شرح الحديث 49 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[49] وعن أبي هريرة[1] _رضي الله عنه_ قَالَ :

قَالَ رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ :

«مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى[2] وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ[3]» . رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن صحيح) .

 

شرح الحديث:


وفي "سنن الترمذي" – ت. شاكر (4/ 601_602) (رقم: 2398)، و"سنن ابن ماجه" (2/ 1334) (رقم: 4023): عن سَعْد بن أبي وقاص _رضي الله_، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟

قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 230) (رقم: 992)

 

وفي "سنن ابن ماجه" (2/ 1334) (رقم: 4024): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

"دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ، فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ."

قَالَ: «إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الْأَجْرُ»

قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟" قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ» ،

قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ؟"

قَالَ: «ثُمَّ الصَّالِحُونَ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يُجوِّبهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ»

صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 274) (رقم: 144)

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في "سننه" (4/ 602) (رقم : 2399)، ومالك في "الموطأ" – ت. عبد الباقي (1/ 236) (رقم: 40)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 441) (رقم: 10811)، وأحمد في "مسنده" (رقم : 7859 و 9811)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (رقم: 5912 و 6012)، وهناد بن السري في "الزهد" (1/ 238) (رقم: 402)، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص: 174) (رقم: 494)، وابن حبان في "صحيحه" (7/ 176) (رقم: 2913 و 2924)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 524) (رقم: 6543)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (رقم: 1281 و 7879)، غيرهم.

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (5/ 349) (رقم : 2280).

 

وفي مصنف ابن أبي شيبة (2/ 442) (رقم: 10817) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا مِنْ وَجَعٍ يُصِيبُنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحُمَّى، لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي كُلِّ مَفْصِلٍ مِنِ ابْنِ آدَمَ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيُعْطِي كُلَّ مَفْصِلٍ قِسْطًا مِنَ الْأَجْرِ»[4]

 

من فوائد الحديث :

 

قال محمد بن حبان التميمي، الدارمي، المعروف بـ" أبو حاتم البُسْتِيُّ" (المتوفى: 354هـ) _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (7/ 176):

"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ تَوَاتُرَ الْبَلَايَا عَلَى الْمُسْلِمِ قَدْ لَا تُبْقِي عَلَيْهِ سَيِّئَةً يُنَاقَشُ عَلَيْهَا فِي الْعُقْبَى." اهـ

 

محمد بن حبان التميمي، الدارمي، المعروف بـ" أبو حاتم البُسْتِيُّ" (المتوفى: 354هـ) _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (7/ 187):

"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْبَلَايَا بِالْمَرْءِ قَدْ تُحَطُّ خَطَايَاهُ بِهَا." اهـ

 

وقال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّد الرَّحْمَانِيُّ الْمُبَارَكْفُوْرِيُّ (المتوفى: 1414هـ) _رحمه الله_ في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (5/ 261):

"وقال الباجي:

* يحتمل أن يريد أنه يحط لذلك عنه خطاياه حتى لا يبقى له خطيئة،

* ويحتمل أن يريد أنه يحصل له على ذلك من الأجر ما يزن جميع ذنوبه، فيلقي الله _تعالى_، وليس له ذنب يزيد على حسناته، فهو بمنزلة من لا ذنب له.

وإنما هذا لمن صبر واحتسب، وأما من سخط ولم يرض بقدر الله تعالى فإنه أقرب إلى أن يأثم لتسخطه فيكثر بذلك سائر آثامه." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421 هـ) _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 274_275):

* "والحديث الثالث فهو أيضا دليل على أن الإنسان إذا صبر واحتسب الأجر عند الله كفر الله عنه سيئاته،

وإذا أصيب الإنسان ببلاء في نفسه أو ولده أو ماله، ثم صبر على ذلك، فإن الله_سبحانه وتعالى_، لا يزال يبتليه بهذا حتى لا يكون عليه خطيئة.

* ففيه: دليل على أن المصائب في النفس والولد والمال تكون كفارة للإنسان، حتى يمشي على الأرض وليس عليه___خطيئة، ولكن هذا إذا صبر.

أما إذا تسخط فإن من تسخط فله السخط. والله الموفق." اهـ

 

وقال محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد المشهور بـ"ابن قيم الجوزية" (المتوفى: 751هـ) _رحمه الله_ في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (2/ 189):

"فهذا الابتلاء والامتحان من تمام نصره وعزه وعافيته، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأقرب إليهم فالأقرب،

يبتلى المرء حسب دينه، فإن كان فى دينه صلابة شدد عليه البلاء، وإن كان فى دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على وجه الأرض وليس عليه خطيئة." اهـ

 

وقال محمد بن أبي إسحاق البخاري الحنفي، المعروف بـ"أبي بكر الكلاباذي" (المتوفى: 380 هـ) _رحمه الله_ في "بحر الفوائد" (ص: 225_226):

"الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ يُكَفِّرُهَا اللَّهُ بِالْمِحَنِ وَالْبَلَايَا فِي الدُّنْيَا، وَبِالْمَصَائِبِ وَالْأَمْرَاضِ؛___وَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَالتَّمْحِيصُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْقَبْرِ، وَفِي أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، وَيَكُونُ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ، وَيَكُونُ شَفَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ فَبِإِدْخَالِ النَّارِ." اهـ

 

وقال فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376 هـ) _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص: 51):

"في هذا الحديث: أنَّ المصائبَ والمتاعب النازلة بالمؤمن الصابر من المرض، والفقر، وموت الحبيب، وتلف المال، ونقصه: مكفَّرات لخطاياه كلها." اهـ

وقال علي بن سلطان، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى : 1014 هـ) _رحمه الله_ في "شرح مسند أبي حنيفة" (1/ 13):

"ومجمل الكلام: أن البلاء علامة الولاء فإنه إما سبب لإعلاء الدرجات كما في الأنبياء، وإما لإمحاء السيئات كما في الأولياء مع أن هذه الدار مشوبة بالأكدار سواء فيها الفجار والأبرار، كما أشار إليه قوله سبحانه: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُون} [النساء: 104]." اهـ

 

وقال محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى: 1057هـ) _رحمه الله_ في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (1/ 199):

"وقوله (خطيئة)، ظاهر عمومه: شمول الكبائر والتبعات، فإن ثبت ذلك وأنه مراد فذلك من محض فضل الكريم الجواد، إذ صالح العمل ومنه الصبر والاحتساب إنما يكفر الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى." اهـ



[1] ترجمة أبي هريرة الدوسي :

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة." اهـ

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :

"قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت: روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

[2] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 408) للحسين بن محمود الزيداني  : "قوله : (حتى يلقى الله): أي: حتى يموت، وقد زال ذنبه في الدنيا بسبب البلاء." اهـ

[3] وفي شرح المصابيح لابن الملك (2/ 325) : "لأنها قد زالت بسبب البلاء." اهـ

[4] وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 177) (رقم: 503)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص: 189) (رقم: 388)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين