شرح الحديث 67 من كتاب العلم (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين) من صحيح الترغيب

 

3 - كتاب العِلم

 

1 - (الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه، وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين).

 

67 - (1) [صحيح] عن معاوية رضي الله عنه قال :

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من يُرِد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين" (1). رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.(2)

 

[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"يا أيها الناسُ! إنما العلم بالتعلّمِ، والفقهُ بالتفقه، ومن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ".

وفي إسناده راوٍ لم يسم. (3)

__________

(1) (الفقه) في الأصل: الفهم، يقال: فَقِه الرجل بالكسر يفقَه فقهاً إذا فهمٍ وعلم.

وفَقُه بالضم يفقه إذا صار فقهياً عالماً. وقد جعله العرفَ خاصاً بعلم الشريعة، وتخصيصاً بعلم الفروع منها. قاله أبو السعادات!

أقول: تخصيصه بعلم الفروع لا دليل عليه، فقد روى الدارمي عن عمران المنقَرِيِّ قال: قلت للحَسَنِ يَوْماً في شيء: "ما هكذا قال الفقهاء." قال: "ويحك هل رأيت فقيهاً؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه."[1]

(2) في الأصل هنا ما نصه: "ورواه أبو يعلى وزاد فيه : "ومن لم يفقهه لم يبالِ به"،

ولما كان إسناده ضعيفاً جداً، فلم أذكره مع "الصحيح" على ما هو مبين في "المقدمة"، وهو مخرج في "الضعيفة" (6708).

(3) له طرق وشواهد تقويه، فانظر "الصحيحة" (342).

 

ترجمة معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنهما_:

 

قال خير الدين الزِّرِكْلِيُّ في "الأعلام" (7/ 261):

"معاوية بن أبي سُفْيَان (20 ق هـ - 60 هـ = 603 - 680 م):

معاوية بن (أبي سفيان) صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي: مُؤَسِّسُ الدولةِ الأُمَوِيَّةِ في الشامِ، وأحد دُهَاةِ العرب المتميزين الكبار. كان فصيحا حليما وقورا.

ولد بمكة، وأسلم يوم فتحها (سنة 8 هـ وتعلم الكتابة والحساب، فجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتَّابه.

ولما ولي (أبو بكر) ولاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدمته في فتح مدينة صيداء وعرقة وجبيل وبيروت.

ولما ولي (عمر) جعله واليا على الأردن، ورأى فيه حزما وعلما فولاه دمشق بعد موت أميرها يزيدَ (أخيه).

وجاء (عثمان) فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. وقتل عثمان.

فوَلِيَ (علي بن أبي طالب)، فوجه لفوره بعزل معاوية. وعلم معاوية بالأمر قبل وصول البريد، فنادى بثأر عثمان واتهم عليا بدمه.[2]

ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام وإمامة علي في العراق. ثم قُتِلَ عليٌّ، وبويع بَعْدُ ابْنُه الحسنُ، فسلَّم الخلافةَ إلى معاوية سنة 41 هـ.

ودامت لمعاوية الخلافةُ إلى أن بلغ سنَّ الشيخوخة، فعهد بها إلى___ابنه (يزيد) ومات في دمشق.

له 130 حديثا، اتفق البخاري ومسلم على أربعة منها وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.

وهو أحد عظماء الفاتحين في الإسلام، بلغت فتوحاته المحيط الأتلانطيقي، وافتتح عامله بمصر بلاد السودان (سنة 43) . وهو أول مسلم ركب بحر الروم للغزو. وفي أيامه فتح كثير من جزائر يونان والدَّرْدَنِيْلِ.

وحاصر القسطنطينية برا وبحرا (سنة 48)، وهو أول من جعل دمشق مقر خلافة، وأول من اتخذ المقاصير (الدور الواسعة المحصنة والمقصورة كذلك كنّ في المسجد يقصر للخليفة لوقايته)

وأول من اتخذ الْحَرْسَ والحِجَابَ في الإسلام. وأول من نصب المحراب في المسجد. كان يخطب قاعدا، وكان طوالا جسيما أبيض، إذا ضحك انقلبت شفته العليا. وضربت في أيامه دنانير (عليها صورة أعرابي متقلد سيفا) .

وكان أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إذا نظر إليه يقول: "هذا كسرى العرب!" وللشهاب ابن حَجَر الهَيْتَمي كتاب (تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتَّفَوُّهِ بِثَلْبِ مُعَاوِيَةَ ابْنِ أبِيْ سفيانَ - ط)[3]." اهـ

 

شرح الحديث:

 

عن معاوية رضي الله عنه قال :

قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من يُرِد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين" (1). رواه البخاري ومسلم وابن ماجه.(2)

 

[حسن لغيره] ورواه الطبراني في "الكبير"، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"يا أيها الناسُ! إنما العلم بالتعلّمِ، والفقهُ بالتفقه، ومن يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ".

وفي إسناده راوٍ لم يسم.


وفي صحيح البخاري (1/ 25) (رقم: 71):

قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُعاويَةَ خَطِيباً يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ:

(مَنْ يُردِ الله بهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وإنَّمَا أَنا قاسِمٌ، وَاللهُ يُعْطِي، ولَنْ تَزَالَ هَذِه الأُمَّةُ قائِمَةً عَلَى أمْر الله، لاَ يضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفُمْ حَتَّى يأتِي أمْرُ الله)

 

وفي صحيح البخاري (9/ 101) (رقم: 7312): عن حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ: حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ "

 

سنن ابن ماجه (1/ 80) (رقم: 221): عن مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

«الْخَيْرُ عَادَةٌ، وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ، وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[4]

 

وفي "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (2/ 35):

"وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودِ: "إنَّ أَحَدَكُمْ لَمْ يُولَدْ عَالِمًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ."

وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ إمَّعَةً بَيْنَ ذَلِكَ."

وَقَالَ أَيْضًا: "اُغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلَا تَكُنْ الرَّابِعَ، فَتَهْلَكَ."

وَقَالَ حَمَّادُ بْن حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:

"كُنَّ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُحِبًّا، أَوْ مُتَّبِعًا، وَلَا تَكُنْ الْخَامِسَ، فَتَهْلَكَ."

قَالَ الْحَسَنُ: "هُوَ الْمُبْتَدِعُ."

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ،

وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: "الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ، لَا خَيْرَ فِيهِمْ."

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْن مَسْعُودِ: "تَعَلَّمُوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

الرواية الأولى: أخرجها البخاري في صحيحه (1/ 25) (رقم : 71)[5]، ومسلم في صحيحه (2/ 718) (رقم : 1037)، وابن ماجه في سننه (1/ 80) (رقم : 221)، وغيرهم. وصححه الألباني.

 

الرواية الثانية: أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (19/ 395) (رقم : 929)، وفي مسند الشاميين (1/ 431) (رقم : 758)، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص: 253) (رقم : 352)، وحسنه الألباني.

 

من فوائد الحديث:

 

قال بدر الدين العيني الحنفي _رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (2/ 52):

"بَيَان استنبطاط الْأَحْكَام:

* الأول: فِيهِ دلَالَة على حجية الْإِجْمَاع، لِأَن مفهومة أَن الْحق لَا يعدو الْأمة، وَحَدِيث: (لَا تَجْتَمِع أمتِي على الضَّلَالَة)، ضَعِيف[6].

* الثَّانِي: اسْتدلَّ بِهِ الْبَعْض على امْتنَاع خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد.

* الثَّالِث: فِيهِ فضل الْعلمَاء على سَائِر النَّاس.

* الرَّابِع: فِيهِ فضل الْفِقْه فِي الدّين على سَائِر الْعُلُوم، وَإِنَّمَا ثَبت فَضله لِأَنَّهُ يَقُود إِلَى خشيَة الله تَعَالَى والتزام طَاعَته.

* الْخَامِس: فِيهِ إخْبَاره، عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام، بالمغيبات. وَقد وَقع مَا أخبر بِهِ، وَللَّه الْحَمد، فَلم تزل هَذِه الطَّائِفَة من زَمَنه وهلم جراً، وَلَا تَزُول حَتَّى يَأْتِي أَمر الله تَعَالَى." اهـ

 

وقال عياض اليحصبي _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 570):

"وقوله: (من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين)

* فيه: فضل العلم والفقه فى الدين، ولأنه يقود إلى خشية الله _تعالى_ وتقاه،

قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28]،

وهذا يقود إلى الخير فى الآخرة وعظيم الثواب." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 571)

"وقوله: (إنما أنا قاسم، والله يعطى)، وفى الآخر: (خازن):

* فيه: تفويض الأمور إلى الله تعالى، وكون جميعها بمشيئته وقدرته والتسريح بأن الإنسان مصرف مسخر بحكمه، لا إله غيره، وأنه - عليه السلام - لم يستأثر بشىء من الدنيا وإنما تصرفه فيها لمصلحة عباده، وأمر ربه لا لنفسه ولا لحوله وقوته." اهـ

 

وقال النووي _رحمه الله_ في "شرح صحيح مسلم" (7/ 128):

"قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)،

* فِيهِ: فَضِيلَةُ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ _تَعَالَى_." اهـ

 

وقال محمد بن علي بن آدم الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (19/ 607_608):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان شدّة معاوية _رضي الله عنه_ حيث كان يُحذّر الناس من التحديث بالأحاديث التي لا يعتني بحفظها الناس، ولا يبالون ممن أخذوا؛ لئلا يقعوا في الكذب على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وحثّهم على التحديث بما كان في أيام___عمر _رضي الله عنه_؛ لأن الناس كانوا مُعْتَنِيْنَ بالحديثِ في أيامه؛ لأنه كان يخوّفهم بالله، ويشدّد عليهم في العناية بالحديث.

2 - (ومنها): بيان فيه فضيلة العلم، والتفقه في الدين، والحثّ عليه؛ لأنه قائد إلى تقوى الله تعالى، والتزام طاعته، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

3 - (ومنها): بيان أنه -صلى الله عليه وسلم- خازنٌ لما أوحي إليه من أمر الدين، وكذا لمال الله الذي آتاه له، وإنما المعطي هو الله تعالى، فتفاوت عطاياه للناس إنما كان بأمر الله عز وجل، لا من عند نفسه -صلى الله عليه وسلم-.

4 - (ومنها): بيان المال الذي أصابه الإنسان بالعطاء يكون مباركًا إذا كان عن طيب نفس المعطي.

5 - (ومنها): بيان أن ما حصل للإنسان من المال عن مسألته، وشرهه، فلا يبارك له فيه، بل كان كالذي يأكل ولا يَشْبَع، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا وتعم الوكيل." اهـ

 

وقال أبو الوليد الباجي _رحمه الله_ في "المنتقى شرح الموطإ" (7/ 208):

"الْفِقْهَ فِي الدِّينِ يَقْتَضِي إرَادَةَ اللَّهِ _سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى_ الْخَيْرَ لِعَبِيدِهِ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ فَقَّهَهُ فِي دِينِهِ.

وَالْخَيْرُ _وَاَللَّهُ أَعْلَمُ_: دُخُولُ الْجَنَّة،ِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّارِ،

قَالَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_:

{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185] ." اهـ

 

وقال ابن بطال _رحمه الله_ في شرح صحيح البخارى (1/ 154):

"* فيه: فضل العلماء على سائر الناس.

* وفيه فضل الفقه فى الدين على سائر العلوم، وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته، وتجنب معاصيه،

قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]،

وقال ابن عمر _للذى قال له: "فقيه"_:

"إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا، الراغب فى الآخرة. ولمعرفة العلماء بما وعد الله به الطائعين، وأوعد العاصين، ولعظيم نعم الله على عباده اشتدت خشيتهم." اهـ

 

وقال الزيداني _رحمه الله_ في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 300):

"وخير الدنيا والآخرة: في العلم بأحكام الدين."

 

وقال أبو حاتم ابن حبان البستي _رحمه الله_ في "صحيحه" (1/ 291)

"ذِكْرُ إِرَادَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا خَيْرَ الدَّارَيْنِ بِمَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ." اهـ

 

وقال ابن حبان _أيضا_ في صحيحه (2/ 8):

"ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ تَعَوُّدِ نَفْسِهِ أَعْمَالَ الْخَيْرِ فِي أَسْبَابِهِ." اهـ

 

وقال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ (1/ 161):

"لَيْسَ الْعِلْمُ الْمُعْتَبَرُ، إِلَّا الْمَأْخُوذَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَوَرَثَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَلُّمِ." اهـ

 

وقال بدر الدين العيني _رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (2/ 42):

"لَيْسَ الْعلم المعتد إلاَّ الْمَأْخُوذَ عَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، على سَبِيل التَّعَلُّم والتعليم،

فيفهم مِنْهُ: أَن الْعلم لَا يُطلق إلاَّ على علم الشَّرِيعَة، وَلِهَذَا لَو أوصى رجل للْعُلَمَاء لَا ينْصَرف إلاَّ على أَصْحَاب الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز آل مبارك الْحُرَيْمِلِيُّ _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 754):

"في هذا الحديث: بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقَّه في الدين على سائر العلم.

قال الحافظ: ومفهوم الحديث: أنَّ من لم يتفقّه في الدين، أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع، فقد حُرِمَ الخير." اهـ

 

وقال شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد _حفظه الله_ في كتابه القيم المسمى بـ"عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها" (ص: 42_44):

- قال الحافظ في الفتح: ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به. والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير انتهى.

4- الحديث دال على ما دلت عليه الآيات الكثيرة والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة.

ومعلوم: أن مذهب أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته:

تنزيهُهُ عما نزه عنه نفسه وإثبات جميع ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله _صلى الله عليه وسلم_ من الأسماء والصفاتِ، على الوجه اللائق بجلال الله، بدون تكييف، ولا تمثيل، وبدون تأويل، أو تعطيل،

كما قال سبحانه وتعالى:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،

فأثبت لنفسه السمع والبصر بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}،

ونفى مشابهة غيره له بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ___شَيْءٌ}.

وصفات الله تعالى كلها يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر دون فرق بين صفة وصفة،

فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والقدرة واليدين والوجه والغضب والرضا والاستواء على العرش وغير ذلك يجب إثباته له واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله:

{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،

وكما أن لله ذاتًا لا تشبه الذوات، فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تُثْبَتُ على الوجه اللائق بالله دون أن يكون فيها مشابها لخلقه،

فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات، سواءٌ بسواء، كما أنه يقال في بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواءٌ بسواءٍ.

وإرادة الله _تعالى_ عند أهل السنة نوعان (دل عليهما كتابُ اللهِ، وسنةُ نبيِّهِ _صلى الله عليه وسلم_):

* إحداهما: بمعنى المشيئة الكونية القدرية.

* والثانية: الإرادة الدينية الشرعية،

والفرق بينهما:

* أن الكونية القدرية: شاملة لكل شيء لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه، ولابد من وقوع ما تقتضيه،

* وأما الدينية الشرعية: فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه، ولا يلزم وقوع ذلك، فالله _تعالى_ أراد من الإنس والجن شَرْعًا وَدِيْنًا أن يعبدوه وحده،

وذلك محبوب إليه، ولذلك أنزل الكُتُبَ، وأرسل الرسُلَ،

وأراد كَوْنًا وَقَدَرًا في بعض عباده الْخَيْرَ، فاجتمع لهم الأمران: الكوني والشرعي.

وأراد في البعض الآخر غَيْرَ ذلك، فوقعت في حقه الكونيةُ دون الدينية الشرعية.

فالذي أراده كونا وقدراً: أن يكون الناس فريقين: فريقا في الجنة وفريقاً في السعير،

ولابد من وقوع ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله _تعالى_:

{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149].

وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]،

أما بيان الحق والدعوة إليه، فهو حاصل للكل،

قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} [البلد: 8 - 10]،

وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]،

فحذف مفعول الفعل (يدعو) إشارةً إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعولَ الفعل (يهدى) المفيدَ الخصوص،

فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله.____وما قدره الله وقضاه لابد من وقوعه، كما تقدم بيانه.

ونحن لا نعلم ذلك إلا بواحد من أمرين:

* أحدهما وقوع الشيء.

فكل ما وقع، عَلِمْنَا أن الله قد شاءه، لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فأي حركة تجرى، فهي بمشيئة الله.

والثاني: حصول الأخبار بالشيء الغائب عنا من الذي لا ينطق عن الهوى، سواءٌ كان ماضيا أو مستقبلا.

فإذا أخبر عن شيء ماض، علمنا قطعا بأنه كان ووقع كما أخبر. وإذا أخبر عن شيء مستقبل، علمنا _قطعا_ بأنه لابد وأن يقع، لأن الله قد شاءه.

فالأخبارُ الماضيةُ كأخبار بدء الخلق مَثَلاً، والمستقبلةُ كأخبارِ آخرِ الزمان، ونهايةِ الدنيا، وغير ذلك.

وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية: أن الإنسان مسلوبُ الإرادةِ مجبورُ على أفعاله، لا مشيئة له، ولا اختيار، بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]،

ولهذا ندرك الفرق: بين الحركات الاضطرارية، كحركة المرتعش، والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء، وحصول الإحسان من البعض، والإساءة من البعض الآخر.

فالاضطرارية: لا دخل للعبد فيها، والاختيارية: تجرى بمشيئة العبد، وإرادته التابعةِ لمشيئة الله وإرادته.

ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن:

قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]،

وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27].

ومن أمثلة الكونية القدرية:

قوله _تعالى_: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]،

وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]،

من السنة: قوله _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه: (من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين)." اهـ

 

وقال شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد _حفظه الله_ في كتابه القيم المسمى بـ"عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها" (ص: 46_47):

"من فقه الحديث، وما يستنبط منه:

1- الترغيب في طلب العلم والحث عليه.

2- بيان فضل العلماء على سائر الناس.___

3- بيان فضل التفقه في الدين على سائر العلوم.

4- إثبات صفة الإرادة لله تعالى.

5- أن الفقه في الدين علامة لإرادة الله الخير بالعبد.

6- إرشاد الناس إلى السنة وإعلانها على المنابر.

7- الإيمان بالقضاء والقدر وأن المعطى المانع هو الله تعالى.

8- بشارة هذه الأمة بأن الخير باق فيها.

9- إخباره صلى الله عليه وسلم عما يستقبل وهو من الغيب الذي أطلعه الله عليه.

10- إخباره بهذا المغيب من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم حيث وقع كما أخبر مدة أربعة عشر قرنا الماضية ولابد من استمرار ذلك حتى يأتي أمر الله كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.

11- وجوب الإيمان بوقوع استمرار الحق وأنه لا ينقطع حتى يأتي أمر الله كما جاء ذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.

12- هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يستقبل أحد طريقي العلم بالشيء الذي قدره الله والطريق الثانية الوقوع.

13- أن الطائفة المنصورة لها مخالفون ومناوؤن.

14- الحث على التمسك بالكتاب والسنة ليكون العبد من هذه الطائفة.

15- بيان أن أعداء هذه الطائفة لا يضرونها ولا يؤثرون على استمرار الحق.

16- أن استمرار الحق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم منقبة عظيمة لها.

17- أن الإجماع حجة." اهـ



[1] أخرجه الدارمي في سننه (1/ 337) (رقم : 302)، وأحمد بن حنبل في الزهد (ص: 216) (رقم : 1513)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 186) (رقم : 35188)، والطبراني في المعجم الأوسط (2/ 316) (رقم : 2085)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 147)، وابن أبي الدنيا في الزهد (ص: 68) (رقم : 123). وحسنه عبد القادر الأرنؤوط _رحمه الله_ في "تخريج جامع الأصول" (11/ 15) (رقم: 8478)، وحسنه الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني في تحقيقه لـ"مسند الدارمي" (1/ 147) (رقم: 298)، وصححه حسين سليم أسد الداراني في تحقيقه لـ"سنن الدارمي" (1/ 337) (رقم: 302).

[2] كلامه هذا يحتاج إلى مزيد بحث وتحقيق، لأن كثيرا ما وصل إلينا من تلك الأخبار خلطها حكايات ضعيفة، أو صدر ممن تشيع في ذلك الزمان، والله أعلم.

[3] طبعته أخيرا دار الصحابة للتراث بطنطا لأول مرة، بتعليق أبي عبد الرحمن إبراهيم بن حمدي بن عبد الله المصري الأثري، سنة 1413 اهـ. وعدد الصفحة بلغ 258، ثم اختصره من المعاصرين سليمان بن صالح الخراشي، وسماه "مختصر تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتَّفَوُّهِ بِثَلْبِ مُعَاوِيَةَ ابْنِ أبِيْ سفيانَ"، ط. دار علوم السنة، بالمملكة العربية السعودية، سنة 1422 هـ.

[4] حسنه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 631) (رقم: 3348)، وفصل تحسينه في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (2/ 251) (رقم: 651).

[5] وفي صحيح البخاري (4/ 85) (رقم : 3116)  و (9/ 101) (رقم : 7312).

[6] بل صحيح: أخرجه ابن ماجه في "سننه" (2/ 1303) (رقم: 3950)، وله شاهد من حديث ابن عمر _رضي الله عنهما_: أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 466) (رقم: 2167)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 378) (رقم: 1848)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين