الحديث الثاني والثمانون: فضل الرحمة والرحماء

 

الحديث الثاني والثمانون: فضل الرحمة والرحماء

 

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ: لَا يرحمه الله" متفق عليه

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في صحيحه (8/ 10 و 9/ 115) (رقم: 6013 و 7376)، ومسلم في صحيحه (4/ 1809) (رقم: 2319)، والترمذي في سننه – ت. شاكر (4/ 323) (رقم: 1922)

 

ترجمة جرير بن عبد الله _رضي الله عنه_

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : جرير بن عبد الله بن جابر (وهو السليل) بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن على بن مالك بن سعد بن مالك بن نذير بن قيس (وهو مالك) بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجُب بن يعرُب ابن قحطان[1] ، البجلى القسرى ، أبو عمرو، وقيل : أبو عبد الله اليماني ، صاحب النبى صلى الله عليه وسلم ،

وبجيلة هى بنت صعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن إراش ، نسبوا إليها . اهـ .

 

محمد بن سعد فى الطبقة الرابعة ، قال : و قال محمد بن عمر : لم يزل جرير

معتزلا لعلى و معاوية بالجزيرة و نواحيها ، حتى توفى بالسراة فى ولاية الضحاك

ابن قيس على الكوفة ، و كانت ولايته سنتين و نصفا بعد زياد بن أبى سفيان .

 

و ذكره فى موضع آخر : فيمن نزل الكوفة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم،

و قال : ابتنى بها دارا فى بجيلة ، و كان إسلامه فى السنة التى توفى فيها النبى _صلى الله عليه وسلم_.

 

و قال أحمد بن عبد الله ابن البرقى : يقال : إنه أسلم فى رمضان سنة عشر، و كان

قد انتقل من الكوفة إلى قرقيسيا . و قال : لا أقيم ببلدة يشتم فيها عثمان .

 

وقال أبو بكر الخطيب : و كان سيدا فى قومه

وبسط له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا ، ليجلس عليه وقت مبايعته له ،

و قال لأصحابه : " إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه " ،

 

و وجهه إلى الخلصة ، طاغية دوس ، فهدمها و دعا له حين بعثه إليها ، و شهد جرير مع المسلمين يوم المدائن ،

 

و لما مصرت الكوفة نزلها ، فمكث بها إلى خلاقة عثمان ، ثم بدت الفتنة ، و انتقل إلى قرقيسيا ، فسكنها إلى أن مات و دفن بها .

قال جرير بن عبد الله : ما حجبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أسلمت ، و لا رآنى إلا ضحك .

 

عن جرير : عرضت بين يدى عمر بن الخطاب ، فألقى جرير رداءه و مشى فى إزار ، فقال له : خذ رداءك ، فقال عمر للقوم : ما رأيت رجلا أحسن من صورة جرير ، إلا ما بلغنا من صورة يوسف عليه السلام .

 

عن  إبراهيم بن جرير : أن عمر بن الخطاب قال : إن جريرا يوسف هذه الأمة .

 

عن عبد الملك بن عمير : رأيت جرير بن عبد الله ، و كأن وجهه شقة قمر .

 

و قال سفيان بن عيينة : حدثنى ابن لجرير بن عبد الله ، قال : كان نعل جرير بن

عبد الله ، طولها ذراع .

 

قال أبو الحسن المدائنى ، و الهيثم بن عدى ، و خليفة بن خياط : مات سنة إحدى و خمسين .[2]

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 169_172):

"يدل هذا الحديث:

* بمنطوقه على: أنَّ مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ،

* وبمفهومه على: أن من يرحم الناس يرحمه الله، كما قال _صلى الله عليه وسلم_ في الحديث الآخر: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء» [د][3].

 

فرحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تُنال بها رحمة الله، التي من آثارها خيراتُ الدنيا، وخيراتُ الآخرة،

 

وفقدها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله، والعبد في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفةَ عين،

 

وكل ما هو فيه من النعم واندفاع النقم، من رحمة الله. فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها، فليعمل جميع الأسباب التي تنالُ بها رحمته،

 

وتجتمعُ كلُّها في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]

وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله.

 

والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم.

والرحمة التي يتصف بها العبد نوعان:

النوع الأول: رحمة غريزية، قد جبل الله بعض العباد عليها، وجعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والحنان على الخلق،

 

ففعلوا بمقتضى هذه الرحمة جميع ما يقدرون عليه من نفعهم، بحسب استطاعتهم. فهم محمودون مثابون على ما قاموا به، معذورون على ما عجزوا عنه، وربما كتب الله لهم بنياتهم الصادقة ما عجزت عنه قواهم.___

 

والنوع الثاني: رحمةٌ يكتسبها العبد بسلوكه كلَّ طريقٍ ووسيلةٍ، تجعل قلبه على هذا الوصف،

 

فيعلم العبد أن هذا الوصف من أجل مكارم الأخلاق وأكملها، فيجاهد نفسه على الاتصاف به،

 

ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب، وما في فواته من حرمان الثواب، فيرغب في فضل ربه، ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك.

 

ويعلم أن الجزاء من جنس العمل. ويعلم أن الأخوة الدينية والمحبة الإيمانية، قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين، وأمرهم أن يكونوا إخوانا متحابين، وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء، والعداوات، والتدابر.

 

فلا يزال العبد يتعرف الأسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل، ويجتهد في التحقق به، حتى يمتلئ قلبه من الرحمةِ، والحنانِ على الخلق. ويا حبذا هذا الخلقُ الفاضل، والوصفُ الجليل الكامل.

 

وهذه الرحمة التي في القلوب، تظهر آثارها على الجوارح واللسان، في السعي في إيصال البر والخير والمنافع إلى الناس، وإزالة الأضرار والمكاره عنهم.

 

وعلامة الرحمة الموجودة في قلب العبد: أن يكونَ مُحِبَّا لوصول الخير لكافة الخلق عموما، وللمؤمنين خصوصا، كارِهًا حصولَ الشر والضررِ عليهم. فبقدر هذه المحبة والكراهة تكون رحمته.

 

ومن أصيب حبيبه بموت أو غيره من المصائب، فإن كان حزنه عليه لرحمة، فهو محمود، ولا ينافي الصبر والرضى، لأنه _صلى الله عليه وسلم_ لما بكى لموت ولد ابنته، قال له سعد: " ما هذا يا رسول الله؟ " فأتبع ذلك بعبرة أخرى، وقال: «هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» [خ م][4]___

 

وقال عند موت ابنه إبراهيم: «القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» [خ م][5].

 

وكذلك رحمةُ الأطفال الصغار والرقةُ عليهم، وإدخال السرور عليهم من الرحمة[6]، وأما عدم المبالاة بهم، وعدم الرقة عليهم، فمن الجفاء والغلظة والقسوة، كما قال بعض جفاة الأعراب حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابَه يقبِّلون أولادَهم الصغارَ، فقال ذلك الأعرابي:

"إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو أملك لك شيئا أن نزع الله من قلبك الرحمة؟» [خ م][7].

 

ومن الرحمة: رحمةُ المرأةِ الْبَغْيِ حين سَقَتِ الْكلْبَ، الذي كاد يأكل الثرى من العطش، فغفر الله لها بسبب تلك الرحمة.

 

وضدها: تعذيب المرأة التي ربطت الهرة، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض[8] حتى ماتت.

 

ففي صحيح البخاري (4/ 173) (رقم: 3467) –واللفظ له- و صحيح مسلم (4/ 1761) (رقم: 2245): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»

 

وفي صحيح البخاري (3/ 112) (رقم: 2365)، صحيح مسلم (4/ 1760) (رقم: 2243) –واللفظ له- : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ، لَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ»

 

ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب، أن من أحسن إلى بهائمه بالإطعام والسقي والملاحظة النافعة، أن الله يبارك له فيها. ومن أساء إليها، عوقب في الدنيا قبل الآخرة،

 

وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]

 

وذلك لما في قلب الأول من القسوة والغلظة والشر، وما في قلب الآخر من الرحمة والرقة والرأفة، إذ هو بصدد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من الناس، كما أن ما في قلب الأول من القسوة، مستعد لقتل النفوس كلها.___

 

فنسأل الله أن يجعل في قلوبنا رحمة توجب لنا سلوك كل باب من أبواب رحمة الله، ونحنو بها على جميع خلق الله، وأن يجعلها موصلة لنا إلى رحمته وكرامته، إنه جواد كريم." اهـ

 

وفي زاد المسير في علم التفسير (1/ 539) لابن الجوزي:

"وفي معنى قوله تعالى: (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) خمسةُ أقوالٍ:

أحدها: أن عليه إِثم من قتل الناس جميعاً، قاله الحسن، والزجاج.

والثاني: أنه يصلى النار بقتل المسلم، كما لو قتل الناس جميعاً، قاله مجاهد، وعطاء. وقال ابن قتيبة: يُعذَّبُ كما يُعذَّب قاتل النَّاسِ جميعاً.

والثالث: أنه يجب عليه من القصاص مثل ما لو قتل الناس جميعاً، قاله ابن زيد.

والرابع: أن معنى الكلام: ينبغي لجميع الناس أن يُعينوا ولي المقتول حتى يُقيدوه منه، كما لو قتل أولياءَهم جميعاً، ذكره القاضي أبو يعلى.

والخامس: أن المعنى: من قتل نبياً أو إِماماً عادلاً، فكأنما قتل الناس جميعاً، رواه عكرمة عن ابن عباس. والقول بالعموم أصح.

 

 

 



[1] وفي الإيناس بعلم الأنساب (ص: 40، بترقيم الشاملة آليا) // المؤلف: الحسين بن علي بن الحسين، أبو القاسم الوزير المغربي (المتوفى: 418هـ)

" يَعْرُب ": في " ولد " إسماعيل، عليه السلام، يُعْرُب بن يَشْجُب بن نابت بن إسماعيل، عليه السلام،

ومن ولده: مَعَدّ بن عَدْنان بن أُدّ بن مُقَوَّم ابن نَاحور بن تَيْرَح بن يَعْرُب بن يَشْجُب.

هذا قول ابن إسحاق.

" يَشْجُب ": في اليمن: يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحطان.

وفي صلة نسب قحطان كلام طويل لا بُد من اختصاره.

قال ابن الكلبي، عن أبيه، عن الشَّرْقي، قال: قحطان بن الهَمَيْسَع ابن تَيْمَن بن نابت بن إسماعيل، عليه السلام.

[2] الاسم : جرير بن عبد الله بن جابر البجلى القسرى ، أبو عمرو ، و قيل أبو عبد الله ، اليمانى

الطبقة :  1 : صحابى

الوفاة :  51 هـ و قيل بعدها بـ قرقيسيا

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  صحابى

رتبته عند الذهبي :  صحابى ( قال : بسط له النبى صلى الله عليه وسلم رداءه ، و أكرمه )

[3] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 285) (رقم: 4941)، سنن الترمذي في سننه - ت شاكر (4/ 323) (رقم: 1924) بزيادة، وقال: "حديث حسن صحيح". وهو حسن: حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 549) (رقم: 2256)، وقال في مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 84): "وصححه غيره أيضا، وإنما هو صحيح لغيره كما بينته في "الأحاديث الصحيحة" " (922)."

[4] أخرجه: البخاري في "صحيحه" (رقم: 7448)، ومسلم في "صحيحه" (رقم: 923).

[5] أخرجه: البخاري في "صحيحه" (رقم: 1303)، ومسلم في "صحيحه" (رقم: 2315).

[6] أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (10/ 130) (رقم: 7274): عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مِنْ أَفْضَلِ الْعَمَلِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ: يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، يَقْضِي لَهُ حَاجَةً، يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً " قَالَ سُفْيَانُ: وَقِيلَ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ: مَا بَقِيَ مِمَّا يُسْتَلَذُّ؟ قَالَ: " الْإِفْضَالُ عَلَى الْإِخْوَانِ "

وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (5/ 365) (رقم: 2291). انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/ 480) (رقم: 2090)

[7] أخرجه: البخاري في "صحيحه" (رقم: 5998)، ومسلم في "صحيحه" (رقم: 2317).

[8] حشراتها وهوامها. 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين