شرح الحديث 67_68 من الأدب المفرد للبوجيسي

 

 

33_ بَابُ عُقُوبَةِ قَاطِعِ الرَّحِمِ فِي الدُّنْيَا

 

67 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ»

[قال الشيخ الألباني : صحيح]


أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 438)

وَالْبَغْيُ : الظُّلْمُ.

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى: أَنَّ الْبَاغِيَ يَرْجِعُ ضَرَرُ بَغْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) [10 \ 23] ،

وَقَوْلِهِ: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [35 \ 43]." اهـ 

تراجم الرواة:

 

حَدَّثَنَا آدَمُ (ثقة عابد : ت 221 هـ بـ عسقلان):

آدم بن أبى إياس (عبد الرحمن) بن محمد بن شعيب الخراسانى المروذى: أبو الحسن العسقلانى، مولى بنى تيم أو تميم، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ثقة حافظ متقن : ت 160 هـ بـ البصرة):

شعبة بن الحجاج : أبو بسطام الواسطى ثم البصرى ، مولى عبدة بن الأغر : من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (صدوق : ت 150 هـ تقريبا):

عيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشَنٍ الغطفاني الجوشني: أبو مالك البصري، من كبار أتباع التابعين، روى له :  بخ د ت س ق

 

قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ (ثقة):

عبد الرحمن بن جوشن الغطفانى[1]، البصرى (والد عيينة بن عبد الرحمن ، و كان صهر أبى بكرة على ابنته)، من الوسطى من التابعين

روى له :  بخ د ت س ق

 

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ _رضي الله عنه_ (ت: 51 أو 52 هـ بـ البصرة):

نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبى سلمة: أبو بكرة الثقفي، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ»[2]

 

وفي مسند البزار = البحر الزخار (9/ 137) (رقم: 3693):

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ الذُّنُوبِ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَّا الْبَغْيَ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ يُعَجِّلُهُ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْمَمَاتِ»

 

وفي "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (2/ 669) (رقم : 978) :

"ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بَلَاقِعَ[3]". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (10 / 35)

 

وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»

سنن أبي داود (4/ 274) (رقم : 4895)، سنن ابن ماجه (2/ 1399) (رقم : 4179)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1725) ، الصحيحة (570)

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ مِمَّا عُصيَ اللهُ بِهِ هُوَ أَعْجَلُ عِقَابًا مِنَ الْبَغْيِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُطِيعُ اللهُ فِيهِ أَسْرَعَ ثَوَابًا مِنَ الصلَةِ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ "

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 19) (رقم : 1092)، والقُضاعي في مسند الشهاب (2/ 27) (رقم : 815)، و أبو نعيم في "مسند أبي حنيفة" (ص: 243)، البيهقي في شعب الإيمان (6/ 481) (رقم : 4501)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 368) (رقم : 1836)

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا." أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث (2/ 603)، وابن أبي الدنيا في ذم البغي (ص: 54) (رقم : 7) بإسناد حسنٍ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 24 و 37) (رقم : 29 و 67)، وأبو داود في سننه (4/ 276) (رقم : 4902)، والترمذي في سننه (4/ 664) (رقم : 2511)، وابن ماجه في سننه (2/ 1408) (رقم : 4211)، وابن المبارك في "الزهد والرقائق" (1/ 252) (رقم : 724)، وفي "مسنده" (ص: 9 و 99) (رقم : 15 و 166)، ووكيع بن الجراح في الزهد (ص: 508 و 743) (رقم : 243 و 429)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2/ 206) (رقم : 921)، وعلي بن الجعد في "مسنده" (ص: 223) (رقم : 1489)، مسند أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (5/ 36 و 38) (رقم : 20374 و 20380 و 20398)، وهناد بن السري في الزهد (2/ 643)، والحسين بن حرب المروزي في "البر والصلة" (ص: 70) (رقم : 134)، وابن عرفة في "جزئه" (ص: 58) (رقم : 30)، وابن أبي الدنيا في "ذم البغى" (ص: 45) (رقم : 1)، وفي مكارم الأخلاق (ص: 72) (رقم : 211)،  والبزار في "مسنده" = "البحر الزخار" (9/ 128 و 137) (رقم : 3678 و 3693)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (15/ 260) (رقم : 5998 و 5999)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص: 131) (رقم : 266_267)، وابن الأعرابي في "معجمه" (3/ 924) (رقم : 1947)، وابن حبان البُسْتِي في صحيحه (2/ 200 و 201) (رقم : 455 و 456)، وابن المقرئ في "معجمه" (ص: 385) (رقم : 1257)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (2/ 388 و 4/ 179_180) (رقم : 3359 و 7289 و 7290)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 375)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 396) (رقم : 21082)، وفي "شعب الإيمان" (9/ 51 و 10/ 337) (رقم : 6243 و 7588 و 7589)، وفي "الآداب" (ص: 9 و 51).

 

والحديث صحيح : صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 588) (رقم : 918)، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 673) (رقم : 2537)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (1/ 453) (رقم : 456)

 

وصححه _أيضا_ الأرنؤوط في "تعليقه على سنن أبي داود" (7/ 263) (رقم : 4902)، وفي "تعليقه على سنن ابن ماجه" (5/ 296) (رقم : 4211)،

 

بيان المفردات :

 

&        فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 418)

وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.

والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة،

فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى." اهـ

 

الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري - (8 / 270)

أحمد بن إسماعيل بن عثمان بن محمد الكوراني الشافعي ثم الحنفي المتوفى 893 هـ

"وأن الصلة تكون بالزيارة وبالمال، وإرسال السلام والكتاب"

 

مقاييس اللغة (1/ 271)

(بَغَيَ) الْبَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْيَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا طَلَبُ الشَّيْءِ، وَالثَّانِي جِنْسٌ مِنَ الْفَسَادِ.

 

قال الله _تعالى_ : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]

 

زاد المسير في علم التفسير (2/ 579)

فأما (البغي) فقال ابن عباس: هو الظلم، وقد سبق شرحه في مواضع.

 

المفردات في غريب القرآن (ص: 136)

"البَغْي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشيء: إذا طلبت أكثر ما يجب، وابْتَغَيْتُ كذلك، قال الله عزّ وجل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التوبة/ 48] ، وقال تعالى: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة/ 47] .

والبَغْيُ على ضربين:

* أحدهما: محمود، وهو تجاوز العدل إلى الإحسان، والفرض إلى التطوع.

* والثاني: مذموم، وهو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الحقّ بيّن والباطل بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه»،

ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما، قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي___الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الشورى/ 42]،

فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق.

وأَبْغَيْتُك: أعنتك على طلبه، وبَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، وبَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها.

* قال عزّ وجلّ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور/ 33]،

* وبَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه،

* وبَغَى: تكبّر، وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، ويستعمل ذلك في أي أمر كان.

* قال تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42] ،

* وقال تعالى: (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [يونس/ 23] ، (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ) [الحج/ 60] ، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [القصص/ 76]،

* وقال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات/ 9]،

فالبغي في أكثر المواضع مذموم." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

عون الأحد (١/ ٥٤) (رقم : 29) لزيد بن محمد المدخلي :

"اشتمل هذا الحديث على ذكر كبيرتين من كبائر الذنوب؛ عقوبتها عاجلة وآجلة، وهما : البغي الذي هو العدوان على الغير، ومن جملة ذلك الاعتداء بالسب والشتم أو الضرب أو الأذي بأي نوع من أنواع الأذى،

وقد نهى الله جل عن البغي لما فيه من الضرر، ونهی عن قطيعة الرحم (أي : أن يأتي بالأسباب التي تكون سببا في القطيعة)، وفي مقدمة الرحم الوالدان،

فإنه لا يجوز للابن ذكرا كان أو أنثى أن يُسِيْءَ إلى والديه بالقول ولا بالفعل، فإن فعل فهو عاقٌّ، والعقوق عقوبته معجلة ومؤجلة؛ لأن الله _عز وجل_ عظَّم شأن بر الوالدين، و قرن طاعتها بطاعته لعظم شأنها، قال الله _عز وجل_ : {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]،

وقال سبحانه : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15]... الآية.

وما ذلك إلا لما قدم الوالدان من الجميل والإحسان في أوقات متعاقبة مادام الولد على قيد الحياة، في حالة الحمل بالنسبة للأم وحالة الوضع وحالة الرضاعة والحضانة، وهكذا متاعبها متتابعة،

وهكذا الأب يقوم بكفالة الأبناء ويسعى في مصالحهم، فلا يجوز للأبناء أن يصدر منهم العقوق، لا بالقول ولا بالفعل، بل يجب أن يقدموا البر بالكلمة الطيبة، وبالخدمة المفيدة للوالدين، وقضاء الحاجة، وتفقُّدِ الأحوال،

وهكذا بقية الأرحام من الإخوة والأخوات، والأعمام، والأخوال، والعمات والحالات،

وكل من يَمُتُّ إليهم الشخص بصلة، يعتبرون من ذوي الأرحام،

ينبغي أن يحسن إلى الجميع إحسانا بالقول وبالفعل وبالصلة وبالتعليم إن كان من ذوي العلم، فیکون بارَّا بوالدَيْهِ وبارًّا بِرَحِمِهِ وسَلِيْمًا من العقوق والقطيعة." اهـ

 

قلت : قال الله _تعالى_ في تمام تلك الآية : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]

 

شرح مشكل الآثار (15/ 262) :

"قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ قَائِلٌ: أَفَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ عَلَى الْبَغْيِ، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ أَسْرَعُ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْكُفْرِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ؟

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يُرَدْ بِهِ مَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْكُفْرِ، وَلَا عُقُوبَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ التَّوْبَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ،

وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِمَا فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ عُقُوبَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُ الْبَغْيُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا بِذَلِكَ،

وَكَانَ مَا تُوُعِّدَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً عَلَى بَغْيِهِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِصِلَتِهَا. وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكُفْرِ، فَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 134) :

"فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصِلَ رَحِمَهُ...وَيُقَالُ : ثَلَاثَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي الْكَرِيمِ : الْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ، وَالْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَالْبَذْلُ لِمَنْ حَرَمَهُ." اهـ

 

فيض القدير (5/ 478)

البغي من الكبر، وقطيعة الرحم من الاقتطاع من الرحمة.

والرحم القرابة ولو غير محرم بنحو إيذاء أو صد أن هجر فإنه كبير كما يفيده هذا الوعيد الشديد أما قطيعتها بترك الإحسان فليس بكبير.

قال الْحَلِيْمِيُّ : بَيَّنَ بهذا الخبر أن الدعاء بما فيه إثم غير جائز لأنه جرأة على الله ويدخل فيه ما لو دعا بشر على من لا يستحقه أو على نحو بهيمة،

وقال في الإنحاف : "فيه : تنبيه على أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا لا يدفع بلاء الآخرة ولو لم يكن إلا حرمان مرتبة الواصلين." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 465) للأمير الصنعاني :

"فهما أسرع الذنوب عقوبة في الدنيا وعقوبة الآخرة على أصلها،

وفيه : عظمة شأن البغي وقطيعة الرحم، فكل واحدة كبيرة من أمهات الكبائر، فكيف إذا اجتمعتا كما يقع ذلك كثيراً لملوك الدنيا فلا أكثر من اجتماع البغي فيهم وقطيعة الرحم ولذا قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22][4]

 

التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 357)

"والحديث ترغيب في البر وصلة الرحم وترهيب من البغي وقطيعة الرحم." اهـ

 

السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (4/ 214) للعزيزي :

"قال العلقمي : ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة." اهـ

 

شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/ 343)

"قال الإمام النووي _رحمه الله_ : "لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية.

والصلة درجات، بعضُها أرفعُ من بعضٍ، وأدناها : صلتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. اهـ.

 

الزهد لوكيع (ص: 501)

بَابُ مُحَاسَبَةِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَالْإِنْصَافِ مِنْ نَفْسِهِ

 

الآداب للبيهقي (ص: 7) :

"بَابٌ : فِي صِلَةِ الرَّحِمِ

وَالرَّحِمُ : الْقَرَابَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ وَصَلَ الرَّحِمَ: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [الرعد: 21][ص:8]،

وَقَالَ فِيمَنْ قَطَعَ الرَّحِمَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23]." اهـ

 

قلت : قال الطبري في جامع البيان ت شاكر (22/ 177) عن الآية الثانية الواردة في كلام البيهقي :

"(فَهَلْ عَسَيْتُمْ) أيها القوم، يقول: فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله جلّ ثناؤه، وفارقتم أحكام كتابه، وأدبرتم عن محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعما جاءكم به (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ) يقول: أن تعصوا الله في الأرض، فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء (وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام، وألَّف به بين قلوبكم." اهـ

 

الآداب للبيهقي (ص: 49) :

"بَابُ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ بِالسَّبِّ وَالتَّعْيِيرِ وَالْبَغْيِ." اهـ

 

رش البر شرح الأدب المفرد (ص ٣٢) (رقم : 29)

"فقه الحديث :

١- إثبات تعجيل العقوبة للباغين والقاطعين صلة الرحم في الدنيا وتأجيلها في الآخرة .

۲- تحريم الخروج عن طاعة الإمام .

۳- صلة الرحم واجبة ، وقطيعتها معصية كبيرة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

34 _ بَابُ لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ

68 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

(قَالَ سُفْيَانُ لَمْ يَرْفَعْهُ الْأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفَعَهُ الْحَسَنُ وَفِطْرٌ)

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

تراجم الرواة:

 

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ (ثقةٌ : ت 223 هـ) :

محمد بن كثير العبدى ، أبو عبد الله البصرى (ت 223 هـ) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: أخبرنَا سُفْيَانُ (ثقة: ت 161 هـ) :

سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى ، أبو عبد الله الكوفى، من كبار أتباع التابعين، روى له : خ م د ت س ق

 

عَنِ الْأَعْمَشِ (ثقة حافظ عارف بالقراءات : ت 147 أو 148 هـ):

سليمان بن مهران الأسدى الكاهلى مولاهم ، أبو محمد الكوفى الأعمش، من صغار التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو (ثقة ثبت : 142 هـ بـ الكوفة):

الحسن بن عمرو الفُقَيْمِيِ التميمي الكوفي، من الذين عاصروا صغار التابعين ، روى له :  خ د س ق 

 

وَفِطْرٍ (صدوق: ت بعد 150 هـ):

فطر بن خليفة القرشي المخزومي، أبو بكر الكوفي الحنَّاطُ (مولى عمرو بن حريث)، من صغار التابعين، روى له :  خ د ت س ق

 

عَنْ مُجَاهِدٍ (ثقة إمام فى التفسير و فى العلم : ت 101 هـ ):

مجاهد بن جبر المكي: أبو الحجاج القرشي المخزومي مولاهم، من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (ت: سنة 63 هـ ليالى الحرة بـ الطائف):

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سعد القرشى السهمى، أبو محمد _رضي الله عنهما_، روى له: خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ[5]، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا[6]»

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه : البخاري في "صحيحه" (8/ 6) (رقم: 5991)، وفي "الأدب المفرد" (ص: 37) (رقم: 68)، وأبو داود في سننه (2/ 133) (رقم: 1697)، والترمذي في سننه - ت شاكر (4/ 316) (رقم: 1908)، وابن وهب في الجامع – ت. مصطفى أبو الخير (ص: 160) (رقم: 97)، ووكيع في الزهد (ص: 706) (رقم: 403) والحميدي في مسنده (1/ 505) (رقم: 605)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 218) (رقم: 25396)، وأحمد في مسنده – ط. عالم الكتب (2/ 163 و 2/ 190 و 2/ 193) (رقم: 6524 و 6785 و 6817)، والحسين بن حرب المروزي في البر والصلة (ص: 64) (رقم: 122)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (ص: 82) (رقم: 243)، والبزار في مسنده = البحر الزخار (6/ 359 و 6/ 360) (رقم: 2371 و 2372)، وابن حبان في صحيحه (2/ 188) (رقم: 445)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 363) (رقم: 6623)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (8/ 129)، وفي "تاريخ أصبهان" = "أخبار أصبهان" (1/ 324)، والخليلي في الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/ 437) (رقم: 112)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 42 و 7/ 43) (رقم: 13219 و 13220)، وفي شعب الإيمان (5/ 103 و 10/ 333) (رقم: 3155 و 7581)، وفي الآداب (ص: 9) (رقم: 8).

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 424)

وأقول: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع، فهم ثلاث درجات: واصل ومكافئ وقاطع.

* فالواصل: من يتفضل ولا يتفضل عليه،

* والمكافئ: الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ،

* والقاطع: الذي يتفضل عليه ولا يتفضل. وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك يقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزي، سمي من جازاه مكافئا، والله أعلم."

 

&        تطريز رياض الصالحين - (1 / 225)

الناس ثلاثة: واصل، ومكافئ، وقاطع.

فالواصل: من يبدأ بالفضل.

والمكافئ: من يرد مثله.

والقاطع: من لا يتفضل ولا يكافئ، فالكامل من يصل من قطعه." اهـ

 

&        كشف المشكل من حديث الصحيحين - (1 / 1102)

اعلم أن المكافئ مقابل الفعل بمثله،

والواصل للرحم لأجل الله تعالى يصلها تقربا إليه وامتثالا لأمره، وإن قطعت.

فأما إذا وصلها حين تصله فذاك كقضاء دين،

ولهذا المعنى، قال: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح).

وهذا لأن الإنفاق على القريب المحبوب مشوب بالهوى، فأما على المبغض، فهو الذي لا شوب فيه." اهـ

 

&        غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (1 / 352)

(الْأَوَّلُ) : صِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَجَّاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآدَابِ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ . وَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ ، وَعَلَيْهِ مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالنَّصِيحَةُ . وَفِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَلَيْهِ صِلَةُ رَحِمِهِ .

 

المنتقى من فتاوى الفوزان - (20 / 4)

والواجب على المسلم أن يصل رحمه وإن قطعت به؛ فإنه كما في الحديث : (ليس الواصِلَ بالمُكافِئِ، ولكن الواصِلَ الذي إذا قُطِعَت رحِمَهُ وصَلهَا ) [رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/73 ) من حديث عبد الله بن عمر]؛

فالواجب مواصلة الرحم وإن أساء إليك وإن أخطأ في حقك؛ فإنك تواصله، ويكون هذا سببًا في تأليفه وفي ندمه على ما حصل منه .

قال تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34، 35 . ] .

وهذا يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى حمل على النفس، وإلى ابتعاد عن الهوى ونزغات الشيطان، ويحتاج إلى تذكر الوعيد والعقوبة العاجلة والآجلة وسوء العاقبة لمن قطع رحمه؛ فإذا تذكر الإنسان هذه الأمور واستشعرها؛ حمله ذلك على التوبة وعلى صلة الرحم؛ لأن في صلة الرحم أجرًا عظيمًا، وفي قطيعتها إثم كبير وأضرار عاجلة وآجلة، والله الموفق .

 

فتاوى السبكي - (2 / 517)

الامام أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي :

ومن المستفيض المشتهر في صفاته صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بصلة الرحم فثبت بما ذكرناه أن صلة الرحم واجبة

وقال صلى الله عليه وسلم : (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)

 وهذا يدل على وجوب صلة القريب الفاسق لأن القاطع فاسق وقد أمر بصلته وجعلت هي الصلة وقال صلى الله عليه وسلم لمن قال قدمت أمي وهي مشركة أفأصلها قال نعم صلي أمك.

فهذا العبد القريب الفاسق صلته واجبة والصلة بالإحسان وهو أعم من أن يكون بتودد أو إعتاق أو غير ذلك من أنواع البر،

فأي خصلة من خصال الإحسان أسداها إليه كان بها واصلا مؤديا للواجب الذي عليه ويثاب عليها ثواب من أدى الواجب،

كما أن المأمور بكفارة اليمين إذا أعتق أو أطعم أو كسا يقال إنه أدى الواجب الذي عليه ويثاب ثواب الواجب وإن كان كل واحد منهما بعينه لم يكن واجبا عليه.

وإنما وجب عليه القدر المشترك بين الخصال وكما أن المكلف إذا صلى الصلاة في أول وقتها يكون أدى فرض الله ويثاب عليه ثواب الفرض، وإن كان الواجب عليه إنما هو الإتيان في أي جزء من أجزاء الوقت شاء.

فثبت بهذا أنه إذا أعتق قريبه ممتثلا أمر الله ورسوله بصلة الرحم يثاب على ذلك ثواب الواجب." اهـ

 

&        غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (1 / 352)

قَالَ الْحَجَّاوِيُّ : وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْكَبَائِرِ . انْتَهَى .

وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَلْبَانِيُّ فِي آدَابِهِ : اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ تَصِلَ بَقِيَّةَ رَحِمِكَ وَهُمْ كُلُّ قَرَابَةٍ لَك مِنْ النَّسَبِ ، فَصِلَتُهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْك ، وَقَطِيعَتُهُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْك تَحْرِيمًا مُؤَكَّدًا ، فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى : وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَرْحَامَ بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِهِ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1]___

وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى أَنَّ صِلَتَهَا بِمَكَانٍ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَمُقَرِّبٌ إلَيْهِ ، وَقَطْعُهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ عِنْدَهُ ، وَمُبْعِدٌ عَنْهُ سُبْحَانَهُ ." اهـ

 

&        شرح سنن أبي داود للعباد - (205 / 31)

الواصل على الحقيقة هو الذي إذا قُطعت رحمه وصلها، وهو الذي يجازي على القطع وصلاً، وعلى الإساءة إحساناً، فهذا هو الواصل على الحقيقة.

ولا شك أن المكافئ الذي يقابل الإحسان بالإحسان أحسن من الذي لا تحصل منه تلك المقابلة.

 

&        شرح سنن أبي داود للعباد - (205 / 31)

فهذا فيه دليل على الحث على صلة الأرحام ابتداء، وأن ذلك هو الأولى والأفضل من أن يكون عن طريق المقابلة والمماثلة، ولا شك أن الإنسان إذا سبق إلى الخير ثم جازى بما سبق إليه لا شك أن ذلك خير، ولكن الأتم والأفضل من ذلك هو الذي تحصل له القطيعة فيقابل على القطيعة وصلاً.

 

&        مكارم الأخلاق - (1 / 17) للعثيمين –رحمه الله- :

"صور من مكارم الأخلاق: ومن مكارم الأخلاق أن تصل من قطعك : من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك , إذا قطعوك , فصلهم ولا تقل : من وصلني وصلته ! فإن هذا ليس بصلة , كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من إذا قطعت رحمها وصلها)." اهـ

 

وقال محمد لقمان السلفي في "رش البرد" (ص ٥٥):

"فقه الحديث:

1 ـ على المسلم أن يبدأ في صلة أرحامه ويستمر على ذلك ، ولو لم يقابلوا ضيعه بالإحسان

٢ ـ وجوب إخلاص الأعمال الله .

3 ـ لا ينبغي للمسلم أن يقطع الخير بسبب الإساءة إليه أو عدم العودة إليه بمثله." اهـ



[1]  وقال يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن ابن عبد الهادي الصالحي، جمال الدين، ابن المِبْرَد الحنبلي (المتوفى: 909 هـ) في "ضبط من غبر فيمن قيده ابن حجر" (ص: 172):

"جَوْشَن - الغَطَفاني = عبد الرحمن بن جَوْشَن (بفتح الجيم وشين معجمة وسكون الواو بينهما، وآخره نون) الغَطَفاني (بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء)." اهـ

[2] وفي لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/ 221) عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدِّهلوي الحنفي «المولود بدهلي في الهند سنة (958 هـ) والمتوفى بها سنة (1052 هـ) رحمه اللَّه تعالى» : "قوله : (من البغي وقطيعة الرحم) لما فيهما من إيذاء الخلق وتضييع حقهم أفحش من غيرهما من الذنوب، وفي قوله: (أحرى) إشارة إلى استحقاق أهلهما هذا الجزاء عقلًا." اهـ

[3] وفي التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 241) : "(بلاقع) جمع بزنة مساجد جمع بلقع وهي القفر التي لا شيء فيها بيان لعقوبة اليمين العاجلة ولعله يبقي من عقوبتها في الآخرة زيادة على ما وقع في الدنيا إن لم يتب." اهـ

[4] وفي تفسير الجلالين (ص: 676) :

"{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا وَفِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغِيبَة إلَى الْخِطَاب أَيْ لَعَلَّكُمْ {إنْ تَوَلَّيْتُمْ} أَعْرَضْتُمْ عَنْ الْإِيمَان {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ} أَيْ تَعُودُوا إلَى أَمْر الْجَاهِلِيَّة مِنْ الْبَغْي وَالْقِتَال." اهـ

وفي تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 318) :

"وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ عُمُومًا، وَعَنْ قَطْعِ الْأَرْحَامِ خُصُوصًا، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِصْلَاحِ فِي الْأَرْضِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْأَفْعَالِ وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ وَالْحِسَانُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ، وَوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ." اهـ

[5]  وفي فتح الباري - تعليق ابن باز  (10 / 423):

" قوله: (ليس الواصل بالمكافئ) أي: الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير، وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفا " ليس الوصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص، ولكن الوصل أن تصل من قطعك." اهـ

قلت: أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/ 438 و 11/ 171) (رقم: 19629 و 20232)، شعب الإيمان (10/ 336) (رقم: 7586)

وفي "فتح الباري" - تعليق ابن باز (10 /423_ 424):

"وقال شيخنا في "شرح الترمذي" المراد___بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة، بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعا بإعراضه عن ذلك، وهو من قبيل "ليس الشديد بالصرعة، وليس الغنى عن كثرة العرض" انتهى.

[6]  فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 423): "قوله: (الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) أي: الذي إذا مُنِعَ، أَعْطَى." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين