الحديث الخامس والسبعون: من أسباب النصر من كتاب بهجة قلوب الأبرار

 

الحديث الخامس والسبعون: من أسباب النصر.

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ:

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائكم؟ " رواه البخاري

 

تخريج الحديث:

أخرجه : البخاري في "صحيحه (4/ 36) (رقم: 2896)، والمعافى بن عمران الموصلي في "الزهد" (ص: 254) (رقم: 122)، وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (5/ 303) (رقم: 9691)، وأحمد في مسنده – ط. عالم الكتب (1/ 173) (رقم: 1493)، والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 92) (رقم: 123)، وفي "المعجم الأوسط" (2/ 367) (رقم: 2249)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (13/ 99) (رقم: 10013)، والبغوي في "شرح السنة" (14/ 263) (رقم: 4061).

 

شرح الحديث:

 

وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (5/ 303) (رقم: 9691) : عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ:

"أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ رَجُلًا يَكُونُ حَامِيَةَ الْقَوْمِ، وَيَدْفَعُ عَنْ أَصْحَابِهِ، أَيَكُونُ نَصِيبُهُ كَنَصِيبِ غَيْرِهِ؟

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ سَعْدٍ، وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ»

 

وفي سنن النسائي (6/ 45) (رقم: 3178): عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ»

 

ترجمة سعد بن أوقاص القرشي الزهري _رضي الله عنهما_

 

الأعلام للزركلي (3/ 87)

سعد بن أبي وَقَّاص (23 ق هـ - 55 هـ = 600 - 675 م)

سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري، أبو إسحاق:

* الصحأبي الأمير، فاتح العراق، ومدائن كسرى،

* وأحد الستة الذين عينهم عمر للخلافة،

* وأول من رمى بسهم في سبيل الله،

* وأحد العشرة المبشرين بالجنة،

* ويقال. له فارس الإسلام.

* أسلم وهو ابن 17 سنة،

* وشهد بدار، وافتتح القادسية،

* ونزل أرض الكوفة فجعلها خططا لقبائل العرب، وابتنى بها دارا فكثرت الدور فيها.

* وظل واليا عليها مدة عمر بن الخطاب. وأقره عثمان زمنا، ثم عزله.

فعاد إلى المدينة، فأقام قليلا وفقد بصره. وقالوا في وصفه: (كان قصيرا دحداحا، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر) مات في قصره

 

قال الشيخ المؤلف عبد الرحمن بن ناصر السعدي في "بهجة قلوب الأبرار" – ط. الوزارة (ص: 152_154):

 

"فهذا الحديث فيه: أنه لا ينبغي للأقوياء القادرين أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين، لا في أمور الجهاد والنصرة، ولا في أمور الرزق وعجزهم عن الكسب.

 

بَيَّنَ الرسول _صلى الله عليه وسلم_ : أنه قد يحدُث النَّصْرُ على الأعداء، وبَسْطُ الرزقِ بأسبابِ الضعفاءِ، بتوجههم ودعائِهم، واستنصارهم واسترزاقهم.

 

وذلك: أن الأسباب التي تحصل بها المقاصد نوعان:

* نوع يشاهد بالحس: وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية، وبحصول الغنى والقدرة على الكسب. وهذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق،

 

ويعلقون به حصول النصر والرزق، حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر، ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا بعوائلهم الذين عُدِمَ كَسْبُهم، وفُقِدَتْ قُوَّتُهُمْ،

 

وهذا كله قَصْرُ نَظَرٍ، وضعْفُ إيمانٍ، وقلَّةُ ثقة بوعد الله وكفايتِهِ، وَنَظَرٌ للأمور على غير حقيقتها.

 

* النوع الثاني: أسباب معنوية.

وهي قوةُ التوكلِ على الله في حصول المطالب الدينية والدنيوية، وكمالُ الثقةِ به، وقوةُ التوجه إليه والطلبِ منه.

 

وهذه الأمور تَقْوَى جِدًّا من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حق العلم، أن كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنهم____في غاية العجز.

 

فانكسرت قلوبهم، وتوجهت إلى الله، فأنزل لهم من نَصْرِه ورِزْقِهِ _من دفع المكاره، وجلب المنافع_ ما لا يدركه القادرون. وَيُسِّرَ للقادرين بسببهم من الرزق ما لم يكن لهم في حساب؛ فإن الله جعل لكل أحد رزقا مُقَدَّرًا.

 

وقد جعل أرزاق هؤلاء العاجزين على يد القادرين، وأعان القادرين على ذلك، وخصوصًا مَنْ قَوِيَتْ ثِقَتُهُمْ بِاللهِ، واطمأنت نفوسهم لثوابه، فإن الله يفتح لهؤلاء من أسباب النصر والرزق ما لم يكن لهم ببال، ولا دَارَ لَهُمْ في خيالٍ.

 

فكم من إنسان كان رِزْقُهُ مُقَتَّرًا، فلما كثرت عائلته والمتعلقون به، وسع الله له الرزق من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية:

* ومن جهة وعد الله الذي لا يخلف: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39]

* ومن جهة: دعاء الملائكة كلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ: «اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلقا» [خ م].

* ومن جهة: أن أرزاق هؤلاء الضعفاء توجهت إلى من قام بهم، وكانت على يده.

* ومن جهة: أن يد المعطي هي العليا من جميع الوجوه.

* ومن جهة: أن المعونة من الله تأتي على قدر المؤنة، وأن البركة تشارك كل ما كان لوجهه، ومرادًا به ثوابه. ولهذا نقول:

* ومن جهة إخلاص العبد لله، وتقربه إليه بقلبه ولسانه ويده، كلما أنفق، توجه إلى الله وتقرب إليه. وما كان له فهو مبارك.

* ومن جهة قوة التوكل، وثقة المنفق، وطمعه في فضل الله وبره. والطمع والرجاء من أكبر الأسباب لحصول المطلوب.

 

* ومن جهة دعاء المستضعفين الْمُنْفَقِ عَلَيْهِمْ،

فإنهم يدعون الله - إن قاموا___وقعدوا، وفي كل أحوالهم - لمن قام بكفايتهم.

 

والدعاء سبب قوي: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]

وكل هذا مجرب مشاهد، فتبا للمحرومين، وما أَجَلَّ رِبْحَ الْمُوَفَّقِيْنَ، واللهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

فوائد الحديث :

&        عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (14 / 179)

وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا القَوْل لسعدٍ الحض على التَّوَاضُع، وَنفي الْكبر والزهو على قُلُوب الْمُؤمنِينَ،

وَأخْبر _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_: أَنَّ بدعائهم ينْصرُونَ وَيُرْزَقُونَ، لِأَن عِبَادَتهم ودعاءهم أَشد إخلاصاً وَأكْثر خشوعاً لخلو قُلُوبهم من التَّعَلُّق بزخرف الدُّنْيَا وَزينتهَا، وصفاء ضمائرهم عَمَّا يقطعهم عَن الله تَعَالَى: جعلُوا هَمهمْ وَاحِدًا. فزكت أَعْمَالهم، وَأجِيب دعاؤهم.

 

&        فتح الباري- تعليق ابن باز - (6 / 89)

قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.

 

&        شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (5 / 90)

"ففيه من الفقه أن من زها على ما هو دونه أنه ينبغى أن يبين من_فضله ما يحدث له فى نفس المزهو مقدارًا أو فضلا حتى لا يحتقر أحدًا من المسلمين ؛ ألا ترى أن الرسول أبان من حال الضعفاء ما ليس لأهل القوة والغناء فأخبر أن بدعائهم وصلاتهم وصومهم ينصرون .

 

&        فيض القدير - (6 / 354)

واستدل به الشافعية على ندب إخراج الشيوخ والصبيان في الاستسقاء

 

&        مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (8 / 3274)

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ النَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَقَدَّرَ تَوْسِيعَ الرِّزْقِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بِبَرَكَةِ الْفُقَرَاءِ، فَأَكْرِمُوهُمْ وَلَا تَتَكَبَّرُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ سُلُوكِ الْمَحَبَّةِ عَلَى أَضْيَقِ الْمَحَجَّةِ، وَمُلُوكُ الْجَنَّةِ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمَعَزَّةِ.

 

&        مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (8 / 3274)

فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ تِلْكَ الشَّجَاعَةَ بِبَرَكَةِ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَتِلْكَ السَّخَاوَةُ أَيْضًا بِبَرَكَتِهِمْ، وَأَبْرَزَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِيَدُلَّ عَلَى مَزِيدِ التَّعْزِيرِ وَالتَّوْبِيخِ

 

&        ذخيرة العقبى في شرح المجتبى - (26 / 311_312)

في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو استحباب طلب النصر على الأعداء من اللَّه تعالى بدعوة الضعفاء الصالحين. (ومنها): أن رفعة القدر عند اللَّه تعالى_ليست بالمظهر، وإنما هي بالتقوى، والإخلاص، والورع، كما قال اللَّه تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. (ومنها): استحباب الغزو مع الضعفاء؛ رجاء النصر بسببهم. (ومنها): فضيلة الدعاء، والصلاة، والإخلاص للَّه سبحانه وتعالى، حيث كانت سببًا لانتصار الجيوش على أعداء الإسلام. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

 

&        الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - (12 / 162)

وفيه أن نصرة السلاطين وأرزاق الملوك ليس إلا ببركة الفقراء والمساكين

 

&        كشف المشكل من حديث الصحيحين - (1 / 165)

إنما أراد النبي كسر سورته في اعتقاده فضله على غيره ليستعمل التواضع والذل فأعلمه أن الضعفاء في مقام انكسار وذل وهو المراد من العبد وهو المقتضي للرحمة والإنعام

 

 

 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين