شرح الحديث 54_55 من صحيح الترغيب

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 130)

54 - (6) [صحيح] وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إنّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعة حتى يَدعَ بِدعَتَهُ".

رواه الطبراني وإسناده حسن (2). (*)

__________

(2) قلت: بل هو صحيح كما هو مبين في "الصحيحة" (1620)، ثم إنه ليس عند الطبراني في "المعجم الكبير" كما هو المصطلح عند الإطلاق، وكثيراً ما يفعل ذلك كما نبه عليه الحافظ الناجي في غير ما حديث، وفاته كثير منها هذا، فإنما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5/ 113/ 4214 - ط)، وقد سقط من الطابع أو الدكتور المحقق شيخُ شيخِ الطبراني! وهو مخرج في "الصحيحة" (4/ 154/ 1620).


تخريج الحديث :

 

أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (1/ 377) (رقم : 398)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 21) (رقم : 37)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (4/ 281) (رقم : 4202)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (12/ 54) (رقم : 9011)، وابن وضاح في "البدع" (2/ 109) (رقم : 146)

 

قال الإثيوبي _رحمه الله_ في "البحر المحيط الثجاج" (17/ 290):

"حديث صحيح، أخرجه الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "إن الله حجب التوبة عن كلّ صاحب بدعة حتى يَدَع بدعته". اهـ[1]

 

وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (1/ 21) (رقم: 37)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 154) (رقم: 1620)

من فوائد الحديث:

 

تفسير القرطبي (7/ 140):

"قَالَ سَهْلٌ: "لَا أَعْلَمُ حديثا جاء في المبتدعة أشد هَذَا الْحَدِيثِ: (حَجَبَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَنْ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ). قَالَ: "فَالْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَرْجَى مِنْهُمْ." اهـ

 

شرح سنن أبي داود للعباد - شاملة (514/ 27)

ومعلوم أن البدع أعظم وأخطر من المعاصي، وهي أيضاً أضر من المعاصي، وذلك أن صاحب المعصية يعرف أنه عاص، فهو يشعر بذنبه ويخاف منه، بخلاف المبتدع فإنه يرى أنه على حق، فيموت وهو على بدعته، ولهذا جاء في الحديث: (إن الله حجب التوبة عن صاحب بدعة حتى يتوب عن بدعته)، فلكونه يظن أنه على حق لا يحصل منه توبة، بخلاف العاصي فإنه يعرف أنه عاص، ويعرف أن فعله محرم فيتوب منه.

 

وفي "البدع" لابن وضاح (2/ 107) (رقم: 141): عَنْ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «يَأْبَى اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ بِتَوْبَةٍ , وَمَا انْتَقَلَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إِلَّا إِلَى شَرٍّ مِنْهَا»

 

وقال الألباني _رحمه الله_ في "حجة النبي" (ص: 101)       :

"أمر البدعة خطير جدا لا يزال أكثر الناس في غفلة عنه ولا يعرف ذلك إلا طائفة من أهل العلم وحسبك دليلا على خطورة البدعة قوله _صلى الله عليه وسلم_:

(إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) رواه الطبراني والضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة) وغيرهما بسند صحيح." اهـ

 

قال عبد الرءوف محمد عثمان _رحمه الله_ في "محبة الرسول بين الاتباع والابتداع" (ص: 298)

وهكذا الأهواء إذا أشربها قلب صاحبها صارت كالداء المهلك الذي لا ينجو منه إلا القليل. ومن كانت هذه حاله فقل أن ينزع أو يتوب.

ولهذا قال سفيان الثوري: (إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها) [مجموع الفتاوى (10 / 9)].

ويفصل ابن تيمية هذا الكلام فيقول:

"ومعنى قوله (إن البدعة لا يتاب منها): أن المبتدع الذي يتخذ دينا لم يشرعه الله ولا رسوله، قد زُيِّن له سوء عمله فرآه حسنا فهو لا يتوب مادام يراه حسنا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنا مأمورا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسنا وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب) [مجموع الفتاوى (10 / 9)].

 

وقال عبد الكريم مراد _رحمه الله_ "في البدع وآثارها السيئة" (ص: 105):

"والتوبة محجوبة عن صاحب البدعة فيدل على ذلك حديث أنس رضي الله عنه المرفوع: "إن الله حجز أو قال حجب التوبة عن كل صاحب بدعة". رواه ابن أبي عاصم في السنة وقال الألباني: "صحيح بشواهده".

ويدل عليه ما في حديث الخوارج وهو قوله: "يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه".

ويدل على ذلك قوله في حديث الفرق: "وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"، وعدم قبول التوبة من المبتدع يقتضي ظاهر الحديث عموم ذلك فهو محمول على العموم العادي لأن الغالب عادة في الواقع الإصرار من المبتدعة على البدع.

 

وقال الشيخ العباد البدر _حفظه الله_ في "الانتصار لأهل السنة والحديث" (ص: 147)

وأمَّا ما جاء عن بعض السلف من التحذير من البدع، وبيان أنَّها أسوأُ من المعاصي، فليس ذلك تزهيداً في المعاصي، بل لبيان التفاوت الكبير بين البدع والمعاصي، وإنَّما كانت البدعُ أشدَّ خطراً من المعاصي؛ لأنَّ المعاصي من أمراض الشهوات، والبدعَ من أمراض الشبهات، ولأنَّ العاصي يَشعُر بأنَّه مذنبٌ فيتوب من معصيته، وأمَّا المبتدع فقد يستمرُّ على بدعته حتى يموت عليها؛ لأنَّه يرى أنَّه على حقٍّ وهو على باطل، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ، وقد جاء في السنَّة وأقوال الصحابة ما يوضح ذلك، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحب بدعة حتى يَدَع بدعتَه"، قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/45) : "رواه الطبراني وإسناده حسن"، وقد أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (1620)

 

وقال الشيخ العباد _حفظه الله_ في "الحث على اتباع السنة والتحذير من البدع وبيان خطرها" (ص: 50_51):

"والبدعُ خطرُها كبير، وخطْبُها جسيم، والمصيبة بها عظيمة، وهي أشدُّ خطراً من الذنوب والمعاصي؛ لأنَّ صاحبَ المعصية يعلم أنَّه وقع في أمر حرام، فيتركه ويتوب منه، وأمَّا صاحب البدعة، فإنَّه يرى أنَّه على حقٍّ فيستمرّ على بدعته حتى يموت عليها، وهو في الحقيقة متَّبع للهوى__وناكبٌ عن الصراط المستقيم، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [فاطر: 8]،

وقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد: 14]،

وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]،

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حجب التوبةَ عن كلِّ صاحب بدعة حتى يدَع بدعتَه"،

أورده المنذري في كتاب الترغيب والترهيب (86) ، في الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء، وقال: "رواه الطبراني، وإسناده حسن"، وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (1620) ." اهـ

 

بدائع الفوائد (4/ 48) لابن القيم:

"فوائد شتى من خط القاضي أبي يعلى:

أبو الفرج الهمداني سمعت المروزي يقول: سئل أحمد عما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله احتجر التوبة عن صاحب بدعة وحجب التوبة" إيش معناه؟ فقال أحمد: "لا يوفق ولا يسير صاحب بدعة لتوبة وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل الأهواء والبدع ليست لهم توبة".

 

شرح الأربعين النووية - العباد (3/ 12، بترقيم الشاملة آليا)

وأما الإنسان الذي يقدم على شيء عن علم ومعرفة عليه ظاناً أنه حق وهو باطل فهذا هو الذي يصعب أمره، ويكون محل خطر على الناس، قبل ذلك على نفسه، أما ضرره على الناس فلأنهم يغترون به، ويظنون أنه صاحب علم، وأن هذا الذي قاله إنما قاله عن علم ومعرفة، وإنما هو -في الحقيقة- ضلال وانحراف في العلم.

وأما خطره على نفسه فلأنه يعتقد أنه على حق، فيستمر على باطله، وقد يموت وهو على باطله؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الله تعالى حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يتوب من بدعته) ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان مبتدعاً فقد يستمر على بدعته إلى أن يموت عليها، ولا تحصل له التوبة؛ لأنه يظن نفسه على حق، وأما إذا كان صاحب معصية ويعرف أن هذا ذنب وأنه عاص لله فيه فهذا هو الذي يرجى له التوبة؛ لأنه يشعر بالخطأ، ويشعر بالتقصير، وأما ذاك فإنه لا يشعر بالتقصير بل يظن أنه على حق، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8]، فهو يبقى على باطله.

فإذا كان لديه علم ومعرفة فإنه يكون أشد ضرراً على نفسه وعلى غيره، أما على نفسه فبابتعاده عن التوبة، وأنه قد يموت على بدعته، وأما على غيره فباغترار الناس به، فإنهم يظنون أن مقالته تلك قالها بناء على علم.

===========================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 130) :

55 - (7) [صحيح] وعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"إيّاكم والمحدَثاتِ، فإن كل محدثةٍ ضلالة".

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح". وتقدم بتمامه بنحوه [1 - باب].

 

سبق بنا بـ(رقم 37)

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أبو داود في سننه (4/ 200) (رقم : 4607)، والترمذي في سننه (5/ 44) (رقم : 2676)، وابن ماجه في سننه (1/ 15) (رقم : 42)، وأحمد في مسنده (28/ 373 و 375) (رقم : 17144 و 17145)، والدارمي في سننه (1/ 228) (رقم : 96)،  وابن أبي عاصم في السنة (1/ 17) (رقم : 26)، والبزار في مسنده = البحر الزخار (10/ 137) (رقم : 4201)، والمروزي في السنة (ص: 26) (رقم : 69 و 70)، وابن حبان في صحيحه (1/ 178) (رقم : 5)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 174 و 176 و 177) (رقم : 329 و 332 و 333)، والآجري في الشريعة (1/ 400 و 403) (رقم : 86 و 88)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 28) (رقم : 66)، وفي المعجم الكبير (18/ 248) (رقم : 622)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 195) (رقم : 20338)، وفي شعب الإيمان (10/ 20_21) (رقم : 7109 و 7110)، وغيرُهم



[1] وقال الإثيوبي في مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (2/ 121):

"وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، غير هارون بن موسى الْفَرْويّ، وقد روى عنه جماعة، ووثقه الدارقطنيّ، وابن حبّان، ومسلمة بن القاسم، وقال النسائيّ: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الحديث الصحيح يُغني عن الحديث الموضوع الذي أورده المصنّف، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين