حياة القلب بالإيمان والعمل الصالح

 

حياة القلب بالإيمان والعمل الصالح


قال الله _تعالى_:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]

 

تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (17/ 289)

يقول تعالى ذكره: من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن: يقول: وهو مصدّق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة، وبوعيد أهل معصيته على المعصية (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) .

 

زاد المسير في علم التفسير (2/ 582)

قوله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس.

ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال:

* أحدها: أنها القناعة، قاله علي عليه السلام، وابن عباس في رواية، والحسن في رواية، ووهب بن منبه.

* والثاني: أنها الرزق الحلال، رواه أبو مالك عن ابن عباس. وقال الضحاك: يأكل حلالاً ويلبس حلالاً.

* والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

* والرابع: أنها الطاعة، قاله عكرمة.

* والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة.

* والسادس: أنها الرزق الطيِّب، والعمل الصالح، قاله إِسماعيل بن أبي خالد.

* والسابع: أنها حلاوة الطاعة، قاله أبو بكر الوراق.

* والثامن: العافية والكفاية.

* والتاسع: الرضى بالقضاء، ذكرهما الماوردي.

والثاني: أنها في الآخرة، قاله الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد، وذلك إِنما يكون في الجنة.

والثالث: أنها في القبر، رواه أبو غسّان عن شريك." اهـ

 

وفي "تفسير ابن كثير" - ت سلامة (4/ 601):

"هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا (وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُتَابِعُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّ هَذَا الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ مَشْرُوعٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ -بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ." اهـ

 

وفي تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 449):

"فقال {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}

فإن الإيمان شرط في صحةِ الأعمال الصالحة وقبولِهَا، بل لا تسمى أعمالا صالحة، إلا بالإيمان. والإيمان مقتض لها، فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات.

فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وذلك بطمأنينةِ قلبه وسكونِ نفسه وعدمِ التفاته لما يشوش عليه قلبَه، ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} في الآخرة {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من أصناف اللذات مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة." اهـ

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 72)

ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدله عليه، ويذكره به، ويذاكره بهذا الأمر.

ومن علامات صحته: أنه إذا فاته وِرْدُه وجد لفواته ألما أعظم من تألم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشرب.

ومن علامات صحته: أن يكون همه واحدا، وأن يكون فى الله.

ومن علامات صحته: أنه إذا دخل فى الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحته ونعيمه، وقرة عينه وسرور قلبه.

ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله.

ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره فى حق الله.__

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 73)

فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحى السليم.

وبالجملة فالقلب الصحيح: هو الذى همه كله فى الله، وحبه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه، والخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له، قرة عينه به، وطمأنينته وسكونه إليه

 

مجموع الفتاوى (2/ 5)

وَرَبَطَ السَّعَادَةَ مَعَ إصْلَاحِ الْعَمَلِ بِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} . وَأَحْبَطَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِزَوَالِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} وَقَوْلِهِ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ}

 

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 23)

فبين سبحانه أنه يسعد المحسن بإحسانه فى الدنيا وفى الآخرة، كما أخبر أنه يشقى المسىء بإساءته فى الدنيا والآخرة. قال تعالى:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَومَ الْقيَامَة أَعْمَى} [طه: 124] ." اهـ

 

الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 47):

وهذا عكس أهل السعادة والفلاح فإن حياتهم في الدنيا أطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضل الثواب.


Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين