟»

وفي: (ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ)

 

وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: فَأَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟

فَقَالَ: "جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ؟"

 

"(فَقَالَ رَجُلٌ) وفي رواية أبي نعيم في "مستخرجه": "فقال رجلٌ من القوم"، ولا يُعرف هذا الرجل القائل، كما قاله صاحب "التنبيه". (لِثَابِتٍ) البنانيّ (أَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟ ) -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي على أي جهة منه أقامه؟ (قَالَ) ثابتٌ (جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ) أي جهة يمين النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-." اهـ من البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 321)

 

 

ثُمَّ صَلَّى بِنَا، ثُمَّ دَعَا لَنَا - أَهْلَ الْبَيْتِ - بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،

 

(بِكُلِّ خَيْرٍ) متعلّق بـ "دعا" (مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) هذا الدعاء لعموم أهل بيت أنس، غير الدعاء الخاصّ به الذي ذكره بقوله: (فَقَالَتْ أُمِّي) أمّ سُليم -رضي اللَّه عنها- (يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُوَيْدِمُكَ) خَيْرٍ) متعلّق بـ "دعا" (مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) هذا الدعاء لعموم أهل بيت أنس، غير الدعاء الخاصّ به الذي ذكره بقوله: (فَقَالَتْ أُمِّي) أمّ سُليم -رضي اللَّه عنها- (يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُوَيْدِمُكَ).[2]

 

فَقَالَتْ أُمِّي: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُوَيْدِمُكَ، ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، كَانَ فِي آخِرِ دُعَائِهِ أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ»

 

(َأُمِّي) أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصاريّة، يقال: اسمها سَهْلة، أو رُميلة، أو رُميثة، أو مُليكة، أو غير ذلك، اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيّات الفاضلات، ماتت في خلافة عثمان -رضي اللَّه عنه-.

 

"(قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه- (فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ) هذا يدلّ على أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا لأنس -رضي اللَّه عنه- بدعوات كثيرة."[3]

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 229)

وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَلَدَةَ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:

(كَانَ لِأَنَسٍ بُسْتَانٌ يُحْمَلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ رَيْحَانُ يَجِيءُ مِنْهُ رِيحُ الْمِسْكِ)،

وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (وَإِنَّ أَرْضِي لَتُثْمِرُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَمَا فِي الْبَلَدِ شَيْءٌ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ غَيْرُهَا)." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 229)

وَوَقَعَ لِمُسْلِمِ فِي رِوَايَةِ الْجَعْدِ عَنْ أَنَسٍ: (فَدَعَا لِي بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ، قَدْ رَأَيْتُ مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ)،

وَلَمْ يُبَيِّنْهَا، وَهِيَ الْمَغْفِرَةُ، كَمَا بَيَّنَهَا سِنَانُ بن ربيعَة بِزِيَادَة وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَطِلْ عُمُرَهُ وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ)." اهـ

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 45) (رقم: 88)، صحيح البخاري (1/ 86 و 1/ 146 و 1/ 171 و 1/ 173 و 3/ 41 و 8/ 73 و 8/ 75 و 8/ 81) (رقم: 380 و 727 و 860 و 871 و 1982 و 6334 و 6344 و 6380)، صحيح مسلم (1/ 457 و 4/ 1929) (رقم: 658 و 660 و 2481)، سنن أبي داود (1/ 165 و 1/ 166) (رقم: 608 و 612)، سنن الترمذي ت شاكر (1/ 454 و 5/ 681) (رقم: 234 و 3827)، سنن النسائي (2/ 56 و 2/ 85_86 و 2/ 118) (رقم: 737 و 801_803 و 869)، وابن ماجه (رقم: 975).

 

شرح الحديث وطرقه:

 

وفي صحيح البخاري (1/ 146) (رقم: 727):

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ، فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا»

 

سنن النسائي (2/ 56) (رقم: 737): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَهَا فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا فَتَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، فَأَتَاهَا فَعَمِدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَنَضَحَتْهُ بِمَاءٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّوْا مَعَهُ»

 

صحيح البخاري (3/ 41) (رقم: 1982):

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ» ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً، قَالَ: «مَا هِيَ؟»، قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ:

«اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ»،

فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ: أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ البَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ." اهـ

 

صحيح مسلم (4/ 1929) (رقم: 2481): عن أَنَس، قَالَ:

"جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ[4]، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ: «اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ، الْيَوْمَ."

 

صحيح البخاري (8/ 73) (رقم: 6334): عن أَنَس، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ»

 

من فوائد الحديث:

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 240)

وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن كَثْرَة المَال لَا تكره، لِأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بذلك لأنس، وَهَذَا خلاف مَا يَظُنّهُ جهال المتزهدين.

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 185_186):

"* في هذا الحديث من الفقه جواز الدعاء لشخص معين، كما سألت أم سليم أن يدعو لولدها أنيس.

* وفيه ما يدل على كثرة المال والولد ليس بمكروه على الإطلاق؛ ولكنه قد يكون سبيل خير وبركة وفلاح، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدعو لأنس إلا لما فيه الخير لدينه، ولاسيما قد بلغ ولده على ما يزيد على مئة مسلم، فهؤلاء يدخل الوالد بواحد منهم الجنة.

* وفيه دليل على أن أنسا من المغفور لهم لأنه قال: أرجو الثالثة في الآخرة،___وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخيب.

* وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لأنس بما رآه هو - صلى الله عليه وسلم - ولم يكله إلى اختيار غيره، فإنه لم يأت عن أن سليم أنها التمست الدعاء لولدها لولد ولا بمال، ولكن فوضت ذلك إلى اختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بدعوات فيها ذلك، فكان من بركة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يضره المال والولد.

* وفيه أيضا جواز أن يصلي النافلة في جماعة.

 

شرح النووي على مسلم (16/ 39)

هَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ

* وَفِيهِ فَضَائِلُ لِأَنَسٍ،

* وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْفَقِيرِ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذَا قَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى بُورِكَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ وَلَا تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَتَطَرَّقُ إِلَى سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ،

* وَفِيهِ: هَذَا الْأَدَبُ___البديع وهو أنه إذا دعا بشئ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَى دُعَائِهِ طَلَبَ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَالصِّيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا،

وَكَانَ أَنَسٌ وَوَلَدُهُ رَحْمَةً وَخَيْرًا وَنَفْعًا بِلَا ضَرَرٍ بِسَبَبِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

قَوْلُهُ (وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ) مَعْنَاهُ وَيَبْلُغُ عَدَدُهُمْ نحو المائة." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (4/ 229_230):

"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ:

* جَوَازُ التَّصْغِيرِ عَلَى مَعْنَى التَّلَطُّفِ، لَا التَّحْقِيرِ،

* وَتُحْفَةُ الزَّائِرِ بِمَا حَضَرَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ،

* وَجَوَازُ رَدِّ الْهَدِيَّةِ إِذَا لَمْ يَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُهْدِي،

* وَأَنَّ أَخْذَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَهُ لَيْسَ مِنَ الْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ،

* وَفِيهِ: حِفْظُ الطَّعَامِ، وَتَرْكُ التَّفْرِيطِ،

* فِيهِ: وَجَبْرُ خَاطِرِ الْمُزَوِّرِ إِذَا لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ،

* وَمَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ عَقِبَ الصَّلَاةِ،

* وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَمَامَ طَلَبِ الْحَاجَةِ،

وَالدُّعَاءُ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،

* وَالدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْخَيْرَ الْأُخْرَوِيَّ، وَإِنْ فَضْلَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ،

وَفِيهِ: زِيَارَةُ الْإِمَامِ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ وَدُخُولُ بَيْتِ الرَّجُلِ فِي غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي طُرُقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: إِنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ حَاضِرًا.

* وَفِيهِ إِيثَارُ الْوَلَدِ عَلَى النَّفْسِ وَحُسْنُ التَّلَطُّفِ فِي السُّؤَالِ،

* وَأَن كَثْرَة الْمَوْت فِي الْأَوْلَاد لاينافى إِجَابَةَ الدُّعَاءِ بِطَلَبِ كَثْرَتِهِمْ، وَلَا طَلَبِ الْبَرَكَةِ فِيهِمْ لِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْمُصِيبَةِ بِمَوْتِهِمْ وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ،

* وَفِيهِ: التَّحَدُّثُ بِنِعَمِ___اللَّهِ تَعَالَى وَبِمُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِي إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ مِنَ الْأَمْرِ النَّادِرِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ كَثْرَةِ الْمَالِ مَعَ كَثْرَةِ الْوَلَدِ وَكَوْنُ بُسْتَانِ الْمَدْعُوِّ لَهُ صَارَ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ التَّأْرِيخُ بِالْأَمْرِ الشَّهِيرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى صَلَاحِ الْمُؤَرَّخِ بِهِ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْبُضْعِ فِيمَا زَادَ عَلَى عَقْدِ الْعُشْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ على مَا قبل الْعشْرين." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 321)

وفيه أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 323)

(قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه- (فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ) هذا يدلّ على أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا لأنس -رضي اللَّه عنه- بدعوات كثيرة

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 324_327):

في فوائده[5]:

1 - (منها): بيان جواز الجماعة في النافلة.

2 - (ومنها): مشروعيّة الدعاء للخادم؛ مكافأة على إحسانه، فقد أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائيّ بإسناد صحيح، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من استعاذ باللَّه فأعيذوه، ومن سألكم باللَّه فأعطوه، ومن استجار باللَّه فأجيروه، ومن آتى إليكم معروفًا، فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له، حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

3 - (ومنها): جواز التصغير على معنى التلطّف لا التحقير.

4 - (ومنها): تحفة الزائر بما حضر بغير تكلُّف.

5 - (ومنها): جواز ردّ الهدية إذا لم يَشُقّ ذلك على المهدي، وأن أخذ من رد عليه ذلك له ليس من العود في الهبة.

6 - (ومنها): حفظ الطعام وترك التفريط فيه، وجبر خاطر المزور إذا لم يؤكل عنده بالدعاء له.

7 - (ومنها): مشروعية الدعاء عقب الصلاة، وتقديم الصلاة أمام طلب الحاجة.

8 - (ومنها): استحباب الدعاء بخير الدنيا والآخرة؛ لأن كلّ ذلك بيد اللَّه عزَّ وجلَّ، وقد رغّب اللَّه تعالى في ذلك حيث قال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} [البقرة: 201، 202]، وقال عزَّ وجلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء: 134].

9 - (ومنها): جواز الدعاء بكثرة المال والولد، وأن ذلك لا ينافي الخير الأخرويّ، وأنّ فَضْلَ التقلل من الدنيا يختلف باختلاف الأشخاص.

10 - (ومنها): زيارة الإمام بعض رعيته.

11 - (ومنها): جواز دخول بيت الرجل في غيبته؛ لأنه لم يُنقَل في طرق هذه القصّة أن أبا طلحة -رضي اللَّه عنه- كان حاضرًا.

12 - (ومنها): إيثار الولد على النفس، وحسن التلطف في السؤال.

13 - (ومنها): أن كثرة الموت في الأولاد لا ينافي إجابة الدعاء بطلب كثرتهم، ولا طلب البركة فيهم؛ لما يحصل من المصيبة بموتهم، والصبرِ على ذلك من الثواب.

14 - (ومنها): التحدث بنعم اللَّه تعالى، وبمعجزات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد، وكون بستان المدعوّ له صار يثمر مرتين في السنة دون غيره.

15 - (ومنها): أن فيه التاريخ بالأمر الشهير، ولا يَتَوَقَّف ذلك على صلاح المؤرَّخ به.

16 - (ومنها): أنه إنما دعا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأنس بالبركة في ماله؛ لأن مجرّد كثرة المال لا ينفع صاحبه إلا إذا بارك اللَّه تعالى له فيه، فقام بواجبه، وإلا يكون وبالًا عليه، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه، وقليلٌ ما هم"، وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، وهكذا، وقليلٌ ما هم، عن يمينه، وعن شماله، وبين يديه، ووراءه".

17 - (ومنها): أن اللَّه تعالى أكرم نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث استجاب دعاءه لأنس -رضي اللَّه عنه-، فكان أكثر الناس مالًا وولدًا، وطال عمره.

أما كثرة ماله، وولده، فقد أخرج مسلم في "فضائل الصحابة" من طريق إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: جاءت بي أمي، أم أنس إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد أَزَّرَتني بنصف خمارها، ورَدّتني بنصفه، فقالت:___يا رسول اللَّه، هذا أُنيس ابني أتيتك به يخدُمك، فادع اللَّه له، فقال: "اللهم أكثر ماله وولده"، قال أنس: فواللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادُّون على نحو المائة اليوم.

وفي "كتاب الصوم" من "صحيح البخاريّ": قال أنس: وحدّثتني ابنتي أُمينة أنه دُفِن لصلبي مَقْدَم الحجاج البصرة[6] بضع وعشرون ومائة[7].

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان أكثر الصحابة أولادًا، وقد قال ابن قُتيبة في "المعارف": كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كلُّ واحد منهم من ولده مائةَ ذكر لصلبه: أبو بكرة، وأنس، وخليفة بن بدر، وزاد غيره رابعًا، وهو المهلَّب بن أبي صُفْرة.

وأخرج الترمذيّ، عن أبي العالية في ذكر أنس: وكان له بستان يأتي في كل سنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك، ورجاله ثقات.___

ولأبي نعيم في "الحلية" من طريق حفصة بنت سيرين، عن أنس، قال: "وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين، وما في البلد شيء يُثمر مرتين غيرها" ["الفتح" 4/ 269 "كتاب الصوم" رقم (1982)].

وأما طول عمره -رضي اللَّه عنه-، فقد ثبت في "الصحيح" أنه كان في الهجرة ابن تسع سنين، وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل، وقيل: سنة ثلاث، وله مائة وثلاث سنين، قاله خليفة، وهو المعتمد، وأكثر ما قيل في سنِّه أنه بلغ مائة وسبع سنين، وأقل ما قيل فيه: تسعًا وتسعين سنةً، أفاده في "الفتح" [راجع: "الفتح" 11/ 149 "كتاب الدعوات" رقم (6344)]،

واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

 



[1] وفي "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (14/ 320):

"(وَمَا هُوَ إِلَّا أَنَا) "ما" هنا نافية، و"هو" في محل رفع مبتدأ، وهو ضمير يفسِّره خبره، أي لا يُعْلَم ما يراد به إلا بذكر خبره، وهو من الضمائر التي يفسِّرها ما بعدها لفظًا ورتبةً، أفاده السمين الحلبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في إعراب قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا} [الأنعام: 29] الآية." اهـ

[2] وفي " البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 322)

 

[3] وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (14/ 323)

[4] (وَرَدَّتْنِى)؛ أي: جعلتني

أرتدي (بِنِصْفِهِ)؛ أي: بنصف الخمار، والمعنى: أنها ألبسته خمارها بحيث قام الخمار مقام الثوبين، فصار نصفه على أسفل الجسم كالإزار، وجعلت النصف الباقي على أعلى الجسم، فصار كالرداء، والله تعالى أعلم.

 

[5] المراد فوائد الحديث بجميع رواياته المختلفة التي أوردتها في الشرح، لا خصوص سياق المصنّف هنا، فتنبّه.

[6] "قوله: "مقدم الحجاج البصرة" بالنصب على نزع الخافض: أي من أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج، ووقع ذلك صريحًا في رواية ابن أبي عديّ، ولفظه: وذَكَر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دُفن لصلبه إلى مقدم الحجاج، وكان قدوم الحجاج البصرة سنة خمس وسبعين، وعمر أنس حينئذ نيف وثمانون سنة، وقد عاش أنس بعد ذلك إلى سنة ثلاث، ويقال: اثنتين، ويقال: إحدى وتسعين، وقد قارب المائة، قاله في "الفتح" 4/ 169 "كتاب الصوم" رقم (1982)." اهـ

[7] قوله: "بضع وعشرون ومائة" في رواية ابن أبي عديّ: "نيف على عشرين ومائة"، وفي رواية الأنصاريّ، عن حميد، عند البيهقي في "الدلائل": "تسع وعشرون ومائة"، وهو عند الخطيب في "رواية الآباء عن الأبناء"، من هذا الوجه، بلفظ: "ثلاث وعشرون ومائة"، وفي رواية حفصة بنت سيرين: "ولقد دفنت من صلبي سوى ولد ولدي خمسة وعشرين ومائة"، وفي "الحلية" أيضًا من طريق عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس، قال: "دفنت مائة لا سِقْطًا ولا ولد ولد"، ولعل هذا الاختلاف سبب العدول إلى البضع والنيف، وفي ذكر هذا دلالة على كثرة ما جاءه من الولد، فإن هذا القدر هو الذي مات منهم، وأما الذين بَقُوا ففي رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، عند مسلم: "وإن ولدي وولد ولدي ليتعادُّون على نحو المائة"، ذكره في "الفتح" 4/ 270.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين