الحديث السادس والثمانون من كتاب بهجة قلوب الأبرار

الحديث السادس والثمانون: خذوا عنّي مناسككم.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

 

ترجمة جابر بن عبد الله الخزرجي السَّلِمي -رضي الله عنه-

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن غنم ابن كعب بن سَلِمَةَ بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جُشَم بن الخزرج . الأنصارى ، الخزرجى ، السلمى ، أبو عبد الله  المدنى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ابن صاحبه . اهـ .

 

عن عبد الله بن عمارة بن القداح : عبد الله بن عمرو بن حرام ، شهد العقبة . و كان نقيبا ، و شهد بدرا ، و أستشهد ـ يعنى بأحد، و ابنه جابر بن عبد الله ، شهد العقبة ، و شهد المشاهد كلها، إلا بدرا، و أحدا .

 

و أمه : أنيسة بنت عقبة بن عدى بن سنان بن نابى بن زيد بن حرام بن كعب ابن غنم ، و أم أبيه عبد الله ، هند بنت قيس بن الفدم بن جارية بن عطية .

 

و قال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبى سفيان ، عن جابر : كنت أمتح أصحابى الماء يوم بدر .

 

قال محمد بن سعد : ذكرت لمحمد بن عمر هذا الحديث ، فقال : هذا وهم من أهل

العراق ، و أنكر أن يكون جابر شهد بدرا .

 

عن أبي الزبير :

أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تسع عشرة غزوة ، قال جابر : لم أشهد بدرا ، و لا أحد ، منعنى أبى .

قال : فلما قتل عبد الله يوم أحد ، لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة قط .

 

عن عمرو ، قال : سمعت جابرا ، قال : كنا يوم الحديبية ألفا و أربع مئة ، فقال لنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم اليوم خير أهل الأرض .

رواه البخارى ، و مسلم ، و النسائى من حديث سفيان .

 

و قال حماد بن سلمة ، عن أبى الزبير ، عن جابر : أستغفر لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا و عشرين مرة .

 

و قال جابر الجعفى ، عن أبى الزبير ، عن جابر : لقد استغفر لى رسول الله

صلى الله عليه وسلم خمسا و عشرين استغفارة ، كل ذلك أعُدها بيدى ، يقول : أديت عن أبيك دينه ؟ فأقول : نعم . فيقول : يغفر الله لك .

 

و قال سفيان الورى عن محمد بن المنكدر ، عن جابر : جاءنى النبى صلى الله عليه

وسلم يعودنى ليس براكب بغل و لا برذون .

 

و قال شعبة : حدثنا محمد بن المنكدر ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، قال :

أتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصب على من وضوئه ، فعقلت ، فقلت : يا رسول الله إنه لا يرثنى إلا كلالة ، فنزلت آية

الفرائض .

 

عن عبد الله بن عبيد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : هلاك بالرجل أن يدخل عليه الرجل من إخوانه ، فيحتقر ما فى بيته أن يقدمه إليه ، و هلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم .

 

عن جابر بن عبد الله : تعلموا الصمت ، ثم تعلموا الحكم ، ثم تعلموا العلم ، ثم تعلموا للعلم العمل بالعلم ، ثم انشروا .

 

عن زيد بن أسلم : أن جابر بن عبد الله كف بصره .

 

عن هشام بن عروة : رأيت لجابر بن عبد الله حلقة فى المسجد يؤخذ عنه .

 

قال البخارى : و صلى عليه الحجاج .

و قال الهيثم بن عدى ، و أبو موسى محمد بن المثنى ، و خليفة بن خياط ، فى بعض الروايات عنهم : مات سنة ثمان و ستين (68هـ).

 

و قال محمد بن يحيى بن حبان : مات سنة سبع و سبعين .

و كذلك أبو نعيم فى رواية أخرى ، قال : و يقال : مات و هو ابن أربع و تسعين،

و صلى عليه أبان بن عثمان ،

و كان آخر من مات من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة .

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/ 943) (رقم: 1297)، وأبو داود في "سننه" (2/ 201) (رقم: 1970)، والنسائي في "سننه" (5/ 270) (رقم: 3062)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4/ 161 و 4/ 181) (رقم: 4002 و 4054)

 

صحيح: صححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 271) (رقم: 1074)

 

شرح الحديث:

 

وفي صحيح مسلم (2/ 943) (رقم: 1297) : عن جَابِر، يَقُولُ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 179)

هذا كلام جامع استدل به أهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما قاله في حجه وجوبا في الواجبات، ومستحبا في المستحبات،

 

وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فكما أن ذلك يشمل جزئيات الصلاة كلها، فهذا يشمل جزئيات المناسك كلها.

 

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام حسن جدا في خلاصة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في "القواعد النورانية "، فقال _قدس الله روحه ورضي عنه_:

(وقد ثبت بالنقل المتواتر عند الخاصة من علماء الحديث من وجوه كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع أحرم هو والمسلمون من ذي الحليفة. فقال: «من شاء أن يهل[1] بعمرة فليفعل، ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل، ومن شاء أن يهل بعمرة وحجة فليفعل»،

 

فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أمر جميع المسلمين الذين حجوا معه أن يحلوا من___إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، فراجعه بعضه في ذلك. فغضب، وقال: «انظروا، ما أمرتكم به فافعلوه» .

وكان هو صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، فلم يحل من إحرامه، ولما رأى كراهة بعضهم للإحلال قال:

«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت» [د].

وقال أيضا: «إني لَبَّدْتُ رَأْسِي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر» [خ م].

 

فحل المسلمون جميعهم إلا النفر الذين ساقوا الهدي ; منهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله.

 

فلما كان يوم التروية أحرم المحلون بالحج، وهم ذاهبون إلى منى، فبات بهم تلك الليلة بمنى وصلى بهم فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر،

 

ثم سار بهم إلى نمرة، على طريق ضب، ونمرة خارجة عن عرفة، من يمانيها وغربيها، ليست من الحرم، ولا من عرفة. فنصبت له القبة بنمرة. وهناك كان ينزل خلفاؤه الراشدون بعده، وبها الأسواق، وقضاء الحاجة، والأكل، ونحو ذلك.

 

فلما زالت الشمس ركب هو ومن ركب معه، وسار المسلمون إلى المصلى ببطن عرنة، حيث قد بني المسجد وليس هو من الحرم، ولا من عرفة.

 

وإنما هو برزخ بين المشعرين: الحلال والحرام هناك، بينه وبين الموقف نحو ميل، فخطب فيهم خطبة الحج على راحلته، وكان يوم الجمعة،

 

ثم نزل فصلى بهم الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين. ثم سار _والمسلمون معه_ إلى الموقف بعرفة عند الجبل المعروف بجبل الرحمة. واسمه " إِلالٌ " على وزن هلال، وهو___الذي تسميه العامة عرفة،

 

فلم يزل هو والمسلمون في الذكر والدعاء إلى أن غربت الشمس، فدفع بهم إلى مزدلفة، فصلى المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق قبل حط الرحال، حين نزلوا بمزدلفة، وبات بها حتى طلع الفجر،

 

فصلى بالمسلمين الفجر في أول وقتها، مغلسا بها زيادة على كل يوم، ثم وقف عند قُزَح[2]، وهو جبل مزدلفة الذي يسمى المشعر الحرام، فلم يزل واقفا بالمسلمين إلى أن أسفر جدا،

 

ثم دفع بهم حتى قدم منى، فاستفتحها برمي جمرة العقبة، ثم رجع إلى منزله بمنى، ثم أتى المنحر ونحر ثلاثا وستين بدنة من الهدي الذي ساقه، وأمر عليا فنحر الباقي وكان مائة بدنة، ثم حلق رأسه.

 

ثم أفاض إلى مكة، فطاف طواف الإفاضة، وكان قد عجل ضعفة أهله من مزدلفة قبل طلوع الفجر، فرموا الجمرة بليل.

 

ثم أقام بالمسلمين أيام منى الثلاث، يصلي بهم الصلوات الخمس مقصورة غير مجموعة، يرمي كل يوم الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس،

يستفتح بالجمرة الأولى _وهي الصغرى، وهي الدنيا إلى منى والقصوى من مكة_. ويختتم بجمرة العقبة، ويقف بين الجمرتين: الأولى والثانية، وبين الثانية والثالثة وقوفا طويلا بقدر سورة البقرة، يذكر الله ويدعو،

فإن المواقف ثلاث: عرفة، ومزدلفة، ومنى. ثم أفاض آخر أيام التشريق بعد رمي الجمرات هو والمسلمون، فنزل بالمحصَّب ، عند خيف بني كنانة، فبات هو والمسلمون ليلة الأربعاء، وبعث تلك الليلة عائشة مع أخيها عبد الرحمن؛ لتعتمر من التنعيم، وهو أقرب أطراف الحرم إلى مكة، من طريق أهل المدينة. وقد بني بعده هناك___مسجد سماه الناس (مسجد عائشة لأنه لم يعتمر بعد الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه أحد قط إلا عائشة، لأجل أنها كانت قد حاضت لما قدمت وكانت معتمرة. فلم تطف قبل الوقوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة،

وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «اقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة»

ثم ودع البيت هو والمسلمون ورجعوا إلى المدينة. ولم يُقِمْ بعد أيام التشريق، ولا اعتمر أحد قط على عهده عمرة يخرج فيها من الحرم إلى الحل إلا عائشة _رضي الله عنها_ وحدها، فأخذ فقهاء الحديث - كأحمد وغيره - بسنته في ذلك كله."[3] إلى آخر ما قال رحمه الله ورضي عنه. والله أعلم." اهـ

 



[1]  هو رفع الصوت بالتلبية، والمراد هنا مع النية.

[2]  وفي شرح النووي على مسلم (8/ 189): "وَأَمَّا (الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) فَبِفَتْحِ الْمِيمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا قُزَحُ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةُ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ هُوَ قُزَحُ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلُ السِّيَرِ وَالْحَدِيثِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَة." اهـ

[3]  القواعد النورانية (ص: 144)


Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين