شرح الحديث 48 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[48] وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصِني. قَالَ: «لا تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِراراً، قَالَ: «لا تَغْضَبْ». رواه البخاري.

 

شرح الحديث:

 

* وعن أبي هريرةَ _رضي الله عنه_:

 

ترجمة أبي هريرة الدوسي :

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة." اهـ

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :

"قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت: روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

 

 

* (أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصِني).

 

وفي شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 181) :

"الوصية: هي العهد إلى الشخص بأمر هام، كما يوصي الرجل _مثلاً_ على ثلثه، أو على ولده الصغير أو ما أشبه ذلك."

 

وفي مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 34) (رقم: 20357): عن جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ:

أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُلْ لِي قَوْلاً يَنْفَعُنِي ، وَأَقْلِلْ عَلَيَّ لَعَلِّي أَعِيهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تَغْضَبْ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى أَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : لاَ تَغْضَبْ.

 

وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" – ت. بشار (2/ 394) (رقم: 6):

جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ، أَبُو أَيُّوبَ، وَيُقَالُ: أَبُو يَزِيدَ. [الوفاة: 41 - 50 ه]

لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ بَطَلًا شُجَاعًا شَرِيفًا مُطَاعًا مِنْ كِبَارِ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ، وشهد مَعَهُ صِفِّينَ، ثُمَّ وَفَدَ بَعْدَهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ الْأَحْنَفَ.

وَكَانَ سَفَّاكًا فَاتِكًا، وَيُدْعَى مُحَرِّقًا لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ وَجَّهَ ابْنَ الْحَضْرَمِيَّ إلى البصرة ينعى عثمان ويستنفرهم، فَوَجَّهَ عَلِيٌّ جَارِيَةَ هَذَا، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ ابْنُ الْحَضْرَمِيُّ كَمَا ذَكَرْنَا، فَأَحْرَقَ عَلَيْهِ الدَّارَ، فَاحْتَرَقَ فِيهَا خَلْقٌ.

وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ مَا صَنَعَ بُسْرُ بْنُ أَرْطَأَةَ مِنَ السَّفْكِ بِالْحِجَازِ، فَبَعَثَ جَارِيَةَ هَذَا، فَجَعَلَ لَا يَجِدُ أَحَدًا خَلَعَ عَلِيًّا إِلَّا قَتَلَهُ وَحَرَّقَهُ بِالنَّارِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ، فَسُمِّيَ مُحَرِّقًا." اهـ

 

·     (قَالَ: «لا تَغْضَبْ»)

وقال ابن رجب الحنبلي _رحمه الله_ في "جامع العلوم والحكم" – ت. الأرنؤوط (1/ 363_364):

"فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتَوْصَاهُ: (لَا تَغْضَبْ)، يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ :___

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ مِنَ الْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَالْحِلْمِ وَالْحَيَاءِ وَالتَّوَاضُعِ وَالِاحْتِمَالِ وَكَفِّ الْأَذَى، وَالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالطَّلَاقَةِ وَالْبِشْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا تَخَلَّقَتْ بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ، وَصَارَتْ لَهَا عَادَةً أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ دَفْعَ الْغَضَبِ عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا تَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ إِذَا حَصَلَ لَكَ، بَلْ جَاهِدْ نَفْسَكَ عَلَى تَرْكِ تَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِذَا مَلَكَ ابْنَ آدَمَ كَانَ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ لَهُ،

وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ : {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الْأَعْرَافِ: 154]

فَإِذَا لَمْ يَمْتَثِلِ الْإِنْسَانُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ غَضَبُهُ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ، انْدَفَعَ عَنْهُ شَرُّ الْغَضَبِ، وَرُبَّمَا سَكَنَ غَضَبُهُ، وَذَهَبَ عَاجِلًا، فَكَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَغْضَبْ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]،

وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]." اهـ

 

* (فَرَدَّدَ مِراراً):

 

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10/ 520) :

"وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : "لَا تَغْضَبْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ." وَفِيهَا بَيَانُ عَدَدِ الْمِرَارِ،

وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُرَاجع بعد ثَلَاث." اهـ

 

مسند أحمد مخرجا (16/ 68) (رقم: 10011): عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مُرْنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» ، قَالَ: فَمَرَّ أَوْ فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، قَالَ: مُرْنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» قَالَ: فَرَدَّدَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ، فَيَقُولُ: «لَا تَغْضَبْ»

 

وحديث أنس _رضي الله عنه_ الذي أشار إليه الحافظ _رحمه الله_، أخرجه الترمذي في "سننه" – ت. أحمد شاكر (5/ 600_601) (رقم: 3640)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ يُعِيدُ الكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُعْقَلَ عَنْهُ» وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 892) (رقم: 4990).

 

* (قَالَ: «لا تَغْضَبْ»):

 

وقال العيني _رحمه الله_ في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (22/ 164):

"قَوْله: (لَا تغْضب) إِنَّمَا قَالَ _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_: (لَا تغْضب)، لِأَنَّهُ _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ كَانَ مكاشفاً بأوضاع الْخلق فيأمرهم بِمَا هُوَ الأولى بهم." اهـ

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني _رحمه الله_ في "فتح الباري" (10/ 520):

"وَقَالَ بن التِّينِ: "جَمَعَ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فِي قَوْلِهِ: (لَا تَغْضَبْ) خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّ الْغَضَب يؤول إِلَى التَّقَاطُعِ وَمَنْعِ الرِّفْقِ وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِيَ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِ فَيَنْتَقِصُ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 520_521) :

"وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: "خَلَقَ اللَّهُ الْغَضَبَ مِنَ النَّارِ وَجَعَلَهُ غَرِيزَةً فِي الْإِنْسَانِ فَمَهْمَا قَصَدَ أَوْ نُوزِعَ فِي غَرَضٍ مَا اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ وَثَارَتْ حَتَّى يَحْمَرَّ الْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ مِنَ الدَّمِ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا،

وَهَذَا إِذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَاسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ فَوْقَهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ انْقِبَاضُ الدَّمِ مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ إِلَى جَوْفِ الْقَلْبِ، فَيَصْفَرُّ اللَّوْنُ حُزْنًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى النَّظِيرِ تَرَدَّدَ الدَّمُ بَيْنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ، فَيَحْمَرُّ، وَيَصْفَرُّ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ تَغَيُّرُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالرِّعْدَةِ فِي الْأَطْرَافِ وَخُرُوجِ الْأَفْعَالِ عَنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَاسْتِحَالَةِ الْخِلْقَةِ حَتَّى لَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ نَفْسَهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ، لَكَانَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ وَاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ.

هَذَا كُلُّهُ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا الْبَاطِنُ، فَقُبْحُهُ أَشَدُّ مِنَ الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ الْحِقْدَ فِي الْقَلْبِ وَالْحَسَدَ وَإِضْمَارَ السُّوءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ بَلْ أَوْلَى شَيْءٍ يَقْبُحُ مِنْهُ بَاطِنُهُ. وَتَغَيُّرُ ظَاهِرِهِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ بَاطِنِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ.

وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ فَانْطِلَاقُهُ بِالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ الَّذِي يَسْتَحِي مِنْهُ الْعَاقِلُ وَيَنْدَمُ قَائِلُهُ عِنْدَ سُكُونِ الْغَضَبِ.

وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْغَضَبِ أَيْضًا فِي الْفِعْلِ بِالضَّرْبِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِهَرَبِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، فَيُمَزِّقُ ثوب نَفسه، وَيَلْطِمُ خَدَّهُ، وَرُبَّمَا سَقَطَ صَرِيعًا، وَرُبَّمَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَسَرَ الْآنِيَةَ، وَضَرَبَ مَنْ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَرِيمَةٌ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ عَرَفَ مِقْدَارَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ اللَّطِيفَةُ مِنْ قَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: (لَا تَغْضَبْ) مِنَ الْحِكْمَةِ وَاسْتِجْلَابِ الْمَصْلَحَةِ فِي دَرْء___الْمَفْسَدَةِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إِحْصَاؤُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْغَضَبِ الدُّنْيَوِيِّ لَا الْغَضَبِ الدِّينِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ." اهـ

 

* (رواه البخاري):

وفي مسند أحمد - عالم الكتب (5/ 373): عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ قَالَ :

قَالَ رَجُلٌ : "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي؟" قَالَ : «لَا تَغْضَبْ» ،

قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ___حِينَ قَالَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ." اهـ

والحديث صححه الأرنؤوط  في تخريجه للمسند (38/ 236_237) (رقم : 23171)، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 45) (رقم : 2746).

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (8/ 28) (رقم : 6116)، والترمذي في سننه (4/ 371) (رقم : 2020).

 

منزلة الحديث :

 

الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 333) لأبي العباس الهيتمي :

"وبهذا التقرير يصح أن يقال في هذا الحديث: إنه ربع الإسلام؛ لأن أعمال الإنسان إما خيرٌ وإما شرٌّ، والشر إما أن ينشأ عن شهوة، أو عن غضب،

وهذا الحديث متضمنٌ لنفي الغضب، فيتضمن نفي نصف الشر، وهو ربع المجموع، فكان هذا الحديث ربعًا من هذه الجهة، وهذا ظاهرٌ وإن لم أر من عرج عليه." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

مساوئ الأخلاق للخرائطي (ص: 148) :

"بَابٌ فِي ذَمِّ الْغَضَبِ وَمَا يُزِيلُهُ عِنْدَ كَوْنِهِ." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (16/ 163)

فَلَمْ يَزِدْهُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى لَا تَغْضَبْ مَعَ تَكْرَارِهِ الطَّلَبَ، وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عِظَمِ مَفْسَدَةِ الْغَضَبِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 250)

قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ الْقَلِيلِ الْأَلْفَاظِ الْجَامِعِ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ وَالْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ. وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَرَدَّ غَضَبَهُ أَخْزَى شَيْطَانَهُ وَسَلِمَتْ مُرُوءَتُهُ وَدِينُهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :

"لَا يُعْرَفُ الْحِلْمُ إِلَّا سَاعَةَ الْغَضَبِ"

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ :

"الْعَقْلُ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ ... وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهْبُ". اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 362) لابن هبيرة :

* من الجائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علم من هذا الرجل كثرة الغضب، فخصه بهذه الوصية، وقد مدح رسول الله (الذي يملك نفسه عند الغضب، ذكرنا فيما تقدم من مسند ابن مسعود." اهـ[1]

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 539_540) :

"فَإِن قيل : الْغَضَب جبلة فِي الْآدَمِيّ فَكيف يُؤمر بصرفها؟

فَالْجَوَاب : أَن الْغَضَب لَهُ جوالبه وثمرات، فَمن جوالبه الْكبر، فَإِذا رَاضَ الْإِنْسَان نَفسه بِاسْتِعْمَال التَّوَاضُع ذلت.

وَمن ثَمَرَات الْغَضَب : السب وَالضَّرْب وَمَا يعود بثلب دين الغضبان وبدنه قبل أَذَى المغضوب عَلَيْهِ، فَإِن بعض النَّاس استشاط يَوْمًا من الْغَضَب فصاح، فنفث الدَّم وَأَدَّاهُ ذَلِك إِلَى السل.

وَضرب رجلٌ رجلاً على فَمه، فَانْكَسَرت أَصَابِع الضَّارِب وَلم يكبر أَذَى الْمَضْرُوب. وَقدْ أثَّر غضبُ خلْقٍ كثيرٍ فِي بطشهم بأولادهم وأهاليهم، وتطليق زوجاتهم، ثمَّ طَالَتْ ندامتهم وَفَاتَ الإستدراك، فقد روينَا فِي الحَدِيث:

((أَن الله تَعَالَى يَقُول: يَا ابْن___آدم، اذْكُرْنِي حِين تغْضب أذكرك حِين أغضب، فَلَا أمحقك فِيمَن أمحق))[2]

فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَاهُ عَن جوالب الْغَضَب وثمراته ومساكنته، وَقد أَمر بمداواته إِذا عرض، فَقَالَ فِي حَدِيث أبي ذَر :

((إِذا غضب أحدكُم وَهُوَ قَائِم فليجلس، فَإِذا ذهب عَنهُ الْغَضَب وَإِلَّا فليضطجع))[3]

وَهَذَا لِأَن الْقَائِم متهيء للحركة والبطش، والقاعد دونه فِي هَذَا الْمَعْنى، والمضطجع مَمْنُوع مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أمره بذلك لِئَلَّا يبدر مِنْهُ فِي حَال قِيَامه وقعوده مَا ينْدَم عَلَيْهِ فِيمَا بعد، وَقد قَالَ الْأَحْنَف بن قيس: مَا اعْترض التثبت فِي الْغَضَب إِلَّا قهر سُلْطَان العجلة. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: أول الْغَضَب جُنُون وَآخره نَدم." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3187)

قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْغَضَبُ مِنْ نَزَعَاتِ الشَّيْطَانِ يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ صُورَةً وَسُرَّةً حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ وَيَفْعَلَ الْمَذْمُومَ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَيَنْوِيَ الْحِقْدَ وَالْبُغْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ الَّتِي كُلُّهَا مِنْ أَثَرِ سُوءِ الْخُلُقِ، بَلْ قَدْ يَكْفُرُ، وَلِهَذَا قَالَ: لَا تَغْضَبْ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ مَعَ إِلْحَاحِ السَّائِلِ مُرِيدًا لِلزِّيَادَةِ أَوِ التَّبْدِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: حَسِّنْ خُلُقَكَ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَالْحَدِيثُ مِنْ بَدَائِعِ الْكَلِمِ،

 

التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية (ص: 36_37) لإسماعيل بن محمد بن ماحي السعدي الأنصاري (المتوفى: 1417هـ) :

"يستفاد منه:

1 - معالجة كل ذي مرض بما يناسب مرضه، إن صح أن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا الرجل بهذه الوصية. لأنه كان غضوبا.___

2 - التحذير من الغضب فإنه جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير، وفي هذا الوصية استجلاب المصلحة، ودرء المفسدة ما يتعذر إحصاؤه، فإن الغضب يترتب عليه من المفاسد تغير الظاهر والباطن والأثر القبيح في اللسان، أما تغير الظاهر، فبتغير اللون والرعدة في الأطراف، وخروج الأفعال من غير ترتيب، واستحالة الخلقة، بحيث لو رأى الغضبان نفسه لا ستحيا من قبح صورته، وأما الباطن أشد، لأنه يولد الحقد في القلب والحسد، وإضمار السوء على اختلاف أنواعه، بل تغير ظاهره ثمرةتغير باطنه، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحى منه العاقل، ويندم قائله عند سكون الغضب، ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل، وإن فات ذلك بهروب المغضوب عليه رجع الغضبان إلى نفسه فيمزق ثوبه، ويلطم خده، وربما سقط صريعا، وربما أغمى عليه، وربما كسر الآنية، أو ضرب من ليس له جريمة في ذلك.

3 - الأمر بالأخلاق التي إذا تخلق بها المرء وصارت له عادة دفعت عنه الغضب عند حصول أسبابه، كالكرم والسخاء، والحلم والحياء، والتواضع والاحتمال، وكف الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ والشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 182)

من فوائد هذا الحديث:

 

1_حرص الصحابة رضي الله عنهم على ماينفع، لقوله: "أَوصِنِيْ"، والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق لايقتصرون على مجرّد العلم، بل يعملون، وكثير من الناس اليوم يسألون عن الحكم فيعلمونه ولكن لايعملون به، أما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم إذا سألوا عن الدواء استعملوا الدواء، فعملوا..

2_أن المخاطب يخاطب بما تقتضيه حاله وهذه قاعدة مهمة، فإذا قررنا هذا لايرد علينا الإشكال الآتي وهو أن يقال: لماذا لم يوصه بتقوى الله عزّ وجل، كما قال الله عزّ وجل :

(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: الآية131)___

فالجواب: أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب فأوصاه بذلك." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 183)

3_النهي عن الغضب، لقوله: "لاَ تَغْضَبْ" لأن الغضب يحصل فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ الإنسان مقتضاه، فكم من إنسان غضب فطلّق فجاء يسأل، وكم من إنسان غضب فقال: والله لا أكلم فلاناً فندم وجاء يسأل."

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 184) :

4_أن الدين الإسلامي ينهى عن مساوئ الأخلاق لقوله: "لاَ تَغضبْ" والنهي عن مساوئ الأخلاق يستلزم الأمر بمحاسن الأخلاق، فعوّد نفسك التحمل وعدم الغضب، فقد كان الأعرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك مع أن هذا لو فعله أحد آخر فأقل شيء أن يغضب عليه، فعليك بالحلم ما أمكنك ذلك حتى يستريح قلبك وتبتعد عن الأمراض الطارئة من الغضب كالسكر، والضغط وما أشبهه. والله المستعان". اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 371) للعثيمين :

"من فوائد الحديث : حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يوصي كل إنسان بما يليق بحاله.

ومن فوائده : أنه ينبغي للمجيب أن ينظر إلى حال السائل فيخاطبه بما يليق بحاله." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 372) :

"ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للسائل أن يردد السؤال استثباتاً للأمر لا اعتراضاً عليه؛ لأن هذا الرجل كان يقول: أوصني يقول: لا تغضب، أوصني لا تغضب، وكأن هذا الرجل استهان بهذه الوصية العظيمة كأنه يريد شيئاً آخر، لكن وصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية، فعلى هذا نقول: يجوز أن يكرر السائل السؤال إذا كان يترقب جواباً آخر، أما إذا كان لا يترقب جواباً آخر فلا حاجة للتكرار.

ومنها : أن من الآداب ألا يغضب الإنسان وأن يكتم غضبه ويكظم غيظه بقدر المستطاع، وكم من إنسان غضب ونفذ غضبه وندم، ما أكثر الذين يسألون الآن عن الطلاق ويقولون: نحن طلقنا على غضب." اهـ

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 422_423)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - الغضب جماع الشر، وجاءت النصوص الكثيرة في البعد عنه؛ ففي المسند (6597) من حديث ابن عمرو؛ أنَّه سأل النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا يباعدني من غضب الله عزَّ وجل؛ قال: لا تغضب"، قال الصحابي: ففكَّرت فإذا الغضب يجمع الشر كله.

2 - قال في الإحياء: حقيقة الغضب: هو غليان الدم لطلب الانتقام، والنَّاس في قوَّة الغضب على درجات، فمن قويت نار الغضب في وجهه، أعمته، وأصمَّته عن كلِّ موعظةٍ وإرشاد.

3 - وهذا الرَّجل جاء إلى النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "علِّمني شيئًا ولا تكثر عليَّ، فقال: لا تغضب"؛ ردد عليه ذلك مرارًا كل ذلك يقول: "لا تغضب".

4 - قال ابن رجب: قوله: "لا تغضب" يحتمل أمرين:

أحدهما: أنْ يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الحلم، والحياء، والأناة، والاحتمال، وكف الأذى، والصفح، والعفو،___وكظم الغيظ، والطَّلاقة، والبشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة؛ فإنَّ النَّفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادةً، أوجبَ لها ذلك دفع الغضب عند وصول أسبابه.

الثاني: أنَّ المراد: لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه، والعمل بما يأمر به الله؛ فإنَّ الغضب إذا ملك ابن آدم، كان الآمر النَّاهي له.

5 - قال في مختصر الإحياء: علاج الغضب يكون بحسم مادته التي تهيجه، وأسبابه التي تثيره، وأمَّا إذا هاج فيعالج بأمورٍ منها: أنْ يفكِّر بأمورٍ منها: أنْ يفكِّر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ، والحلم، والاحتمال.

وقد جاء في الحديث: "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الَّذي يملك نفسه عند الغضب" [رواه البخاري (6114) ومسلم (2609)]، وفي البخاري (6115) ومسلم (2610) من حديث سليمان بن صرد قال: "استبَّ رجلان عند النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحن عنده، وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إنِّي لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم"." اهـ

تطريز رياض الصالحين (ص: 51) :

"هذه وصيةٌ وجيزة نافعة؛ لأَنَّ الغضب يجمع الشرَّ كله، وهو باب من من مداخل الشيطان. وفي الحديث دليلٌ على عظم مفسدة الغضب، وما ينشأ منه؛ لأَنه يُخرج الإِنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل، ويفعل المذموم والقبيح." اهـ

 

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 65) للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر :

"مِمَّا يُستفاد من الحديث :

1_حرصُ الصحابة على الخير؛ لطلب هذا الصحابي الوصيَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2_التحذير من أسباب الغضب والآثار المترتِّبة عليه.

3_تكرار الوصية بالنهي عن الغضب دالٌّ على أهميَّة تلك الوصية." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 416)

الغضب: جماع الشر، وباب من مداخل الشيطان الثلاثة وهي: الغفلة، والشهوة، والغضب. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: قد أفلح من عصم من الهوى، والغضب، والطمع.

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 362)

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ جِمَاعُ الشَّرِّ، وَأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْهُ جِمَاعُ الْخَيْرِ[4]

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 368_369)

قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ عُصِمَ مِنَ الْهَوَى، وَالْغَضَبِ، وَالطَّمَعِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ : "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَحَرَّمَهُ عَلَى النَّارِ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ."

وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَسَنُ هِيَ مَبْدَأُ الشَّرِّ كُلِّهِ،

فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِي الشَّيْءِ هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَيْهِ لِاعْتِقَادِ نَفْعِهِ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي شَيْءٍ، حَمَلَتْهُ تِلْكَ___الرَّغْبَةُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَظُنُّهُ مُوَصِّلًا إِلَيْهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا؛ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ مُحَرَّمًا.

وَالرَّهْبَةُ: هِيَ الْخَوْفُ مِنَ الشَّيْءِ، وَإِذَا خَافَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ تَسَبَّبَ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ يَظُنُّهُ دَافِعًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ كَثِيرٌ مِنْهَا مُحَرَّمًا.

وَالشَّهْوَةُ: هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى مَا يُلَائِمُهَا، وَتَلْتَذُّ بِهِ، وَقَدْ تَمِيلُ كَثِيرًا إِلَى مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَإِلَى الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ.

وَالْغَضَبُ : هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ طَلَبًا لِدَفْعِ الْمُؤْذِي عِنْدَ خَشْيَةِ وُقُوعِهِ، أَوْ طَلَبًا لِلِانْتِقَامِ مِمَّنْ حَصَلَ لَهُ مِنْهُ الْأَذَى بَعْدَ وُقُوعِهِ،

وَيَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَأَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالْفُحْشِ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى دَرَجَةِ الْكُفْرِ، كَمَا جَرَى لِجَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَكَالْأَيْمَانِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْتِزَامُهَا شَرْعًا، وَكَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ الَّذِي يُعْقِبُ النَّدَمَ.

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ شَهْوَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى طَلَبِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ، وَرُبَّمَا تَنَاوَلَهَا بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ، فَأُثِيبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ دَفْعًا لِلْأَذَى فِي الدِّينِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَانْتِقَامًا مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ - وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 14 - 15].

وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِذَا انْتُهِكَتْ___حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَضْرِبْ بِيَدِهِ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 521)

وَيُعِينُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ مَا جَاءَ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ مِنَ الْفَضْلِ وَمَا جَاءَ فِي عَاقِبَةِ ثَمَرَةِ الْغَضَبِ مِنَ الْوَعِيدِ وَأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَأَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ،

وَقَالَ الطُّوفِيُّ :

"أَقْوَى الْأَشْيَاءِ فِي دَفْعِ الْغَضَبِ اسْتِحْضَارُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَكُلُّ فَاعِلٍ غَيْرُهُ فَهُوَ آلَةٌ لَهُ فَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِمَكْرُوهٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ،

فَاسْتَحْضَرَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ يُمَكِّنْ ذَلِكَ الْغَيْرَ مِنْهُ انْدَفَعَ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَوْ غَضِبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ غَضَبُهُ عَلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ خِلَافُ الْعُبُودِيَّةِ،

قُلْتُ : وَبِهَذَا يَظْهَرُ السِّرُّ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي غَضِبَ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ مَا ذُكِرَ،

وَإِذَا اسْتَمَرَّ الشَّيْطَانُ مُتَلَبِّسًا مُتَمَكِّنًا مِنَ الْوَسْوَسَةِ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ استحضار شَيْء من ذَلِك وَالله أعلم." اهـ



[1] وفي القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 966) لابن العربي : "فخصه من المنهيات بما علم من حَاله الغالبة عليه." اهـ

[2] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 124) موقوفا على التابعي الجليل أبي إدريس الخولاني.

وورد الأثر موقوفا _أيضا_ على خالد بن معدان فيما أخرجه ابن المبارك المروزي في "الزهد والرقائق" (1/ 326) (رقم : 927)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (5/ 215).

والظاهر أن هذا الأثر من الإسرائيليات، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو نعيم نفسه في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 65) : عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ :

"مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ، أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ، وَلَا أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ، يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ، فَإِنَّ لَكَ نَاصِرًا خَيْرًا مِنْكَ لِنَفْسِكَ نَاصِرًا." اهـ

[3] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 249) (رقم : 4782)، صححه الألباني  قديما في تخريج المشكاة (رقم : 5114)، إلا أنه ضعفه مؤخرا في الضعيفة (رقم : 6664)

[4] وفي جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 363) :

"قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : "الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ". وَقِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ : "اجْمَعْ لَنَا حُسْنَ الْخُلُقِ فِي كَلِمَةٍ، قَالَ: تَرْكُ الْغَضَبِ".

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين