شرح الحديث 58 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 131)

58 - (10) [صحيح] وعن أنس رضي الله عنه قَال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"مَنْ رَغِبَ عن سنتي، فليسَ مِني".

رواه مسلم (3).

__________

(3) هذا يوهم أن مسلماً تفرد به دون سائر الستة، وليس كذلك، فقد أخرجه البخاري أيضاً، وكذا النسائي في "النكاح".

والحديث قطعةٌ من حديث الرهط الثلاثة الذين سالموا أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عبادته. رواه البخاري عن حميد. والآخران عن ثابت؛ كلاهما عن أنس، وحديث حميد أتم، وسيأتي بتمامه في (17 - النكاح/ 2 - الترغيب في النكاح).

 

ترجمة أنس بن مالك –رضي الله تعالى عنه- :

 

( خ م د ت س ق ) : أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار (تَيْمُ اللَّهِ) بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ : الأنصارى ، النجاري[1]، أبو حمزة المدنى ، نزيل البصرة ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخادمه .

 

و أمه : أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام .

خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، مدة مقامه بالمدينة . اهـ .

 

قال أبو القاسم البغوى : أمه : أم سليم بنت ملحان ، قال : و قال على ابن المدينى : اسمها مليكة بنت ملحان ، و أمها الرميصاء .

 

و قال جابر الجعفى ، عن خيثمة البصرى ، عن أنس بن مالك : كنانى رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، ببقلة كنت أجتنيها .

 

و قال الزهرى ، عن أنس بن مالك : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،

و أنا ابن عشر سنين ، و توفى و أنا ابن عشرين سنة ، و كن أمهاتى يحثثننى على خدمته .

 

صحيح البخاري (8/ 73)

عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» خ م

 

و قال على بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب : قال أنس : قدم رسول الله

صلى الله عليه وسلم المدينة ، و أنا ابن ثمانى سنين ، فذهبت بى أمى إليه ، فقالت : يا رسول الله إن رجال الأنصار ، و نساءهم قد أتحفوك غيرى ، و إنى لم أجد ما أتحفك به إلا ابنى هذا فاقبله منى، يخدمك ما بدا لك ، قال : فخدمت

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، لم يضربنى ضربة ، و لم يسبنى ، و لم يعبس فى وجهى .

 

و قال عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة ، عن أنس بن مالك : جاءت بى أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أزرتنى بنصف خمارها ،

و ردتنى ببعضه . فقالت : يا رسول الله ، هذا أنيس ابنى ، أتيتك به يخدمك ، فادع الله له ، فقال : " اللهم أكثر ماله و ولده " ، قال أنس : فوالله إن مالى لكثير ، و إن ولدى ، و ولد ولدى يتعادون على نحو من مئة اليوم .

 

و قال الحسين بن واقد ، و غيره ، عن ثابت ، عن أنس : دعا لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اللهم أكثر ماله و ولده ، و أطل حياته " .

فأكثر الله مالى ، حتى إن لى كرما يحمل فى السنة مرتين ، و ولد لصلبى مئة و ستة أولاد .

 

و قال عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبى قلابة ، عن أنس ، قال :

شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية ، و عمرته ، و الحج ، و الفتح، و حنينا و الطائف ، و خيبر .

 

و قال أبو داود الطيالسى : حدثنا شعبة ، عن أنس بن سيرين ، قال : كان أنس أحسن الناس صلاة، فى السفر و الحضر .

 

و قال الأنصارى : حدثنا ابن عون ، عن موسى بن أنس : أن أبا بكر لما استخلف . بعث إلى أنس بن مالك ، ليوجهه إلى البحرين ، على السعاية ، قال : فدخل عليه عمر فقال له أبو بكر : إنى أردت أن أبعث هذا إلى البحرين ، و هو فتى شاب ، قال : فقال له عمر : ابعثه ، فإنه لبيب كاتب ، قال : فبعثه ،

و قال خليفة بن خياط : قال أبو اليقظان : مات لأنس بن مالك فى الجارف[2] ثمانون ابنا ، و يقال : سبعون ، ـ يعنى سنة تسع و ستين ـ .

 

و قال عمران بن حدير ، عن أيوب : ضعف أنس بن مالك عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم .

 

و قال على ابن المدينى : آخر من بقى بالبصرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ، أنس بن مالك .

 

و قال الواقدى ، عن عبد الله بن يزيد الهذلى : مات سنة اثنتين و تسعين . (92 هـ)

 

شرح الحديث:

 

وتمام الحديث في "صحيح البخاري" (7/ 2) (رقم: 5063) بإسناده: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ:

جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_،

فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا:

"وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ." [3]

* قَالَ أَحَدُهُمْ: "أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا."

* وَقَالَ آخَرُ: "أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ، وَلاَ أُفْطِرُ."

* وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا."

فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:

«أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

 

وفي رواية لمسلم في صحيحه (2/ 1020) (رقم: 1401) : عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟

* فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ،

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ،

فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

 

سنن النسائي (6/ 60) (رقم: 3217): عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ،

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ،

* وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ فَلَا أُفْطِرُ،

فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (7/ 2) (رقم : 5063)، مسلم في "صحيحه" (2/ 1020) (رقم : 1401)، والنسائي في "سننه" (6/ 60) (رقم: 3217)، وفي "السنن الكبرى" (5/ 152) (رقم: 5305)، وأحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (3/ 241 و 3/ 259 و ) (رقم: 13534 و 13727 و 14045)، وعبد بن حميد في "المنتخب" – ت. صبحي السامرائي (ص: 392) (رقم: 1318)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 31) (رقم: 61)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (2/ 660) (رقم: 712)، وابن حبان في "صحيحه" (1/ 190 و 2/ 20) (رقم: 14 و 317)، وأبو عوانة في "مستخرجه" (3/ 5) (رقم: 3986)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (1/ 107) (رقم: 138)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (3/ 228)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 123) (رقم: 13448 و 13449)، وفي السنن الصغير (3/ 7) (رقم: 2345)، وفي شعب الإيمان (7/ 334) (رقم: 5093)، وفي معرفة السنن والآثار (10/ 19) (رقم: 13454).

 

من فوائد الحديث :

 

قال أبو حاتم البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (1/ 190)

ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنِ الرَّغْبَةِ عَنْ سُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ جَمِيعًا

 

قال أبو حاتم البستي _رحمه الله_ في "صحيح ابن حبان" (2/ 20):

ذِكْرُ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا

 

وقال أبو بكر البيهقي _رحمه الله_ في "معرفة السنن والآثار" (10/ 16):

"بَابُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ." اهـ

 

وقال النسائي _رحمه الله_ في "سننه" (6/ 58):

"بَابُ: النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ." اهـ

 

وقال محمد بن نصر المروزي _رحمه الله_ في تعظيم قدر الصلاة (2/ 653) :

"أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالرَّسُولِ _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_ إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ؟ قِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ اللَّهُ _عَزَّ وَجَلَّ_ : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .

وَقَالَ : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]." اهـ

 

وقال بدر الدين العيني _رحمه الله_ في "عمدة القاري" (29 / 176):

"وفيه: أن النكاح من سنة النبي،

وزعم المهلب أنه من سنن الإسلام وأنه لا رهبانية فيه وأن من تركه راغبا عن سننه النبي فهو مذموم مبتدع، ومن تركه من أجل أنه أرفق له وأعون على العبادة، فلا ملامة عليه." اهـ

 

q          وقال الحافظ _رحمه الله_ في "فتح الباري" - تعليق ابن باز (9 / 106)

#وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه،

#وفيه تتبع أحول الأكابر للتأسي بأفعالهم وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء،

# وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعا.

#وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب.

 

q          وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "مدارج السالكين" (2 / 496):

"وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نَزْغَتَانِ : إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو.

ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين،

فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد،

وقد نهى الله عن الغلو بقوله : يا أهل الكتاب {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77]

 و الغلو نوعان:

# نوع : يخرجه عن كونه مطيعا كمن زاد في الصلاة ركعةً، أو صام الدهر مع أيام النهي أو رمى الجمراتِ بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق أو سعى بين الصفا والمروة عَشْرًا أو نحوَ ذلك عَمْدًا،

# وغلو: يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيامِ الليل كله، وَسَرْدِ الصِّيَامِ الدَّهْرَ أَجْمَعَ بِدُوْنِ صوم أيام النهي، والجورِ على النفوس في العبادات والأوراد الذي قال فيه النبي: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشَيْءٍ من الدُّلْجَةِ) [خ س]." اهـ

 

q          وقال ابن رجب _رحمه الله_ في "فتح الباري" (1 / 83):

"ففي هذه الأحاديثِ كلِّهَا: الإنكارُ على من نسب إليه التقصير في العمل للاتكال على المغفرة؛ فإنه كان يجتهد في الشكر أعظمَ الاجتهادِ، فإذا عوتب على ذلك وذكرت له المغفرة أخبر أنه يفعل ذلك شكرا؛

كما في "الصحيحين" عن المغيرة: أن النبي _صلى الله عليه وسلم_:

"كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فيقال له: "تفعل هذا، وقدْ غُفِرَ لَكَ ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟" فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا" [خ م].

وقد يواصل في الصيام وينهاهم ويقول : " إني لست كهيئتكم ؛ إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني " [خ م]

فنسبة التقصير إليه في العمل لاتكاله على المغفرة خطأ فاحش؛ لأنه يقتضي أن هديه ليس هو أكمل الهدى وأفضله، وهذا خطأ عظيم ؛

ولهذا كان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ يقول في خطبته :

"خير الهدى هدى محمد." [م ق]

ويقتضي - أيضا - هذا الخطأ : أن الاقتداء به في العمل، ليس هو أفضلَ؛ بل الأفضل الزيادة على هديه في ذلك ، وهذا خطأ عظيم جدا ؛

فإن الله تعالى قد أمر بمتابعته وحث عليها، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31].

فلهذا كان _صلى الله عليه وسلم_ يغضب من ذلك غضبا شديدا لما في هذا الظن من القدح في هديه ومتابعته والاقتداء به ." اهـ

 

q         شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (7 / 160):

"قال المهلب:

* "فى هذا الحديث من الفقه: أن النكاح من سنن الإسلام،

* وأنه لا رهبانية فى شريعتنا،

* وأن من ترك النكاح رغبة عن سنة محمد ، عَلَيْهِ السَّلام ، فهو مذموم مبتدع ،

* ومن تركه من أجل أنه أوفق له وأعون على العبادة، فلا ملامة عليه ؛ لأنه لم يرغب عن سنة نبيِّهِ وطَرِيْقَتِهِ." اهـ

 

q         شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (7 / 160):

"وفيه: الاقتداء بالأئمة فى العبادة، والبحث عن أحوالهم وسيرهم فى الليل والنهار،

* وأنه لا يجب أن يتعدى طرق الأئمة الذين وضعهم الله ليقتدى بهم فى الدين والعبادة،

* وأنه من أراد الزيادة على سيرهم فهو مفسد، فإن الأخذ بالتوسط والقصد فى العبادة أولى حتى لا يعجز عن شىء منها، ولا ينقطع دونها." اهـ

 

q          قال أبو العباس القرطبي _رحمه الله_ في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5 / 449):

ويوضح هذا المعنى ويُبيِّنَه : أنَّ عبادة الله إنَّما هي امتثالُ أوامره الواجبة والمندوبة ، واجتناب نواهيه المحظورة والمكروهة ،

وما من زمان من الأزمان إلا وتتوجَّهُ على المكلَّف فيه أوامر أو نواهٍ، فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدَّى العبادة، وقام بها.

فإذا قام بالليل مصلِّيًا: فقد قام بوظيفة ذلك الوقت. فإذا احتاج إلى النوم لِدَفْع أَلَمِ السّهر، ولتقوية النفس على العبادة، ولإزالة تشويش مدافعة النوم المشوش للقراءة، أو لإعطاء الزوجة حقَّها من المضاجعة: كان نومُه ذلك عبادةً كصلاتِه،

وقد بيّن هذا المعنى سلمانُ الفارسي لأبي الدرداء بقوله: (لكنِّي أقوم وأنام، وأحتسب في نومتي ما أحتسبه في قَوْمتي).

وكذلك القول في الصيام. وأمَّا التزويج فيجري فيه مثل ذلك وزيادةُ نيَّةِ تحصينِ الفَرْجِ، والعينِ، وسلامةِ الدينِ، وتكثير نسل المسلمين. وبهذه القصود الصحيحة تتحقق فيه العبادات العظيمة.____

ولذلك اختلف العلماء في : أيُّ الأمرين أفضل؟ التزويج أم التفرُّغ منه للعبادة؟ كما هو معروف في مسائل الخلاف.

وعلى الجملة : فما من شيء من المباحات المستلذات وغيرها ، إلا ويُمكن لمن شرح الله صدره أن يصرفه إلى باب العبادات والطاعات بإخطارِ معانيها بِبَالِهِ، وقصدِ نيةِ التقرّبِ بِهَا، كما قد نصَّ عليه المشايخ في كتبهم، كالحارث المحاسبي وغيره.

ومَنْ فَهِمَ هذا المعنى وحصَّلَهُ تحقَّق : أنَّ النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ قد حَل َّ من العبادات أعلاها ؛ لانشراح صدره ، وحضور قصده، ولعلمه بحدود الله ، وبما يُقرّب منه،

فلما لم ينكشف هذا المعنى للنّفر السائلين عن عبادته استقلُّوها بناءً منهم على أن العبادة إنما هي استفراغ الوسع في الصلاة، والصوم، والانقطاع عن الملاذّ. وهيهات بينهما ما بين الثريَّا والثَّرى ، وسُهيل[4] والسُّها[5]." اهـ

 

q         المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (5 / 450):

"وعند الوقوف على ما أوضحناه من هذا الحديث: يتحقق أنَّ فيه ردًّا على غلاة المتزهدين، وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كُلُّ فريقٍ منهم قد عَدَلَ عن طريقه، وحاد عن تحقيقه." اهـ

 

q          وقال أبو بكر محمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري _رحمه الله_ في "بحر الفوائد" المسمى بـ"معاني الأخبار" (ص: 200):

"كَرِهَ التَّعَمُّقَ، وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ لَمَّا عَلِمَ مِنْ جِبِلَّةِ الْخَلْقِ عَلَى الضَّعْفِ، وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنَ الْمَلَلِ، وَالسَّأَمَةِ، خَوْفًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُبْغِضُوا عِبَادَةَ اللَّهِ، وَيَسَتَثْقِلُوا طَاعَتَهُ، وَتَمَلُّوا خِدْمَتَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِالِاسْتِجْمَامِ وَالِاسْتِرَاحَةِ؛ لِاسْتِرْجَاعِ الْقُوَى، وَزَوَالِ الضَّجَرِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى حُسْنِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَحَبَّةٍ لِلْخِدْمَةِ لَهُ، وَأُلْفَةِ عِبَادَتِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنِّي أَصُومُ، وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي، وَأَرْقُدُ، وَآتِي النِّسَاءَ، أَلَا فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» أَلَا وَكُلُّ قَلِيلٍ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ." اهـ

 

q         تطريز رياض الصالحين - (1 / 118):

"وفي الحديث : النهي عن التعمُّق في الدين والتشبه بالمبتدعين ." اهـ

 

q         تيسر العلام شرح عمدة الأحكام - (2 / 31)

ما يؤخذ من الحديث :

1- حب الصحابة رضي الله عنهم للخير، ورغبتهم فيه وفى الإقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم.

2- سماح هذه الشريعة ويسرها، أخذاً من عمل نبيها صلى الله عليه وسلم وهديه.

3- أن الخير والبركة فى الإقتداء به، وإتباع أحواله الشريفة.

4- أن أخذ النفس بالعنت والمشقة والحرمان، ليس من الدين في شيء، بل هو من سنن المبتدعين المتنطعين، المخالفين لسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

5- أن ترك ملاذ الحياة المباحة، زهادة وعبادةً، خروج عن السنة المطهرة واتباع لغير سبيل المؤمنين.

6- في مثل هذا الحديث الشريف بيان أن الإسلام ليس رهبانية وحرمانا، وإنما هو الدين الذي جاء لإصلاح الدين والدنيا، وأنه أعطى كل ذي حق حقه.

فلله تبارك وتعالى حق العبادة والطاعة بلا غُلُو ولا تنطع.

وللبدن حقه من ملاذ الحياة والراحة.

بهذا تعلم أن الدين أنزل من لدن حكيم عليم، أحاط بكل شيء علما.

علم أن للإنسان ميولا، وفيه غرائز ظامئة، فلم يحرمه من الطيبات، وعلم طاقته في العبادة، فلم يكلفه شططاً وعسرا.

7- السنة هنا تعنى الطريقة، ولا يلزم من الرغبة عن السنة- بهذا المعنى- الخروج من الملة لمن كانت رغبته عنها لضرب من التأويل يعذر فيه صاحبه.

8- الرغبة عن الشيء تعني الإعراض عنه. والممنوع أن يترك ذلك تنطعا ورهبانية، فهذا مخالف للشرع. وإذا كان تركه من باب التورع لقيام شبهة فى حله، ونحو ذلك من المقاصد المحمودة لم يكن ممنوعا.

 

q         سبل السلام - (4 / 427)

"وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِاقْتِصَادُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الِانْهِمَاكِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ ، وَهَجْرِ الْمَأْلُوفَاتِ كُلِّهَا ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ شَرِيعَتُهَا عَلَى الِاقْتِصَادِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ وَعَدَمِ التَّعْسِيرِ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي الْحَدِيثِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ مَنَعَ اسْتِعْمَالَ الْحَلَالِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ مَأْكَلًا وَمَلْبَسًا." اهـ

 

q          وقال ابن تيمية _رحمه الله_ في "اقتضاء الصراط المستقيم" (4 / 234):

"والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أن سنته التي هي الأقتصاد في العبادة، وفي ترك الشهوات خَيْرٌ من رهبانية النصارى، التي هي ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صوماً وصلاة." اهـ

 

q          وقال السفاريني _رحمه الله_ في "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" ( ط: الكتب العلمية ) - (2 / 88):

"نَعَمْ التَّقْلِيلُ مِنْ الطَّعَامِ وَمِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، وَالِاقْتِصَادُ فِي ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالطَّرْحِ لِلتَّكَلُّفِ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَحْمُودُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ." اهـ

 

q          وقال ابن الجوزي _رحمه الله_ في "تلبيس إبليس" (1 / 360):

"قال أبو حامد: (ينبغي أن لا يُشْغِلَ المريدُ نَفْسَهُ بالتزويج، فانه يشغله عن السلوك ويأنس بالزوجة ومن أنس بغير الله شُغِلَ عن الله _تعالى_).

 قال المصنف _رحمه الله_: "وإني لأعجب من كلامه، أتراه ما علم أن مَنْ قَصَدَ عفافَ نفسِهِ ووجودَ ولدٍ أو عَفَافَ زوجتِه، فانه لم يخرج عن جادة السلوك أو يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة الله _تعالى_.

والله _تعالى_ قد مَنَّ على الخلق بقوله: ((وجعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ))[6]

وفي الحديث الصحيح عن جابر _رضي الله عنه_ عن النبي قال له: "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك." [خ م]

وما كان بالذي ليدله على ما يقطع أنسه بالله تعالى، أترى رسول الله لما كان ينبسط إلى نسائه ويسابق عائشة _رضي الله عنها_، أكان خارجا عن الأنس بالله؟! هذه كلها جهالات بالعلم محاذير ترك النكاح." اهـ

 

q          وقال ابن تيمية _رحمه الله_ في "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (1 / 22):

"يجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ: أَنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ بِذَلِكَ كُلَّ يَوْمِ جُمْعَةٍ ." اهـ

 

q         وقال ابن القيم _رحمه الله_ في "زاد المعاد" (4 / 228):

"وفضلاء الأطباء: يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة.

قال جالينوس: "الغالب على جوهر المني النار والهواء، ومزاجه حار رطب، لأن كونه من الدم الصافي الذي تغتذي به الأعضاء الأصلية، وإذا ثبت فضل المني، فاعلم أنه لا ينبغي إخراجه إلا في طلب النسل أو إخراج المحتقن منه، فإنه إذا دام احتقانه أحدث أمراضا رديئة، منها : الوسواس والجنون والصرع وغير ذلك.

وقد يبرئ استعماله من هذه الأمراض كثيرا فإنه إذا طال احتباسه فسد واستحال إلى كيفية سمية توجب أمراضا رديئة كما ذكرنا،

ولذلك تدفعه الطبيعة بالإحتلام، إذا كثر عندها من غير جماع.

وقال بعض السلف :

"ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثا: أن لا يدع المشيَ فإن احتاج إليْهِ يَوْمًا قَدِرَ عَلَيْهِ، وينبغي أن لا يدع الأكل، فإن أَمْعَاءَهُ تَضِيْقُ، وينبغي أن لا يدع الجماع، فإن البئر إذا لَمْ تُنْزَحْ، ذَهَبَ مَاؤُهَا."

وقال محمد بن زكريا: "مَنْ ترك الجماع مدة طويلة، ضعفت قوى أعصابه، وانْسَدَّتْ مَجاريها، وتَقَلَّصَ ذَكَرُهُ."

قال: "ورأيت جماعةً تركوه لنوع من التقشف، فبَرَدَتْ أبدانُهُمْ، وعَسِرَتْ حركاتُهُمْ، ووقَعَتْ عَلَيْهِمْ كآبةٌ بلا سبب وقَلَّتْ شهواتُهُم وهَضْمُهُمْ انتهى." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (25/ 38_39):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان النهي عن التبتّل.

2 - (ومنها): أن فيه دلالةً على فضل النكاح، والترغيب فيه.

3 - (ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الحرص على التأسّي بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بحيث إنهم يبحثون عن عمله إذا خلا في بيته، حتى لا يفوتهم الاتباع به في سنته التي يعمل بها في حال خلوته عنهم.

4 - (ومنها): أن فيه تتبّع أحوال الأكابر للتأسّي بأفعالهم، وأنه إذا تعذّرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء.___

5 - (ومنها): أن من عزم على عمل برّ، واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعًا.

6 - (ومنها): تقديم الحمد، والثناء على الله تعالى عند إلقاء مسائل العلم، وبيان الأحكام للمكلّفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين.

7 - (ومنها): أن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة، والاستحباب.

8 - (ومنها): ما قاله الطبريّ: إن فيه الردّ على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب، وخشن المأكل، قال عياض: هذا مما اختَلَف فيه السلف، فمنهم من نحا إلى ما قاله الطبريّ، ومنهم من عكس، واحتجّ بقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية [الأحقاف: 20]، قال: والحقّ أن هذه الآية في الكفّار، وقد أخذ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالأمرين.

قال الحافظ: لا يدلّ ذلك لأحد الفريقين، إن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين، والحقّ أن ملازمة استعمال الطيّبات تُفضي إلى الترفّه، والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات؛ لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانًا، فلا يستطيع الانتقال عنه، فيقع في المحظور، كما أن منع تناول ذلك أحيانًا يفضي إلى التنطّع المنهيّ عنه، ويردّ عليه صريح قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ} الآية [الأعراف: 32]. كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلًا، وترك التنفّل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأخشاكم لله" مع ما انضمّ إليه إشارةٌ إلى ذلك. انتهى.

9 - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى أن العلم بالله، ومعرفة ما يجب من حقّه أعظم قدرًا من مجرّد العبادة البدنيّة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" (27/ 47_48):

"في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان النهي عن التبتّل.

(ومنها): أن فيه دلالةً على فضل النكاح، والترغيب فيه[7].

(ومنها): ما كان عليه الصحابة - رضي اللَّه عنهم - من الحرص على التأسّي بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بحيث إنهم يبحثون عما يعمل به إذا خلا في بيته، حتى لا يفوتهم الاتباع به في سنته التي يعمل بها في حال خلوته عنهم.

(ومنها): أن فيه تتبّع أحوال الأكابر للتأسّي بأفعالهم، وأنه إذا تعذّرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء.

(ومنها): أن من عزم على عمل برّ، واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعًا. (ومنها): تقديم الحمد، والثناء على اللَّه تعالى عند إلقاء مسائل العلم، وبيان الأحكام للمكلّفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين.

(ومنها): أن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة، والاستحباب.

(ومنها): ما قاله الطبريّ: إن فيه الردّ على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب، وخشن المأكل.

قال عياض: هذا مما اختلف فيه السلف، فمنهم من نحا إلى ما قاله الطبريّ، ومنهم من عكس، واحتجّ بقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية: [الأحقاف: 20]،

قال: والحقّ أن هذه الآية في الكفّار، وقد أخذ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالأمرين.___

قال الحافظ: (لا يدلّ ذلك لأحد الفريقين، إن كان المراد المداومة على إحدى الصفتين، والحقّ أن ملازمة استعمال الطيّبات تُفضي إلى الترفّه، والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات؛

لأن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحيانًا، فلا يستطيع الانتقال عنه، فيقع في المحظور، كما أن منع تناول ذلك أحيانًا يفضي إلى التنطّع المنهيّ عنه،

ويردّ عليه صريح قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الآية [الأعراف: 32].

كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفّل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط، وفي قوله: "إني لأخشاكم للَّه" مع ما انضمّ إليه إشارة إلى ذلك). انتهى.

(ومنها): أن فيه إشارةٌ إلى أن العلم باللَّه، ومعرفة ما يجب من حقّه أعظم قدرًا من مجرّد العبادة البدنيّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب". اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 209_210):

"الطاعة ينبغي أن تقتصد فيها، بل يجب عليك أن تقتصد فيها؛ فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه خبر الثلاثة الذين قال أحدهم: (إني لا أتزوج النساء)، وقال الثاني: (أصوم ولا أفطر)، وقال الثالث: (أقوم، ولا أنام)،

خطب _عليه الصلاة والسلام وقال: (ما بالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا، وإني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)

فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن رغب عن سنته، وكلف نفسه___ ما لا تطيق." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 217_218):

"ففي هذا : دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يقتصد في العبادة، بل ينبغي له أن يقتصد في جميع أموره، لأنه إن قصَّر، فاته خير كثير، وإن شدد، فإنه سوف يكل ويعجز ويرجع، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون في أعماله كلها___ مقتصداً...

فالاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لك أيها العبد أن تشق على نفسك، وامْشِ رُوَيْداً رويَداً، _كما سبق الحديث_ أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل،

فعليك بالراحة، ولا تقتصر ولا تزد، فإن خير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من متبعي هديه الذين يمشون على طريقته وسنته." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 216):

"النشاط ليس مقياساً، المقياس ما جاء به الشرع." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (2/ 216):

ولا شك أن هذا الذي قالوا خلاف الشرع، لأن هذا فيه إشقاقاً على النفس وإتعاباً لها؛ يبقى الإنسان لا يرقد أبداً كل الدهر يصلي!

هذا لا شك___أنه مشق على النفس ومتعب لها، وأنه داع إلى الملل، وبالتالي إلى كرهة العبادة، لأن الإنسان إذا مل الشيء كرهه." اهـ

 

وقال ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري" (3/ 265):

"وَقَدْ كَانَ صَدْرُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ يُوَاظِبُونَ عَلَى السُّنَنِ مُوَاظَبَتَهُمْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فِي اغْتِنَامِ ثَوَابِهِمَا،

وَإِنَّمَا احْتَاجَ الْفُقَهَاءُ إِلَى التَّفْرِقَةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَتَرْكِهَا وَوُجُوبِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ وَنَفْيِه." اهـ

 

وقال أبو العون ابن هبيرة الشيباني _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/ 252_253):

"* في هذا الحديث من الفقه: أن معنى العبادة امتثال أمر المعبود،

* ومن ذلك فضل الصلاة وقت الأمر بفعلها، وتركها وقت الأمر بتركها، وكذلك سائر العبادات، وقد جاءت شريعة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعبادات كثيرة من صوم، وصلاة، وحج، وجهاد، وإنفاق، وابتغاء ولد يخلف أباه في عبادة ربه وبره، وقراءة، وتعلم وتعليم إلى غير ذلك،

فمتى مد العابد الزمان في عبادة واحدة أضر بباقي العبادات فبحسب ما يزيد في شيء ينقص من غيره وذلك لا يصلح." اهـ

* وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له) فإنه قاله جوابًا للقائلين، إنا لسنا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأعملهم أنه لم يزده ذلك إلا خشيةً من الله وانفا له؛ لئلا يظنوا أنه خفف عبادة ربه اتكالًا___على أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولم يكن كذلك بل الذي فعله هو الغاية القصوى في الجمع بين العبادات كلها وعمارة الأرض بأسرها، ولا يكون الإنسان قادرًا على اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عمارة الطرق بأسرها حتى يكون وفق الشرع فيرى النكاح عبادة والنظر عبادة إلى غيرهما من الأحوال التي يقوى على عمارة جميع الطرق." اهـ

 

وقال الشيخ محمد بن علي بن حسين المالكي مفتى المالكية بمكة المكرمة (1367هـ) _رحمه الله_ في «تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية» مع الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 228):

"وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ أَشَدُّ شَيْءٍ فِي الْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّ مَا الْتَزَمُوا لَمْ يَكُنْ إلَّا فِعْلَ مَنْدُوبٍ آخَرَ،

وَكَذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَلَا يَجْلِسَ، وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيَجْلِسْ وَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» [خ د ق]

قَالَ مَالِكٌ: (أَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ طَاعَةٌ، وَيَتْرُكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ)،

فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ مَالِكٌ الْقِيَامَ لِلشَّمْسِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَالْجُلُوسِ مَعَاصِيَ حَتَّى فَسَّرَ بِهَا الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ مَعَ أَنَّهَا فِي أَنْفُسِهَا أَشْيَاءُ مُبَاحَاتٌ، لَكِنَّهُ لَمَّا أَجْرَاهَا مَجْرَى مَا يُتَشَرَّعُ بِهِ، وَيُدَانُ لِلَّهِ بِهِ، صَارَتْ عِنْدَ مَالِكٍ مَعَاصِيَ لِلَّهِ،

وَكُلِّيَّةُ قَوْلِهُ: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» شَاهِدَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْجَمِيعُ يَقْتَضِي التَّأْثِيمَ وَالتَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ. وَهِيَ خَاصِّيَّةُ الْمُحَرَّم." اهـ

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1255_1257):

"وفي الحديث أحكام:

منها: وجوب تتبع آثاره - صلى الله عليه وسلم - في الجملة، فما كان منها واجبًا، فعل على الوجوب، وما كان منها مندوبًا، فعل على الندب، وقد يكون واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -، مندوبًا في حقنا، وقد يكون عكسه.

ومنها: التوصل إلى العلم والخير بكل أحد من النساء والعبيد، إذا تعذر أخذه من أصل محله.

ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يذكر ما اعتاده من الأعمال الشاقة التي يظنُّ أنها طاعة؛ ليتبين أمرها، ويرجع عنها إلى السنَّة فيها.

ومنها: البيان بأفعال العلماء وأقوالهم، وأحوالهم.

ومنها: أن ملاذ النفس والبدن، إذا فعلها لامتثال الشرع؛ فيما امتنَّ به وأباحه؛ تصير طاعات مثابًا عليها.

ومنها: تحريم فعل الشيء الجائز أو الامتناع عنه رغبة عن السنة، بل إن فعله بغير مقصود شرعي عنادًا لمقصود الشرع، اقتضى أن يكون كفرًا، وقد تقدم تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" في الحديث قبله، وإن كان___جماعة من السلف قالوا: يجرى كما ورد من غير تأويل؛ حيث إنه أبلغ في الردع عن مخالفة السنة.

وقد استدلَّ بالحديث من رجَّح النكاحَ على التخلي لنوافل العبادات؛ حيث إن النفر الذين قالوا هذه الأقوال في الحديث من عدم التزوج، وأكل اللحم، والنوم على الفرش، وقصدوها، ورد ذلك عليهم - صلى الله عليه وسلم - وأكده بأن خلافه رغبة عن السنة، ويحتمل أن يكون من باب كراهة التنطع والغلو في الدين، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد؛ فمن ترك اللحم لمقصود شرعي محمود، متورع عن أكله لشبهةٍ شرعية في عينه أو وصفه في ذلك الوقت؛ لاختلاط الحلال بالحرام، أو مقصود عادي صحيح؛ لخوف ضرر في بدن، أو زيادة مرض، لم يكن ذلك ممنوعًا، ومن تركه للغلو والتنطع والدخول في الرهبانية؛ لكونه من ذوات الأرواح في أصله، وغير ذلك، فهو ممنوع مخالف للشرع.

لكن ظاهر الحديث تقديم النكاح؛ كما يقوله أبو حنيفة ومن وافقه.

ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح، ولم يستحضر أعدادها غالبًا، فالأولى اتباع اللفظ الوارد في الشيء.

ومنها: التنبيه على قاعدة عظيمة في باب التوحيد والتنزيه؛ وهي: أن الدوام وعدم الزوال ثابت لله، والتغيير وعدم الديمومة ثابت لما سواه.

فلما كان الأمر كذلك، أجرى - سبحانه وتعالى - الموجودات كلها على وصفها، وشرع الشرائع على ذلك رحمة بنا؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأفْطِرُ، وأَتزوَّجُ النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَن سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي"؛ تنبيهًا على ما ذكرنا، ولله أعلم.

ومنها: استحباب الخُطَب لأمور المسلمين الحادثة العامة النفع.

ومنها: استحباب الثناء على الله تعالى فيها.

ومنها: عدم تعيين من هو مقصود بالوعظ والتذكير والزجر؛ فإنه ينبغي أن يقول في ذلك: ما بال أقوام قالوا كذا، وفعلوا كذا؟___

ومنها: الحثُّ على متابعة السنَّة، والتحذير من مخالفتها، والله أعلم.

وقد يستدل به على قبول خبر الواحد؛ لأنه ما عدا المتواتر. ولم يثبت في الحديث أن النفر السائلين، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - المسؤولات بلغوا حدَّ التواتر، فلو لم يكن مقبولًا عند الصحابة، لما حسن سؤالهم لهنَّ، ولما سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبارهن عنهم، مع أن العلماء اختلفوا في حدِّ التواتر، والمختار عند الأصوليين أن حدَّه: خبر أقوام بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم، وأن العدد في المخبرين غير محصور للتواتر، لكن قال القاضي أبو بكر: اعلم أن قول الأربعة لا يفيد العلم أصلًا، وأتوقف في الخمسة (1)، واختلف غيره على ستة أقوال: اثنا عشر، وعشرون، وأربعون، وسبعون، وثلاث مئة وبضعة عشر، وعدد بيعة الرضوان، وقيل: يشترط فيهم ألَّا يحصيهم عدد، ولا يحويهم بلد، وقيل: لا يكونوا من نسب ولا من بلد واحد، وشرط بعض من لا يجوز اعتماده اشتمالهم على المعصوم، وهذا في التواتر في الأخبار.

وأما التواتر في المعاني؛ كالكرم والشجاعة والبخل والجبن والفسق والعدالة، فإذا وقع الاتفاق عليها، مع وجود الاختلاف في كميتها وكيفيتها، لا يقدح فيه؛ فإن راوي الجزئي مطابقة راو للكلي المشترك فيه تضمنًا، ولأن امتناع الكذب عليهم يوجب صدق واحد منهم جزمًا، وهو المطلوب." اهـ

 

حجة الله البالغة (2/ 34_35):

"(الاقتصاد فِي الْعَمَل)

اعْلَم أَن أدوأ الدَّاء فِي الطَّاعَات ملال النَّفس، فَإِنَّهَا إِذا ملت لم تنتبه لصفة الْخُشُوع، وَكَانَت تِلْكَ المشاق خَالِيَة عَن معنى الْعِبَادَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن لكل شَيْء شرة وَإِن لكل شرة فَتْرَة " وَلِهَذَا السِّرّ كَانَ أجر الْحَسَنَة عِنْد اندراس الرَّسْم بعملها وَظُهُور التهاون فِيهَا مضاعفا أضعافا كَثِيرَة، لِأَنَّهَا وَالْحَالة هَذِه لَا تنبجس إِلَّا من تنبه شَدِيد وعزم مُؤَكد، وَلِهَذَا جعل الشَّارِع للطاعات قدرا كمقدار الدَّوَاء فِي حق الْمَرِيض لَا يُزَاد، وَلَا ينقص.

وَأَيْضًا فالمقصود هُوَ تَحْصِيل صفة الْإِحْسَان على وَجه لَا يُفْضِي إِلَى إهمال الارتفاقات اللَّازِمَة، وَلَا إِلَى غمط حق من الْحُقُوق، وَهُوَ قَول سلمَان رَضِي الله عَنهُ: إِن لعينيك عَلَيْك حَقًا وَإِن لزوجك عَلَيْك حَقًا، فَصدقهُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنا أَصوم وَأفْطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النِّسَاء، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني ".

وَأَيْضًا فالمقصود من الطَّاعَات هُوَ استقامة النَّفس وَدفع اعوجاجها، لَا الإحصاء، فَإِنَّهُ كالمتعذر فِي حق الْجُمْهُور، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْتَقِيمُوا، وَلنْ تُحْصُوا، وَأتوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون " والاستقامة تحصل بِمِقْدَار معِين يُنَبه النَّفس لالتذاذها بلذات الملكية وتألمها من خسائس البهيمية، ويفطنها بكيفية انقياد البهيمية للملكية، فَلَو أَنه أَكثر مِنْهَا اعتادتها النَّفس، واستحلتها فَلم تتنبه لثمرتها

وَأَيْضًا فَمن الْمَقَاصِد الجليلة فِي التشريع أَن يسد بَاب التعمق فِي الدّين

لِئَلَّا يعضوا عَلَيْهَا بنواجذهم، فَيَأْتِي من بعدهمْ قوم، فيظنوا أَنَّهَا من الطَّاعَات السماوية الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِم، ثمَّ تَأتي طبقَة أُخْرَى، فَيصير الظَّن عِنْدهم يَقِينا، والمحتمل مطمأنا بِهِ، فيظل الدّين محرفا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:

{رَهْبَانِيَّة ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم}

وَأَيْضًا فَمن ظن من نَفسه - وَإِن أقرّ بِخِلَاف ذَلِك من لِسَانه - أَن الله لَا يرضى إِلَّا بِتِلْكَ الطَّاعَات الشاقة، وَأَنه لَو قصر فِي حَقّهَا فقد وَقع بَينه وَبَين تَهْذِيب نَفسه حجاب عَظِيم، وَأَنه فرط فِي جنب الله، فَإِنَّهُ يُؤَاخذ بِمَا ظن، وَيُطَالب فِي بِالْخرُوجِ عَن التَّفْرِيط فِي جنب الله___حسب اعْتِقَاده، فَإِذا قصر انقلبت علومه عَلَيْهِ ضارة مظْلمَة، فَلم تقبل طاعاته لهنة فِي نَفسه، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا غَلبه "

فلهذه الْمعَانِي عزم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته أَن يقتصدوا فِي الْعَمَل، أَلا يجاوزوا إِلَى حد يُفْضِي إِلَى ملال واشتباه فِي الدّين أَو إهمال الارتفاقات، وَبَين تِلْكَ الْمعَانِي تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا."

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 218)

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - تمام الحديث وفيه بيان سببه كما ذكره البخاري في صحيحه, أنَّه جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أُخبروا، كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأصلِّي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدَّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم، وأفطر ... إلخ".

2 - بنيت هذه الشريعة السامية على السماح واليُسر، وإرضاء النفوس والغرائز بطيبات الحياة المباحة، وكرهت العنت والشدة، وحرمان النفس ممَّا أباح الله تعالى.

3 - أنَّ الخير والبركة في الاقتداء، واتباع أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو الخير والبركة،___

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 219)

وهي العدل والوسط في الأمور.

4 - أنَّ أخذ النفس بالعنت والمشقة والحرمان ليس من الدين في شيء، بل هو من سنن المبتدعين المخالفين لسنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.

5 - أنَّ ترك لذائذ الحياة المباحة زهادةً وعبادةً، خروجٌ عن السنَّة المطهَّرة، واتباعٌ لغير سبيل المؤمنين.

6 - في مثل هذا الحديث الشريف بيان أنَّ الإِسلام ليس دين رهبانيةٍ وحرمان، وإنَّما هو الدِّين الذي جاء لإصلاح الدين والدنيا، وأنَّه أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلله تعالى حقه من العبادة، وللبدن حقه من طيبات الحياة، وللنَّفس حقها من الراحة.

7 - الله جلَّت حكمته هو الذي ركَّب في الإنسان الغرائز والمطالب، فأشبع تلك الغرائز بمطالبها المباحة، ولم يكبحها ويحرمها ممَّا طُبِعَت عليه؛ لأنَّ في هذه المتنفسَّات المباحة عمارة الكون، وبقاء النوع، وصلاح الأمور.

8 - السنة هي الطريقة، ولا يلزم من الرغبة عن السنة بهذا المعنى، الخروج من الملة، لمن كانت رغبته عنها لنوع من التأويل، يُعْذر فيه صاحبه.

9 - الرغبة عن الشيء معناه الإعراض عنه، والممنوع أن يكون ترك ذلك إمعانًا في العبادة، واعتقادًا لتحريم ما أحلَّ الله تعالى.

10 - قال شيخ الإِسلام: الإعراض عن الأهل والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله، وليس هو من دين الأنبياء والرسل، فقد قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

11 - قال الوزير: اتَّفقوا على أنَّ من تاقت نفسه إلى النكاح، وخاف العنت، فإنه يتأكَّد في حقه، ويكون أفضل من حجٍّ وصلاةٍ وصومٍ وتطوعٍ.

وقال الشيخ تقي الدين: يجب النكاح على من خاف على نفسه العنت في قول عامَّة الفقهاء، إذا قدر على المهر.

 

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 427_429):

في هذا الحديث فوائد كثيرة منها: محاربة الإسلام للرهبانية، يؤخذ ذلك من كون النبي (صلى الله عليه وسلم) أنكر على هؤلاء التبتل والعبادة الشاقة من صوم أو صلاة.

ومنها: أن العبادة قد تكون مكروهة لا لذاتها ولكن لما يعرض لها من وصف، فالصلاة من أحب الأعمال إلى الله ومع ذلك إذا التزم بها الإنسان على هذا الوجه صارت إما محرمة أو مكروهة على الأقل ويتفرع على هذه الفائدة: ما يُطنطن به أهل البدع الذينَ إذا أنكرت عليهم بدعة ميلاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) قالوا كيف تنكر علينا، أنت ترغب عن الصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو ترغب في الصلاة عليه؟ أرغب في الصلاة عليه لكن أرغب عن البدعة، هل هذه الصلاة التي أحدثتموها وهذا الثناء على الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه الليلة هل هذا مما شرعه الرسول؟ لا، إذن يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة، فالمهم: أن هذا الحديث يتفرع على فائدته أن کل ما كان مخالفًا للرسول (صلى الله عليه وسلم) فهو بدعة وإن كان أصله مشروعا وعبادة.

ومن فوائد الحديث: مبادرة النبي (صلى الله عليه وسلم) لإبطال الباطل؛ لأنه من حيث ما ذكروا له ذلك قام وخطب ونهى عنه، ويترتب على هذا أن نقتدي به وأن نُبادر بإنكار الباطل؛ لأن الباطل إذا سرى وانتشر صار انتشاله صعبا، لكن في أول أمره يسهل.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي إعلان الإنكار إذا دعت الحاجة إلى ذلك بحيث يكون هذا المُنكر منتشراً وجهه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خطب الناس مع أنه بإمكانه أن يكلم هؤلاء وينهاهم عما أرادوا ولكنه خاف أن ينتشر.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي البداءة في الخطبة -ولو كانت عارضة- بالحمد والثناء، وهذا كان هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يبدأ خطبه بالحمد والثناء، واختلف العلماء (رحمهم الله) في خطبتي العيد هل تبدئان بالحمد والثناء أو بالتكبير، على قولين في هذه المسألة، والأرجح أنهما يبدئان بالحمد والثناء، وإن كان التكبير فيه حمد وثناء؛ لأنك تقول: «الله أكبر الله أكبر لا____

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 428)

إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد»، لكن ليس هذه صفة الخطب التي كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقوم بها. ومن فوائد الحديث: بيان ما كان عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) من الدين اليُسر لقوله: «أصلي وأنام، وأصوم وأفطر».

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادة؛ وذلك لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين منهاجه وسيرته في عبادته أن يجمع بين راحة البدن وبين عبادة الله (عز وجل)، حَتّى إن الإنسان لو كان يُصلي في الليل وأتاه النوم فإنه مأمور بالكف عن الصلاة والرقاد. هكذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبين ي (صلى الله عليه وسلم) علة ذلك قال: «ربما يذهب ليدعو لنفسه فيسبها» وهذا صحيح، ربما تريد: «رب اغفر لي» فتقول: رب أهلكني، لأنك نائم! ! فعلى كل حال أنموذج من أنه ينبغي للإنسان ألا يشق على نفسه في العبادة.

ومن فوائد الحديث: مشروعية الصوم على وجه الإطلاق لقوله: «أصوم وأفطر»، وهذا يشمل الصوم المطلق والصوم المعين المقيد كصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من الشهر، وأيام البيض، وستة أيام من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء.

ومن فوائد الحديث: مشروعية النكاح؛ لأنه هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) لقوله: «وأتزوج النساء».

فإذا قال قائل: هذا فعل تقتضيه الفطرة والطبيعة البشرية فهو كالأكل والشرب فلا يكون مشروعًا في حد ذاته؟

فالجواب عن ذلك أن يُقال: بينهما فرق؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) ساق الحديث هنا على أن هذا هديه وسيرته، ولم يقل: وآكل وأشرب، وأيضا النكاح يترتب عليه مصالح متعددة، منها:

مصلحة الزوجة والأولاد الذين سيقوم بتربيتهم والإنفاق عليهم فليس كالأكل والشرب.

ومن فوائد الحديث: أن من رغب عن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فليس منه لقوله: «من رغب عن سنتي فليس مني»، وهذا يدل على أن من رغب عن سُنة الرسول فقد أتى كبيرة، لأن من علامة الكبيرة على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن يتبرأ الشارع من فاعلها، ولكن يجب أن نعلم أن ترك السُنة ينقسم إلى قسمين: ترك رغبة عنها، وهذا هُوَ الذي يُعَدُّ من الكبائر، وترك تهاون بها، أي: أنه يتهاون في فعلها دون الرغبة عنها ويرى أنها مشروعة ويحبها لكن يتكاسل، يعني: يدعها كسلاً، الثاني لا يكون فعله كبيرة إلا إذا كان ما فعله كبيرة، أما مجرد أن يترك المسنون فهذا ليس بكبيرة.___

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (4/ 428)

إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد»، لكن ليس هذه صفة الخطب التي كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقوم بها. ومن فوائد الحديث: بيان ما كان عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) من الدين اليُسر لقوله: «أصلي وأنام، وأصوم وأفطر».

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادة؛ وذلك لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) بين منهاجه وسيرته في عبادته أن يجمع بين راحة البدن وبين عبادة الله (عز وجل)، حَتّى إن الإنسان لو كان يُصلي في الليل وأتاه النوم فإنه مأمور بالكف عن الصلاة والرقاد. هكذا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبين ي (صلى الله عليه وسلم) علة ذلك قال: «ربما يذهب ليدعو لنفسه فيسبها» وهذا صحيح، ربما تريد: «رب اغفر لي» فتقول: رب أهلكني، لأنك نائم! ! فعلى كل حال أنموذج من أنه ينبغي للإنسان ألا يشق على نفسه في العبادة.

ومن فوائد الحديث: مشروعية الصوم على وجه الإطلاق لقوله: «أصوم وأفطر»، وهذا يشمل الصوم المطلق والصوم المعين المقيد كصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من الشهر، وأيام البيض، وستة أيام من شوال، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء.

ومن فوائد الحديث: مشروعية النكاح؛ لأنه هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) لقوله: «وأتزوج النساء».

فإذا قال قائل: هذا فعل تقتضيه الفطرة والطبيعة البشرية فهو كالأكل والشرب فلا يكون مشروعًا في حد ذاته؟

فالجواب عن ذلك أن يُقال: بينهما فرق؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) ساق الحديث هنا على أن هذا هديه وسيرته، ولم يقل: وآكل وأشرب، وأيضا النكاح يترتب عليه مصالح متعددة، منها:

مصلحة الزوجة والأولاد الذين سيقوم بتربيتهم والإنفاق عليهم فليس كالأكل والشرب.

ومن فوائد الحديث: أن من رغب عن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فليس منه لقوله: «من رغب عن سنتي فليس مني»، وهذا يدل على أن من رغب عن سُنة الرسول فقد أتى كبيرة، لأن من علامة الكبيرة على ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن يتبرأ الشارع من فاعلها، ولكن يجب أن نعلم أن ترك السُنة ينقسم إلى قسمين: ترك رغبة عنها، وهذا هُوَ الذي يُعَدُّ من الكبائر، وترك تهاون بها، أي: أنه يتهاون في فعلها دون الرغبة عنها ويرى أنها مشروعة ويحبها لكن يتكاسل، يعني: يدعها كسلاً، الثاني لا يكون فعله كبيرة إلا إذا كان ما فعله كبيرة، أما مجرد أن يترك المسنون فهذا ليس بكبيرة." اهـ



[1] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 298) لابن الأثير :

"النِّسْبَة إِلَى النجار واسْمه تيم اللات بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج وَإِنَّمَا قيل النجار لِأَنَّهُ اختتن بقدوم وَقيل لِأَنَّهُ ضرب رجلا بقدوم." اهـ

[2] وهو : الطاعون

[3] وقال البيضاوي _رحمه الله_ في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 122_123):

"وقوله: (أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم) أي: بيننا وبينه بون بعيد , ومسافة طويلة , فإنا على صدد التفريط وسوء العاقبة , وهو معصوم مأمون العاقبة , واثق بقوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح:2] ,أعمالنا جنة من العقاب ,وأعماله مجلبة للثواب , فنحن كالمضطر الذي لا مندوحة له عن العمل , وهو كالمتطوع الطالب للفضل.

فرد عليهم - صلوات الله عليه - ما اعتقدوه في حقه وما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بقوله:" أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له " , لأني أعلم به , وبما هو أعز عليه وأكرم عنده , فلو كان ما استأثرتموه من الإفراط في الرياضة أحسن مما أنا عليه من الاعتدال والتوسط في الأمور لما أعرضت عنه." اهـ

[4][4] باللغة الأندونيسية: Canopus

[5][5] باللغة الأندونيسية: Alkor

[6] وفي كتابة الآية خطأ وسبق قلم، فإن الله _تعالى_ قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]

[7] وقال القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ) في "المسالك في شرح موطأ مالك" (5/ 425): "واختلف لماؤُنا في حُكمهِ:

فمنهم من قال: إنّه مباحٌ وهو الشّافعي؛ لأنّه نَيْلُ لَذَّةٍ وقضاءُ شَهْوةٍ، فصارَ كسائرِ اللَّذَّاتِ المُقتضاةِ جبِلَّةً.

ومنهم من قال: إنّه مندوبٌ إليه؛ لأنّه قُرْبَةٌ، قاله مالك، وأبو حنيفة، وهذا هو الصّحيح؛

وقد قال مالك: إنَّ النِّكاحَ مندوبٌ إليه، وقد يختلفُ حُكْمُه بحَسَب اختلافِ الأحوالِ، فيجب تارةً عنده في حقِّ مَنْ لا يُنكَفُ عن الزّنا، إِلَّا به. وقد وقع لبعض علمائنا إِيجابُه على صِفَةٍ، ويحملُه أنّه على مِثْلِ مَنْ هو على هذه الحالة." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين