الحديث الثالث والثمانون (فضل صِلَةُ الرَّحِمِ) من كتاب بهجة قلوب الأبرار

 

                    الحديث الثالث والثمانون: فضل صِلَةُ الرَّحِمِ

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"مَنْ أحبَّ أَنْ يُبسط لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنسأ لَهُ فِي أثَره، فليَصِلْ رحمه" متفق عليه

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: البخاري في "صحيحه" (3/ 56 و 8/ 5) (رقم: 2067 و 5986)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 1982) (رقم: 2557)، وأبو داود في "سننه" (2/ 132) (رقم: 1693)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10/ 229) (رقم: 11365)، وغيرهم.

 

قال المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار" – ط. الوزارة (ص: 172_173):

"هذا الحديث فيه: الحث على صلة الرحم، وبيان أنها كما أنها موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة،

 

فإنها موجبة للثواب العاجل، بحصول أحب الأمور للعبد، وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه، وسبب لطول العمر. وذلك حق على حقيقته ; فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها.

 

وقد جعل الله لكل مطلوب سببا وطريقا ينال به، وهذا جارٍ على الأصل الكبير، وأنه من حكمته وحمده جعل الجزاء من جنس العمل،

 

فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع، وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره، ووصل رزقه، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته، ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل.

 

وكما أن الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء، واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب، من أسباب طول العمر، فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا.

 

فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوباتُ الدنيوية قسمان:

* أمور محسوسة:

تدخل في إدراك الحواس، ومدارك العقول.

* وأمور ربانية إلهية: قدرها من هو على كل شيء قدير، ومَنْ جميعُ الأسبابِ وأمورِ العالَمِ منقادةٌ لمشيئته، ومَنْ تكفل بالكفاية للمتوكلين، ووعد بالرزق والخروج من المضايق للمتقين.

 

قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3]

 

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما نقصت صدقة من مال» [م]، بل تزيده، فكيف بالصدقة والهدية على أقاربه وأرحامه؟

 

وفي هذا الحديث دليل: على أن قصد العامل، ما يترتب على عمله من ثواب الدنيا، لا يضره إذا كان القصدُ من العمل وجهَ اللهِ والدارَ الآخرةَ.

 

فإن الله بحكمته ورحمته رتَّب الثواب العاجل والآجل، ووعد بذلك العاملين؛ لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط العاملين، ويبعث هممهم على الخير،

 

كما أن الوعيد على الجرائم، وذكر عقوباتها مما يخوف الله به عباده ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم.

 

فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه مخلصا لله، مستعينا بما في الأعمال من المرغبات المتنوعة على هذا المقصد الأعلى، والله الموفق." اهـ

 

من فوائد الحديث:

 

قال الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج" (40/ 309)

 في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل صلة الرحم.

2 - (ومنها): بيان بَسْط الرزق، وطول العمر بسبب صلة الرحم.

3 - (ومنها): بيان أن الرزق والأجل يزاد فيهما بصلة الرحم، وقد قدّمت أن الصحيح كون الزيادة حقيقةً، لا مجازًا، والله تعالى أعلم.

4 - (ومنها): بيان أن فعل الخير، كصلة الرحم، ونحوها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]،

والله تعالى أعلم." اهـ

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين