شرح الحديث 47 من كتاب رياض الصالحين

 

[47] وعن معاذِ بنِ أَنسٍ[1] _رضي الله عنه_ :

أنَّ النَّبيَّ _صلى الله عليه وسلم_، قَالَ :

«مَنْ كَظَمَ غَيظاً، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ[2] اللهُ _سُبحَانَهُ وَتَعَالى_ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ[3] حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ» . رواه أَبو داود والترمذي، وَقالَ: (حديث حسن) .

 

ترجمة معاذ بن أنس الجهني _رضي الله عنه_ :


وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1402) لابن عبد البر : "معاذ بْن أنس الجهني، معدود فِي أهل مصر، وَهُوَ والد سَهْل بْن مُعَاذ." اهـ

 

وفي حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 237) للسيوطي : "معاذ بن أنس الجهني. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر." اهـ

 

وفي الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 107) لابن حجر : "معاذ بن أنس الجهنيّ، حليف الأنصار. قال أبو سعيد بن يونس: صحابيّ كان بمصر والشام قد ذكر فيهما. وذكر أبو أحمد العسكريّ ما يدلّ على أنه بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان." اهـ باختصار.

 

إكمال تهذيب الكمال (11/ 243_344):

"وقال ابن يونس: كان بمصر والشام.___

وفي كتاب الصحابة لأبي عبيد الله الجيزي: شهد فتح مصر، قال: أخبرني بذلك يحيى بن عثمان بن صالح، ولأهل مصر عنه شبيه بأربعين حديثا.

وقال البرقي: جاء عنه نحو من خمسين حديثا من طريق أهل مصر، كلها غير حديث واحد رواه أهل الشام عنه." اهـ

تخريج الحديث :

 

أخرجه أبو داود في سننه (4/ 248) (رقم : 4777)، والترمذي في سننه (رقم : 2021 و 2493)، وابن ماجه في سننه (2/ 1400) (رقم : 4186)، وأحمد في مسنده (24/ 398) (رقم : 15637)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 109) (رقم : 2649)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (3/ 66) (رقم : 1497)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص: 159) (رقم: 325)، والروياني في مسنده (2/ 286) (رقم : 1216) والطبراني في المعجم الصغير (رقم :  1112) وفي المعجم الكبير (20/ 188) (رقم : 415 و 417)، وفي "مكارم الأخلاق" له (ص: 328) (رقم : 50)، وابن بشران في "الأمالي" - الجزء الأول (ص: 26) (رقم: 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 279) (رقم : 16645)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (8/ 55)، غيرهم.

 

والحديث حسن لغيره:  صرح بذلك الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 48) (رقم : 2753)

 

من فوائد الحديث :

 

شرح رياض الصالحين (1/ 274) للعثيمين :

"الغيظ: هو الغضب الشديد، والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه أنه قادر على أن ينفذ؛ لأن من لا يستطيع لا يغضب، ولكنه يحزن،

ولهذا يوصف الله بالغضب ولا يوصف بالحزن؛ لأن الحزن نقص، والغضب في محله كمال؛ فإذا اغتاظ الإنسان من شخص، وهو قادر على أن يفتك به، ولكنه ترك ذلك ابتغاء وجه الله، وصبر على ما حصل له من أسباب الغيظ؛ فله هذا الثواب العظيم أنه يدعى على رؤوس الخلائق يوم القيامة ويخيَّرُ من أي الحور شاء." اهـ

 

عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 95)

"قَالَ الطِّيبِيُّ: "وَإِنَّمَا حُمِدَ الْكَظْمُ، لِأَنَّهُ قَهْرٌ لِلنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ. وَلِذَلِكَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ _تَعَالَى_ بقوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]." اهـ

 

قلت:

قال الله _عز وجل_: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} [آل عمران: 133، 134]

 

طريفة:

 

* وفي التبصرة لابن الجوزي (1/ 55) لابن الجوزي :

"وَقِيلَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنَّ فُلانًا يَشْتُمُكَ فَقَالَ: لأَغِيظَنَّ مَنْ أَمَرَهُ , يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَهُ. قِيلَ لَهُ: وَمَنْ أَمَرَهُ؟ قَالَ: الشَّيْطَانُ." اهـ

 

* التبصرة لابن الجوزي (1/ 55)

وَشَتَمَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ ذَرٍّ فَقَالَ: لا تُفْرِطَنَّ فِي شَتْمِنَا , وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا , فَإِنَّا لا نكافىء مَنْ عَصَى اللَّهَ فِينَا إِلا أَنْ نُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ. وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ فَجَعَلَ يَقُولُ:

أَنْتَ كَذَا وَأَنْتَ كَذَا , فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَغَفَرَ اللَّهُ لِي , وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3181) للقاري :

"قَالَ الطِّيبِيُّ : "وَإِنَّمَا حُمِدُ الْكَظْمُ لِأَنَّهُ قَهْرٌ لِلنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَلِذَلِكَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] ،

وَمَنْ نَهَى النَّفْسَ عَنْ هَوَاهُ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ، وَالْحُورَ الْعَيْنَ جَزَاهُ.

قُلْتُ : وَهَذَا الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ وَالْجَزَاءُ الْجَزِيلُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُجَرَّدِ كَظْمِ الْغَيْظِ، فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ الْعَفْوُ إِلَيْهِ أَوْ زَادَ بِالْإِحْسَانِ عَلَيْهِ. .

قَالَ النَّوَوِيُّ: الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ إِلَى الْمُسِيءِ، فَإِنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمُحْسِنِ مُتَاجَرَةٌ، وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ هَؤُلَاءِ فِي أُمَّتِي قَلِيلٌ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ كَانُوا كَثِيرًا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي مَضَتِ." اهـ

 

 

المعين على تفهم الأربعين ت دغش (ص: 222) لابن الملقن :

"وقد مَدَحَ الربُّ -جل جلاله- الذين يعفون عند الغضب، وأثنى عليهم، وأخبر___أنها عندَهُ خيرٌ وأَبقَى لهم مِن مَتَاعِ الحياةِ الدُّنيا وزينتها، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 50) :

"رُوى : أنَّ الحسين بن علي _رضي الله عنهما_ كان له عبدٌ يقوم بخدمته ويقرِّب إليه طهره، فقرب إليه طهره ذات يوم في كُوز،

فلما فَرَغ الحسين من طهوره، رفع العبدُ الكوز من بين يديه، فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها، فنظر إليه الحسين،

فقال العبد: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} قال: قد كظَمْتُ غيظي.

فقال: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}. قال: (قد عفوت عنك).

قال: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى." اهـ

 

قلت: وفي "تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" للسمرقندي (ص: 204) :

"وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنْ جَارِيَةً لَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ، فَعَثَرَتْ فَصَبَّتِ الْمَرَقَةَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ مَيْمُونُ أَنْ يَضْرِبَهَا، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: يَا مَوْلَايَ، اسْتَعْمِلْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

فَقَالَتْ: اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] ، قَالَ: عَفَوْتُ.

فَقَالَتْ: اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] ، فَقَالَ مَيْمُونٌ أَحْسَنْتُ إِلَيْكِ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى." اهـ

 

فيض القدير (6/ 217) للمناوي :

"أثنى الله على الكاظمين الغيظ في كتابه[4]، وكان ذلك من آداب الأنبياء والمرسلين، ومن ثم خدم أنسٌ المصطفى _صلى الله عليه وآله وسلم_ عَشَرَ سِنِيْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ في شيءٍ فَعَلَهُ : "لِمَ فَعَلْتَهُ"، ولا فِيْ شَيْءٍ تَرَكَهُ : "لِمَ تَرَكْتَهُ".[حم]". اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 204):

"يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا صَبُورًا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ خِصَالِ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَلِيمَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى: 43]." اهـ

 

شرح سنن أبي داود للعباد (544/ 13) – الشاملة:

"وهذا يدل على فضل من كظم غيظاً، وذلك أنه يدعى على رءوس الخلائق فيعرفون حصول هذه الخصلة الطيبة التي بها حصل هذا الأمر الطيب، وهو كونه يختار من الحور العين ما شاء؛ إكراماً وجزاءاً له على كظم غيظه،

وكظم الغيظ يحصل معه السلامة من الشرور التي تنشأ عن الغضب، وهي أمور محذورة، وكظم الغيظ يحول ويمنع دون الوقوع في تلك الأمور المحذورة، فهذا دال على فضل من كظم غيظاً." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (3/ 445) :

"الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب."

 

تحفة الأحوذي (6/ 140)

(حَتَّى يُخَيِّرَهُ) أَيْ يَجْعَلَهُ مُخَيَّرًا (فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ) أَيْ فِي أَخْذِ أَيِّهِنَّ شَاءَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عن إدخاله الجنة المنيعة وإيصاله الدرجة الرفعية."



[1] ترجمة معاذ بن أنس الجهني _رضي الله عنه_ :

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1402) لابن عبد البر : "معاذ بْن أنس الجهني، معدود فِي أهل مصر، وَهُوَ والد سَهْل بْن مُعَاذ." اهـ

وفي حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/ 237) للسيوطي : "معاذ بن أنس الجهني. قال ابن الربيع: شهد فتح مصر." اهـ

وفي الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 107) لابن حجر : "معاذ بن أنس الجهنيّ، حليف الأنصار. قال أبو سعيد بن يونس: صحابيّ كان بمصر والشام قد ذكر فيهما. وذكر أبو أحمد العسكريّ ما يدلّ على أنه بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان." اهـ باختصار.

[2] وفي عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 95) لشرف الحق الصديقي العظيم آبادي: "أَيْ : شَهَرَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَبَاهَى بِهِ وَيُقَالُ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْعَظِيمَةُ." اهـ

[3] وفي تحفة الأحوذي (6/ 140): "(دَعَاهُ الله يوم القيامة على رؤوس الْخَلَائِقِ) أَيْ شَهَرَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَبَاهَى بِهِ وَيُقَالُ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْعَظِيمَةُ." اهـ

[4] وفي التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 385) للأمير الصنعاني : "وقد أثنى تعالى على الكاظمين الغيظ في كتابه؛ لأنه تجرع مرارة الصبر في ذات الله." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين