شرح الحديث 71 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

37- باب صلة ذي الرحم المشرك والتهديَّة

 

71 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَأَى عُمَرُ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَقَالَ:

"يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوُفُودِ إِذَا أَتَوْكَ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» ،

ثُمَّ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَهْدَى إِلَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

"يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثْتَ إِلَيَّ هَذِهِ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ."

قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُهْدِهَا لَكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا أَهْدَيْتُهَا إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ لِتَكْسُوَهَا» ، فَأَهْدَاهَا عُمَرُ لِأَخٍ لَهُ مِنْ أُمِّهِ مُشْرِكٍ."

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

رواة الحديث:


حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ (ثقة ثبت: ت 227 هـ):

محمد بن سلام بن الفرج السلمى مولاهم: أبو عبد الله البخارى البيكندى، روى له: خ

 

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ (ثقة ثبت : ت 187 هـ):

عبدة بن سليمان الكلابى ، أبو محمد الكوفي، من الوسطى من أتباع التابعين

روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (ثقة ثبت : ت 100 و بضع و أربعون هـ بـ المدينة):

عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي العمرى المدنى أبو عثمان، من صغار التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

عَنْ نَافِعٍ (ثقة ثبت فقيه مشهور: ت 117 هـ):

نافع أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى، من الوسطى من التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ (ت 73 هـ)

عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ، أبو عبد الرحمن المكي المدني، صحابى جليل _رضي الله عنهما_، روى له :  خ م د ت س ق

 

رَأَى عُمَرُ حُلَّةً سِيَرَاءَ

عن عمر _رضي الله عنه_ (23 هـ بـ المدينة):

عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى القرشى العدوى أبو حفص، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

رَأَى عُمَرُ حُلَّةً سِيَرَاءَ[1] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوُفُودِ إِذَا أَتَوْكَ، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» ، ثُمَّ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَهْدَى إِلَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثْتَ إِلَيَّ هَذِهِ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ، قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُهْدِهَا لَكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا أَهْدَيْتُهَا إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ لِتَكْسُوَهَا» ، فَأَهْدَاهَا عُمَرُ لِأَخٍ لَهُ مِنْ أُمِّهِ مُشْرِكٍ

 

شرح الحديث :

 

وفي صحيح البخاري (2/ 4) (رقم : 886)، ومسلم في صحيحه (3/ 1638) (رقم : 2068) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ[2] إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ»،

ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟[3] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا» فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه (البخاريّ) في الأدب المفرد (ص: 23، 39، 128) (رقم : 26 و 71 و 349)، وكذلك أخرجه في عدة مواطن من صحيحه : في "الجمعة" (886) و"العيدين" (948) و"الهبة" (2619) و"اللباس" (5841) و"الأدب" (5981)، و(مسلم) [1/ 5390 و 5391 و 5392 و 5393 و 5394 و5395] (2068)، و(أبو داود) في "اللباس" (4040)، و (النسائيّ) في "الجمعة" (3/ 96) (رقم : 1382) و"الزينة" (8/ 196) (رقم : 5295) وفي "السنن الكبرى" (1/ 523 و 5/ 462 و 463)، و (ابن ماجه) في "اللباس" (3591)،

وأخرجه (مالك) في "الموطّأ" (2/ 917) (رقم : 18)، و (الشافعيّ) في "مسنده" (1/ 62)، و(عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (19929)، و (الطيالسيّ) في "مسنده" (1937)، و(ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (5/ 152)، و (أحمد) في "مسنده" (2/ 20 و 24 و39 و 51 و 68 و 82 و 146)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (5113 و 5439)، و(الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار" (4/ 244 و 4252)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (5/ 224 و 225) (8488 و 8489 و 8490 و 8492 و 8494)، و (أبو يعلى) في "مسنده" (10/ 187) (رقم : 5814)، و (البزّار) في "مسنده" = البحر الزخار (1/ 252) (رقم : 144) ، و (البيهقيّ) في "الكبرى" (2/ 422 و 9/ 129)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (3099)، والله تعالى أعلم.

 

من فوائد الحديث :

 

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (34/ 560_564) للإثيوبي :

"(المسألة الثالثة): في فوائده :

1 - (منها): بيان استحباب حسن الهيئة للجمعة، والعيدين، ونحوهما بلبس الملابس الحسنة، لكونه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ عمر - رضي الله عنه - على ذلك، وإنما أنكر عليه استعمال السيراء، وما في معناه، وفي سنن أبي داود، وابن ماجه، عن عبد الله بن سلَام - رضي الله عنه - مرفوعاً: "ما على أحدكم، لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مِهْنَته" وتقدم أن في رواية سالم، عن أبيه: "للعيد" بدل "للجمعة"، وفي رواية ابن إسحاق، عن نافع: "فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد، وغيره".

فأخذ العلماء من هذا استحباب التجمل في سائر مجامع الخير، إلا ما ينبغي فيه إظهار التمسكن، والتواضع، والخوف؛ كالاستسقاء، والكسوف.___أفاده ولي الدين -رَحِمَهُ اللهُ- ["طرح التثريب في شرح التقريب" 3/ 226].

2 - (ومنها): عَرض المفضول على الفاضل، والتابع على المتبوع ما يَحتاج إليه من مصالحه مما يظنّ أنه لم يطّلع عليه.

3 - (ومنها): أن فيه إباحة الطعن لمن يستحقّه.

4 - (ومنها): جواز البيع والشراء على أبواب المساجد.

5 - (ومنها): مباشرة الصالحين، والفُضلاء البيعَ والشراءَ.

6 - (ومنها): أن الجمعة يُلبس فيها من أحسن الثياب، وكذلك يُتَجَمَّل بالثياب الحسان في الأعياد؛ لأن الجمعة عيد، ويُتَجَمَّل بها أيضاً على وجه الترهيب للعدوّ، والتغليظ عليهم، قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولا أعلم بين العلماء اختلافاً في استحباب التجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة لمن قَدَر. انتهى ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 262].

7 - (ومنها)؛ أن الإنسان يجوز له أن يملك ما لا يجوز له أن يلبس، وفيه إباحة الطعن عليه ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 262].

8 - (ومنها): جواز قبول الخليفة للهدايا من قِبَل الروم، وغيرهم، من الكفرة.

9 - (ومنها): أن فيه بيان بعض ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السخاء، وصلة الإخوان بالعطاء.

10 - (ومنها): أنه جائز أن يعطي الرجل ما لا يجوز له لباسه، إذا جاز له مُلكه، والتصرف فيه.

11 - (ومنها): جواز صلة القريب المشرك ذميّاً كان، أو حربيّاً؛ لأن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك، وكانت قبل ذلك حرباً،

قال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- : ولم يَختلف العلماء في الصدقة التطوع أنها جائزة من المسلم على المشرك قريباً كان، أو غيره، والقريب أولى ممن سواه، والحسنة فيه أتمّ، وأفضل،

وإنما اختلفوا في كفارة الأيمان، وزكاة الفطر، فجمهور العلماء على أنها لا تجوز لغير المسلمين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أُمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، وأردّها___على فقرائكم»،

وكذلك كل ما يجب أن يؤخذ منهم، فواجب أن يُرَدّ على فقرائهم،

وأجمعوا أن الزكاة المفروضة لا تحل لغير المسلمين، فسائر ما يجب أداؤه عليهم من زكاة الفطر، وكفارة الأيمان، والظهار فقياس على الزكاة عندنا، وأما التطوع بالصدقة فجائز على أهل الكفر من القرابات وغيرهم، لا أعلم في ذلك خلافاً، والله أعلم. انتهى.

قال: روى الثوريّ، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : «كانوا يكرهون أن يَرْضَخُوا لأنسابهم من أجل الكفر، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272].

ثم أخرج بسنده عن عكرمة :

أن صفية زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قالت لأخ لها يهوديّ: أسلم ترثني، فسمع ذلك قومه، فقالوا: أتبيع دينك بالدنيا؟ فأبى أن يُسلم، فأوصت له بالثلث.

ثم أخرج عن فاطمة ابنة المنذر، عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر، قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: أتتني أمي، وهي راغبة، فأعطيها؟ قال: "نعم، فَصِلِيها" ["التمهيد" لابن عبد البرّ 14/ 264].

وذكر في "الفتح" تعقّباً على قول ابن عبد البرّ : فيه جواز الهديّة للكافر، ولو كان حربياً.

فقال: وتُعُقّب بأن عُطارداً إنما وَفَد سنة تسع، ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك.

وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة عطارد سنة تسع أن تكون قصة الحلّة كانت حينئذ، بل جاز أن تكون قبل ذلك، وما زال المشركون يَقْدَمون المدينة، ويُعاملون المسلمين بالبيع وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود،

فيَحْتَمِل أن يكون في المدّة التي كانت بين الفتح، وحجّ أبي بكر - رضي الله عنه -، فإنّ مَنْع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر - رضي الله عنه - سنة تسع، ففيها وقع النهي___أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. انتهى ["الفتح" 13/ 329، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

12 - (ومنها): ما قاله ابن بطال: فيه تَرْك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لباس الحرير، زُهداً في الدنيا، وإرادة تأخير الطيبات إلى الآخرة التي لا انقضاء لها؛ إذ تعجيل الطيبات في الدنيا ليس من الحزم، فزَهِد في الدنيا للآخرة، وأمَر بذلك، ونَهَى عن كل سَرَف وحرّمه ["شرح البخاريّ" لابن بطال -رَحِمَهُ اللهُ- 9/ 110 - 111].

وتَعَقّبه ابن الْمُنَيِّر بأن تركه - صلى الله عليه وسلم - لبس الحرير إنما هو لاجتناب المعصية، وأما الزهد فإنما هو في خالص الحلال، وما لا عقوبة فيه، فالتقلل منه، وتركه مع الإمكان هو الذي تتفاضل فيه درجات الزهاد.

قال الحافظ: ولعل مراد ابن بطال بيان سبب التحريم، فيستقيم ما قاله. انتهى ["الفتح" 13/ 329، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

13 - (ومنها): تحريم الحرير على الرجال مطلقاً، وفيه تفاصيل للعلماء، وقد تقدّم بيانه، وبالله تعالى التوفيق.

14 - (ومنها): جواز لبس الحرير للنساء، سواء كان الثوب حريراً كلّه أو بعضه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو شقِّقها خُمُراً بين نسائك". [م (2071)]

15 - (ومنها): جواز بيع الرجال ثياب الحرير، وتصرّفهم فيها بالهبة والهديّة، لا اللبس.

16 - (ومنها): أنه استَدَلّ به من قال: إن الكافر ليس مخاطباً بالفروع؛ لأن عمر - رضي الله عنه - لَمّا مُنع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك، ولم يُنكر - صلى الله عليه وسلم - عليه ذلك.

وتُعُقّب بأنه لم يامر أخاه بلبسها، فيَحْتَمِل أن يكون وقع الحكم في حقّه كما وقع في حق عمر - رضي الله عنه -، فينتفع بها بالبيع، أو كسوة النساء، ولا يلبس هو.

وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعيّ ما يحمله بعد العلم بالنهي على الكفّ، بخلاف الكافر، فإنّ كُفْره يحمله على عدم الكفّ عن تعاطي___المحرّم، فلولا أنه مباح له لُبسه لَمَا أهدى له، لِمَا في تمكينه من الإعانة على المعصية، ومن ثَمَّ يَحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمراً، وإن احتَمَل أنه قد يشربه عصيراً، وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية،

لكن يَحْتَمِل أن يكون ذلك على أصل الإباحة، وتكون مشروعيّة خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة. والله أعلم. ذكره في "الفتح" ["الفتح" 13/ 329 - 330، كتاب "اللباس" رقم (5841)].

قال الجامع _عفا الله عنه_ : الحقّ أن الكفّار مخاطبون بفروع الشريعة؛ كأصوله، وقد تقدّم تحقيق هذا غير مرّة، وبالله تعالى التوفيق." اهـ

 

فتح الباري لابن رجب (8/ 116)

والمقصود منه هاهنا: أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقر عمر على ما ذكره من التجمل بحسن اللباس للجمعة والظاهر: أن ذلك كان عادته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فلهذا قال له عمر ما قال وإنما امتنع من هذه الحلة لإنها كانت حريراً خالصاً أو أكثرها حريرٌ وقد قيل: أن السيراء نوعٌ من البرود، يخالطة حريرٌ، سمي سيراء لتخطيطٍ فيه، والثوب المسير الذي فيه سيرٌ، أي: طرائق.

وقال الخطابي: الحله السيراء هي المضلعة بالحرير، وسميت سيراء لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور.___

وفي حديث عبد الله بن وديعة عن أبي ذر عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((من اغتسل يوم الجمعه فأحسن الغسل، ثم لبس من صالح ثيابه)) [د]." اهـ[4]

 

فتح الباري لابن رجب (8/ 413) :

"وقد يكون أريد بالعيد جنس الأعياد، فيدخل فيهِ العيدان والجمعة. وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتادا بينهم." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (2/ 547)

التجمل فى العيدين بحسن الثياب سنة مندوب إليها كل من يقدر عليها.

قال المهلب: وكذلك التجمل فى الجماعات والوفود بحسن الثياب مما جرى به العمل،

وترك _عليه السلام_ لباس الجبة زهدًا فى الدنيا، وأراد أن يؤخر طيبات الدنيا للآخرة التى لا انقضاء لها، ورأى أن تعجيل طيباته فى الدنيا المنقطعة وبيع الدائم بها ليس من الحزم، فزهد فى الدنيا للآخرة وأمر بذلك، ونهى عن كل سرف وحرَّمه." اهـ

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 216)

فيه أن من السنة المعروفة التجمل للوفد والعيد بحسن الثياب؛ لأن فى ذلك جمالاً للإسلام وأهله، وإرهابًا على العدو، وتعظيمًا للمسلمين.

وقول عمر: (تجمل بها للوفد) يدل أن ذلك من عادتهم وفعلهم.

وقال الأبهرى: إنما نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) عن الحرير والذهب للرجال؛ لأنه من زى النساء وفعلهم. وقد نهى (صلى الله عليه وسلم) أن يتشبه الرجال بالنساء. وقيل: إنما نهى عن ذلك؛ لأنه من باب السرف والخيلاء، وقد جوز لباسه فى الحرب للترهيب على العدو، وقد تقدم اختلافهم فى ذلك، وسيأتى ما للعلماء فى ذلك فى كتاب اللباس.

 

نيل الأوطار (3/ 338) للشوكاني :

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسُ الْحَرِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي اللِّبَاسِ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ : تَقْرِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ عَلَى أَصْلِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ، وَقَصْرُ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَبِسَ مِثْلَ تِلْكَ الْحُلَّةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَرِيرًا

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَأَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ أَنْ يَلْبَسَ الْمَرْءُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ لِلْجُمُعَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالتَّقْرِيرِ أَوْلَى

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 216)

وفى قول عمر للنبى (صلى الله عليه وسلم) - : «أكسوتنيها يا رسول الله، وقد قلت فى حلة عطارد ما قلت» :

* أنه ينبغى السؤال عما يشكل،

* وفى حديث النبى أنه كساها له لغير اللباس،

* فيه من الفقه أنه لا بأس بالتجارة والانتفاع بما لا يجوز لبسه." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 300)

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْحَرِيرَ الصِّرْفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُلَّةَ السِّيَرَاءَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ حَرِيرٍ صِرْفٍ،

قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَقُولُونَ هِيَ الَّتِي يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين عَن بن عُمَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ حُلَّةٌ مِنْ حَرِير،

وَقَالَ بن بَطَّالٍ دَلَّتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْحُلَّةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ مَحْضٍ ثُمَّ ذُكِرَ من طَرِيق أَيُّوب عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِعُطَارِدٍ يَعْرِضُ حُلَّةَ حَرِيرٍ لِلْبَيْعِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ قُلْتُ وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ حُلَّةَ حَرِيرٍ أَوْ سِيَرَاءَ وَفِي الْعِيدَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَقَدْ فُسِّرَ الْإِسْتَبْرَقُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى بِأَنَّهُ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ سَأَلَنِي سَالِمٌ عَنِ الْإِسْتَبْرَقِ فَقُلْتُ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ حُلَّةً مِنْ سُنْدُسٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحُلَّةَ كَانَتْ حَرِيرًا مَحْضًا قُلْتُ الَّذِي يَتَبَيَّنُ أَنَّ السِّيَرَاءَ قَدْ تَكُونُ حَرِيرًا صِرْفًا وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ مَحْضٍ فَالَّتِي فِي قِصَّةِ عُمَرَ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ مَحْضٍ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ وَالَّتِي فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ لم تكن حَرِيرًا صرفا لما روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةٌ مُسَيَّرَةٌ بِحَرِيرٍ إِمَّا سُدَاهَا أَوْ لُحْمَتُهَا فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ مَا أَصْنَعُ بِهَا أَلْبَسُهَا قَالَ لَا أَرْضَى لَكَ إِلَّا مَا أَرْضَى لِنَفْسِي وَلَكِنِ اجْعَلْهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ وَقَدْ أخرجه أَحْمد وبن ماجة من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ فَقَالَ فِيهِ حُلَّةً مِنْ حَرِيرٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي فَاخِتَةَ وَهُوَ بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ ثُمَّ قَافٍ ثِقَةٌ وَلَمْ يَقَعْ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ وَعِيدٌ عَلَى لُبْسِهَا كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ بَلْ فِيهِ لَا أَرْضَى لَكَ إِلَّا مَا أَرْضَى لِنَفْسِي وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَرْكَ لُبْسِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 301) :

"وَفِيهِ : إِبَاحَةُ الطَّعْنِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ،

* وَفِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ،

* وَفِيهِ : مُبَاشَرَةُ الصَّالِحين والفضلاء البيع وَالشِّرَاء،

* وَقَالَ ابن بَطَّالٍ : فِيهِ تَرْكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَاسَ الْحَرِيرِ، وَهَذَا فِي الدُّنْيَا، وَإِرَادَةُ تَأْخِيرِ الطَّيِّبَاتِ إِلَى الْآخِرَةِ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا، إِذْ تَعْجِيلُ الطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ مِنَ الْحَزْمِ، فَزَهِدَ فِي الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ وَنَهَى عَنْ كُلِّ سَرَفٍ وَحَرَّمَهُ."

وَتَعَقَّبَهُ بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَ الْحَرِيرِ إِنَّمَا هُوَ لِاجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا الزّهْد، فَإِنَّمَا هُوَ فِي خَالص الْحَلَال ومالا عُقُوبَةَ فِيهِ. فَالتَّقَلُّلُ مِنْهُ وَتَرْكُهُ مَعَ الْإِمْكَانِ هُوَ الَّذِي تَتَفَاضَلُ فِيهِ دَرَجَاتُ الزُّهَّادِ."

قُلْتُ : وَلَعَلَّ مُرَاد بن بَطَّالٍ بَيَانُ سَبَبِ التَّحْرِيمِ، فَيَسْتَقِيمُ مَا قَالَهُ.

* وَفِيهِ : جَوَازُ بَيْعِ الرِّجَالِ الثِّيَابَ الْحَرِيرَ وَتَصَرُّفِهِمْ فِيهَا بِالْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ، لَا اللُّبْسِ.

* وَفِيهِ : جَوَازُ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْكَافِرِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ.

وَقَالَ ابن عَبْدِ الْبَرِّ : "فِيهِ جَوَازُ الْهَدِيَّةِ لِلْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا".

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عُطَارِدًا إِنَّمَا وَفَدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مُشْرِكٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ وِفَادَةِ عُطَارِدٍ سَنَةَ تِسْعٍ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ الْحُلَّةِ كَانَتْ حِينَئِذٍ، بَلْ جَازَ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَا زَالَ الْمُشْرِكُونَ يَقْدَمُونَ الْمَدِينَةَ وَيُعَامِلُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ،

وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَنَةَ الْوُفُودِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْفَتْحِ وَحَجِّ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ مَنْعَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مَكَّةَ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ، فَفِيهَا وَقَعَ النَّهْيُ أَنْ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.

* وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالْفُرُوعِ لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا مُنِعَ مِنْ لُبْسِ الْحُلَّةِ أَهْدَاهَا لِأَخِيهِ الْمُشْرِكِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ،

وَتُعُقِّبَ : بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَخَاهُ بِلُبْسِهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِ كَمَا وَقَعَ فِي حَقِّ عُمَرَ فَيَنْتَفِعُ بِهَا بِالْبَيْعِ أَوْ كِسْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَلْبَسُ هُوَ.

وَأُجِيبُ : بِأَنَّ الْمُسْلِمَ عِنْدَهُ مِنَ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ مَا يَحْمِلُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّ كُفْرَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى عَدَمِ الْكَفِّ عَنْ تَعَاطِي الْمُحَرَّمِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ لُبْسُهُ لَمَا أَهْدَى لَهُ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْهُ مِنَ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْ ثَمَّ يَحْرُمُ بَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَمْرًا وَإِنِ احْتَمَلَ أَنَّهُ قَدْ يَشْرَبُهُ عَصِيرًا وَكَذَا بَيْعُ الْغُلَامِ الْجَمِيلِ مِمَّنْ يُشْتَهَرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَكِن يحْتَمل أَن يكون ذَلِك كَانَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَتَكُونَ مَشْرُوعِيَّةُ خِطَابِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ تَرَاخَتْ عَنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (14/ 241_242) لابن عبد البر :

"أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ حَلَالٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ،

إِنَّمَا خُوطِبَ بِهِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنَّهُ حُظِرَ عَلَى الرِّجَالِ، وَأُبِيحَ لِلنَّاسِ.

وَكَذَلِكَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَرَدَتْ بِمِثْلِ مَا أَجْمَعُوا____عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ آثَارٌ صِحَاحٌ مِنْ آثَارِ الْعُدُولِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." اهـ

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 79)

وَأما قَول ابْن الزبير: لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير، فَإِنَّهُ قد حمل لفظ رَسُول الله فِي النَّهْي على الْعُمُوم فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهَذَا مُقْتَضى هَذَا اللَّفْظ، غير أَن هَذَا الْإِطْلَاق خص بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: " هَذَانِ حرَام على ذُكُور أمتِي، حل لإناثها ".[5]

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 212) لشمس الدين الكرماني :

"وفيه عرض المفضول على الفاضل فيما يرى المصلحة ولبس أنفس الثياب عند لقاء الوفود." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (4/ 322_324) للعثيمين :

"ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان إذا لبس الحرير في الدنيا فإنه لا يدخل الجنة والعياذ بالله لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لا خلاق له في الآخرة أي لا نصيب له___

وقال أيضا : من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وهذا يعني أنه لا يدخل الجنة،

ولكن قال بعض العلماء :

إنه يدخلها ولكن لا يتمتع بلباس الحرير مع أن أهل الجنة لباسهم فيها حرير وإنما يلبس شيئا آخر.

وهذا ما لم يتب فإن تاب من ذنوبه، فإن التائب من الذنب يغفر الله له ذنبه، كما قال تعالى :

{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]

وهذا في الحرير الطبيعي الذي يخرج من دود القز وأما الحرير الصناعي فليس حراما لكن لا ينبغي للرجل أن يلبسه لما فيه من الميوعة والتنزل بحال الرجل الذي ينبغي أن يكون فيها خشنا يلبس ثياب الرجولة لا ثياب النعومة،

لكن الفائدة من قولنا : إن الحرير الصناعي ليس حراما، يعني لو لبس طاقية من الحرير الصناعي أو سروالا لا يرى، فهذا لا بأس به.

وأما القميص والغترة فلا ينبغي، وإن كان حلالا،

لا ينبغي أن يلبسه الرجل لما فيه من الميوعة والتدني ولأن الجاهل إذا رآه يظنه حريرا طبيعيا، فيظن أن ذلك سائغ للرجل وربما يقتدي به.

السلامة أسلم للإنسان وكذلك الذهب فإنه محرم على الرجال حلال للنساء لأنهن___يحتجن إلى التجمل لأزواجهن،

وأما الدِّبْلَةُ من الذهب فهي حرام على الرجل، لاشك. وأما المرأة فإن قارن ذلك عقيدة كاعتقادها أنها تحبِّبها إلى زوجها، فهي حرام، وإن كان بدون عقيدة فهي خاتم من الخواتم." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 146)

في فوائده:

منها: ما بوّب له المصنف رحمه الله، وهو حسن الهيئة للجمعة، فيستحب التجمّل يوم الجمعة بالملابس الحسنة، لكونه -صلى الله عليه وسلم- أقرّ عمر على ذلك، وإنما أنكر عليه استعمال السيراء، وما في معناه، وفي سنن أبي داود، وابن ماجه، عن عبد الله بن سلَام -رضي الله عنه-، مرفوعًا: "ما على أحدكم، لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مِهْنَته"[6] وتقدم أن في رواية سالم، عن أبيه: "للعيد" بدل "للجمعة"، وفي رواية ابن إسحاق، عن نافع: "فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك، وإذا خطبت الناس في يوم عيد، وغيره".

فأخذ العلماء من هذا استحباب التجمل في سائر مجامع الخير، إلا ما ينبغي فيه إظهار التمسكن، والتواضع، والخوف، كالاستسقاء، والكسوف. أفاده ولي الدين رحمه الله تعالى[7].

ومنها: عَرض المفضول على الفاضل، والتابع على المتبوع ما يَحتاج إليه من مصالحه مما يظنّ أنه لم يطّلع عليه.

ومنها: جواز البيع والشراء على أبواب المساجد.

ومنها: مباشرة الصالحين، والفُضلاء البيع والشراء.

ومنها: تحريم الحرير على الرجال مطلقا، وفيه تفاصيل للعلماء، سيأتي الكلام عليه في محلّه من "كتاب الزينة"، إن شاء الله تعالى.

ومنها: جوازه للنساء، لقول -صلى الله عليه وسلم-: "أو شقّقها خُمُرًا بين نسائك".[8]

ومنها: جواز بيع الرجال الثياب الحرير، وتصرّفهم فيها بالهبة والهديّة، لا اللبس.

ومنها: جواز صلة الكافر القريب، والإحسان إليه بالهدية.____

وقال ابن عبد البرّ: فيه جواز الهديّة للكافر، ولو كان حربيا.

وتُعُقّب بأن عُطاردًا إنما وفد سنة تسع، ولم يبق بمكة بعد الفتح مشرك.

وأجيب بأنه لا يلزم من كون وفادة: عطارد ستة تسع أن تكون قصة الحلّة كانت حينئذ، بل جاز أن تكون قبل ذلك، وما زال المشركون يقدمون المدينة، ويُعاملون المسلمين بالبيع وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك سنة الوفود، فيحتمل أن يكون في المدّة التي كانت بين الفتح، وحج أبي بكر -رضي الله عنه-، فإن منع المشركين من مكة إنما كان من حجة أبي بكر -رضي الله عنه- سنة تسع، ففيها وقع النهي أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

ومنه : أنه استدلّ به من قال: إن الكافر ليس مخاطبًا الفروع، لأن عمر -رضي الله عنه- لما مُنع من لبس الحلة أهداها لأخيه المشرك، ولم يُنكر عليه.

وتُعُقّب بأنه لم يأمر أخاه بلبسها، فيحتمل أن يكون وقع الحكم في حقّه كما وقع في حق عمر -رضي الله عنه-، فينتفع بها بالبيع، أو كسوة النساء، ولا يلبس هو.

وأجيب بأن المسلم عنده من الوازع الشرعي ما يحمله بعد العلم بالنهي على الكفّ، بخلاف الكافر، فإن كفره يحمله على عدم الكف عن تعاطي المحرّم، فلولا أنه مباح له لبسه لما أهدى له، لما في تمكينه من الإعانة على المعصية، ومن ثَمَّ يَحرم بيع العصير ممن جرت عادته أن يتخذه خمرًا، وإن احتمل أنه قد يشربه عصيرًا، وكذا بيع الغلام الجميل ممن يشتهر بالمعصية، لكن يحتمل أن يكون ذلك على أصل الإباحة، وتكون مشروعيّة خطاب الكافر بالفروع تراخت عن هذه الواقعة. والله أعلم. ذكره في "الفتح"[9]، والله تعالى ولي التوفيق، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

 

سنن النسائي (8/ 200) : "التَّشْدِيدُ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَأَنَّ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (3/ 96) :

"ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب، وترغيب النساء في تركهما." اهـ


 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 252) للهيتمي :

"(الْكَبِيرَةُ الْخَامِسَةُ بَعْدَ الْمِائَةِ) : لُبْسُ الذَّكَرِ أَوْ الْخُنْثَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحَرِيرَ الصِّرْفَ أَوْ الَّذِي أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ وَزْنًا لَا ظُهُورًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَدَفْعِ قَمْلٍ أَوْ حَكَّةٍ." اهـ[10]

 



[1] أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 151) (24647): "حُلَّةٌ مُسَيَّرَةٌ بِحَرِيرٍ." وأصل الحديث: أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 163 و 7/ 66 و 7/ 151) (رقم: 2614 و 5366 و 5840)، صحيح مسلم (3/ 1644) (رقم: 2071)

[2] وفي رواية : «للعيد والوفود»

قال الحافظ في فتح الباري (2/ 439) : "قَوْلُهُ «لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ»، تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ بِلَفْظِ لِلْجُمُعَةِ بَدَلَ لِلْعِيدِ وَهِيَ رِوَايَةُ نَافِعٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ سَالِمٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَكَأَنَّ بن عُمَرَ ذَكَرَهُمَا مَعًا فَاقْتَصَرَ كُلُّ رَاوٍ عَلَى أَحَدِهِمَا

[3]  وهو عطارد بن حاجب بن زُرَارة بن عُدُس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حَنظلة بن زيد مناة بن تميم التميميّ، أبو عكرمة،

وَفَدَ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، واستعمله على صدقات بني تميم. وارتدّ عُطارد بن حاجب بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع من ارتدّ من بني تميم، وتَبع سَجَاح، ثم عاد إلى الإسلام

أخرج الطبراني في المعجم الكبير (18/ 15) (رقم : 22)، قال : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ:

أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ دِيبَاجٍ كَسَاهُ إِيَّاهُ كِسْرَى، فَدَخَلَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: "أَ نَزَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ السَّمَاءِ؟"

قَالَ: «وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟ الْمِنْدِيلُ مِنْ مَنَادِيلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا» ثُمَّ قَالَ: " يَا غُلَامُ، اذْهَبْ بِهِ إِلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَقُلْ لَهُ: يَبْعَثُ إِلَيَّ بِالْخَمِيصَةِ "

وهذا إسناد حسن على أقل أحواله، وقد صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/ 1045) (رقم : 3346) من رواية أنس بن مالك _رضي الله عنه_.

[4] سنن أبي داود (1/ 95) (رقم: 347): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ [ص:96]: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا...» حسنه الالباني

[5]  وفي الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 212) للكَرْمَاني : "ولفظ الحديث عام للرجال والنساء لكنه تخصص بالحديث الآخر وهو أنه حرام على ذكور أمتي." اهـ

[6]  حديث صحيح : أخرجه أبو داود برقم 1078 وابن ماجه برقم 1095.

[7]  "طرح التثريب" 3/ 226.

[8]  وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 254) بعد أن أطنب الكلام في حكم الحرير للنساء :

"فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآثَارِ , مِمَّا قَدَّمْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ النَّظَرِ , إِبَاحَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ." اهـ

[9]  "فتح" 11/ 483 - 484.

[10]  وقال محيي الدين أبو زكريا أحمد بن إبراهيم ابن النحاس الدمشقي (المتوفى: 814 هـ) في تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الجاهلين (ص: 287) : "ومنها [يعني : من أعمال الجاهلين] : لبس الرجل الحرير: كذا عدّه الذهبي وابن القيم وغيرهما من الكبائر." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين