شرح الحديث 46 من كتاب رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[46] وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ _رضي الله عنه_ قَالَ :

كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبيّ _صلى الله عليه وسلم_، وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ[1]،

فَقَالَ رَسُول اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ :

«إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ : "أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ"، ذَهَبَ عنْهُ مَا يَجِدُ»[2] .

فَقَالُوا لَهُ : إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

ترجمة سليمان بن صرد الخزاعي _رضي الله عنه_ :

 

وفي الطبقات الكبرى ط دار صادر (4/ 292) :

"سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدَ بْنِ الْجَوْنِ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ وَهُوَ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ مُنْقِذِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ ضُبَيْسِ بْنِ حَرَامِ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، وَيُكْنَى أَبَا مُطَرِّفٍ.

أَسْلَمَ وَصَحِبَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم , وَكَانَ اسْمُهُ يَسَارٌ، فَلَمَّا أَسْلَمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم سُلَيْمَانَ.

وَكَانَتْ لَهُ سِنٌّ عَالِيَةٌ وَشَرَفٌ فِي قَوْمِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم تَحَوَّلَ، فَنَزَلَ الْكُوفَةَ حِينَ نَزَلَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَشَهِدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ." اهـ

 

وفي "العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين" (4/ 238) لتقي الدين الفاسي :

"قُتِلَ سليمانُ مِنْ سَهْمٍ أصابَهُ، وحُزّ رأسُه، وذلك فى سنة خمس وستين، وقيل سنة سبع وستين. وكان خيرا فاضلا، له شرف فى قومه، وسنّ عال، بلغ ثلاثا وتسعين سنة." اهـ

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1334_1335): "سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدَ الْخُزَاعِيُّ أَبُو الْمُطَرِّفِ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ الْمَشَاهِدَ، وَنَزَلَ رَأْسَ الْعَيْنِ، وَقُتِلَ بِنَاحِيَتِهَا___يَوْمَ عَيْنِ الْوَرْدِ،

خَرَجَ مَعَ الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَسَارَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وَذَلِكَ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْآخَرِ، مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَلَقُوا مُقَدِّمَتَهُ، فَقُتِلَ سُلَيْمَانُ فِي آخِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ." اهـ

 

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 650) لابن عبد البر:

"وقيل: إنهم خرجوا إلى الشام في الطلب بدم الحسين رضي الله عنه، فسموا التوابين، وكانوا أربعة آلاف، فقتل سليمان بن صرد، رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقتله، وحَمَلَ رأسَه ورأسَ المسيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ إلى مروان بن الحكم أدهمُ بْنُ محيريز الباهلي، وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة." اهـ

 

وفي الأعلام للزركلي (3/ 127): "قتل سليمان بعين الوردة، قتله يزيد بن الحصين. له 15 حديثا." اهـ

 

شرح الحديث:

 

وفي رواية للبخاري (8/ 15) (رقم : 6048) :

"فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ، أَمَجْنُونٌ أَنَا، اذْهَبْ."

 

وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 467) :

"قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ)

فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : "فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،

وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ : (فَقَالُوا لَهُ) فَدَلَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِي خَاطَبَهُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ قَالَ فَجَعَلَ مُعَاذُ يَأْمُرُهُ فَأَبَى وَضَحِكَ وَجَعَلَ يَزْدَادُ غَضَبًا." اهـ

 

وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 467)

قَوْلُهُ (أَتُرَى بِي بَأْسٌ) بِضَمِّ التَّاءِ، أَيْ : أَتَظُنُّ، وَوَقَعَ بَأْسٌ هُنَا بِالرَّفْعِ لِلْأَكْثَرِ، وَفِي بَعْضِهَا (بَأْسًا) بِالنَّصْبِ وَهُوَ أَوْجَهُ."

وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 467) :

"قَوْلُهُ (اذْهَبْ) هُوَ خِطَابٌ مِنَ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَمَرَهُ بِالتَّعَوُّذِ أَيِ امْضِ فِي شُغْلِكَ،

وَأَخْلَقُ بِهَذَا الْمَأْمُورِ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا أَوْ كَانَ غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ حَتَّى أَخْرَجَهُ عَنِ الِاعْتِدَالِ بِحَيْثُ زَجَرَ النَّاصِحَ الَّذِي دَلَّهُ عَلَى مَا يُزِيلُ عَنْهُ مَا كَانَ بِهِ مِنْ وَهَجِ الْغَضَبِ بِهَذَا الْجَواب السيء،

وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَعِيذُ مِنَ الشَّيْطَانَ إِلَّا مَنْ بِهِ جُنُونٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ نَوْعٌ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ صُورَتِهِ وَيُزَيِّنُ إِفْسَادَ مَا لَهُ كَتَقْطِيعِ ثَوْبِهِ وَكَسْرِ آنِيَّتِهِ أَوِ الْإِقْدَامِ عَلَى مَنْ أَغْضَبَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ مَنْ يَخْرُجُ عَنِ الِاعْتِدَالِ." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 124) (رقم : 3282)، ومسلم في صحيحه (4/ 2015) (رقم : 2610)، وأبو داود في سننه (4/ 249) (رقم : 4781) عن سليمان بن صرد _رضي الله عنه_. وهو صحيح.

 

وأخرجه أبو داود (رقم : 4780) والترمذي في سننه (5/ 504) (رقم : 3452) عن معاذ بن جبل _رضي الله عنه_ إلا أنه ضعيف، لقد وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 209) (رقم : 1646)، وكفينا منه حديث سليمان بن صرد الخزاعي _رضي الله عنه_.

 

من فوائد الحديث :

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 85) للقاضي عياض :

"فيه : أن الغضب فى غير الله من نزغ الشيطان، وما يحمل عليه من موافقته هوى النفس وطبعها المركب فيها،

* وأن الاستعاذة من الشيطان كفته وسكن غضبه". اهـ

 

شرح النووي على مسلم (16/ 163) :

* فِيهِ أَنَّ الْغَضَبَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْغَضَبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ فَيَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،

* وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْغَضَبِ." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (16/ 163) :

"وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عِظَمِ مَفْسَدَةِ الْغَضَبِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُ،

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ (هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ) كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ جُفَاةِ الاعراب، والله اعلم." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (21/ 127)

(قوله _صلى الله عليه وسلم_ للغضبان : "إني لأعرف كلمةً لو قالها لذهب عنه : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم")

يدلّ : على أن الشيطان له تاثير في تهييج الغضب ، وزيادته حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه ، أو إتلافه ، أو إتلاف نفسه ، أو شرٍّ يفعله يستحق به العقوبة في الدنيا والآخرة ،

فإذا تعوذ الغضبان بالله من الشيطان الرجيم ، وصح قصده لذلك فقد التجأ إلى الله تعالى ، وقصَده ، واستجار به ، والله _تعالى_ أكرم من أن يخذل من استجار به". اهـ

 

تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 313) للشوكاني :

"وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الْغَضَب متسبب عَن عمل الشَّيْطَان وَلِهَذَا كَانَت الِاسْتِعَاذَة مذهبَة للغضب، فَمن غضب فِي غير حق وَلَا موعظة صدق فَليعلم أَن الشَّيْطَان هُوَ الَّذِي يتلاعب بِهِ، وَأَنه مَسّه طائف مِنْهُ،

وَفِي هَذَا: مَا يزْجر عَن الْغَضَب لكل من يود أَن لَا يكون فِي يَد الشَّيْطَان يصرفهُ كيف يَشَاء." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 175)

"والاستعاذة من الشَّيْطَان تذْهب الْغَضَب وَهُوَ أقوى السِّلَاح على دفع كَيده."[3]

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 163_164)

من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة لحذر عَن الْغَضَب____وَسكن غَضَبه.

 

وقال شمس الدين البِرْماوي _رحمه الله_ في اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (9/ 361):

"وفيه: أنَّه ينبغي لصاحب الغضَب أن يَستعيذَ بالكلمة المشهورة، وأنَّه سبَبٌ لزواله."

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 50)

"في هذا الحديث: أن الشيطان هو الذي يثير الغضب ويشعل النار، وأن دواءه الاستعاذة. قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الاعراف (200) ] ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 271) للعثيمين :

"والغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، فيستشيط غضبا، ويحتمي جسده، وتنتفح أوداجه، ويحمر وجهه، ويتكلم بكلام لا يعقله أحيانا، ويتصرف تصرفا لا يعقله أيضا." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (4/ 175) للشيخ حمزة محمد قاسم، بتحقيق عبد القادر الأرنؤوط :

"فقه الحديث :

دل هذا الحديث على ما يأتي :

أولاً : أن أقوى علاج لتسكين الغضب والقضاء عليه الاستعاذة بالله من الشيطان بنية صادقة، وعزيمة قوية، ويقين وإخلاص، لأن الغضب نزعة شيطانية شريرة،

والاستعاذة أقوى سلاح لمحاربة الشيطان فإذا لٍم يستعمل هذا السلاح سخّره في كل ما يغضب الله من أعمال إجرامية إشباعا لغريزة التشفي والانتقام،

ولهذا جاء في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:

"قلت : "يا رسول الله، دلني على عمل يدخلني الجنة"،

قال : لا تغضب ولك الجنة، رواه الطبراني في الكبير والأوسط لأنه يولّد الحقد والحسد، وإضمار السوء، وهجر المسلم___لأخيه المسلم، ومنع الحقوق، وتظهر آثار الغضب على سلوك الإِنسان وتصرفاته الشخصية من ضرب وقتل ونحوه، فإن فاته ذلك، رجع إلى نفسه فمزّق ثيابه، ولطم خده، وربما سقط صريعاً، وربما أغمي عليه. وقد حكي أن بعض الملوك كتب في صحيفة: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء، ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، ثم دفعها إلى وزيره وقال له: إذا غضبت فادفعها إليّ، فجعل الوزير كلما غضب الملك دفعها إليه، فنظر فيها فيسكن غضبه.

ثانياً : وجود الشيطان وتسلطه على الإِنسان بإثارة غرائزه، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة منه. والمطابقة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لو قال أعوذ بالله من الشيطان ".

 

شرح سنن أبي داود للعباد (544/ 20، بترقيم الشاملة آليا)

فالإنسان قد يخرج عن شعوره ويتكلم بكلام شديد وقاس، وقد يخرج منه شيء وهو لا يشعر بسبب إفراطه في الغضب...

فكون الإنسان يسترسل مع الغضب، فإنه يحصل منه كلام أو فعل لا تحمد عاقبته." اهـ

 

إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان (ص: 35) لابن القيم :

"وما يتكلم به الغضبان في حال شدة غضبه من طلاق وأو شتم ونحوه هو من: نزغات الشيطان فإنه يلجئه إلى أن يقول ما لم يكن مختارا لقوله: فإذا سرى عنه علم أن ذلك من إلقاء الشيطان على لسانه مما لم يكن يرضاه واختياره. والغضب من الشيطان، وأثَرُهُ مِنْهُ." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (3/ 445)

الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 83_84) لابن حجر الهيتمي :

[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ]

(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ: الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ) لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بَيْنَهَا تَلَازُمٌ وَتَرَتُّبٌ إذْ الْحَسَدُ مِنْ نَتَائِجِ الْحِقْدِ، وَالْحِقْدُ مِنْ نَتَائِجِ الْغَضَبِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلِذَلِكَ جَمَعْتُهَا فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ ذَمَّ كُلٍّ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْآخَرِ إذْ ذَمُّ الْفَرْعِ وَفَرْعِهِ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْأَصْلِ وَأَصْلِهِ وَبِالْعَكْسِ.___

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26] ذَمَّ الْكُفَّارَ بِمَا تَظَاهَرُوا بِهِ مِنْ الْحَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْغَضَبِ بِالْبَاطِلِ، وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا إلْزَامُهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُهَا وَأَحَقُّ بِهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] .

 

وقال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" (41/ 49_51):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان أن الغضب في غير الله تعالى من نَزْغ الشيطان.

2 - (ومنها): أنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ، فيقول: "أعوذ بالله

من الشيطان الرجيم"، فإنه سبب لزواله، كما أخبر النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك.

3 - (ومنها): أن هذه الاستعاذة التي ذكرها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث

هي إحدى طرق علاج الغضب، وقد روى أبو داود، وصححه ابن حبّان عن

أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لنا: "إذا غَضِب أحدكم، وهو قائم،

فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع" [حديث صحيح، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ].___

وأخرج أبو داود عن عطية قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الغضب من

الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفَأ النار بالماء، فإذا غضب

أحدكم فليتوضأ" [حديث ضعيف].

وأخرج ابن السنيّ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: كانت

عائشة - رضي الله عنها - إذا غضبت عَرَكَ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنفها، ثم يقول: "يا عُويش، قولي:

اللَّهُمَّ رب محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأَجِرْني من مُضلّات

الفتن" [حديث ضعيف، رواه ابن السنّيّ في "عمل اليوم والليلة" 1/ 404.].

وأخرج ابن ماجة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من

جُرْعة أعظم أجرًا عند الله، من جُرعةِ غيظٍ، كظمها عبدٌ ابتغاءَ وجه الله".

انتهى [صححه الشيخ الألباني: لغيره، راجع: "صحيح ابن ماجة" 2/ 1401].

4 - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما قول هذا الرجل الذي اشتد

غضبه: "هل ترى بي من جنون؟ " فهو كلام من لَمْ يفقه في دين الله تعالي، ولم

يتهذّب بأنوار الشريعة المكرّمة، وتوهّم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون، ولم

يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال

حاله، ويتكلم بالباطل، ويفعل المذموم، وينوي الحقد، والبغض، وغير ذلك،

من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي قال له: أوصني:

"لا تغضب"، فردّد مرارًا، قال: "لا تغضب"، فلم يزده في الوصية على "لا

تغضب"، مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عِظَم مفسدة الغضب، وما

ينشأ منه.

ويَحْتَمِل أن هذا القائل: "هل ترى بي من جنون؟ " كان من المنافقين، أو

من جُفاة الأعراب، والله أعلم ["شرح النوويّ" 16/ 163.].

5 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث يدلّ على أنَّ الشيطان___له تأثيرٌ في تهييج الغضب، وزيادته، حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه،

أو إتلافه، أو إتلاف نفسه، أو شرّ يفعله، يستحق به العقوبة في الدنيا

والآخرة، فإذا تعوّذ الغضبان بالله من الشيطان الرجيم، وصحّ قَصْده لذلك، فقد

التجأ إلى الله تعالي، وقَصَده، واستجار به، والله تعالى أكرم من أن يَخْذُل من

استجار به، ولَمّا جَهِل ذلك الرجل ذلك المعني، وظن أن الذي يحتاج إلى

التعوّذ إنما هو المجنون، فقال: "أمجنونًا تراني؟ "، منكرًا على من نبّهه على ما

يُصلحه، ورادًّا لِمَا ينفعه، وهذا من أقبح الجنون، والجنون فنونٌ، وكأن هذا

الرجل كان من جُفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب. انتهى ["المفهم" 6/ 594]، والله تعالى أعلم." اهـ



[1] الأوداج : جمع وَدَجٍ.

وفي التوشيح شرح الجامع الصحيح (5/ 2121) للسيوطي  : "(الودج): بفتح الواو والمهملة، وجيم: عرق في العنق." اهـ

وفي شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (5/ 297) : "والودج عرق في المذبح من الحلق." اهـ

[2] وفي مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 164) لأبي الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري (المتوفى: 1414هـ) :

"والحديث مقتبس من قوله تعالى:

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (7: 200)

قال الطيبي: أي ولا تنفع الاستعاذة من أمتك إلا المتقين، بدليل قوله تعالى :

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} أي : ما أمرهم به تعالى ونهاهم عنه {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (7: 201) لطريق السداد، ودفعوا ما وسوس به إليهم." اهـ

[3] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/ 208) لابن الملقن :

"والاستعاذة من الشيطان تذهب الغضب، وذلك أنه المزين له الغضب، وكل ما لا تحمد عاقبته فهي من أقوى السلاح على دفع كيده". اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين