الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ

  

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: النَّهْيُ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ

عَنْ أَنَسٍ _رضي الله عنه_ قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_:

"لَا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ لضرر أَصَابَهُ.

فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: (اللَّهمَّ، أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي)." مُتَّفَقٌ عليه


شرح الحديث:


وقال النووي في شرح صحيح مسلم (17/ 7_8):

"فِيهِ: التَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَاقَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا،

فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضررا فى دينه___أو فتنة فِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الثَّانِي خَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ،

وَفِيهِ: أَنَّهُ إِنْ خَافَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَالِهِ فِي بَلْوَاهُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوهِ، فَلْيَقُلْ : "اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إن كانت الحياة خيرا لى"، إِلَخْ.

وَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ."[1]

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 28):

فَهَذِهِ الْآثَارُ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ حُبَّ لِقَاءِ اللَّهِ لَيْسَ بِتَمَنِّي الْمَوْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ يَجُوزُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِغَيْرِ الْبَلَاءِ النَّازِلِ مِثْلَ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرْءُ فِتْنَةً فِي دِينِهِ،

 

شرح أبي داود للعيني (6/ 26):

"ويستفاد منه أن العبد يختار من الدعاء ما هو خير لدينه أو لدنياه، فافهم." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (8/ 118)

في هذا الحديث دليل على استعمال التفويض وسؤال الخيرة ، حتى فيما لا بدّ منه وهو الموت .

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 121و 8/ 76) (رقم: 5671 و 6351)، ومسلم في صحيحه (4/ 2064) (رقم: 2680)، وأبو داود في سننه (3/ 188) (رقم: 3108)، والنسائي في سننه (4/ 3) (رقم: 1820_1822)، وابن ماجه في سننه (2/ 1425) (رقم: 4265)

 

( خ م د ت س ق ) : أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار (تَيْمُ اللَّهِ) بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ : الأنصارى ، النجاري[2]، أبو حمزة المدنى ، نزيل البصرة ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخادمه .

 

و أمه : أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام .

خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، مدة مقامه بالمدينة . اهـ .

 

قال أبو القاسم البغوى : أمه : أم سليم بنت ملحان ، قال : و قال على ابن المدينى : اسمها مليكة بنت ملحان ، و أمها الرميصاء .

 

و قال جابر الجعفى ، عن خيثمة البصرى ، عن أنس بن مالك : كنانى رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، ببقلة كنت أجتنيها .

 

و قال الزهرى ، عن أنس بن مالك : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،

و أنا ابن عشر سنين ، و توفى و أنا ابن عشرين سنة ، و كن أمهاتى يحثثننى على خدمته .

 

صحيح البخاري (8/ 73)

عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَسٌ خَادِمُكَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» خ م

 

الأدب المفرد مخرجا (ص: 227)

653 - حَدَّثَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، أَهْلَ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَدَعَا لَنَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ خُوَيْدِمُكَ أَلَا تَدْعُو لَهُ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ، أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ، وَاغْفِرْ لَهُ» . فَدَعَا لِي بِثَلَاثٍ، فَدَفَنْتُ مِائَةً وَثَلَاثَةً، وَإِنَّ ثَمَرَتِي لَتُطْعِمُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَطَالَتْ حَيَاتِي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ النَّاسِ، وَأَرْجُو الْمَغْفِرَةَ

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

عن أنس ، قال :

"شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديبية، وعمرته، و الحج، والفتح، وحنينا، والطائف، وخيبر." اهـ

 

عن موسى بن أنس : أن أبا بكر لما استخلف . بعث إلى أنس بن مالك ، ليوجهه إلى البحرين ، على السعاية ، قال : فدخل عليه عمر فقال له أبو بكر : إنى أردت أن أبعث هذا إلى البحرين ، و هو فتى شاب ، قال : فقال له عمر : ابعثه ، فإنه لبيب كاتب ، قال : فبعثه

 

الأعلام للزركلي (2/ 24)

أَنَس بن مالِك (10 ق هـ - 93 هـ = 612 - 712 م)

أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة، أو أبو حمزة: صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخادمه.

روى عنه رجال الحديث 2286 حديثا. مولده بالمدينة وأسلم صغيرا وخدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض.

ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة، فمات فيها. وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة." اهـ

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الوزارة (ص: 156_158):

 

"هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض أو فقر أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة، أو نحوها من الأشياء،

 

فإن في تمني الموت___لذلك مفاسد:

منها: أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها،

وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته. ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك.

 

ومنها: أنه يضعف النفس، ويحدث الخَوَرَ وَالْكَسَلَ، ويوقع في اليأس.

والمطلوب من العبد : مقاومة هذه الأمور، والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به.

 

وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.

 

ومنها: أن تمني الموت جهل وحُمْقٌ،

فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت، فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه، من عذاب البرزخ وأهواله.

 

ومنها: أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيام بها،

وبقية عمر المؤمن لا قيمة له، فكيف يتمنى انقطاع عملٍ، الذَّرَّةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عليها.

 

وأَخُصُّ من هذا العموم: قيامَه بالصبر على الضر الذي أصابه، فإن الله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب.

 

ولهذا قال في آخر الحديث: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهمَّ أحيني إذا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوفاة خيرا لي»

 

فيجعل العبد الأمر مُفَوَّضًا إلى ربِّه الذي يَعْلَمُ ما فيه الخيرُ والصلاحُ له، الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده، ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه.___

 

والفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم:

«لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له» [خ م]،

 

أن المذكور في الحديث الذي فيه التعليق بعلم الله وإرادته، هو في الأمور المعينة التي لا يدري العبد من عاقبتها ومصلحتها.

 

وأما المذكور في الحديث الآخر: فهي الأمور التي يعلم مصلحتها بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها، وهي مغفرة الله ورحمته ونحوها.

 

فإن العبد يسألها ويطلبها من ربه طلبا جازما، لا معلق بالمشيئة وغيرها. لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها، وفي جميع ما يتوسل به إليها.

 

وهذا كالفرق بين فعل الواجبات والمستحبات الثابت الأمر بها ; فإن العبد يؤمر بفعلها أمر إيجاب أو استحباب، وبعض الأمور المعينة التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها، فإنه يتوقف حتى يتضح له الأمر فيها.

 

واستثنى كثير من أهل العلم من هذا، جواز تمني الموت خوفا من الفتنة، وجعلوا من هذا قول مريم _رضي الله عنها_: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: 23]

 

كما استثنى بعضهم تمني الموت شوقا إلى الله. وجعلوا منه قول يوسف صلى الله عليه وسلم: {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]

 

وفي هذا نظر، فإن يوسف لم يتمن الموت، وإنما سأل الله الثبات على الإسلام، حتى يتوفاه مسلما، كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة. . والله أعلم.

 



[1] وفي طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 258) للعراقي :

"لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْأَمْرِ اسْتِحْبَابَ الدُّعَاءِ بِهِ لِهَذَا بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ بِهِ فَأَنَّهُ رَتَّبَ الْأَمْرَ بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُتَمَنِّي لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ صُورَةُ تَمَنٍّ مَعَ نَهْيِهِ أَوَّلًا عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ." اهـ

[2] وفي اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 298) لابن الأثير :

"النِّسْبَة إِلَى النجار واسْمه تيم اللات بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج وَإِنَّمَا قيل النجار لِأَنَّهُ اختتن بقدوم وَقيل لِأَنَّهُ ضرب رجلا بقدوم." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين