شرح الحديث 60_61 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 132):

60 - (12) [صحيح لغيره موقوف] وعن عَمرو بن زرارة قال:

وقف عليَّ عبد الله -يعني ابن مسعود- وأنا أقُصُّ، فقال:

يا عَمرو! لقد ابتدعتَ بدعةً ضلالةً، أو إنَّك لأهدى من محمدٍ وأصحابه! فلقد رأيتُهم تفرّقوا عنّي حتى رأيتُ مكاني ما فيه أحدٌ."[1]

رواه الطبراني في "الكبير" بإسنادين أحدهما صحيح (3).

قال الحافظ عبد العظيم:

"وتأتي أحاديث متفرّقة من هذا النوع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى".

__________

(3) قلت: وأخرجه الدارمي بنحوه أتم منه، وهو مخرج في "الرد على التعقيب الحثيث".

 

ترجمة عمرو بن زرارة بن قيس النخعي الكوفي:

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (46/ 12) (رقم: 5337):

"عمرو بن زرارة بن قيس بن الحارث بن عداء بن الحارثا بن عوف (ويقال ابن عمرو بن جشم بن كعب بن قيس) بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو النخعي من أهل الكوفة أدرك عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان ممن سيره عثمان بن عفان من الكوفة إلى دمشق." اهـ

 

ترجمة عبد الله بن مسعود الهذلي _رضي الله عنه_:

 

قال المزي في تهذيب الكمال:

( خ م د ت س ق ) : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن مخزوم ، و يقال : ابن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو عبد الرحمن الهذلى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

* وكان أبوه مسعود بن غافل ، قد حالف عبد ابن الحارث بن زهرة فى الجاهلية ، و أمه أم عبد بنت ود بن سواء من هذيل أيضا ، لها صحبة .

أسلم بمكة قديما ، و هاجر الهجرتين ، و شهد بدرا و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . و هو صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يلبسه إياها إذا قام ، فإذا جلس أدخلها فى ذراعه . و كان كثير الولوج على النبى

 

توفي سنة 32 أو 33 هـ بـ المدينة

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/ 127) (رقم : 8637)

 

من فوائد الحديث:

 

القَصُّ هو فن مخاطبة العامة ووعظهم بالاعتماد على القصة .

يقول ابن الجوزي رحمه الله : "القاص هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها...

 

والتذكير هو تعريف الخلق نِعَمَ الله عز وجل عليهم ، وحثهم على شكره ، وتحذيرهم من مخالفته . وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب...وقد صار اسم القاصِّ عامًّا للأحوال الثلاثة " انتهى  من "القُصَّاص والمذكرون" (157-159) .

 

والقصص والوعظ محمود وممدوح من حيث الأصل ؛ وذلك أن الله تعالى يقول :

( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الأعراف/176

 

وقال تعالى : ( وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) النساء/63 .

وقال تعالى : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) الذاريات/55 .

 

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكِّرُ الناس ويعظهم ، ويقص عليهم من أنباء الأمم السابقة ما فيه العبرة والموعظة .

 

فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال :

( وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوعِظَةً بَلِيغَةً ، ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ ، وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ ) . رواه الترمذي (2676) وقال : حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

 

وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث الناس عن قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت . رواه البخاري (2215) ومسلم ( 2743) .

 

وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون الناس بالله تعالى ، ويقرؤون عليهم القرآن والحديث ، ويدعونهم إلى الاعتبار والادكار بأحوال الماضين .

 

فعن أبي وائل قال : ( كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ : يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن ، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ ، قَالَ : أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا ) . رواه البخاري (70) ومسلم (2821) .

 

فمن سار على هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فوعظ الناس وذكرهم بالله تعالى على علم وبصيرة ، ولم يَتَقَحَّم أبوابَ الكذب والرياء والمبالغة والجهل ، فذلك لا سبيل إلى الإنكار عليه ، بل هو مأجور مشكور .

 

قال الإمام أحمد : إذا كان القاص صدوقاً فلا أرى بمجالسته بأساً .

 

وسئل الأوزاعي عن القوم يجتمعون فيأمرون رجلا فيقص عليهم فقال : إذا كان ذلك يوما بعد الأيام فليس به بأس .

 

وروى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يعجبني أمر القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر ، قلت له : فترى الذهاب إليهم ؟ قال : إي لعمري إذا كان صدوقا .

 

قال : وجاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال : عليك بالقاص، ما أنفع مجالستَهم.

 

ولكن لما دخل في باب الوعظ والقص والتذكير من يتقحم ما لا علم له به ، فيكذب في الحديث أو يزيد وينقص ، أو يظهر عليه حب الظهور والسمعة ، أو يكون سيئ السيرة والعمل ، لما كان ذلك : اضطر الأئمة من أهل العلم إلى التحذير من أمثال هؤلاء والتنفير منهم .

 

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول : ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ما خرجت .

 

وعن أم الدرداء أنها بعثت إلى رجلين من الناس : قل لهما فليتقيا الله تعالى وتكون موعظتهما للناس لنفسهما .

 

وعن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له : أقاص أنت ؟ فقال : نعم ، قال : اذهب فإنا لا نحدث القصاص ، فقال له : لم ؟ قال : يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا ! أي أنهم يزيدون في الحديث .

 

وسئل سفيان الثوري : نستقبل القصاص بوجوهنا ؟ فقال : ولوا البدع ظهوركم .

انظر الآثار السابقة في "الآداب الشرعية" (2/82-89) .

 

وقال ابن الجوزي : "معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص" انتهى "القصاص" (308)

 

فالحاصل : أن القص ليس مذموما لذاته ، وإنما لما قد يختلط به من الكذب والمبالغة والجرأة على الدين .

 

يقول ابن الجوزي : " والقُصَّاصُ لا يُذَمون من حيث هذا الاسم ، وإنما ذُم القُصَّاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القَصَصِ دون ذكر العلم المفيد ، ثم غالبُهم يُخَلِّط فيما يورده ، وربما اعتمد على ما أكثره محال " انتهى من "تلبيس إبليس" (134) .

 

وقال الإمام أحمد : " القصاص الذي يذكر الجنة والنار والتخويف وله نية وصدق الحديث ، فأما هؤلاء الذين أحدثوا من وضع الأخبار والأحاديث فلا أراه " انتهى .

"الآداب الشرعية" (2/85) .

 

وبذلك تعلم أن وصف الراوي بأنه من القُصَّاص لا يَلزم منه توثيقا له ولا تجريجا ، فقد كان من القصاص الرواة الثقات ، كما كان منهم الضعفاء ، وهذه بعض الأمثلة :

سعيد بن حسان المخزومي : قاص أهل مكة ، قال ابن معين وأبو داود والنسائي : ثقة . "تهذيب التهذيب" (4/15) .

 

عائذ الله بن عبد الله بن عمرو : قال مكحول : ما رأيت أعلم منه ، وقال الزهري : كان قاص أهل الشام وقاضيهم . "تهذيب التهذيب" (5/74) .

 

ثابت بن أسلم البناني : قال أحمد : ثابت يتثبت في الحديث ، وكان يقص ، وقتادة كان يقص . "تهذيب التهذيب" (2/3) .

 

قال ابن الجوزي : وقد بلغنا عن حماد بن سلمة أنه قال : كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث ، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت ، أجعل أنسا لابن أبي ليلى ، وأجعل ابن أبي ليلى لأنس ، أشوشها عليه ، فيجيء بها على الاستواء " انتهى . يعني : أنه اختبره فوجده حافظاً للحديث . "القصاص" (260) .

 

وممن كان يقص من الضعفاء :

أحمد بن عبد الله بن عياض المكي : له مناكير ، قال أبو حاتم : كان يقص . "ميزان الاعتدال" (1/248) .

 

دراج أبو السمح : قال أحمد : أحاديثه مناكير ولَيَّنَه ، وقال ابن يونس : كان يقص بمصر . "ميزان الاعتدال" (3/40) .

والله أعلم .

 

*روى ابن ماجة بسند حسن عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر.

 

* عن عاصم بن بهدلة قال: كنا نأتي أبا عبدالرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع, فيقول: لا تجالسوا القصاص.

 

* عن إبراهيم النخعي قال: من جلس ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه.

 

* أخرج الخطيب في (تاريخه) عن جعفر الخلدي قال: سمعت الجنيد يحكي عن الخوَاص أنه قال: سمعت بضعة عشر من مشايخ الصنعة أهل الورع والدين والتمييز وترك الطمع, كلهم مجمعون على أن القصص في الأصل بدعة.

 

* مر علي بن أبي طالب برجل يقص فقال: أعرفت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا, قال هلكت وأهلكت.

 

* مر ابن عباس بقاص يقص, فركله برجله وقال: أتدري الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا, قال: هلكت وأهلكت.

 

*يحكي المقريزي عن الليث بن سعد: أن القصص قصصان: قصص العامة وقصص الخاصة, فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس للقاص, يعظهم ويذكرهم. قال: (وذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه).

 

* جاء في (تاريخ الخلفاء) للسيوطي: (وفي أول سنة استخلف فيها المعتضد بالله منع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة وما شاكلها, ومنع القصاص والمنجمين من القعود في الطريق).

 

* عن عبدالله بن عمر أنه كان يخرج من المسجد يقول: ما أخرجني إلا القصاص ولولاهم ماخرجت.

 

* أخرج ابن أبي شيبة أن ابن عمر رأى قاصًا يقص في المسجد، فوجه لصاحب الشرطة: أن أخرجه من المسجد. فأخرجه.

 

* روى الطبراني أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وقف على عمرو بن زرارة وهو يقصُ. فقال: ياعمرو لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنك لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه.

 

* سأل رجل محمد بن سيرين عن القصص. قال: بدعة. إن أول ما أحدث الحرورية القصص.

 

* مالك بن أنس: روي عنه كراهية القصص. ذكر ذلك ابن الحاج في (المدخل

 

* كان مذهب سفيان ألاَ يستقبلوا القصاص بوجوههم, بل عليهم أن يولوا أهل البدع ظهورهم وأصحابها أيضا".

 

* قال أحمد: أكذب الناس القصاص والسؤَال.

 

* وأخرج علي رضي الله عنه القصَاص من جامع البصرة.

 

* الحافظ الذهبي: يدل على رأيه ما جاء في (الميزان) في ترجمة عبدالمنعم بن إدريس إذ قال: (قصاص. ليس يعتمد عليه. تركه غير واحد).

 

* قال أبو إدريس: لأن أرى في ناحية المسجد نارا" تأجَج أحب إليَ من أن أرى في ناحيته قاصًا يقص.

 

وختاما" أذكر ما أورده ابن الجوزي من أسباب ذم السلف للقصَاص، وهي:

1_ أنَ القوم كانوا على الإقتداء والإتباع, فكانوا إذا رأوا مالم يكن على عهد النبي صلَى الله عليه وسلَم أنكروه.

2_ أن القصص لأخبار المتقدمين يندر صحته، خصوصا" ما ينقل عن بني إسرائيل وما يذكر في قصة داود، ويوسف من المحال الذي ينزَه عنه الأنبياء، بحيث إذا سمعه الجاهل هانت عنده المعاصي.

3_ أنَ التشاغل بذلك يشغل عن المهم من قراءة القرآن ورواية الحديث والتفقه في الدين.

4_ أنَ في القرآن من القصص، وفي السنة من العظة ما يكفي عن غيره مما لايتيقَن صحته.

5_ أنَ أقواما" قصُوا فأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام.

6_ أنَ عموم القصَاص لا يتحرَون الصواب، ولا يحترزون من الخطأ لقلة علمهم وتقواهم.

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 133_134) :

 

3 - (الترغيب في البداءة بالخير ليُستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به)

 

61 - (1) [صحيح] عن جَريرٍ رضي الله عنه قال:

"كنا في صدر النهار عند رسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فجاءه قومٌ غراةٌ مُجتابي النِّمار والعَباء، مُتقلِّدي السيوفِ، عامَّتهم من مُضر، بل كلهم من مُضر،

فَتَمَعَّر وجهُ رسولِ الله _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ لَمّا رأى ما بهم من الفاقة، فدخل،

ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلى (1)، ثم خطب فقال:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، إلى آخر الآية. . . (2) {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}،

والآية التي في (الحشر) : {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18](3)

تَصَدَّقَ رجلٌ من دينارِه، من درهمِه، من ثوبِه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تَمره، -حتى قال:- "ولو بِشِقِّ تمرة."

قال : فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةِ كادَتْ كَفُّه تَعجِزُ عَنها، بل قد عَجَزَتْ. -قال:- ثم تتابعَ الناسُ حتى رأيتُ كَومَيْنِ من طعامِ وثيابٍ، حتّى رأيت وجهَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَهلَّلُ كأنه مُذْهبةٌ، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً، فلَه أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده، من غير أن يَنقصَ من أجورِهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً كان عليهِ وِززها وزرُ من عملَ بها من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيء".

رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي باختصار القصة.

 

قوله: (مجتابي) هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناة وبعد الألف باء موحدة.___

و (النمار) جمع نمرة وهي كساء من صوف مخطط، أي: لابسي النمار، قد خرقوها في رؤوسهم.

و (الجوب): القطع.

وقوله: (تَمَعَّرَ) هو بالعين المهملة المشددة؛ أي: تغيّر.

وقوله: (كأنه مُذهبة) ضبطه بعض الحفاظ بدال مهملة وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة وبفتح الهاء وبعدها باء موحدة، وهو الصحيح المشهور. ومعناه على كلا التقديرين: ظهور البِشْر في وجهه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى استنار وأشرق من السرور.

و (المذهبة): صفيحة منقشة بالذهب، أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه.

__________

(1) أي: الظهر كما في رواية لمسلم.

(2) وتمامها: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.

(3) وتمام الآية: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

 

ترجمة جريرِ بْنِ عبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ _رضي الله عنه_ :

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (72/ 69) : "جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك ابن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب ابن عليّ بن مالك بن سعيد بن مالك بن نذير بن قسر (وهو مالك) بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث ابن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قطحان أبو عمرو (وقيل أبو عبد الله البجلي القَسْرِي).

صحب سيدنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وروى عنه أحاديث صالحة. قدم دمشق رسولا من علي___عليه السلام_ إلى معاوية، وقدم على معاوية مرة أخرى في خلافته. سكن جرير الكوفة، ثم سكن قرقيسياء." اهـ

 

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 530) : "جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَابِرِ بنِ مَالِكٍ البَجَلِيُّ * (ع) : ابْنِ نَصْرِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ جُشَمِ بنِ عَوْفٍ، الأَمِيْرُ، النَّبِيْلُ، الجَمِيْلُ، أَبُو عَمْرٍو (وَقِيْلَ : أَبُو عَبْدِ اللهِ) البَجَلِيُّ، القَسْرِيُّ (وَقَسْرٌ : مِنْ قَحْطَانَ) مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ." اهـ

 

وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 76) لابن حبان :

"جرير بن عبد الله البجلي أبو عمرو وكان ممن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم ولا رآه إلا تبسم في وجهه سكن الكوفة فلما وقعت الفتن خرج هو وعدى بن حاتم وحنظلة الكاتب وقالوا لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان فخرجوا إلى قرقيسياء وسكنوها ومات جرير سنة إحدى وخمسين (51 هـ)." اهـ

 

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 591)

جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشَّلِيلِ الْبَجَلِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، مِنْ خَيْرِ ذِي يُمْنٍ، فَاقَ النَّاسَ فِي الْجَمَالِ وَالْقَامَةِ، طُولُهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَطُولُ نَعْلِهِ ذِرَاعٌ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُسَمِّيهِ يُوسُفَ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِجَمَالِهِ،

بَارَزَ مِهْرَانَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلَهُ، كَانَ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ، سَيِّدُ بَجِيلَةَ، سَكَنَ الْكُوفَةَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ،

ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى قُرْقِيسْيَاءَ مُفَارِقًا لِمَنْ كَانَ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،

أَسْلَمَ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَكْفَاهُ طَاغِيَةَ ذِي الْخَلَصَةِ بَيْتًا لِخَثْعَمٍ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ، فَنَفَرَ إِلَيْهَا، فَأَحْرَقَهَا، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّبَاتِ وَالْهِدَايَةِ، بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُنَاصِحَ الْمُسْلِمَ، وَيُفَارِقَ الْمُشْرِكَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ." اهـ

 

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 480) للذهبي : "تُوُفِّيَ سَنَة إحدى وخمسين عَلَى الصحيح. وقيل: تُوُفِّيَ سَنَة أربع وخمسين." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 704) (رقم : 1017)، والترمذي في سننه (5/ 43) (رقم : 2675)، وابن ماجه في سننه (1/ 74) (رقم : 203)

 

من فوائد الحديث:

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (13 / 302)

قال المهلب: هذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال، واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين، والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين انتهى. ووجه التحذير أن الذي يحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة، وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده، ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في إحداثها.

 

شرح النووي على مسلم - (7 / 104)

فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من اختراع الاباطيل والمستقبحات

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (4 / 84)

ويفيد الترغيب في الخير المتكرر أجره بسبب الاقتداء ، والتحذير من الشر المتكرر إثمه بسبب الاقتداء .

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (7 / 177)

وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود ؛ لأنَّه أول من عصى به . وهذا - والله أعلم - ما لم يتب ذلك الفاعل الأول من تلك المعصية ؛ لأنَّ آدم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول من خالف في أكل ما نهي عنه ، ولا يكون عليه شيء من أوزار من عص بأكل ما نهي عنه ، ولا شربه ممن بعده بالإجماع ؛ لأنَّ آدم عليه السلام تاب من ذلك ، وتاب الله عليه ، فصار كمن لم يخن ؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له . والله تعالى أعلم .

 

سبل السلام - (7 / 89)

وَالدَّلَالَةُ تَكُونُ بِالْإِشَارَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ ، وَعَلَى إرْشَادِ مُلْتَمِسِ الْخَيْرِ عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبُهُ مِنْ فُلَانٍ وَالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ وَتَأْلِيفِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ .

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (19/ 434)

في فوائده:

1 - (منها): مشروعيّة تحريض الإمام الناس على الصدقة إذا دعت الحاجة لذلك.

2 - (ومنها): بيان كمال رحمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وشدة رأفته بهم، كما وصفه الله تعالى بذلك في كتابه بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

3 - (ومنها): استحباب جمع الناس للأمور المهمّة، ووعظهم، وحثّهم على مصالحهم، وتحذيرهم من القبائح.

4 - (ومنها): الحثّ على الابتداء بالخيرات، وسَنّ السنن الحسنات.

5 - (ومنها): التحذير من البِاع والخرافات التي لا يؤيّدها دليلٌ شرعيّ، بل يردّها، ولبطلها.

6 - (ومنها): أن بعض الأفعال لا ينقطع ثوابها، وكذا لا ينتهي وزرها، وهي التي تكون سببًا للاقتداء بفاعلها، فيجب على العاقل أن يكون مفتاحًا للخير، لا مفتاحًا للشرّ، جعلنا الله تعالى من عباده الذين جعلهم مفتاحًا للخيرات، ومِغْلاقًا للشرّ والسيّئات، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.



[1] وفي المعجم الكبير للطبراني (9/ 127) (رقم : 8637) : عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ عَبْدُ اللهِ وَأَنَا أَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو لَقَدْ ابْتَدَعْتُمْ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ، أَوَ إِنَّكُمْ لَأَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ تَفَرَّقُوا عَنِّي حَتَّى رَأَيْتُ مَكَانِي مَا فِيهِ أَحَدٌ "

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين