شرح الحديث 33 من رياض الصالحين لأبي فائزة البوجيسي

 

[33] وعن عائشةَ[1] _رضيَ الله عنها_ :

"أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ عَنِ الطّاعُونِ[2]، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ _تَعَالَى_ عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ،

فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، إلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ". رواه البخاري.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 131) (رقم : 5734)[3]، وأحمد مسنده (40/ 417) (رقم : 24358)، والنسائي في السنن الكبرى (7/ 68) (رقم : 7485)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 527) (رقم : 6560)، وغيرهم

 

من فوائد الحديث :

 

1/ الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 192)

فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَ الطَّاعُونِ رَحْمَةً إِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا وَقَعَ بِالْكَفَّارِ، فَإِنَّمَا هُوَ عَذَابٌ عَلَيْهِمْ يُعَجَّلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْعَاصِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ[4]

 

في فتح الباري لابن حجر (10/ 192) : "وَأَمَّا الْعَاصِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَهَلْ يَكُونُ الطَّاعُونُ لَهُ شَهَادَةً أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُرَادُ بِالْعَاصِي مَنْ يَكُونُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَيَهْجُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُصِرٌّ."

 

ثم قال الحافظ في فتح الباري (10/ 193) بعد إيراده الأحاديث الصحيحة في المسألة :

"فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ يَقَعُ عُقُوبَةً بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَهَادَةً، وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقَالَ: بَلْ تَحْصُلُ لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ أَنَسٍ : "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ." [خ م][5]

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ دَرَجَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنِ اجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ مُسَاوَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ فِي الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّ دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ كَنَظِيرِهِ مِنَ الْعُصَاةِ إِذَا قُتِلَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ،

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ : أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا،

وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَحْصُلَ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ أَجْرُ الشَّهَادَةِ، وَلَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يُبَاشِرْ تِلْكَ الْفَاحِشَةَ، وَإِنَّمَا عَمَّهُمْ _وَاللَّهُ أَعْلَمُ_ لِتَقَاعُدِهِمْ عَنْ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ". اهـ

 

2/ فَضْلُ الصبر على الأَقدار والاحتساب لثوابها.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 43)

في هذا الحديث: فَضْلُ الصبر على الأَقدار والاحتساب لثوابها.

قال بعض العلماء: إِنَّ الصابر في الطاعون يأمن من فَتَّان القبر؛ لأَنه نظير المرابطة في سبيل الله. وقد صحَّ ذلك في المرابط كما في (مسلم) وغيره." اهـ

 

قال أبو فائزة البوجيسي _غفر الله له_:

أشار إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1520) (رقم: 1913) : عَنْ سَلْمَانَ _رضي الله عنه_، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفُتَّانَ».

 

3/ صفات لمن نال أجْرَ الشهيد

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 194)

مَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا اقْتَضَى مَنْطُوقُهُ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّاعُونِ،

وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ :

* أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ فَمَاتَ بِهِ،

* أَوْ وَقَعَ بِهِ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ،

* أَوْ لَمْ يَقَعْ بِهِ أَصْلًا، وَمَاتَ بِغَيْرِهِ عَاجِلًا أَوِ آجِلًا." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (10/ 194)

وَاسْتُنْبِطَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ، فَمَاتَ بِهِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الثَّوَابِ بِتَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ يَمُوتُ غَرِيبًا بِالطَّاعُونِ أَوْ نُفَسَاءَ مَعَ الصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابُ،

وَالتَّحْقِيقُ: فِيمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا بِوُقُوعِ الطَّاعُونِ بِهِ، وَيُضَافُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ لِصَبْرِهِ وَثَبَاتِهِ،

فَإِنَّ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ وَأَجْرَ الشَّهَادَةِ شَيْءٌ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ، وَقَالَ: "هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي قَوْلِهِ (وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ) [خ][6]، وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذَا (فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ)،

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَلْ دَرَجَاتُ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ فَأَرْفَعُهَا مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَمَاتَ بِالطَّاعُونِ وَدُونَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا وَطُعِنَ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ وَدُونَهُ مَنِ اتَّصَفَ وَلَمْ يُطْعَنْ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ،

* وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَيْضًا: أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَلَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ، وَمَاتَ بِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ شُؤْمِ الِاعْتِرَاضِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ التَّضَجُّرُ وَالتَّسَخُّطُ لِقَدَرِ اللَّهِ وَكَرَاهَةُ لِقَاءِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَفُوتُ مَعَهَا الْخِصَالُ الْمَشْرُوطَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

4/ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَمَنْعُ الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ

شرح النووي على مسلم (14/ 205)

"وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَمَنْعُ الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ، أما الخروج لعارض فلا بأس بِهِ،

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ : هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ: حتى قالت عائشة الفرار مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ." اهـ

 

قال أبو فائزة _غفر الله له_:

وفي مسند أحمد ط الرسالة (22/ 365) (رقم: 14478) عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ، كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ، كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ " حسنه

 

وفي مسند أحمد - عالم الكتب (6/ 82)

(24527): عَائِشَةَ ، تَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ ، كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ." حديث صحيح، فانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 281) (رقم: 1292)

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 326) :

"أن الله أعلم عباده أن ما يصيبهم فى الدنيا من الشدائد والمحن والضيق والخصب والجدب، أن ذلك كله فعل الله يفعل من ذلك ما يشاء بعباده ويبتليهم بالخير والشر، وذلك كله مكتوب فى اللوح المحفوظ." اهـ

 

المنتقى شرح الموطإ (7/ 200) لأبي الوليد الباجي :

"خَصَّ بِالْمَنْعِ الْخُرُوجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَجَوَّزَ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ حَاجَةٍ تَنْزِلُ بِهِ إلَى السَّفَرِ مِنْهُ أَوْ الِانْتِقَالِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ لِمَنْ اسْتَوْخَمَ أَرْضًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُوَافِقُ جِسْمَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ» ." اهـ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (30/ 178) لابن الملقن :

"هذا الحديث بشرى لهذِه الأمة من الصابرين، منهم المحتسبين." اهـ

 

التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 121) للمُنَاوِيِّ[7] :

"فَلَو مكث وَهُوَ قلق متندم على عدم الْخُرُوج ظَانّا أَنه لَو خرج لم يَقع فِيهِ فَإِنَّهُ يحرم أجر الشَّهَادَة وَإِن مَاتَ بِهِ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 233) للشيخ العثيمين :

"ففي حديث عائشة- رضي الله عنها- دليل على فضل الصبر والاحتساب، وأن الإنسان إذا صبر نفسه في الأرض التي نزل فيها الطاعون ثم مات به، كتب الله له مثل أجر الشهيد.

وذلك أن الإنسان إذا نزل الطاعون في أرضه فإن الحياة غالية عند الإنسان، سوف يهرب، يخاف من الطاعون. فإذا صبر واحتسب الأجر وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ثم مات به، فإنه يكتب له مثل أجر الشهيد. وهذا من نعمة الله عز وجل.

 

تسلية أهل المصائب (ص: 133) لمحمد بن محمد بن محمد، شمس الدين المنبجي (المتوفى: 785هـ) :

"فالصبر واجب من حيث الجملة، ولكنه يتأكد بحسب الأوقات فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره،

فإنه إذا صبر على الإقامة في البلد الذي وقع فيه الطاعون، وصبر عند موت أولاده أو أقاربه أو أصحابه، وصبر أيضاً عند مصيبته بنفسه، وعلم يقيناً أن الآجال لا تقديم فيها ولا تأخير، وأن الله تعالى كتب الآجال في بطون الأمهات، كما ثبت في الصحاح." اهـ

 

الأمراض أو الطب النبوي للضياء المقدسي (ص: 113)

"ذكر توقي المواضع التي بها الوباء." اهـ

 

خلاصة الأحكام (2/ 899) للنووي :

"بَاب كَرَاهَة الْخُرُوج من بلد وَقع بِهِ الوباء فِرَارًا مِنْهُ، وَكَرَاهَة الْقدوم عَلَيْهِ لغير ذَلِك". اهـ



[1] ترجمة عائشة بنت أبي بكر الصديق _رضي الله عنهما :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 135) للذهبي :

"عَائِشَةُ بِنْتُ الصِّدِّيْقِ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيَّةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ * (ع) بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيْقِ الأَكْبَرِ، خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانَ بنِ عَامِرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ القُرَشِيَّةُ، التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، زَوجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلاَقِ.

وَأُمُّهَا: هِيَ أُمُّ رُوْمَانَ بِنْتُ عَامِرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ الكِنَانِيَّةُ.

هَاجَرَ بِعَائِشَةَ أَبَوَاهَا، وَتَزَوَّجَهَا نَبِيُّ اللهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بَعْدَ وَفَاةِ الصِّدِّيْقَةِ خَدِيْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِبِضْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وَقِيْلَ: بِعَامَيْنِ. وَدَخَلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنَصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ.

فَرَوَتْ عَنْهُ: عِلْماً كَثِيْراً، طَيِّباً، مُبَارَكاً فِيْهِ." اهـ

وفي معرفة الصحابة لابن منده (ص: 939) :

"وبقيت إلى خلافة معاوية، وتوفيت سنة ثمان، وقيل: سبع وخمسين، وقد قاربت السبعين، وأوصت أن تدفن بالبقيع، وكان وصيها: عبد الله بن الزبير بن العوام." اهـ

وفي الأعلام للزركلي (3/ 240) : "عائِشَة أم المُؤْمِنِين (9 ق هـ - 58 هـ = 613 - 678 م) :

عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان، من قريش: أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب. كانت تكنى بأم عبد الله. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فكانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية للحديث عنه. ولها خطب ومواقف. وما كان يحدث لها أمر إلا أنشدت فيه شعرا. وكان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض فتجيبهم. وكان (مسروق) إذا روى عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق. وكانت ممن نقم على (عثمان) عمله في حياته، ثم غضبت له بعد مقتله، فكان لها في هودجها، بوقعة الجمل، موقفها المعروف.

وتوفيت في المدينة. روي عنها 2210 أحاديث. ولبدر الدين الزركشي كتاب (الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة - ط)

[2] وقال النووي _رحمه الله_في شرح صحيح مسلم (14/ 204) :

"وَأَمَّا الطَّاعُونُ، فَهُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ فَتَكُونُ فِي الْمَرَافِقِ أَوِ الْآبَاطِ أَوِ الْأَيْدِي أو الأصابع وَسَائِرِ الْبَدَنِ وَيَكُونُ مَعَهُ وَرَمٌ وَأَلَمٌ شَدِيدٌ وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ،

وَأَمَّا الْوَبَاءُ، فقال الخليل وغيره : "هو الطَّاعُونِ"، وَقَالَ : "هُوَ كُلُّ مَرَضٍ عَامٍّ".

وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ مَرَضُ الْكَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةٍ مِنَ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ، وَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضٍ فِي الْكَثْرَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ نَوْعًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّ أَمْرَاضَهُمْ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ.

قَالُوا: "وَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا. وَالْوَبَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ كَانَ طَاعُونًا، وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالشَّامِ،

وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِي ذِكْرِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الرُّوَاةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ طَاعُونَ الْجَارِفِ بَيَانُ الطَّوَاعِينِ وَأَزْمَانِهَا وعددها." اهـ

[3] وأخرج نحوه البخاري في صحيحه (رقم : 3474 و 6619)

[4] في فتح الباري لابن حجر (10/ 192) : "وَأَمَّا الْعَاصِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهَلْ يَكُونُ الطَّاعُونُ لَهُ شَهَادَةً أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُرَادُ بِالْعَاصِي مَنْ يَكُونُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَيَهْجُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ مُصِرٌّ."

ثم قال الحافظ في فتح الباري (10/ 193) بعد إيراده الأحاديث الصحيحة في المسألة :

"فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ يَقَعُ عُقُوبَةً بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَهَادَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ عَنْ أَنَسٍ : "الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ."

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ دَرَجَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنِ اجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ مُسَاوَاةُ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ فِي الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّ دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ كَنَظِيرِهِ مِنَ الْعُصَاةِ إِذَا قُتِلَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ،

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ : أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَحْصُلَ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ أَجْرُ الشَّهَادَةِ وَلَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يُبَاشِرْ تِلْكَ الْفَاحِشَةَ وَإِنَّمَا عَمَّهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِتَقَاعُدِهِمْ عَنْ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ". اهـ

[5] أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 24 و 7/ 131) (رقم: 2830 و 5732)، ومسلم في صحيحه (3/ 1522) (رقم: 1916). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 153) (رقم: 1399)

[6] أخرجه البخاري في صحيحه (7/ 131) (رقم: 5733)

[7] وفي لب اللباب في تحريرالأنساب (ص: 253) للسيوطي : "المُنَاوِيُّ : بالضم إلى منية بني خصيب بلد بصعيد مصر انتهى." اهـ

وقال المعلمي في تعليقه على الأنساب للسمعاني (12/ 440) :

"وقال ابن حجر العسقلاني: و (المناوى) نسبة إلى منية القائد وإلى غيرها من المنى التي بقرى القاهرة، جماعة نبغ منهم قاضى الديار المصرية صدر الدين محمد ابن إبراهيم بن إسحاق السلمي المناوى، حدث عن أبى الفتح الميدومى وجماعة، سمعت منه، وفقد في كائنة تمر لنك بدمشق، وكان رئيس أهل بيته لم يخرج منهم مثله- التبصير." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين