شرح الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ (دُعَاءُ السَّفَرِ) من كتاب بهجة قلوب الأبرار لأبي فائزة البوجيسي

 

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ: دُعَاءُ السَّفَرِ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ: كَبَّرَ ثَلَاثًا،

ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 13، 14]،

* إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى.

* اللَّهمَّ هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، واطوِ عَنَّا بُعده.

* اللَّهمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ.

* اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاء السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ، فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ.

 

* وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: (آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حامدون)" رواه مسلم

 

شرح الحديث:

 

وفي تطريز رياض الصالحين (ص: 569) للحريملي :

"وفي الحديث: استحباب هذا الدعاء عند ركوب المسافر." اهـ

 

وقال الزيداني في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 221):

"لا طاقة لنا ولا قوة لنا بركوب الدواب لولا تسخير الله إيَّاها لنا، فنسبحه ونحمَدُه على مِنَّة النعمة، كما نسبحه ونحمده على سائر النعم." اهـ[1]

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 284):

*وفي هذا الحديث من الفقه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليغفل عن ربه في حال سفره، ولا في حال قدومه، ولا مقامه ولا ظعنه؛ ولا ليله ولا نهاره، وكان في كل حال من حاله له ذكر يخصه، وهكذا ينبغي لكل مسلم؛ فإن الله تعالى هو الصاحب في السفر، وهو الخليفة في الأهل، والسلامة في السفر منه سبحانه وهذا معنى ما تقدم.

 

ترجمة عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي –رضي الله عنهما-

 

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن قُرْط بن رِياح[2] بن رَزاح[3] بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر (قريش) بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ : القرشى العدوى[4]،

 

كنيته : أبو عبد الرحمن المكى ثم المدنى،

 

إسلامه وفضائله:

 

أسلم قديما مع أبيه و هو صغير لم يبلغ الحلم ، و هاجر معه ، و قدمه فى ثقله ، و استصغر يوم أحد ، و شهد الخندق و ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 209)

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ آدَمَ، جَسِيْماً، إِزَارُهُ إِلَى نِصْفِ السَّاقَيْنِ، يَطُوْفُ.

وَقَالَ هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ لَهُ جُمَّةٌ

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

أَسْلَمَ وَهُوَ صَغِيْرٌ، ثُمَّ هَاجَرَ مَعَ أَبِيْهِ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَاسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَوَّلُ غَزَوَاتِهِ الخَنْدَقُ، وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 210)

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَهِدَ ابْنُ عُمَرَ الفَتْحَ، وَلَهُ عِشْرُوْنَ سَنَةً.

 

و هو شقيق حفصة أم المؤمنين ، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون. اهـ .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 204)

رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً نَافِعاً عَنِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَنْ : أَبِيْهِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَبِلاَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَزَيْدٍ عَمِّهِ، وَسَعْدٍ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، وَأَسْلَمَ، وَحَفْصَةَ أُخْتِهِ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِم.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 208)

عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَارَزَ رَجُلاً فِي قِتَالِ أَهْلِ العِرَاقِ، فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ

 

صحيح البخاري (9/ 40) (رقم : 7029) : عن حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَقَالَ نَافِعٌ: «فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ»

 

وفي رواية :

صحيح البخاري (9/ 41) (رقم : 7031) : قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ»

 

و قال عبد الله بن مسعود : أن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر .

 

و قال جابر بن عبد الله : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به و مال بها ، إلا عبد الله بن عمر .

 

و قال سعيد بن المسيب : مات ابن عمر يوم مات ، و ما فى الأرض أحد أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منه .

 

و قال الزهرى : لا نعدل برأى ابن عمر ، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة، فلم يخف عليه شىء من أمره ، و لا من أمر أصحابه .

 

و قال مالك : بلغ ابن عمر ستا و ثمانين سنة ، وافى فى الإسلام ستين سنة تقدم عليه وفود الناس .

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 211)

وَعَنْ عَائِشَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَلْزَمَ لِلأَمْرِ الأَوَّلِ مِنِ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بنُ العَلاَءِ المَازِنِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيْقٍ، قَالَ:

قَالَتْ عَائِشَةُ لابْنِ عُمَرَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْهَانِي عَنْ مَسِيْرِي؟

قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ لَنْ تُخَالِفِيْهِ - يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ -.

قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَاتَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ فِي الفَضْلِ مِثْلُ أَبِيْهِ.

 

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 213)

عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:

لَوْ نَظرْتَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ إِذَا اتَّبعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتَ: هَذَا مَجنُوْنٌ

 

و قال نافع ، عن ابن عمر : عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر

و أنا ابن ثلاث عشرة ، فردنى ، و عرضت عليه يوم أحد ، و أنا ابن أربع عشرة

فردنى ، و عرضت عليه يوم الخندق و أنا ابن خمس عشرة فأجازنى .

 

و قال الزبير بن بكار: "هاجر و هو ابن عشر سنين ، و شهد الخندق وهو ابن خمس عشرة، ومات سنة ثلاث و سبعين."

 

و قال الواقدى ، و كاتبه محمد بن سعد ، و خليفة بن خياط ، و غير واحد : مات سنة أربع و سبعين .

 

قال أبو سليمان بن زبر: "وهذا أثبت، أن ابن عمر مات فى هذه السنة ، وأن أبا نعيم قد أخطأ فى ذكره فى سنة ثلاث و سبعين ، فإن رافع بن خديج مات سنة أربع ، وابن عمر حى وحضر جنازته."

 

و قال رجاء بن حيوة : أتانا نعى ابن عمر ، و نحن فى مجلس ابن محيريز ، فقال:

ابن محيريز : والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أمانا لأهل الأرض .

 

و مناقبة و فضائلة كثيرة جدا .

 

روى له الجماعة . اهـ .

ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ

 قال الحافظ في تهذيب التهذيب 5 / 330 :

و قال ابن يونس : شهد فتح مصر .

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 978) (رقم : 1342)، وأبو داود في سننه (3/ 33) (رقم : 2599)، والترمذي في سننه، ت. شاكر (5/ 501) (رقم : 3447)، والنسائي في السنن الكبرى (9/ 202 و 10/ 245) (رقم : 10306 و 11402)

 

من فوائد الحديث:

 

قال المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" - ط الوزارة (ص: 175_179):

 

"هذا الحديث فيه فوائد عظيمة تتعلق بالسفر.

وقد اشتملت هذه الأدعية على طلب مصالح الدين - التي هي أهم الأمور - ومصالح الدنيا، وعلى حصول المحاب، ودفع المكاره والمضار، وعلى شكر نعم الله، والتذكر لآلائه وكرمه، واشتمال السفر على طاعة الله، وما يقرب إليه.___

 

فقوله: «كان إذا استوى على راحلته خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا» هو افتتاح لسفره بتكبير الله، والثناء عليه، كما كان يختم بذلك.

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 13، 14]،

 

* فيه: الثناء على الله بتسخيره للمركوبات، التي تحمل الأثقال والنفوس إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة، واعتراف بنعمة الله بالمركوبات.

 

وهذا يدخل فيه المركوبات: من الإبل، ومن السفن البحرية، والبرية، والهوائية، فكلها تدخل في هذا.

 

ولهذا قال نوح صلى الله عليه وسلم للراكبين معه في السفينة: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}[5] [هود: 41]

 

فهذه المراكب، كلها وأسبابها، وما به تتم وتكمل، كله من نعم الله وتسخيره. يجب على العباد الاعتراف لله بنعمته فيها، وخصوصا وقت مباشرتها.

 

وفيه: تذكر الحالة التي لَوْلَا البارِيْ، لما حصلت وذللت في قوله: «وما كنا له مقرنين» أي مطيقين،

لو رُدَّ الأمر إلى حَوْلِنَا وقوتنا[6]، لكُنَّا أَضْعَفَ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرةً وإرادةً، ولكنه تعالى سخَّر الحيواناتِ، وعلم الإنسان صُنْعَةَ المركوبات، كما امتن الله في تيسير صناعة الدروع الواقية في قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ (4) فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80][7]___

 

فعلى الخلق أن يشكروا الله، إذ علَّمهم صناعة اللباسِ الساتر للعورات، ولباسِ الرياش، ولباسِ الحربِ وآلاتِ الحربِ،

 

وعلمهم صَنْعَةَ الفلك البحريةِ والبريةِ والهوائية، وصَنْعَةَ كُلِّ ما يحتاجون إلى الانتفاع به، وأنزل الحديدَ فيه بأسٌ شديدٌ ومنافِعُ للناس متنوعةٌ.

 

ولكن أكثر الخلق في غفلة عن شكر الله، بل في عتو واستكبار على الله، وتجبر بهذه النعم على العباد.

 

* وفي هذا الحديث: التذكرُ بسفر الدنيا الحسي لسفر الآخرة المعنوي، لقوله: «وإنا إلى ربنا لمنقلبون»

فكما بدأ الخلقَ، فهو يعيدهم ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

 

وقوله: «اللَّهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى» .

سأل الله أن يكون السفر موصوفا بهذا الوصف الجليل، محتويا على أعمال البر كلها المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحقوق الخلق، وعلى التقوى التي هي اتقاء سخط الله، بترك جميع ما يكرهه الله من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، كما سأله العمل بما يرضاه الله.

 

وهذا يشمل جميع الطاعات والقربات، ومتى كان السفر على هذا الوصف، فهو السفر الرابح، وهو السفر المبارك.

 

وقد كانت أسفاره_ صلى الله عليه وسلم _كلُّهَا محتويةً لهذه المعاني الجليلة.

 

ثم سأل الله الإعانة، وتهوين مشاق السفر، فقال: «اللَّهمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بعده» لأن السفر قطعة من العذاب، فسأل تهوينه، وطي بعيده، وذلك بتخفيف الهموم والمشاق، وبالبركة في السير، حتى___يقطع المسافاتِ البعيدةَ، وهو غير مُكْتَرِثٍ[8]، ويقيض له من الأسباب المريحة في السفر أمورا كثيرة، مثل راحة القلب، ومناسبة الرفقة، وتيسير السير، وأمن الطريق من المخاوف، وغير ذلك من الأسباب.

 

فكم من سفر امتد أياما كثيرة، لكن الله هونه، ويسره على أهله، وكم من سفر قصير صار أصعب من كل صعب، فما ثم إلا تيسيرُ الله ولطفُه ومعونته.

 

ولهذا قال في تحقيق تهوين السفر: «اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ» أي مشقته وصعوبته «وكآبة المنظر» أي الحزن الملازم والهم الدائم «وسوء المنقلب في المال والأهل والولد» أي: يا رب نسألك أن تحفظ علينا كل ما خلفناه وراءنا، وفارقناه بسفرنا من أهل وولد ومال، وأن ننقلب إليهم مسرورين بالسلامة، والنعم المتواترة علينا وعليهم: فبذلك تتم النعمة، ويكمل السرور.

 

وكذلك يقول هذا في رجوعه، وعوده من سفره، ويزيد: «آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون» أي نسألك اللهم أن تجعلنا في إيابنا ورجوعنا ملازمين للتوبة لك، وعبادتك وحمدك، وأن تختم سفرنا بطاعتك، كما ابتدأته بالتوفيق لها.

 

ولهذا قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80]

 

ومدخل الصدق ومخرجه، أن تكون أسفار العبد، ومداخله ومخارجه كلها تحتوي على الصدق والحق، والاشتغال بما يحبه الله، مقرونة بالتوكل على الله، ومصحوبة بمعونته.___

 

* وفيه، الاعتراف بنعمته آخرا، كما اعترف بها أولا، في قوله: «لربنا حامدون» .

 

فكما أن على العبد أن يحمد الله على التوفيق لفعل العبادة والشروع في الحاجة، فعليه أن يحمد الله على تكميلها وتمامها، والفراغ منها، فإن الفضل فضله، والخير خيره، والأسباب أسبابه. والله ذو الفضل العظيم." اهـ كلام المؤلف _رحمه الله_.



[1]  وفي بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 176) :

"وفيه تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصلت وذللت في قوله: «وما كنا له مقرنين» أي مطيقين، لو رد الأمر إلى حولنا وقوتنا، لكنا أضعف شيء علما وقدرة وإرادة، ولكنه تعالى سخر الحيوانات وعلم الإنسان صنعة المركوبات، كما امتن الله في تيسير صناعة الدروع الواقية في قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ (3) لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ (4) فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80]." اهـ

[2] وفي العقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (5/ 330) لتقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسى المكي (المتوفى: 832 هـ) : براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت." اهـ

[3] وفي المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 992) : وأمَّا رَزَاح , بفتح الراء , هو جد عُمَر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن رياح عَبد الله بن قرط بن رَزَاح بن عَدِيّ بن كَعْب.

[4] وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 38) (رقم : 127) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ :

«عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنَ إِلْيَاسَ بْنَ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ»

[5] وقال أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري (المتوفى : 616هـ) _رحمه الله_ في "التبيان في إعراب القرآن" (2/ 698): "قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا) : مَجْرَاهَا مُبْتَدَأٌ، وَبِسْمِ اللَّهِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَصَاحِبُهَا الْوَاوُ فِي «ارْكَبُوا» ." اهـ

[6] الحول : الحركة والتحول.

[7] وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "زاد المسير في علم التفسير" (3/ 204):

"قوله تعالى: (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) في المراد باللَّبوس قولان:

* أحدهما: الدُّروع، وكانت قبل ذلك صفائح، وكان داود أول من صنع هذه الحلق وسرد، قاله قتادة.

* والثاني: أن اللَّبوس: السلاح كلُّه من درع إِلى رمح، قاله أبو عبيدة. وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: «لُبوس» بضم اللام." اهـ

[8] مكترثٍ: مُهْتَمٍّ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين