شرح الحديث 35 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_

 

[35] وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ[1] _رضي اللهُ عنهما_ :

"ألا أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة؟" فَقُلْتُ : "بَلَى"، قَالَ :

"هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ[2] أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إنّي أُصْرَعُ[3]، وإِنِّي أتَكَشَّفُ[4]، فادْعُ الله تَعَالَى لي".

قَالَ : «إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ»

فَقَالَتْ : "أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف، فَدَعَا لَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "صحيحه" (7/ 116) (رقم : 5652)، وفي "الأدب المفرد" (ص: 178) (رقم : 505)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 1994) (رقم : 2576)، وأحمد في "مسنده" (5/ 291) (رقم : 3240)، وابن أبي الدنيا في "الصبر والثواب عليه" (ص: 50) (رقم : 59) والنسائي في "السنن الكبرى" (7/ 50) (رقم : 7448)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 157) (رقم : 11352)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 341) (رقم : 9493)، وغيرهم.

 

من فوائد الحديث:

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 114)

((باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنْ الرِّيحِ)) اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 115) :

* وَفِي الْحَدِيثِ : فَضْلُ مَنْ يُصْرَعُ وَأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِثُ الْجَنَّةَ،

* وَأَنَّ الْأَخْذَ بِالشِّدَّةِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الطَّاقَةَ وَلَمْ يَضْعُفْ عَنِ الْتِزَامِ الشِّدَّةِ،

* وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ التَّدَاوِي،

* وَفِيهِ : أَنَّ عِلَاجَ الْأَمْرَاضِ كُلَّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنْجَعُ وَأَنْفَعُ مِنَ الْعِلَاجِ بِالْعَقَاقِيرِ،

* وَأَنَّ تَأْثِيرَ ذَلِكَ وَانْفِعَالَ الْبَدَنِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَعُ بِأَمْرَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : مِنْ جِهَةِ الْعَلِيلِ، وَهُوَ صِدْقُ الْقَصْدِ،

وَالْآخَرُ : مِنْ جِهَةِ الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّةُ تَوَجُّهِهِ وَقُوَّةُ قلبه بالتقوى والتوكل، وَالله أعلم." اهـ

 

شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (9 / 376)

وفيه أن اختيار البلاء والصبر عليه يورث الجنة ، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه أنه يطيق التمادى على الشدة ولايضعف عن التزامها." اهـ[5]

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (9 / 319)

((الأجور على الأمراض ، والمصائب لا تحصل إلا لمن صبر واحتسب)) اهـ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1147)

(فَقَالَ: " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ) :

فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى جَوَازِ تَرْكِ الدَّوَاءِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّ إِدَامَةَ الصَّبْرِ مَعَ الْمَرَضِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَافِيَةِ، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ مِمَّنْ لَا يُعَطِّلُهُ الْمَرَضُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ عَنْ نَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ تَرْكَ التَّدَاوِي أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ يُسَنُّ التَّدَاوِي لِخَبَرِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ «قَالُوا: أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ : " تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ".

وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ إِذْ فِيهِ مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ مَعَ شُهُودِ خَالِقِهَا،

وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا كَمَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَضِيلَةً." اهـ

 

نيل الأوطار - (9 / 75)

وفيه دليل على جواز ترك التداوي وإن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بامرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله وقوته بالتقوى والتوكل على الله نعالى)) اهـ

 

فيه إثبات الصرع بالجن

 

زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 61_64) لابن القيم :

الصَّرَعُ صَرَعَانِ: صَرَعٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَصَرَعٌ مِنَ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ. وَالثَّانِي: هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ فِي سَبَبِهِ وَعِلَاجِهِ.

وَأَمَّا صَرَعُ الْأَرْوَاحِ فَأَئِمَّتُهُمْ وَعُقَلَاؤُهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِهِ وَلَا يَدْفَعُونَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ عِلَاجَهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْوَاحِ الشَّرِيفَةِ الْخَيِّرَةِ الْعُلْوِيَّةِ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ الْخَبِيثَةِ فَتُدَافُعُ آثَارَهَا، وَتُعَارِضُ أَفْعَالَهَا وَتُبْطِلُهَا، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أبقراط فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، فَذَكَرَ بَعْضَ عِلَاجِ الصَّرَعِ، وَقَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَنْفَعُ مِنَ الصَّرَعِ الَّذِي سَبَبُهُ الْأَخْلَاطُ وَالْمَادَّةُ. وَأَمَّا الصَّرَعُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ هَذَا الْعِلَاجُ.

وَأَمَّا جَهَلَةُ الْأَطِبَّاءِ وَسَقَطُهُمْ وَسِفْلَتُهُمْ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ بِالزَّنْدَقَةِ فَضِيلَةً فَأُولَئِكَ يُنْكِرُونَ صَرَعَ الْأَرْوَاحِ وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الْجَهْلُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَالْحِسُّ وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِهِ، وَإِحَالَتُهُمْ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ بَعْضِ الْأَخْلَاطِ هُوَ صَادِقٌ فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ لَا فِي كُلِّهَا.

وَقُدَمَاءُ الْأَطِبَّاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ هَذَا الصَّرَعَ: الْمَرَضَ الْإِلَهِيَّ، وَقَالُوا: إنَّهُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ، فَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا سَمَّوْهُ بِالْمَرَضِ الْإِلَهِيِّ لِكَوْنِ هَذِهِ الْعِلَّةِ تَحْدُثُ فِي الرَّأْسِ، فَتَضُرُّ بِالْجُزْءِ الْإِلَهِيِّ الطَّاهِرِ الَّذِي مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ.___

وَهَذَا التَّأْوِيلُ نَشَأَ لَهُمْ مِنْ جَهْلِهِمْ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَأَحْكَامِهَا وَتَأْثِيرَاتِهَا وَجَاءَتْ زَنَادِقَةُ الْأَطِبَّاءِ فَلَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا صَرَعَ الْأَخْلَاطِ وَحْدَهُ.

وَمَنْ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرَاتِهَا يَضْحَكُ مِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ وَضَعْفِ عُقُولِهِمْ.

وَعِلَاجُ هَذَا النَّوْعِ يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ: أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ، وَأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْمُعَالِجِ، فَاَلَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ يَكُونُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَصِدْقِ تَوَجُّهِهِ إِلَى فَاطِرِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَبَارِئِهَا، وَالتَّعَوُّذِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، فَإِنَّ هَذَا نَوْعُ مُحَارَبَةٍ، وَالْمُحَارِبُ لَا يَتِمُّ لَهُ الِانْتِصَافُ مِنْ عَدُوِّهِ بِالسِّلَاحِ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ السِّلَاحُ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ جَيِّدًا، وَأَنْ يَكُونَ السَّاعِدُ قَوِيًّا، فَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُغْنِ السِّلَاحُ كَثِيرَ طَائِلٍ، فَكَيْفَ إِذَا عُدِمَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا: يَكُونُ الْقَلْبُ خَرَابًا مِنَ التَّوْحِيدِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالتَّقْوَى، وَالتَّوَجُّهِ، وَلَا سِلَاحَ لَهُ.

وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْمُعَالِجِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ أَيْضًا حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُعَالِجِينَ مَنْ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: " اخْرُجْ مِنْهُ ". أَوْ بِقَوْلِ: " بِسْمِ اللَّهِ "، أَوْ بِقَوْلِ: " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ". وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ( «اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» ) .

وَشَاهَدْتُ شَيْخَنَا يُرْسِلُ إِلَى الْمَصْرُوعِ مَنْ يُخَاطِبُ الرُّوحَ الَّتِي فِيهِ، وَيَقُولُ: قَالَ لَكِ الشَّيْخُ: اخْرُجِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكِ، فَيُفِيقُ الْمَصْرُوعُ، وَرُبَّمَا خَاطَبَهَا بِنَفْسِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الرُّوحُ مَارِدَةً فَيُخْرِجُهَا بِالضَّرْبِ فَيُفِيقُ الْمَصْرُوعُ وَلَا يَحُسُّ___بِأَلَمٍ، وَقَدْ شَاهَدْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا.

وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَقْرَأُ فِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] [الْمُؤْمِنُونَ: 115] .

وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ قَرَأَهَا مَرَّةً فِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ، فَقَالَتِ الرُّوحُ: نَعَمْ، وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ. قَالَ: فَأَخَذْتُ لَهُ عَصًا وَضَرَبْتُهُ بِهَا فِي عُرُوقِ عُنُقِهِ حَتَّى كَلَّتْ يَدَايَ مِنَ الضَّرْبِ، وَلَمْ يَشُكَّ الْحَاضِرُونَ أَنَّهُ يَمُوتُ لِذَلِكَ الضَّرْبِ. فَفِي أَثْنَاءِ الضَّرْبِ قَالَتْ: أَنَا أُحِبُّهُ، فَقُلْتُ لَهَا: هُوَ لَا يُحِبُّكِ، قَالَتْ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ بِهِ فَقُلْتُ لَهَا: هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مَعَكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أَدَعُهُ كَرَامَةً لَكَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَتْ: فَأَنَا أَخْرُجُ مِنْهُ، قَالَ: فَقَعَدَ الْمَصْرُوعُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِي إِلَى حَضْرَةِ الشَّيْخِ؟ قَالُوا لَهُ: وَهَذَا الضَّرْبُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَضْرِبُنِي الشَّيْخُ وَلَمْ أُذْنِبْ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِهِ ضَرْبٌ الْبَتَّةَ.

وَكَانَ يُعَالِجُ بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهَا الْمَصْرُوعَ وَمَنْ يُعَالِجُهُ بِهَا وَبِقِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الصَّرَعِ وَعِلَاجِهِ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا قَلِيلُ الْحَظِّ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَأَكْثَرُ تَسَلُّطِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ عَلَى أَهْلِهِ تَكُونُ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ دِينِهِمْ، وَخَرَابِ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ حَقَائِقِ الذِّكْرِ، وَالتَّعَاوِيذِ، وَالتَّحَصُّنَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِيمَانِيَّةِ، فَتَلْقَى الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ الرَّجُلَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ عُرْيَانًا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ هَذَا.

وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَرَأَيْتَ أَكْثَرَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ صَرْعَى هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ، وَهِيَ فِي أَسْرِهَا وَقَبْضَتِهَا تَسُوقُهَا حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا يُمْكِنُهَا الِامْتِنَاعُ عَنْهَا وَلَا مُخَالَفَتُهَا، وَبِهَا الصَّرَعُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَا يُفِيقُ صَاحِبُهُ إِلَّا عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُعَايَنَةِ، فَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَصْرُوعَ حَقِيقَةً، وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.___

وَعِلَاجُ هَذَا الصَّرَعِ بِاقْتِرَانِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَقِبْلَةَ قَلْبِهِ، وَيَسْتَحْضِرَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَحُلُولَ الْمَثُلَاتِ وَالْآفَاتِ بِهِمْ، وَوُقُوعَهَا خِلَالَ دِيَارِهِمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ، وَهُمْ صَرْعَى لَا يُفِيقُونَ، وَمَا أَشَدَّ دَاءَ هَذَا الصَّرَعِ وَلَكِنْ لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ بِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى إِلَّا مَصْرُوعًا، لَمْ يَصِرْ مُسْتَغْرَبًا وَلَا مُسْتَنْكَرًا بَلْ صَارَ لِكَثْرَةِ الْمَصْرُوعِينَ عَيْنَ الْمُسْتَنْكَرِ الْمُسْتَغْرَبِ خِلَافَهُ.

فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا أَفَاقَ مِنْ هَذِهِ الصَّرْعَةِ، وَنَظَرَ إِلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا مَصْرُوعِينَ حَوْلَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْبَقَ بِهِ الْجُنُونُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا قَلِيلَةً وَيَعُودُ إِلَى جُنُونِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفِيقُ مَرَّةً وَيُجَنُّ أُخْرَى فَإِذَا أَفَاقَ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ الْإِفَاقَةِ وَالْعَقْلِ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ الصَّرَعُ فَيَقَعُ فِي التَّخَبُّطِ." اهـ

 

شرح العقيدة السفارينية - (1 / 491) للعثيمين :

((والشهادة بالجنة نوعان :

1 - شهادةٌ بوصف ،

2 - وشهادةٌ بشخص ،

فأما الشهادة بالوصف : فأن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة على سبيل العموم ،

وأما الشهادة بالشخص : فأن نشهد لشخص بعينه بأنه من أهل الجنة ،)) اهـ

 

الروضة الندية - (2 / 223)

ولا يخالف هذا ما تقدم من الأمر بالتداوي فالجمع ممكن بأن التفويض أفضل مع الاقتدار على الصبر كما يفيده قوله : [ إن شئت صبرت ] وأما مع عدم الصبر على المرض وصدور الحرج والحَرَدِ وضيق الصدر من المرض فالتداوي أفضل لأن فضيلة التفويض قد ذهبت بعدم الصبر))

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 44)

في هذا الحديث: فَضْلُ الصبر على البلاء، وعظم ثواب مَنْ فَوَّض أَمره إلى الله تعالى.

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 215)

وَفِيه فَضِيلَة مَا يَتَرَتَّب على الصَّبْر على الصرع، وَأَن اخْتِيَار الْبلَاء وَالصَّبْر عَلَيْهِ يُورث الْجنَّة، وَأَن الْأَخْذ بالشدة أفضل من الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ لمن علم من نَفسه أَنه يُطيق التَّمَادِي على الشدَّة، وَلَا يضعف عَن التزامها.

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 46) لابن هبيرة الشيباني :

* في هذا الحديث ما يدل على من ابتلي بمثل ما ابتليت به هذه المرأة فصبر كما صبرت كان له مثل ما وعدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه علل دخول الجنة بصبرها فاختارت الصبر، فاقتضى مفهوم الخطاب أن كل من كانت حاله مثل حالها وصبر مختارًا للصبر على العافية رجي له من فضل الله عز وجل ما رجي لها.

 

تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 212) للشوكاني :

"وَفِي الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز التوسل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الله _عز وَجل_[6] مَعَ اعْتِقَاد أَن الْفَاعِل هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنه الْمُعْطِي الْمَانِع مَا شَاءَ كَانَ وَمَا يَشَأْ لم يكن." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 236) للعثيمين :

"فكل مؤمن متق يعمل الصالحات فإننا نشهد بأنه من أهل الجنة. ولكن لا نقول هو فلان وفلان، لأننا لا ندري ما يختم له، ولا ندري هل باطنه كظاهره، فلذلك لا نشهد له بعينه. فإذا مات رجل مشهود له بالخير قلنا: نرجو أن يكون من أهل الجنة، لكن لا نشهد أنه من أهل الجنة.

قسم آخر نشهد له بعينه، وهم الذين شهد لهم النبي صلي الله عليه وسلم بأنهم في___الجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة، وهم ابوبكر، وعمر، وعثمان، وعلى، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبوعبيدة عامر بن الجراح، والزبير بن العوام، رضي الله عنهم.

ومثل ثابت بن قيس بن شماس، ومثل سعد بن معاذ، ومثل عبد الله بن سلام، ومثل بلال بن رباح، وغيرهم، رضي الله عنهم، ممن عينهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء نشهد لهم بأعيانهم، نقول: نشهد بأن أبا بكر في الجنة، ونشهد بأن عمر في الجنة، ونشهد بأن عثمان في الجنة، نشهد بأن عليا في الجنة، وهكذا.

ومن ذلك هذه المرأة التي قال ابن عباس لتلميذه عطاء بن أبي رباح: ((ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلي! قال: هذه المرأة السوداء)) ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 237)

والصرع- نعوذ بالله منه- نوعان:

صرع بسبب تشنج الأعصاب: وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل

الأطباء الماديين، بإعطاء العقاقير التي تسكنه أو تزيله تماماً.

وقسم آخر بسبب الشياطين والجن، يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه ويدخل

فيه، ويضرب به على الأرض، ويغمي عليه من شدة الصرع، ولا يحس، ويتلبس الشيطان أو الجنى بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه، الذي يسمع الكلام يقول إن الذي يتكلم الإنسي، ولكنه الجني، ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف، لا يكون ككلامه وهو مستيقظ؛ لأنه يتغير بسبب نطق الجني.

هذا النوع من الصرع- نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات - هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير، يقرأون على هذا المصروع.

فأحياناً يخاطبهم الجني ويتكلم معهم، ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي، وأحياناً يتكلم.

وقد ثبت صرع الجنى للإنسي بالقرآن، والسنة، والواقع." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 239) :

"ففي هذا دليل على فضيلة الصبر، وأنه سبب لدخول الجنة. واله الموفق." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 199_201)

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:

أولاً : أنّ الصرع من الأمراض الشديدة التي يعظم أجرها وثوابها عند الله تعالى، وقد وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المرأة بالجنة مقابل صبرها عليه ولهذا قال البخاري: باب فضل من يصرع. والصرع نوبات فجائية تقترن بالتشنج وتتفاوت في شدتها ومعدل ترددها، وفي الفترة____التي تستغرقها، وقد تكون النوبة هينة عابرة لا تكاد تلحظ، وقد تكون بالغة الشدة، وقد تقع النوبة بغتة بلا نذير، وقد ينذر بها حس سابق يعتري أحد الحواس. كأن يرى المريض شبحاً أو يسمع صوتاً، أو يشم رائحة، ويعقب ذلك وقوع المريض على الأرض فاقداً وعيه، وقد يقع صارخاً ثم تتملكه رعدة تشنجية، قد يتوقف فيها التنفس مؤقتاً، ويعض المريض لسانه في أثناء النوبة، وقد تحدث له إصابات أو حوادث مرضية خطيرة من جراء هذه النوبات ويعقب النوبة خور في القوى واستغراق في النوم يصحو منه المريض خالي الذهن من تذكر ما حدث له...__

ثانياً : دل هذا الحديث على أن هذه المرأة من أهل الجنة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدها وبشرها بالجنة إن صبرت فقال لها: " إن شئت صبرت ولك الجنة " فقالت بل أصبر ووفت بوعدها." اهـ

 

وقال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج" (40/ 480_481):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان فضل من يُصْرَع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة.

2 - (ومنها): بيان أن الأخذ بالشدّة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم

من نفسه الطاقة، ولم يَضْعُف عن التزام الشدّة.

3 - (ومنها): أن فيه دليلًا على جواز ترك التداوي.

4 - (ومنها): أن علاج الأمراض كلها بالدعاء، والالتجاء إلى الله تعالى

أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك، وانفعال البدن عنه أعظم من___تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بامرين: أحدهما: من جهة العليل، وهو

صِدْق القصد، والآخر: من جهة المداوي، وهو قوّة توجّهه، وقوّة قلبه

بالتقوى، والتوكل على الله تعالى، والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.



[1] ترجمة عبد الله بن عباس _رضي الله عنهما_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 331_359) للذهبي باختصار :

"عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ البَحْرُ أَبُو العَبَّاسِ الهَاشِمِيُّ * (ع) : حَبْرُ الأُمَّةِ، وَفَقِيْهُ العَصْرِ، وَإِمَامُ التَّفْسِيْرِ، أَبُو العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ، ابْنُ___عَمِّ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ شَيْبَةَ بنِ هَاشِمٍ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بنُ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ بنِ فِهْرٍ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ، المَكِّيُّ، الأَمِيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.

مَوْلِدُهُ: بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ، قَبْلَ عَامِ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.

صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْواً مِنْ ثَلاَثينَ شَهْراً، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.

انتَقَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أَبَويهِ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ سَنَةَ الفَتْحِ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَبلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ أَنَا مِنَ الوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ (68 هـ)، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ (67 هـ). وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

و (مُسْنَدُهُ) : أَلْفٌ وَسِتُّ مائَةٍ وَسِتُّوْنَ حَدِيثاً. وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ. وَتَفَرَّدَ: البُخَارِيُّ لَهُ بِمائَةٍ وَعِشْرِيْنَ حَدِيثاً، وَتَفَرَّدَ: مُسْلِمٌ بِتِسْعَةِ أَحَادِيْثَ." اهـ

[2] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 214) للعيني :

"قَوْله : (هَذِه الْمَرْأَة السَّوْدَاء) روى أَبُو مُوسَى فِي (الذيل) من رِوَايَة عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي هَذَا الحَدِيث: فَأرَانِي حبشية صفراء عَظِيمَة، فَقَالَ: هَذِه سُعَيْرَةُ الأَسدِيةُ، وسعيرة بِضَم السِّين وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء،

وَيُقَال: شُقَيْرَةُ بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْقَاف، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي بَاب الشين الْمُعْجَمَة: شُقَيْرَةُ الأَسدِيةُ مولاتهم حبشية، قيل: هِيَ سُعَيرة الَّتِي كَانَت تصرع، وَفِي رِوَايَة المستغفري: سُكَيْرَةُ بِالْكَاف قَوْله: (إِنِّي أصرع) على صِيغَة الْمَجْهُول." اهـ

وفي الإصابة في تمييز الصحابة - (8 / 210) لابن حجر :

"أن اسمها سُعَيْرَةُ، وتقدمت قصتها في الصرع من وجه آخر وذكرت في حرف الشين المعجمة أن بعضهم سماها شقيرة بمعجمة ثم قاف والله أعلم." اهـ

ذكر البخاري في صحيحه بعد حديثنا عن عطاءٌ : أنَّهُ رأى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ علَى سِتْرِ الكَعْبَةِ.

وقال العيني _رحمه الله_ معلقا عليه في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (21/ 215):

"الَّذِي يفهم من هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي رَوَاهَا البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مخلد _بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة_ ابْن يزِيد عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح: أَن أم زفر هِيَ الْمَرْأَة السَّوْدَاء الْمَذْكُورَة، وَبِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: أم زفر، بِضَم الزَّاي وَفتح الْفَاء وبالراء، كنية تِلْكَ الْمَرْأَة المصروعة." اهـ

[3] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 1147) للقاري :

"قَالَ الْأَبْهَرِيُّ : الصَّرَعُ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ الرَّئِيسَةَ عَنِ انْفِعَالِهَا مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، وَسَبَبُهُ رِيحٌ غَلِيظٌ يَحْتَبِسُ فِي مَنَافِذِ الدِّمَاغِ، أَوْ بُخَارٌ رَدِيءٌ يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ مِنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ، وَقَدْ يَتْبَعُهُ تَشَنُّجٌ فِي الْأَعْضَاءِ، فَلَا يَبْقَى مَعَهُ الشَّخْصُ مُنْتَصِبًا، بَلْ يَسْقُطُ وَيَقْذِفُ بِالزَّبَدِ لِغِلَظِ الرُّطُوبَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الصَّرَعُ مِنَ الْجِنِّ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنَ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ مِنْهُمْ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ." اهـ

وفي الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 355_356) لابن مفلح :

"أَمَّا الصَّرَعُ عَنْ أَخْلَاطٍ رَدِيئَةٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ عِلَّةٌ تَمْنَعُ الْأَعْضَاءَ النَّفْسِيَّة عَنْ الْأَفْعَالِ وَالْحَرَكَةِ وَالِانْتِصَابِ مَنْعًا غَيْرَ تَامٍّ، وَلَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَة ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاء وَذَكَرُوا عِلَاجَهُ. وَأَمَّا الصَّرَعُ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ فَهُوَ قَوْلنَا وَقَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَخَالَفَ فِيهِ الْمُعْتَزِلَة. وَأَمَّا الْأَطِبَّاء فَاعْتَرَفَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ أَئِمَّتهمْ بِأَنَّ عِلَاجَهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْوَاحِ الْخَيِّرَة الشَّرِيفَة الْعُلْوِيَّة لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ الْخَبِيثَة فَتُعَارِض أَفْعَالَهَا وَتُبْطِلُهَا.

قَالَ أَبُقْرَاطُ بَعْد أَنْ ذَكَرَ عِلَاجَ الصَّرَعِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَأَمَّا الصَّرَعُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْأَرْوَاحِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ هَذَا الْعِلَاج. وَأَنْكَرَ هَذَا الصَّرَعَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ، وَقُدَمَاءُ الْأَطِبَّاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ هَذَا الصَّرَعَ الْمَرَضَ الْإِلَهِيَّ لِكَوْنِ هَذِهِ الْعِلَّة تَحْدُث فِي الرَّأْسِ فَتَضُرُّ بِالْجُزْءِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي مَسْكَنه الدِّمَاغ. وَعِلَاجُ هَذَا الصَّرَعِ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ بِصِدْقِ تَوَجُّهِهِ وَقْتَ إفَاقَتِهِ إلَى خَالِقِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّعَوُّذُ الصَّحِيحُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَإِمَّا مِنْ جِهَة مَنْ يُعَالِجهُ بِذَلِكَ.___

وَمَعْلُوم أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَخْتَلِف فِي ذَاتهَا وَصِفَاتهَا، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ قَدْ يَخْرُج بِأَيْسَرِ شَيْءٍ أَوْ بِوَعْظٍ أَوْ بِتَخْوِيفٍ، وَقَدْ لَا يَخْرُج إلَّا بِالضَّرْبِ عَلَى اخْتِلَافِهِ أَيْضًا فَيُفِيقَ الْمَصْرُوع وَلَا أَلَمَ بِهِ.

وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُعَالِجُ هَذَا الصَّرَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَتَارَةً بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَيَأْمُر الْمَصْرُوعَ بِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهَا وَكَذَا مَنْ يُعَالِجهُ بِهَا وَبِقِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَفِي الْغَالِب: أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ لَا تَتَسَلَّطُ إلَّا عَلَى فَاعِلٍ غَيْرِ مُتَيَقِّظٍ وَلَا مُعَامِلٍ لِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَصَرَعُ الْمَرْأَةِ فِي الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَم مِنْ الصَّرَعِ الْأَوَّلِ، وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّدَاوِي أَفْضَلُ وَفِيهِ أَنَّ التَّوَجُّه إلَى اللَّهِ سُبْحَانه يَجْلُب مِنْ النَّفْعِ وَيَدْفَع مِنْ الضُّرِّ مَا لَا يَفْعَلهُ عِلَاج الْأَطِبَّاءِ، وَإِنَّ تَأْثِيرَهُ وَتَأَثُّر الطَّبِيعَةِ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَتَأَثُّر الطَّبِيعَةِ عَنْهَا.

وَعُقَلَاءُ الْأَطِبَّاءِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ فِعْلَ الْقُوَى النَّفْسِيَّة وَانْفِعَالَاتهَا فِي شَقَاءِ الْأَمْرَاضِ عَجَائِب، وَأَمَّا الصَّرَعُ بِمَلَاهِي الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعهَا وَعَدَم التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَغَلَبَة الْغَفْلَةِ وَالْهَوَى حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْقُلُوبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا مَا آثَرَ مِنْ هَوَاهُ» [م] نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ،

فَهَذَا الصَّرَعُ مِمَّا عَمَّ أَمْرُهُ وَغَلَبَ عَلَى النَّاسِ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ، وَالنَّاسُ فِيهِ مُتَفَاوِتُونَ جِدًّا عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف، وَيَأْتِي آخِر فُصُولِ الطِّبِّ دَوَاءُ الْعِشْقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ." اهـ

[4] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 215) :

"ويروى: انْكَشَفَ، بالنُّون من الانكشاف من بَاب الانفعال، أَرَادَت أَنَّهَا تخشى أَن تظهر عورتها وَهِي لَا تشعر."

[5] وفي التوضيح لشرح الجامع الصحيح (27/ 281) لابن الملقن :

"في الحديث : فضل ما يترتب على الصرع، وأن اختيار البلاء والصبر عليه يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه أنه يطيق التمادي على الشدة ولا يضعف عن التزامها." اهـ

[6] وذلك توسل بدعائه في حال حياته، وأما بعد موته فهو ممنوع! فلا تجد أحدا من الصحابة توسل برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بعد موته.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين