شرح الحديث 37 من كتاب رياض الصالحين لأبي غائزة البوجيسي


[37] وعن أبي سعيدٍ[1] وأبي هريرةَ[2] _رضيَ الله عنهما_ :          

عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ[3]، وَلا وَصَبٍ[4]، وَلا هَمٍّ[5]، وَلا حَزَنٍ[6]، وَلا أذَىً[7]، وَلا غَمٍّ[8]، حَتَّى الشَّوكَةُ[9] يُشَاكُهَا[10] إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ[11]» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

و «الوَصَبُ» : المرض.


ترجمة أبي سعيد الخدري _رضي الله_


وفي إكمال تهذيب الكمال (5/ 244) لمغلطاي :

"سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، وهو خدرة: أبو سعيد الخدري الأنصاري الخزرجي.

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 168) : "أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) : الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ___عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ. اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.

وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ. مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ وَسَبْعُوْنَ (1170) حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ." اهـ باختصار

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1260) : سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَقِيلَ: ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَانَ يَسْكُنُ الْمَدِينَةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَلَهُ عَقِبٌ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 602) : "أبو سعيد الخدري، هو مشهور بكنيته، أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم. توفي سنة أربع وسبعين. روى عنه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين." اهـ

 

 

شرح الغرائب:

 

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) :

"وَقيل : فِي هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة (وَهِي: الْهم وَالْغَم والحزن):

* إِن الْهم: ينشأ عَن الْفِكر فِيمَا يتَوَقَّع حُصُوله مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ،

* وَالْغَم: كرب يحدث للقلب بِسَبَب مَا حصل،

* والحزن: يحدث لفقد مَا يشق على الْمَرْء فَقدُه." اهـ

 

الفوائد لابن القيم (ص: 26):

"وَالْمَكْرُوه الْوَارِد على الْقلب:

* إِن كَانَ من أَمر مَاض أحدث الْحزن،

* وإنْ كَانَ من مُسْتَقْبل أحدث الْهم،

* وَإِن كَانَ من أَمر حَاضر أحدث الْغم، وَالله أعلم." اهـ

 

شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 274):

"فالهم يكون على مكروه يتوقع في المستقبل يهتم به القلب والحزن على مكروه ماض من فوات محبوب أو حصول مكروه إذا تذكره أحدث له حزنا والغم يكون على مكروه حاصل في الحال يوجب لصاحبه الغم فهذه المكروهات هي من أعظم أمراض القلب وأدوائه." اهـ

 

عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 256)

"وإنما تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين احداهما الرغبة فى الدنيا والحرص عليها والثانى التقصير فى أعمال البر والطاعة." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 114) (رقم : 5641)، ومسلم في صحيحه (4/ 1992) (رقم : 2573)، والترمذي في سننه (3/ 289) (رقم : 966)

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 105)

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعَقُّبٌ عَلَى الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ:

"ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْمُصَابَ مَأْجُورٌ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَسْبِ. والمصائب لَيست مِنْهَا، بل الْأجر على الصبر وَالرِّضَا.

وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ،

وَأَمَّا الصَّبْرُ وَالرِّضَا فَقَدْرٌ زَائِدٌ يُمْكِنُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِمَا زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ : "الْمَصَائِبُ كَفَّارَاتٌ جَزْمًا سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا، لَكِنْ إِنِ اقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِيرُ، وَإِلَّا قَلَّ."[12]

كَذَا قَالَ، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا، وَبِالرِّضَا يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْبٌ عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ بِمَا يُوَازِيهِ.

وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِلْمُصَابِ : "جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً لِذَنْبِكَ"،

لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَةً، فَسُؤَالُ التَّكْفِيرِ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَهُوَ إِسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَى الشَّارِعِ."

كَذَا قَالَ وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِ الدُّعَاءِ بِمَا___هُوَ وَاقِعٌ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ،

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِيُثَابَ مَنِ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 26) لابن عبد البر :

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ تُكَفِّرُهَا الْمَصَائِبُ وَالْآلَامُ وَالْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 193)

* في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى جزع المسلمين من هذا النطق، وهو قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]،

فسره - صلى الله عليه وسلم -: بأن المؤمن يكفر الله عنه بما يصيبه في دنياه، حتى الشوكة يشاكها،

فذاك ينبئ أنه لا يشاك المسلم شوكة فما فوقها إلا كانت حاطَّة عنه خطيئة أو رافعة له درجة، فإذا كان جزاء العبد في دنياه بما سبق له من خطيئة كان ذلك تطهيرا له." اهـ

 

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 241) لزين الدين العراقي :

"فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ مَرَضٍ أَوْ وَجَعٍ، وَإِنْ خَفَّ فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ." اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1128) لعلي بن سلطان المشهور بـ"ملا علي القاري" :

"وَفِيهِ تَنْبِيهُ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ السَّالِكَ إِنْ عَجَزَ عَنْ مَرْتَبَةِ الرِّضَا، وَهِيَ التَّلَذُّذُ بِحَلَاوَةِ الْبَلَاءِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ تَجَرُّعُ مَرَارَةِ الصَّبْرِ فِي حُبِّ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ وَرَدَ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابُ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 243) للعثيمين :

"هذان الحديثان : حديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن مسعود - رضي الله عنهم-،

فيهما : دليل على أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم وغير ذلك، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالي، يبتلي سبحانه وتعالي عبده بالمصائب وتكون تكفيراً لسيئاته وحطا لذنوبه."

 

شرح رياض الصالحين (1/ 243)

والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقي مسروراً دائماً، بل هو يوماً يسر ويوماً يحزن، ويوماً يأتيه شيء ويوماً لا يأتيه، فهو مصاب بمصائب في نفسه ومصائب في بدنه. ومصائب في مجتمعه ومصائب في أهله، ولا تحصي المصائب التي تصيب الإنسان، ولكن المؤمن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خير له.

فإذا أصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة، لا تظن أنه يذهب سدي، بل ستعوض عنه خيراً منه، ستحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها، وهذا من نعمة الله.[13]

 

شرح رياض الصالحين (1/ 244) :

"فالمصائب تكون على وجهين:

تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره، ويصيبه ضجر أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن

نية احتساب الأجر والثواب على الله،

فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه.

فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر؛ لأنه لم ينو شيئا ولم يصبر ولم يحتسب الأجر.

وإما أن يربح شيئين: تكفير السيئات، وحصول الثواب من الله عز وجل كما تقدم.

ولهذا ينبغي للإنسان إذا اصيب ولو بشوكة، فليتذكر احتساب الأجر من الله على هذه المصيبة، حتى يؤجر عليها، مع تكفيرها للذنوب.

وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالي وجوده وكرمه، حيث يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته." اهـ[14]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 44)

في هذا الحديث: أَنَّ الأمراض وغيرها من المؤذيات مُطهرةٌ للمؤمن من الذنوب، فَيَنْبَغِي الصَّبرُ على ذلك ليحصل له الأَجرُ، والمصاب مَنْ حُرِم الثواب.

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 196) للشيخ حمزة محمد قاسم :

"فقه الحديث :

دل هذا الحديث على ما يأتي :

أولاً : أن مجرد الإِصابة بالمرض أو غيره من البلايا كفارة للخطايا كما ترجم له البخاري.

قال القرافي: المصائب كفارات جزماً، " سواء اقترن بها الرضا أم لا، لكن إذا اقترن بها الرضا عظم التكفير والأجر،

وقال الحافظ : والذي يظهر أن المصيبة إذا قارنها الصبر حصل التكفير، ورفع الدرجات، وإن لم يحصل الصبر، ولم يقع من الجزع ما يندم عليه من: قول أو فعل، فالفضل واسع، ولكن ينحط من منزلة الصابر، وإن حصل الجزع فيكون ذلك سبباً لنقص الأجر أو التكفير".

ثانياً : البشارة العظيمة للمؤمن، لأن الله جعل " البلاء مكفِّراً له،

وهو كما قال القسطلاني: لا ينفك عنه غالباً، فمن صبر فله أجران، أجر على مصيبته وأجر على صبره." اهـ

 

المنهل الحديث في شرح الحديث (4/ 127)[15]:

"قال ابن بطال إن المسلم يجازى على بعض خطاياه في الدنيا بالمصائب التي تقع له فيها فتكون كفارة لها،

وظاهر الحديث: أن الثواب على نفس المصيبة بشرط ألا تقترن بالسخط وعليه الجمهور.

وقيل إن الثواب والعقاب على الكسب والمصائب ليست منه بل الأجر على الصبر عليها والرضا بها، ورُدَّ بأن ذلك قدر زائد يمكن الثواب عليه زيادة على ثواب المصيبة،

ومن المعلوم: أن الناس عند البلاء درجات:

فمنهم من يسلم الأمر، ومنهم من يبتغي به وجه الله ويقصد الأجر، ومنهم من يتلذذ بالبلاء راضيا عن الفعال لما يشاء.

وأما الساخطون فليسوا من الله في شيء ويؤخذ من الحديث حصول الثواب للمصاب وتخفيف العقاب عنه." اهـ

 

الطب النبوي لابن طولون (ص: 316) :

"ذكر فضل المريض وعيادة المرضى." اهـ

 

مجموع الفتاوى (24/ 375) لشيخ الإسلام ابن تيمية :

"وَمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا وَالْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ مِنْ الْأَلَمِ الَّتِي هِيَ عَذَابٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ." اهـ

 

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 319):

"فَإِنَّ الْمَصَائِبَ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَلَا تُغْفَرُ الذُّنُوبُ جَمِيعُهَا إِلَّا بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِحَسَنَاتٍ تَتَضَاءَلُ وَتَتَلَاشَى فِيهَا الذُّنُوبُ، فَهِيَ كَالْبَحْرِ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْجِيَفِ، وَإِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ.

فَلِأَهْلِ الذُّنُوبِ ثَلَاثَةُ أَنْهَارٍ عِظَامٍ يَتَطَهَّرُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ لَمْ تَفِ بِطُهْرِهِمْ طُهِّرُوا فِي نَهْرِ الْجَحِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

* نَهْرُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ،

* وَنَهْرُ الْحَسَنَاتِ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِلْأَوْزَارِ الْمُحِيطَةِ بِهَا،

* وَنَهْرُ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ الْمُكَفِّرَةِ،

فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَدْخَلَهُ أَحَدَ هَذِهِ الْأَنْهَارِ الثَّلَاثَةِ، فَوَرَدَ الْقِيَامَةَ طَيِّبًا طَاهِرًا، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّطْهِيرِ الرَّابِعِ." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (4/ 274) :

"الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو ماله، وفضل البلاءِ والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره." اهـ

 

الضياء اللامع من الخطب الجوامع (1/ 114) للعثيمين :

"ومن أصيب بمصيبة، وأراد أن تسهل عليه، فليتذكر ما في الصبر عليها من الأجر والثواب." اهـ

 

موارد الظمآن لدروس الزمان (2/ 401) لعبد العزيز بن محمد السلمان _رحمه الله_ :

"وَالْحِكْمَةُ وَاللهُ أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مُرَبِيَة لِلنُّفُوس وَتُمُرِّنُهَا عَلَى احْتِمَالِ الشَّدَائِدِ وَالصَّبْرِ الْجَمِيلِ عَلَى الإِنَاءَاتِ وَالرَّزَانَة وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ،

فَتَبْلُغُ بِصَاحِبِهَا إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ، وَبُلُوغِ الْغَايَاتِ. لِذَلِكَ تَجِدُ الرِّجَالَ الأَمَجَادَ الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ مُعَانَاةً لِلشَّدَائِدِ فِي حَيَاتِهِمْ، وَصَبَرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ وَالآلامِ الَّتِي تَنَالُهُمْ عِنْدَ قِيَامِهِمْ بِالدَّعْوَةِ الإِسْلامِيَّةِ. ذِكْرُهُمْ بَاق عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ، وَأَجْرُهُمْ عِنْدَ اللهِ تَام." اهـ

 

قلت: ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 1334)

(4024): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

"دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ قَالَ

«إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الْأَجْرُ»

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ» ،

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ مَنْ؟

قَالَ: «ثُمَّ الصَّالِحُونَ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَحُوبُهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ»

صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 330) (رقم: 3403)

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 454)

1 - (منها): بيان فضل المصيبة للمسلم حيث إنها تُكفَّر بها خطاياه،

وتُرفع بها درجاته، قال القرطبيّ رَحِمَه اللهُ: ومقصود هذه الأحاديث أن الأمراض،

والأحزان، وإن دقّت، والمصائب، وإن قلّت، أُجِر المؤمن على جميعها،

وكُفِّرت عنه بذلك خطاياه، حتى يمشي على الأرض، وليست له خطيئة، كما

جاء في الحديث الآخر، لكن هذا كله إذا صبر المصاب، واحتسب، وقال

ما أمر الله تعالى به في قوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ

رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: 156]، فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله تعالى به،

ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك. انتهى (1).

2 - (ومنها): أنه لا ينبغي الضحك من مسلم وقع منه مثل هذا، إلا أن

يحصل غلبة، لا يمكن دَفْعه، وأما تعمّده فمذموم؛ لأن فيه شماتةً بالمسلم،

وكسرًا لقلبه، قاله النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (2).

3 - (ومنها): بيان أن هذا الفضل خاصّ بالمسلم، فليس للكافر فيه

نصيب، بل هي بشرى عظيمة للمسلم؛ لأنه لا يخلو عن كونه متأذيًا بمصائب

طول حياته، ففي كلّ مصيبة حطّ لخطيئته، ورَفْع لدرجته، فما أعظم النِّعَم،

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ

مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].

4 - (ومنها): ما قاله في "الفتح": وفي هذا الحديث تعقُّب على الشيخ

عزّ الدين بن عبد السلام حيث قال: ظنّ بعض الجهلة أن المُصاب مأجور،

وهو خطأ صريح، فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصائب

ليست منها، بل الأجر على الصبر والرضا.

ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد

حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقَدْر زائد، يمكن أن يثاب عليهما زيادة

على ثواب المصيبة.

قال القرافيّ: المصائب كفّارات جزمًا سواءٌ اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقترن بها الرضا عَظُم التكفير، وإلا قلّ، كذا قال، والتحقيق أن المصيبة___كفارة لذنب يوازيها، وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب

عُوِّض عن ذلك من الثواب بما يوازيه.

وزعم القرافيّ أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب: جعل الله هذه

المصيبة كفارةً لذنبك؛ لأن الشارع قد جعلها كفارةً، فسؤال التكفير طلب

لتحصيل الحاصل، وهو إساءة أدب على الشارع، كذا قال، وتُعُقّب بما ورد

من جواز الدعاء بما هو واقع؛ كالصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وسؤال الوسيلة له.

وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يَرِد فيه شيءٌ، وأما ما وَرَدَ فهو مشروع؛

ليُثاب من أمتثل الأمر فيه على ذلك. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذَكَر في "الفتح" كلام القرافيّ، ثم تعقّبه،

ثم أجاب عن ذلك التعقّب، وفيه نظر لا يخفى، بل الصواب جواز الدعاء بما

ذُكر؛ إذ لم يَرِدْ نصّ يَمْنع من ذلك، فتبصّر، والله تعالى أعلم." اهـ

 



[1] ترجمة أبي سعيد الخدري _رضي الله_

وفي إكمال تهذيب الكمال (5/ 244) :

"سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر، وهو خدرة: أبو سعيد الخدري الأنصاري الخزرجي.

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 168) : "أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانٍ * (ع) : الإِمَامُ، المُجَاهِدُ، مُفْتِي المَدِيْنَةِ، سَعْدُ بنُ مَالِكِ بنِ سِنَانِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ___عُبَيْدِ بنِ الأَبْجَرِ بنِ عَوْفِ بنِ الحَارِثِ بنِ الخَزْرَجِ. وَاسْمُ الأَبْجَرِ: خُدْرَةُ. اسْتُشْهِدَ أَبُوْهُ مَالِكٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ أَبُو سَعِيْدٍ الخَنْدَقَ، وَبَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ، وَأَطَابَ، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.

وَكَانَ أَحَدَ الفُقَهَاءِ المُجْتَهِدِيْنَ. مُسْنَدُ أَبِي سَعِيْدٍ: أَلْفٌ وَمائَةٌ وَسَبْعُوْنَ (1170) حَدِيْثاً، فَفِي (البُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) : ثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِاثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ." اهـ باختصار

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1260) : سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَقِيلَ: ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، كَانَ يَسْكُنُ الْمَدِينَةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، وَلَهُ عَقِبٌ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 602) : "أبو سعيد الخدري، هو مشهور بكنيته، أول مشاهده الخندق، وغزا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سننا كثيرة، وروى عنه علما جما، وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم. توفي سنة أربع وسبعين. روى عنه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين." اهـ

[2] ترجمة أبي هريرة الدوسي :

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة." اهـ

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين." اهـ

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي : "قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت: روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

[3] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) للعيني : "قَوْله : (من نصب) أَي: من تَعب وَزنه وَمَعْنَاهُ."

[4] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) : "قَوْله : (وَلَا وصب) وَهُوَ الْمَرَض وَزنه وَمَعْنَاهُ." اهـ

[5] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) : "قَوْله : (وَلَا هم) وَهُوَ الْمَكْرُوه يلْحق الْإِنْسَان بِحَسب مَا يَقْصِدهُ." اهـ

[6] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) : "والحزن مَا يلْحقهُ بِسَبَب حُصُول مَكْرُوه فِي الْمَاضِي وهما من أمراض الْبَاطِن."

[7] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) : "والأذى مَا يلْحقهُ من تعدِي الْغَيْر عَلَيْهِ." اهـ

[8] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) : "وَالْغَم بالغين الْمُعْجَمَة مَا يضيق على الْقلب." اهـ

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 209) :

"وَقيل : فِي هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَهِي الْهم وَالْغَم والحزن: إِن الْهم ينشأ عَن الْفِكر فِيمَا يتَوَقَّع حُصُوله مِمَّا يتَأَذَّى بِهِ، وَالْغَم كرب يحدث للقلب بِسَبَب مَا حصل، والحزن يحدث لفقد مَا يشق على الْمَرْء فَقده." اهـ

وفي المنتقى شرح الموطإ (7/ 259) لأبي الوليد الباجي :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يُصِبْ مِنْهُ بِالْمَرَضِ الْمُؤَثِّرِ فِي صِحَّتِهِ وَأَخْذِ الْمَالِ الْمُوَثِّرِ فِي غِنَاهُ وَالْحُزْنِ الْمُؤَثِّرِ فِي سُرُورِهِ وَالشِّدَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي صَلَاحِ حَالِهِ فَإِذَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْخَيْرِ." اهـ

[9] وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 105) :

قَوْلُهُ (حَتَّى الشَّوْكَةَ) جَوَّزُوا فِيهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ :

* فَالْجَرُّ بِمَعْنَى الْغَايَةِ أَيْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الشَّوْكَةِ أَوْ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ مُصِيبَةٍ،

* وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ عَامل أَي حَتَّى وجد أَنه الشَّوْكَةَ،

* وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي تُصِيبُ،

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : "قَيَّدَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَحَلِّ كَذَا قَالَ وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَسُوغُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مِنْ زَائِدَةٍ." اهـ

[10] وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 105) : "قَوْلُهُ يُشَاكُهَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَشُوكُهُ غَيْرُهُ بِهَا...ثُمَّ قَالَ [الأزهري] : "وَالشَّوْكَةُ : حِدَّةُ النَّاسِ وَحِدَّةُ السِّلَاحِ وَقَدْ شَاكَ الرَّجُلُ يُشَاكُ شَوْكًا إِذَا ظَهَرَتْ فِيهِ شَوْكَتُهُ وَقَوِيَتْ." اهـ

[11] وفي فتح الباري لابن حجر (10/ 105) :

"قَوْلُهُ (إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ : "إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ"، أَيْ : يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوبَةً بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لمغفرة ذَنبه.

وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الْمَذْكُورَةِ : "إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً." وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ،

وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا حُصُولَ الثَّوَابِ وَرَفْعَ الْعِقَابِ." اهـ

[12] الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (4/ 234) :

"فَالْمُصِيبَةُ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ جَزْمًا سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا السَّخَطُ أَوْ الصَّبْرُ وَالرِّضَا فَالسَّخَطُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى، وَنَعْنِي بِالسَّخَطِ عَدَمَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَا التَّأَلُّمَ مِنْ الْمَقْضِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالصَّبْرُ مِنْ الْقُرَبِ الْجَمِيلَةِ، فَإِذَا تَسَخَّطَ جُعِلَتْ سَيِّئَةً ثُمَّ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ السَّيِّئَةُ قَدْرَ السَّيِّئَةِ الَّتِي كَفَّرَتْهَا الْمُصِيبَةُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَعْظَمَ بِحَسَبِ كَثْرَةِ السَّخَطِ وَقِلَّتِهِ وَعِظَمِ الْمُصِيبَةِ وَصِغَرِهَا

فَإِنَّ الْمُصِيبَةَ الْعَظِيمَةَ تُكَفِّرُ مِنْ السَّيِّئَاتِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُصِيبَةِ الْيَسِيرَةِ فَالتَّكْفِيرُ وَاقِعٌ قَطْعًا تَسَخَّطَ الْمُصَابُ أَوْ صَبَرَ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ صَبَرَ اجْتَمَعَ التَّكْفِيرُ وَالْأَجْرُ، وَإِنْ تَسَخَّطَ فَقَدْ يَعُودُ الَّذِي تَكَفَّرَ بِالْمُصِيبَةِ بِمَا جَنَاهُ مِنْ التَّسَخُّطِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ،

وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَرْتِيبِهِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى الْمَصَائِبِ أَيْ إذَا صَبَرَ لَيْسَ إلَّا فَالْمُصِيبَاتُ لَا ثَوَابَ فِيهَا قَطْعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ." اهـ

[13] وفي مجموع الفتاوى (10/ 333) لابن تيمية :

"فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ الشِّدَّةَ وَالضُّرَّ وَمَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَيَرْجُونَهُ لَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ وَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَذَوْقِ طَعْمِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ أَوْ الْجَدْبِ أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ وَزَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّاتٌ بَدَنِيَّةٌ وَنِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ يَحْصُلُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ. وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كُنْهِهِ مَقَالٌ أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ." اهـ

[14] وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 77) لشهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126هـ) :

"فَفِي الْأَحَادِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَكْفِيرِ الْخَطَايَا بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا وَمَا ثَقُلَ عَلَى الْإِنْسَانِ مَشَقَّتُهُ، وَبِهَا يَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ رَفْعُ دَرَجَاتٍ وَزِيَادَةُ حَسَنَاتٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَمُقَابِلُهُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ تُكَفِّرُ الْخَطَايَا فَقَطْ وَلَا يَحْصُلُ بِهَا رَفْعُ دَرَجَاتٍ وَلَا كِتَابَةُ حَسَنَاتٍ، وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَكْفِيرِ الْمَذْكُورَاتِ لِصَغَائِرِ الذُّنُوبِ عَامٌّ فِيمَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ، لَكِنَّ الصَّابِرَ يَجْتَمِعُ لَهُ التَّكْفِيرُ وَالْأَجْرُ، وَغَيْرَ الصَّابِرِ وَهُوَ الْمُتَسَخِّطُ الَّذِي لَمْ يَرْضَ بِالْقَضَاءِ قَدْ يَعُودُ عَلَيْهِ الَّذِي كُفِّرَ بِالْمُصِيبَةِ أَوْ الْمَرَضِ." اهـ

[15] للأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين


Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين