شرح الحديث 52-53 من صحيح الترغيب

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 130)

52 - (4) [صحيح] وعن أبي بَرْزَة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"إنّما أخشى عليكم شهواتِ الغَيّ[1] في بطونكم وفروجكم، ومُضِلاَّتِ الهوى[2]".

رواه أحمد والبزّار والطبراني في "معاجمه الثلاثة"، وبعض أسانيدهم رواته ثقات.

 

برجمة أبي برزة الأسلمي:

 

( خ م د ت س ق ) نضلة بن عبيد ، أبو برزة الأسلمى ، صاحب النبى صلى الله عليه وسلم

واسمه: نضلة بن عبيد بن عابد بن الحارث بن حبان بن ربيعة بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم .

وهو معروف بكنيته . أسلم قديما، و شهد فتح مكة مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وروى عنه أنه قال : (أنا قتلت ابن خطل تحت أستار الكعبة). اهـ .

 

و قال المزى :

قال البخارى : نزل البصرة ، و ذكر له حديث : غزوت مع النبى صلى الله عليه وسلم سبع غزوات .

 

وقال أبو نضرة ، عن عبد الله بن مولة القشيرى : (كنت بالأهواز إذ مر بى شيخ ضخم على دابة له ، فإذا أبو برزة)

 

إكمال تهذيب الكمال (12/ 49)

وفي كتاب الصريفيني: (شهد أحدا وخيبر وفتح مكة)،

وقال أبو أحمد الحاكم: مات سنة أربع وستين.

وفي «الطبقات»: كانت لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة، وجفنة عشية للأرامل والمساكين، وكان أبيض الرأس واللحية.

 

وذكره محمد بن سعد فى الطبقة الثالثة، قال : و كان من ساكنى المدينة ، ثم تحول إلى البصرة ، و غزا خراسان ، فمات بها ، وولده فى داره بالبصرة .

 

و قال الحافظ أبو بكر الخطيب : سكن المدينة ، و شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، ثم تحول إلى المدينة فنزلها، وحضر مع على بن أبى طالب قتال الخوارج بالنهروان ، وورد المدائن فى صحبته،

وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها .

قال أبو برزة : كانت العرب تقول : )من أكل الخبز سمن(، قال : فلما فتحنا خيبر أجهضناهم عن خبزة لهم ، فقعدت عليها فأكلت منها حتى شبعت ، فجعلت أنظر فى عِطْفَيَّ هل سمنت ! .

عن الحسن بن حكيم الثقفى عن أمه:

(وكانت أمة لأبى برزة أن أبا برزة كان يقوم من جوف الليل إلى الماء، فيتوضأ، ولا يوقظ أحدا من خدمه، وهو شيخ كبير، ثم يصلى)

 

وقال خليفة بن خياط : وافى خراسان ، و مات بها بعد سنة أربع و ستين بعدما أخرج ابن زياد من البصرة .

 

روى له الجماعة .

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10 / 447 :

(و مما يؤيد ذلك : أن فى صحيح البخارى أنه شهد قتال الخوارج بالأهواز ،

زاد الإسماعيلى : مع المهلب بن أبى صفرة .

و كان ذلك فى سنة خمس و ستين ، كما جزم به محمد بن قدامة و غيره ، و كان

عبد الملك قد ولى الخلافة بالشام . اهـ[3] .

 

 

تخريج الحدبث :

 

أخرجه أحمد في مسنده (33/ 18 و 33) (رقم : 19773 و 19787)[4]، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 12) (رقم : 14)، والبزار في في مسنده = البحر الزخار (9/ 292) (رقم : 3844) و (10/ 370) (رقم : 4503)[5]، والطبراني في المعجم الصغير (1/ 309) (رقم : 511)، والخرائطي في اعتلال القلوب (1/ 46) (رقم : 88)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 32)، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 479) (رقم : 866)، وابن بشران في الأمالي - الجزء الثاني (ص: 207) (رقم : 1354)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في مشيخته (ص: 49) (رقم : 23) كلهم عَنْ أبي الْحَكَمِ (وهو علي بن الحكم أبو الحكم البناني البصري)، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ _رضي الله عنه_

 

وأخرجه والبيهقي في الزهد الكبير (ص: 164) (رقم : 371) عن الحسن عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ _رضي الله عنه_

 

من فوائد الحديث"

 

ذم الهوى (ص: 16)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَوَى يَسْرِي بِصَاحِبِهِ فِي فُنُونٍ وَيُخْرِجُهُ مِنْ دَارِ الْعَقْلِ إِلَى

دَائِرَةِ الْجُنُونِ

وَقَدْ يَكُونُ الْهَوَى فِي الْعِلْمِ فَيَخْرُجُ بِصَاحِبِهِ إِلَى ضِدِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ الْعِلْمُ

وَقَدْ يَكُونُ فِي الزُّهْدِ فَيَخْرُجُ إِلَى الرِّيَاءِ

وَكِتَابُنَا هَذَا لِذَمِّ الْهَوَى فِي شَهَوَاتِ الْحِسِّ وَإِنْ كَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَمِّ الْهَوَى مُطْلَقًا

وَإِذْ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ ذَمِّ الْهَوَى مَا أَمْلاهُ الْعَقْلُ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا يحويه النَّقْل

فصل قَدْ مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخَالَفَةِ الْهَوَى فَقَالَ {وَنَهَى النَّفْسَ عَن الْهوى} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُوَ نَهْيُ النَّفْسِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا

قَالَ مُقَاتِلٌ هُوَ الرَّجُلُ يُهِمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ مَقَامَهُ لِلْحِسَابِ فَيَتْرُكُهَا

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف: 176]،

وَقَالَ : {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]،

وَقَالَ : {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]،

وَقَالَ {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29]،

وَقَالَ: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14]

وَقَالَ : {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]،

وَقَالَ : {لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119]،

وَقَالَ : {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28]،

وَقَالَ: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [البقرة: 120]

وَقَالَ : {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135]،

وَقَالَ : {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ص: 26]." اهـ

 

اعتلال القلوب للخرائطي (1/ 46)

بَابُ ذَمِّ الْهَوَى وَأَتْبَاعِهِ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 477)

وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَنِ اتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ، قَالَ تَعَالَى:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا - إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم: 59 - 60] [مَرْيَمَ: 59 - 60] .

وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» .

وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا سَمِينًا فَجَعَلَ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا، لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» .

وَفِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ أَبِي بَرْزَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ، وَمُضِلَّاتُ الْهَوَى»

 

وقال السفاريني في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (2/ 457)

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ: مُخَالَفَةُ الْهَوَى تُورِثُ الْعَبْدَ قُوَّةً فِي بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْغَالِبُ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنْ الَّذِي يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ وَحْدَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَكُلَّمَا تَمَرَّنَ عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ اكْتَسَبَ قُوَّةً عَلَى قُوَّتِهِ، وَبِمُخَالَفَتِهِ لِهَوَاهُ تَعْظُمُ حُرْمَتُهُ وَتَغْزُرُ مُرُوءَتُهُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ خَالُ الْمُؤْمِنِينَ: الْمُرُوءَةُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانُ الْهَوَى.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذَا أَشْكَلَ عَلَيْك أَمْرٌ أَنْ لَا تَدْرِيَ أَيَّهمَا أَرْشَدُ___

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 458)

فَخَالِفْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاك، فَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْخَطَأُ فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ: الْبَلَاءُ كُلُّهُ فِي هَوَاك. وَالشِّفَاءُ كُلُّهُ فِي مُخَالَفَتِك إيَّاهُ. .

وَقَدْ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ جِهَادُك هَوَاك.

قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: جِهَادُ النَّفْسِ وَالْهَوَى أَصْلُ جِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِهَادِهِمْ حَتَّى يُجَاهِدَ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ أَوَّلًا حَتَّى يَخْرُجَ إلَيْهِمْ، فَمَنْ قَهَرَ هَوَاهُ عَزَّ وَسَادَ، وَمَنْ قَهَرَهُ هَوَاهُ ذَلَّ وَهَانَ وَهَلَكَ وَبَادَ." اهـ

 

وقال الهيتمي _رحمه الله_ في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 165):

"عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّلَاحُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ، وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِي تَعْدَادِ الْكَبَائِرِ: "السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْبِدْعَةُ وَهِيَ الْمُرَادُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ." انْتَهَى." اهـ

 

وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن السلمان (المتوفى: 1422هـ) في "موارد الظمآن لدروس الزمان" (4/ 429):

"فَلَمَّا دخل أكثر النَّاس فِي هاتين الفتنتين أو إحديهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كَانُوا إخواناً متحابين متواصلين،

فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدُّنْيَا وزهرتها، فصَارَت غايةُ قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعَلَيْهَا يعادون، فقطَّعوا لذَلِكَ أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذَلِكَ.

وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة: فبسببها تفرق أَهْل القبلة، وصاروا شيعاً، وكفر بَعْضهمْ بعض، وأصبحوا أعداءً وفرقاً وأحزاباً بعد أن كَانُوا إخوانَاً، قُلُوبهمْ عَلَى قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق كُلّهَا إلا الفرقة الواحدة الناجية.___

وهم فِي آخر الزمان الغرباء المذكورون فِي هذه الأحاديث الَّذِينَ يصلحون إِذَا فسد النَّاس ويصلحون ما أفسد النَّاس من السنَّة وهم الَّذِينَ يفرون بدينهم من الفتن وهم النزاع من القبائل.

وهم المذكورون فِي قوله _صلى الله عليه وسلم_:

(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين عَلَى الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي يأتي أمر الله وهم عَلَى ذَلِكَ)." اهـ من مجموع رسائل ابن رجب (1/ 318).

 

قلت :

 

قال أبو جعفر الطحاوي: «ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا» [متن الطحاوية مع الشرح (2/ 775)].

 

قال الله _عز وجل_ :

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]

 

وقال: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]

 

{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32]

 

وفي سنن أبي داود (4/ 198) (رقم: 4597): عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ:

" أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ."

===========================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 130)

53 - (5) [حسن لغيره] وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"وأمّا المهلكاتُ؛ فَشُحٌّ مطاعٌ، وهوىً مُتَّبعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ".

رواه البزار والبيهقي وغيرهما، ويأتي بتمامه في "انتظار الصلاة" إن شاء الله تعالى (1).

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 130)

__________

(1) قلت: وهو حديث حسن لطرقه، كما سيأتي الإشارة إلى ذلك من المؤلف هناك إن شاء الله تعالى.

 

شرح الحديث:

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3199)

فَقِيلَ: الشُّحُّ مَنْعُ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ، وَقِيلَ الْعَمَلُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، وَقِيلَ الشُّحُّ مِمَّا فِي يَدِ غَيْرِكَ. وَالْبُخْلُ مِمَّا فِي يَدِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّحَّ هُوَ الْبُخْلُ الْمَقْرُونُ بِالْحِرْصِ

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» م

 

جامع بيان العلم وفضله (1/ 563) (رقم: 947):

"وَقَالُوا: الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَكْثَرُ عِلْمًا كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً." اهـ

 

ترجمة أنس بن سيرين:

 

أنس بن سيرين الأنصاري ، أبو موسى، مولى أنس بن مالك، وهو أخو محمد و حفصة، من الوسطى من التابعين، توفي  118 هـ، روى له :  خ م د ت س ق. وأنس سيرين ثقة كما ذكره الحافظ _رحمه الله_.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسند البزار = البحر الزخار (13/ 114) (رقم : 6491)، الطبراني في المعجم الأوسط (5/ 328) (رقم : 5452)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 214) (رقم : 325)، والبيهقي شعب الإيمان (2/ 203) (رقم : 731)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 447)، والدولابي في الكنى والأسماء (2/ 469) (رقم : 847)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (2/ 59)، والخرائطي في اعتلال القلوب (1/ 49) (رقم : 96)، وفي مساوئ الأخلاق (ص: 168) (رقم : 355)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (ص: 18 و 151) (رقم : 33 و 525)، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 268)، وابن بشران في الأمالي - الجزء الثاني (ص: 220) (رقم : 1383)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 568) (رقم : 961)، وابن اللمش في تاريخ دُنَيْسِرُ[10] (ص: 129)

 

من فوائد الحديث:

 

وقال الراغب _رحمه الله_ في "الذريعة إلى مكارم الشريعة" (ص: 286)

وقد عظم اللَّه تعالى الشح وخوف منه، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -:

"ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه."

فخص المطاع لينبه أن الشح في النفس ليس مما يستحق به الذم، إذ ليس هو من فعله، وإنما يذم بالانقياد له." اهـ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 306)

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ يُقَالُ شِدَّةُ الْحِرْصِ مِنْ سُبُلِ الْمَتَالِفِ.

وَقَالَ الْأَحْنَفُ: آفَةُ الْحِرْصِ الْحِرْمَانُ وَلَا يَنَالُ الْحَرِيصُ إلَّا حَظَّهُ، كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: مَا بَعُدَ أَمَلٌ إلَّا سَاءَ عَمَلٌ.

وَمِنْ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ: الرِّزْقُ مَقْسُومٌ، وَالْحَرِيصُ مَحْرُومٌ، وَالْحَسُودُ مَغْمُومٌ، وَالْبَخِيلُ مَذْمُومٌ

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 313)

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُزَوِّجْ الْبَخِيلَ وَلَا تُعَامِلُهُ مَا أَقْبَحَ الْقَارِئَ أَنْ يَكُونَ بَخِيلًا، رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي الْأَخْلَاقِ.

 

 

* إعجاب المرء بنفسه

الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 209):

"وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: "يَا عَجَبًا مِنْ الْمُخْتَالِ الْفَخُورِ الَّذِي خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يَصِيرُ جِيفَةً لَا يَدْرِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُفْعَلُ بِهِ...

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: )كَيْفَ يَتِيهُ مَنْ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْمِلُ الْعَذِرَةَ(.

وَقَالَ مَنْصُورُ:

تَتِيهُ وَجِسْمُك مِنْ نُطْفَةٍ ... وَأَنْتَ وِعَاءٌ لِمَا تَعْلَمُ

وَكَانَ يَقُولُ: )لَوْلَا ثَلَاثٌ سَلِمَ النَّاسُ، شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ(.

وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْعُجْبِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اُبْتُلِيَ مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3199)

فَإِنَّ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ مِنْ أَكْبُرِ الْمُنْجِيَاتِ كَمَا أَنَّ مُتَابَعَتَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْمُهْلِكَاتِ

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3199)

(وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ) أَيْ: بِاسْتِحْسَانِ أَعْمَالِهَا وَأَحْوَالِهَا أَوْ مَالِهَا وَجِمَالِهَا وَسَائِرِ مَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ كَمَالِهَا (وَهِيَ) أَيِ: الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ (أَشَدُّهُنَّ) أَيْ: أَعْظَمُهُنَّ وِزْرًا وَأَكْثَرُهُنَّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَمِنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ، وَالْمُعْجَبُ مَغْرُورٌ وَمُزَيَّنٌ فَهُوَ مَحْبُوبٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمُبْتَدَعِ، فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ يَتُوبَ مِنْ بِدْعَتِهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْمُعْجَبَ بِنَفْسِهِ مُتَّبِعٌ هَوَاهُ وَمِنْ هَوَى النَّفْسِ الشُّحُّ الْمُطَاعُ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] حَيْثُ أَضَافَ الشُّحَّ إِلَى النَّفْسِ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 470)

(فَأَما المهلكات فشح مُطَاع) أَي بخل يطيعه الانسان فَلَا يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ من حق الْحق وَحقّ الْخلق وَلم يقل مُجَرّد الشَّيْخ يكون مهْلكا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون مهْلكا إِذا كَانَ مُطَاعًا أما لَو كَانَ مَوْجُودا فِي النَّفس غير مُطَاع فَلَا يكون كَذَلِك لِأَنَّهُ من لَوَازِم النَّفس مستمدا من أصل جبلتها الترابي وَفِي التُّرَاب قبض وامساك وَلَيْسَ ذَلِك بعجيب من الْآدَمِيّ وَهُوَ جبلي إِنَّمَا الْعجب وجود السخاء فِي الغريزة وَهُوَ النُّفُوس الفاضلة الدَّاعِي لَهُم إِلَى الْبَذْل والايثار


 

فيض القدير (3/ 307)

قال القرطبي: وإعجاب المرء بنفسه هو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله والإعجاب وجدان شيء حسنا قال تعالى في قصة قارون {قال إنما أوتيته على علم عندي} قال الله تعالى {فخسفنا به} فثمرة العجب الهلاك قال الغزالي: ومن آفات العجب أنه يحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى فإن عجب مخذول فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك

قال عيسى عليه الصلاة والسلام: يا معشر الحواريين كم سراج قد أطفأته الريح وكم عابد أفسده العجب

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 470)

(واعجاب الْمَرْء بِنَفسِهِ) أَي ملاحظته اياها بِعَين الْكَمَال مَعَ نِسْيَان نعْمَة الله تعال قَالَ الْغَزالِيّ حَقِيقَة الْعجب استعظام النَّفس وخصالها الَّتِي هِيَ من النعم والركون إِلَيْهَا مَعَ نِسْيَان اضافتها إِلَى الْمُنعم والأمن من زَوَالهَا

 

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 225)

الْعَجَبُ إنَّمَا يَكُونُ وَيُوجَدُ مِنْ الْإِنْسَانِ لِاسْتِشْعَارِ وَصْفِ كَمَالٍ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِعَمَلِهِ اسْتَعْظَمَهُ فَكَأَنَّهُ يَمُنُّ عَلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِطَاعَتِهِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ أَنَّهَا جَعَلَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَوْضِعًا، وَأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْجَبَ بِهَا جَزَاءً، وَيَكُونُ قَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ، فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحُّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ» وَرُبَّمَا مَنَعَهُ عُجْبُهُ مِنْ الِازْدِيَادِ، وَلِهَذَا قَالُوا: عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ.

وَمَا أَضَرَّ الْعُجْبَ بِالْمَحَاسِنِ.

وَسَبَبُ الْعُجْبِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ الْمَحْضُ.

وَمَنْ أُعْجِبَ بِطَاعَتِهِ مَثَلًا فَمَا فَهِمَ أَنَّهَا بِالتَّوْفِيقِ حَصَلَتْ.

فَإِنْ قَالَ: رَآنِي أَهْلًا لَهَا فَوَفَّقَنِي.

قِيلَ لَهُ: فَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنْ مَنِّهِ وَفَضْلِهِ فَلَا تُقَابَلُ بِالْإِعْجَابِ.

وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ - طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ -: إذَا تَمَّ عِلْمُ الْإِنْسَانِ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا، وَلَمْ يُعْجَبْ بِهِ لِأَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّهُ وُفِّقَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ، وَحَبَّبَ إلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا قِيسَ بِالنِّعَمِ لَمْ يَفِ بِمِعْشَارِ عُشْرِهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا لُوحِظَتْ عَظَمَةُ الْمَخْدُومِ اُحْتُقِرَ كُلُّ عَمَلٍ وَتَعَبُّدٍ.

هَذَا إذَا سَلِمَ مِنْ شَائِبَةٍ وَخَلَصَ مِنْ غَفْلَةٍ، فَأَمَّا وَالْغَفَلَاتُ تُحِيطُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلِّبَ الْحَذَرَ مِنْ رَدِّهِ وَيَخَافَ الْعِقَابَ عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ فَيَشْتَغِلَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَتَأَمَّلْ عَلَى الْفُطَنَاءِ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ.

فَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ قَالُوا: مَا عَبَدْنَاك حَقَّ عِبَادَتِك)." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 178)

قال العراقي: الهوى المتبع طلبك المنزلة في قلوب الخلق لتنال الجاه والحكمة، فهذا فيه هلك أكثر الناس.

 

سبل السلام (2/ 659)

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخْلَ دَاءٌ لَهُ دَوَاءٌ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إلَّا وَلَهُ دَوَاءٌ، وَدَاءُ الْبُخْلِ سَبَبُهُ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: حُبُّ ذَاتِ الْمَالِ وَالشَّغَفِ بِهِ وَبِبَقَائِهِ لَدَيْهِ، فَإِنَّ الدَّنَانِيرَ مَثَلًا رَسُولٌ تَنَالُ بِهِ الْحَاجَاتُ وَالشَّهَوَاتُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ لِذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ مَحْبُوبًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَصِّلَ إلَى اللَّذَّاتِ لَذِيذٌ، فَقَدْ يَنْسَى الْحَاجَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَتَصِيرُ الدَّنَانِيرُ عِنْدَهُ هِيَ الْمَحْبُوبَةَ، وَهَذَا غَايَةُ الضَّلَالِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجَرِ وَبَيْنَ الذَّهَبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ تُقْضَى بِهِ الْحَاجَاتُ، فَهَذَا سَبَبُ حُبِّ الْمَالِ وَيَتَفَرَّعُ مِنْهُ الشُّحُّ، وَعِلَاجُهُ بِضِدِّهِ، فَعِلَاجُ الشَّهَوَاتِ الْقَنَاعَةُ بِالْيَسِيرِ وَبِالصَّبْرِ، وَعِلَاجُ طُولِ الْأَمَلِ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَوْتِ الْأَقْرَانِ وَالنَّظَرِ فِي ذِكْرِ طُولِ تَعَبِهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ، ثُمَّ ضَيَاعِهِ بَعْدَهُمْ وَعَدَمِ نَفْعِهِ لَهُمْ، وَقَدْ يَشُحُّ بِالْمَالِ شَفَقَةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ، وَعِلَاجُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ فَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيَنْظُرُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَخْلُفْ لَهُ أَبُوهُ فَلْسًا.

ثُمَّ يَنْظُرُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ تَرَكَ الشُّحَّ وَبَذَلَ مِنْ مَالِهِ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ وَيَنْظُرُ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْحَاثَّةِ عَلَى الْجُودِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْبُخْلِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي عَوَاقِبِ الْبُخْلِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِجَامِعِ الْمَالِ مِنْ آفَاتٍ تُخْرِجُهُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ، فَالسَّخَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ

وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَحْسَنَ الْآدَابِ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] فَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْعَبْدُ الْمَالَ أَنْفَقَهُ فِي وُجُوهِ الْمَعْرُوفِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَيَكُونُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ بِمَا هُوَ لَدَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مَالٌ لَزِمَ الْقَنَاعَةَ وَالتَّكَفُّفَ وَعَدَمَ الطَّمَعِ.

 

وقال عبد الحق الدهلوي في "لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح" (4/ 324):

"والشح في النفوس كالشهوة والحرص، جبلت للابتلاء ولمصلحة عمارة العالم، فالمذموم أن يستولي سلطانه على القلب فيطاع." اهـ



[1] وفي الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (19/ 280) للساعاتي:

"الغيى بفتح الغين المعجمة وتشديد الياء التحتية اصله الضلال والانهماك في الباطل. والظاهر: أنَّ المراد هنا: أكل ما تشتهيه نفسه من ملذات الدنيا سواء كان حلالا أو حراما وعدم التعفف عن الزنا ارضاءا لشهوته." اهـ

[2] وفي الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (19/ 280) للساعاتي:

"أي: فعل ما تهواه نفسه من المعاصي فإنها تبطل عمله الصالح وتضيعه مأخوذ من الضلال الضياع ويقال مثل ذلك في الفتن والله أعلم." اهـ

قلت: والبدع من الأهواء المضلة!

[3] وفي إكمال تهذيب الكمال (12/ 50):

"وفي البخاري: أنه شهد قتال الحرورية بالأهواز، وذكر المبرد أن قتالهم كان بها في سنة خمس وستين. وفي الإسماعيلي: حضرها مع المهلب بن أبي صفرة." اهـ

[4]  وفي مسند أحمد مخرجا (33/ 18)

19772 - حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ أَبُو الْأَشْهَبِ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْفِتَنِ»

[5]  وفي مسند البزار = البحر الزخار (9/ 308) بدون ترقيم، وبلفظ : "الأهواء" بدل لفظ "الهوى".

وقال الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد ط الرسالة (33/ 18) : "رجاله ثقات رجال الشيخين، غير علي بن الحكم البُناني، فمن رجال البخاري، وهو لم يسمع من أبي برزة، ويحتمل أنه لم يدركه، فقد تقدمت وفاة أبي برزة في حدود سنة ستين أو أربع وستين، بينما تأخرت وفاة علي بن الحكم إلى سنة إحدى وثلاثين ومئة.

[6]  وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 193) (رقم: 35249) بإسناد صحيح

[7]  وفي حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 5):

قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْدُهُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّقْصِيرِ دُونَهُ قَدَّرَ اللَّهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْوَارِدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْحَدِّ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ بِإِفْرَاطٍ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطٍ." اهـ

[8]  أخرجه: الترمذي في سننه (3/ 176) (رقم: 824)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".

[9]  أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 6) (رقم: 900)، ومسلم في صحيحه (1/ 327) (رقم: 442)

[10]  وفي معجم البلدان (2/ 478) لياقوت الحموي : "دُنَيْسِرُ _بضم أوله_ : بلدة عظيمة مشهورة من نواحي الجزيرة قرب ماردين بينهما فرسخان، ولها اسم آخر يقال لها قوج حصار، رأيتها وأنا صبيّ وقد صارت قرية، ثم رأيتها بعد ذلك بنحو ثلاثين سنة وقد صارت مصرا لا نظير لها كبرا وكثرة أهل وعظم أسواق، وليس بها نهر جار إنما شربهم من آبار عذبة طيبة مرية، وأرضها حرّة، وهواؤها صحيح، والله الموفق للصواب." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين