شرح الحديث 36 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[36] وعن أبي عبد الرحمنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ[1]  - رضي الله عنه - قَالَ:

"كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ[2]، صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ[3]، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي[4]، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ»." مُتَّفَقٌ علَيهِ.

 

ترجمة عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي _رضي الله عنه_ :

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 121) للمزي : "عَبد اللَّهِ بن مسعود بن غافل بن حبيب بْن____شمخ بن مخزوم، ويُقال: ابْن شمخ بْن فار بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بن معد بن عدنان، أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهذلي، صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وكان أبو مسعود بْن غافل، قد حالف عبد بْن الحارث بْن زهرة فِي الجاهلية، وأمه أم عبد بنت ود بْن سواء من هذيل أَيْضًا، لها صحبة.

أسلم بمكة قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وهُوَ صاحب نعل رَسُول اللَّهِ صلى___الله عليه وسلم. كَانَ يلبسه إياها إِذَا قام، فإذا جلس أدخلها فِي ذراعه. وكَانَ كثير الولوج عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم." اهـ

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 127) : "وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن يحيى بْن مَعِين: مات سنة ثلاث أَوِ اثنتين وثلاثين." اهـ


تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 175) (رقم : 3477)، ومسلم في صحيحه (3/ 1417) (رقم : 1792)، وابن ماجه في سننه (2/ 1335) (رقم : 4025)، وأحمد في مسنده (6/ 103) (رقم : 3611)، البزار في البحر الزخار (5/ 106) (رقم : 1686)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (9/ 7) (رقم : 5072)، وابن حبان في صحيحه (14/ 537) (رقم : 6576)

 

من فوائد الحديث :

 

قال القاضي عياض المالكي _رحمه الله_ في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 164):

"فيه ما كانوا عليه _صلوات الله عليهم_ من الحلم والصبر والشفقة على قومهم وأممهم، وأنهم مع فعلهم بهم وأذاهم لهم دَعَوْا بالغفران، وعَذَرُوْهُمْ بالجهل وقلة العلم بما أتوه." اهـ

 

وقال ابن هبيرة الشيباني _رحمه الله_ في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/ 72_73):

* في هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما جرى لنبي قبله من الأذى ليَشْعُرَ أصحابُه وأمتُه أن صبره على أذى قومه قد سبقه الأنبياء إليه، وليس هو عَنْ عَجْزٍ ولا عَنْ ذُلٍّ، كما يظنه أهل الجاهلية، وإنما هو الرفق بالخلق والأناة___بهم والصبر عليهم، ولا سيما إذا كانوا لا يعلمون، فيصبر انتظارًا لهم أن يؤمنوا؛ فيكون صبره ذلك نوعًا من المجاهدة في سبيل الله _عز وجل_.

* وقوله: (يمسح الدم عن وجهه) يعني أنه بلغ الأمر به إلى أن اجترأ عليه قومه حتى ضربوه وأدموه في وجهه وذلك من أشق ما لقي الأنبياء.

* وفيه أيضًا دليل على أن النبي _لى الله عليه وسلم_ لا يولي المشركين ظهره بل يلقاهم بوجهه؛ ولذلك شج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وكسرت رباعيته، أي: أنه كان مقبلًا غير مدبر - صلى الله عليه وسلم -.

 

لأحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، أبو العباس ناصر الدين ابن المنير الجُذامي الجَرَوِيُّ[5] الإسكندراني (المتوفى: 683هـ) في " على أبواب البخاري" (ص: 346):

"إِن خلق الْأَنْبِيَاء _عَلَيْهِم السَّلَام_: الصَّبْرُ، والصفْحُ. أَلا ترى إِلَى النَّبِي _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ ضربه قومه فَأْدْمَوْهُ، وَهُوَ يَدْعُو لَهُم بالمغفرة." اهـ

 

وقال علي بن سلطان القاري _رحمه الله_ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (8/ 3330):

"(فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) : وَهَذَا مِنْ كَمَالِ حِلْمِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ حَيْثُ أَذْنَبَ الْقَوْمُ، وَهُوَ يَعْتَذِرُ عَنْهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَنَّهُمْ مَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا إِلَّا لِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ،

فَفِيهِ: إِشْعَارٌ بِأَنَّ الذَّنْبَ مَعَ الْجَهْلِ أَهْوَنُ فِي الْجُمْلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّنْبِ مَعَ الْعِلْمِ، وَلِذَا وَرَدَ: (وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مَرَّةً، وَوَيْلٌ لِلْعَالَمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ)[6]." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (3/ 608):

"وهذا من حِلْمِ الأنبياء وصبرِهِمْ على أذى قومهم، وكم نال الأنبياء من أذى قومهم؟! قال الله تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام: 34)،

فهذا النبي _صلى الله عليه وسلم_ ضربه قومه حتى أدموا وجهه يقول: " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"

وكأن هؤلاء القوم كانوا مسلمين، لكن حصل منهم مغاضبة مع نبيهم، ففعلوا هذا معه، فدعا لهم بالمغفرة، إذ لو كانوا غير مسلمين لكان يدعوا لهم بالهداية، فيقول اللهم اهد قومي، لكن هذا الظاهر أنهم كانوا مسلمين." اهـ

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ كما في "الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري" (3/ 104) :

"هذا يدل على ابتلاء الأنبياء وصبرهم العظيم، وهذا الدعاء يتضمن طلب الهداية لهم؛ لأن المغفرة تابعة للهداية. فقوله: (اللهم اغفر لهم) مستلزم الهداية." اهـ

 

وقال ابن علان الصديقي _رحمه الله_ في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (1/ 177):

"وفي هذه الجملة أنواع من الصبر والحكم:

الأول: أنه مسح دمه لئلا يصيب الأرض فيحل بهم البلاء.

الثاني: أنه قابل جهلهم بفضله، فدعا لهم بغفران ذنب تلك الجريمة منهم إن كان الدعاء من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لا مطلقاً وإلا لآمنوا عن آخرهم، إذ هو مجاب الدعوة.

الثالث: أنه اعتذر عن سوء فعلهم بعدم علمهم. ولا تنافي بين الدعاء بما ذكر إن كان من نوح، قوله: {لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (نوح: 26) لإمكان حمل ما في حديث الباب على ما قبل إياسه من إيمانهم، وما في الآية على ما بعده (متفق عليه)." اهـ

 

وقال في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (1/ 177):

وينبغي للسالك التحلِّيْ بما فيه، كما روي أن جندياً ضرب بعْضَ العارفين، وهو لا يعرفه، فقيل: "إنه فلان"، فعاد إليه معتذراً، فقال: "إبي أبرأت ذمتك، ودعَوْتُ لك لما ضربتني." قال: "وكيف ذاك؟" قال: لأنك كنت سبباً لدخولي الجنة، فلا أكون سبباً لعذابك، فأكب على الشيخ وتاب." اهـ

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (14/ 537)

ذِكْرُ احْتِمَالِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّدَائِدَ فِي إِظْهَارِ مَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا

 

صحيح ابن حبان - محققا (3/ 254)

ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ الدُّعَاءُ عَلَى أَعْدَائِهِ بِمَا فِيهِ تَرْكُ حَظِّ نَفْسِهِ



[1] ترجمة عبد الله بن مسعود أبي عبد الرحمن الهذلي _رضي الله عنه_ :

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 121) للمزي : "عَبد اللَّهِ بن مسعود بن غافل بن حبيب بْن____شمخ بن مخزوم، ويُقال: ابْن شمخ بْن فار بْن مخزوم بْن صاهلة بْن كاهل بْن الحارث بْن تميم بْن سعد بْن هذيل بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بْن نزار بن معد بن عدنان، أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهذلي، صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وكان أبو مسعود بْن غافل، قد حالف عبد بْن الحارث بْن زهرة فِي الجاهلية، وأمه أم عبد بنت ود بْن سواء من هذيل أَيْضًا، لها صحبة.

أسلم بمكة قديما، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وهُوَ صاحب نعل رَسُول اللَّهِ صلى___الله عليه وسلم. كَانَ يلبسه إياها إِذَا قام، فإذا جلس أدخلها فِي ذراعه. وكَانَ كثير الولوج عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم." اهـ

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (16/ 127) : "وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَن يحيى بْن مَعِين: مات سنة ثلاث أَوِ اثنتين وثلاثين." اهـ

[2] وفي التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 383) للأمير الصنعاني :

"قيل : هو نوح - عليه السلام - ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول : "اللهم اغفر لقومي".

أي : وفقهم للإيمان، وإلاَّ فإنَّ الله لا يغفر أن يشرك به، فهو وكما قال إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] ،

فالمراد: وفقه للإيمان، وعدم غفران الشرك ثابت في كل شريعة من شرائع الأنبياء." اهـ

[3] وفي فتح الباري لابن حجر (6/ 521) :

"وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَالَ هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي جَرَى لَهُ مَا حَكَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا نَحْوُ ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ."

[4] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3330) للقاري :

"(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي) أَيْ: فِعْلَهُمْ هَذَا، بِمَعْنَى لَا تُعَذِّبْهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا تَسْتَأْصِلْهُمْ، وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَغْفِرَةَ الْكُفَّارِ بِمَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَغْفِرَةُ كِنَايَةً عَنِ التَّوْبَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَغْفِرَةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)." اهـ

[5] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 274) لابن الأثير: "الجَرَوِي بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء - هَذِه النِّسْبَة إِلَى جَرَيِ بن عَوْف بن مَالك ابْن سود بن تدليل بن جشم بن حذام بطن من جذام

لب اللباب في تحريرالأنساب (ص: 61) للسيوطي :

"الجذامي: بالضم إلى جذام قبيلة من اليمن." اهـ

[6] وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (7/ 235) (35623) بإسناد حسن:: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: "وَيْلٌ لِلَّذِي لَا يَعْلَمُ مَرَّةً وَوَيْلٌ لِلَّذِي يَعْلَمُ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ سِتَّ مِرَارٍ." اهـ

وأخرجه وكيع في "الزهد" (ص: 467) (رقم: 217)، وأحمد بن حنبل في الزهد (ص: 117) (رقم: 764)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (1/ 211)، والخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل (ص: 47) (رقم: 67)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 689) (رقم: 1212) به.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين