شرح الحديث 64-64 من الأدب المفرد للأستاذ أبي فائزة البوجيسي

  

32_ بَابُ إِثْمِ قَاطِعِ الرَّحِمِ

 

64 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»

[قال الشيخ الألباني : صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ (صدوق) :

عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهنى مولاهم ، أبو صالح المصرى ( كاتب الليث بن سعد ) : (ت : 222 هـ)، روى له: خت د ت ق 

 

قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ

(ثقة ثبت فقيه إمام) :

الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمى ، أبو الحارث المصرى (مولى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر)، من كبار أتباع التابعين (ت : 175 هـ)، روى له: خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنِي عَقِيلٌ (ثقة ثبت : ت 144 هـ):

عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي: أبو خالد الأموى مولاهم (مولى عثمان بن عفان)، روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ (ثقة: 125 هـ):

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشى الزهرى: أبو بكر المدنى، من طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (ثقة : ت 100 هـ):

محمد بن جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل القرشى النوفلى ، أبو سعيد المدنى، من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ (صحابي):

جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل القرشى النوفلي، أبو محمد المدنى

الوفاة :  58 أو 59 هـ بـ المدينة، روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 36) (رقم: 64)، وفي "صحيحه" (8/ 5) (رقم: 5984)، ومسلم في صحيحه (4/ 1981) (رقم: 2556)، وأبو داود في سننه (2/ 133) (رقم: 1696)، والترمذي في سننه (4/ 316) (رقم: 1909)

 

فوائد الحديث :

 

q           وقال فيصل بن عبد العزيز الحريملي _رحمه الله_ في "تطريز رياض الصالحين" (ص/234):

((فيه: وعيد شديد لمن قطع رحمه. وفيه: عظم إثم قاطع الرحم.)) اهـ

 

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" د ت ق

 قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب - (2537) : ( صحيح )

 

وقال الزيداني في "المفاتيح في شرح المصابيح" - (5 / 207):

"قوله: (لا يدخلُ الجنَّةَ قاطعُ الرحم)، إنْ قَطَعَ الرَّحِمَ عن اعتقادِ جَوَازِ قَطْعِها؛ لأنه كافرٌ باستحلاله الحرامَ،

وإن لم يستحِلَّ قَطْعَ الرَّحِم، فمعنى هذا الحديث: أنه لا يدخلُ الجنةَ حتى يَطْهُرَ من ذنبِ قَطْعِ الرَّحمِ، إما بأن يعفوَ الله عنه، أو يعذِّبَه بقَدْر ذنبه." اهـ

 

شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (9 / 203):

"ومعناه عند أهل السنة : لايدخل الجنة إن أنفذ الله عليه الوعيد ، لإجماعهم أن الله _تعالى_ فى وعيده لعصاة المسلمين بالخيار: إن شاء، عذبهم. وإن شاء، عفا عنهم ." اهـ

 

q           مجموع الفتاوى ( ط: دار الوفاء - تحقيق أنور الباز ) - (7 / 679)

وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : أَنَّ فُسَّاقَ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَيْسُوا مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَتْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَلَيْسُوا كَامِلِينَ فِي الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ بَلْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَذَا الْعِقَابَ وَبِهَذَا الثَّوَابَ ؛ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

 

q           وقال ابن الملقِّنِ المصري _رحمه الله_ في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (28 / 266):

"ولا شك أن المتعاهدَ رَحِمَهُ بأدنى البر كالسلام ونحوه غيرُ داخل في هذا الوعيد. والوعيد في الذي يقطعهم بالهجرة لهم والمعاداة مع منعه إياهم معروفه ومعونته." اهـ

 

q           وقال الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (3 / 209):

"هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين." اهـ

 

q           وقال الشيخ عبد المحسن العباد _حفظه الله_ في شرح سنن أبي داود - (205 / 29)

"وإن الواجب هو الحذر من التعرض لهذا الوعيد، والحذر من أن يكون الإنسان من أهل هذا الوعيد." اهـ.

 

q           وقال الحسين بن محمد بن سعيد اللاعيّ، المعروف بـ"المَغرِبي" (المتوفى: 1119 هـ) _رحمه الله_ في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 198):

"وقد دل الحديث أن قطع الرحم من الكبائر وأن ذلك من معاظم الذنوب، قال القاضي عياض: "ولا خلاف أن قطع الرحم معصية وأن صلتها واجبة." اهـ[1]

 

q           وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله_ في "الفتاوى الكبرى" (5 / 130):

وكذلك كل ذنوب توعد صاحبه بأنه (لا يدخل الجنة)، (ولا يشم رائحة الجنة)، وقيل فيه: (من فعله، فليس منا) و(أن صاحبه آثم)، فهذه كلها من الكبائر كقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل الجنة قاطع ]." اهـ

 

q           مجموع فتاوى ابن باز(30)جزءا - (2 / 236_237):

"إن هذه الشريعة العظيمة أيضا نظمت العلاقات بين الأسرة في نفسها، أسرة الإنسان وقراباته بما شرع الله من صلة الرحم والمواريث , والتعاون فيما بين الأسرة حتى تكون مرتبطة متعاونة على ما يرضي ربنا عز وجل , متحابة فيما بيها هذا من رحمته وإحسانه جل وعلا أن جعل بين ذوي القرابات صلة خاصة تصل بعضهم ببعض وتجمع بعضهم إلى بعض وتربط بعضهم ببعض , فشرع صلة الرحم وحث على ذلك وتوعد على ترك ذلك , فقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : « لا يدخل الجنة قاطع »، يعني: قاطع رحم،...._____

وهكذا شرع العلاقات الطيبة بين المسلمين في جميع المعاملات . فجعلهم إخوة يتحابون في الله ويتعاونون على الخير في جميع المجالات .

وهذه أعظم صلة وأعطم رابطة بين المسلمين , الرابطة الإسلامية والأخوة الإيمانية وهي أعظم رابطة وهي فوق رابطة القرابة والصداقات وكل رابطة بين الناس.

فالرابطة الإسلامية والأخوة بين المسلمين فوقها، فالله سبحانه وتعالى جعل المسلمين فيما بيهم إخوة وأوجب عليهم أن يحب بعضهم لبعض , الخير ويكره له الشر , وأن يكونوا فيما بينهم متحابين متناصحين متعاونين حتى يكونوا كتلة واحدة وجماعة واحدة وصف واحدا وأمة واحدة { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }." اهـ

 

q           مجموع فتاوى ابن باز(30)جزءا - (9 / 415):

"والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة وبالتلفون - الهاتف - ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال إذا كان القريب فقيرا." اهـ[2]

 

q           وقال الشيخ العثيمين _رحمه الله_ في "مكارم الأخلاق" (1 / 21):

"ومن مكارم الأخلاق أيضاً صلة الأرحام: وهناك فرق بين الوالدين، والأقارب الآخرين.

فالأقارب: لهم الصلة، والوالدان: لهما البر .

والبر أعلى من الصلة، لأن البر كثيرة الخير والإحسان، لكن الصلة ألا يقطع. ولهذا يقال في تارك البر: إنه عاق، ويقال فيمن لم يصل : إنه قاطع! فصلة الأرحام واجبة، وقطْعُها سببٌ للعنة والحرمان من دخول الجنة." اهـ

 

وقال ابن رجب _رحمه الله_ في جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 520):

"ارْتِكَابَ بَعْضِ الْكَبَائِرِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْجَنَّةِ." اهـ

 

وقال محمود السبكي _رحمه الله_ في "المنهل العذب المورود" شرح سنن أبي داود (10/ 14)

دل الحديث على التحذير والترهيب من قطيعة الرحم. وعلى عظم عقوبة مرتكب ذلك." اهـ

 

وقال محمد بن صالح العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (6/ 277):

"وهذا تحذير شديد من قطيعة الرحم، وأنه سبب لعدم دخول الجنة كما أنه سبب للعنة والطرد والإبعاد عن رحمة الله،

قال الله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22، 23].

وقال تعالى: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} [الرعد: 25]. ففي الحديث: إذن الترهيب من قطيعة الرحم، وما هي قطيعة الرحم؟

ألا يصل إليهم خير منه، فيشمل ما إذا لم يصل الخير، وما إذا وصل الشر." اهـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

65 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ:

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

" إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، تَقُولُ: (يَا رَبِّ، إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ، إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ، إِنِّي إِنِّي، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ).

فَيُجِيبُهَا: ((أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ ))."

[قال الشيخ الألباني : حسن]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ بن منهال قَالَ (ثقة فاضل : 216 هـ):

حجاج بن المنهال الأنماطي ، أبو محمد السلمى و قيل البرسانى ، مولاهم ، البصرى : من صغار أتباع التابعين، روى له:  خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ثقة حافظ متقن : ت 160 هـ بـ البصرة):

شعبة بن الحجاج : أبو بسطام الواسطى ثم البصرى ، مولى عبدة بن الأغر : من كبار أتباع التابعين، روى له: خ م د ت س ق 

 

قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ (مقبول) [3]:

محمد بن عبد الجبار الأنصارى الحجازى، من الذين عاصروا صغارالتابعين، روى له:  بخ.

 

قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ (ثقة عالم : ت 120 هـ بـ الربذة):

محمد بن كعب بن سليم ، و قيل ابن حيان بن سليم بن أسد القرظى ، أبو حمزة و قيل أبو عبد الله ، المدنى، من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ (57 هـ):

أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني (حافظ الصحابة)، روى له:  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

" إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، تَقُولُ: (يَا رَبِّ، إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ، إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ، إِنِّي إِنِّي، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ).

فَيُجِيبُهَا: ((أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، وَأَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ؟ ))."

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 134 و 8/ 5 و 8/ 6 و 9/ 145) (رقم: 4830 و 5987 و 5988 و 7502) ومسلم في صحيحه (4/ 1980) (رقم: 2554)، والنسائي في السنن الكبرى (10/ 259) (رقم: 11433).

 

من فوائد الحديث:

 

شرح النووي على مسلم - (16 / 113)

قال القاضي عياض: "ولا خلاف أنَّ صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة."

قال: والاحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات:

بعضها أرفع من بعض، وأدناها: ترك المهاجرة. وصلتها: بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة:

فمنها واجب، ومنها مستحب. لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له، لا يسمى واصلا." اهـ

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 418):

"فمقصود هذا الكلام: الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم، وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته، وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول،

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 291)

وخلاصة القول: أن مقصود هذا الكلام الإخبار بتأكّد صلة الرحم، فإنها قد استجارت بالله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، فأجارها، وأدخلها في ذمته، وخفارته،

وإذا كان كذلك، فجار الله تعالى غير مخذول، وعهده غير منقوض، ولذلك قال مخاطبًا لها: (أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟)." اهـ

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (10 / 419)

وفي الأحاديث الثلاثة تعظيم أمر الرحم، وأن صلتها مندوب مرغب فيه وأن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه.

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (3 / 1253) للقاري:

"وَفِيهِ أَنْ لَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّخْيِيلِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى التَّحْقِيقِ، بِلَا مَانِعٍ وَصَارِفٍ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ،

وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّحِمِ فَمِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَالرَّحِمُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، فَإِمَّا أَنْ يُتْرَكَ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَنْصَرِفَ فِي مِنْوَالِهِ كَمَا هُوَ طَرِيقُ السَّلَفِ، أَوْ يُؤَوَّلُ عَلَى دَأْبِ الْخَلَفِ، مَعَ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ لَهَا حَقَائِقُ ثَابِتَةٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، أَوْ يَجْعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى صُوَرًا وَأَجْسَامًا، وَيَجْعَلَهَا نَاطِقَةً وَسَائِلَةً وَمُجِيبَةً." اهـ

 

&        تطريز رياض الصالحين - (1 / 222) للشيخ فيصل بن عبد العزيز الحريملي:

"في هذا الحديث: تعظيم شأن الرحم، وفضلِ واصلها، وعظيم إثم قاطعها، والرحم: قرابات الرجل من جهة والديه وإن علوا، وأولاده وإن نزلوا، وما يتصل بالطرفين من الأعمام والأخوال وأولادهم." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 295_298) للإثيوبي:

في فوائده:___

1 - (منها): بيان وجوب صلة الرحم، وتحريم قَطْعها.

2 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ المفسّر - رَحِمَهُ اللهُ -:

"ظاهر الآية أنَّها خطاب لجميع الكفار، وقال قتادة وغيره: معنى الآية: فلعلكم، أو يُخاف عليكم، إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض بسفك الدماء،

قال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى؟ ألم يسفكوا الدماء الحرام، ويقطعوا الأرحام، وعصوا الرَّحمن؟

فالرَّحِم على هذا رَحِم دين الإسلام والإيمان، التي قد سمّاها الله إخوة بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

وعلى قول الفراء: إن الآية نزلت في بني هاشم، وبني أمية، والمراد من أضمر منهم نفاقًا، فأشار بقطع الرحم إلى ما كان بينهم وبين النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من القرابة بتكذيبهم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك يوجب القتال.

وبالجملة فالرحم على وجهين: عامة وخاصة.

* فالعامة : رَحِم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله، ونُصرتهم، والنصيحة، وترك مضارّتهم، والعدل بينهم، والنَّصَفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضى، وحقوق الموتي، مِن غَسْلهم، والصلاة عليهم، ودَفْنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.

* وأما الرَّحِمُ الخاصة: وهي رَحِمُ القرابة من طَرَفَي الرجل: أبيه، وأمه،

فتجب لهم الحقوق الخاصة، وزيادة، كالنفقة، وتفقُّد أحوالهم، وترْك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بُدئ بالأقرب فالأقرب.

وقال بعض أهل العلم: إن الرحم التي تجب صِلَتها هي كلّ رحم مَحْرم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال، وقيل: بل هذا في كلّ رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث، مَحْرَمًا كان أو غيرَ محرمٍ،

فيخرج من هذا أن رحم الأم التي لا يُتوارث بها لا تجب صلتهم، ولا يحرم قطعهم.

وهذا ليس بصحيح، والصواب أن كلّ ما يشمله، ويعمّه الرحم تجب صلته على كلّ حال: قرابة، ودينية، على ما ذكرناه أولًا، والله أعلم.

وقد روى أبو داود الطيالسيّ في "مسنده" قال: حَدَّثَنَا شعبة، قال:___القيامة، تحت العرش، يقول: يا رب قُطعت، يا رب ظُلمت، يا رب أُسيء إليّ، فيجيبها ربها: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك".

وفي "صحيح مسلم" عن جبير بن مُطْعِم عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يدخل الجَنَّة قاطع"، قال سفيان: يعني: قاطع رحم. انتهى ["تفسير القرطبيّ" 16/ 247 - 248].

3 - (ومنها): ما قاله القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهَ -: لا خلاف أن صلة الرحم

واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة،

قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجَرة.

وَصِلَتها بالكلام، ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة، والحاجة. فمنها: واجب، ومنها: مستحبّ، لو وصل بعض الصلة، ولم يَصِلْ غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قَصّر عما يقدر عليه، وينبغي له، لا يسمى واصلًا." انتهى. ["شرح النوويّ" (16/ 113)]

4 - (ومنها): ما قاله عياض أيضًا: اختلفوا في حدّ الرحم التي تجب صلتها، فقيل: هو كلّ رحم محرم، بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حَرُمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام، ولا أولاد الأخوال،

واحتَجّ هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها في النِّكَاح ونحوه، وجواز ذلك في بنات الأعمام، والأخوال،

وقيل: هو عامّ في كلّ رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثم أدناك، أدناك".

قال النوويّ - بعد نقل كلام عياض هذا -: وهذا القول الثاني هو

الصواب، ومما يدلُّ عليه الحديث السابق في أهل مصر: "فإن لهم ذمّةً،

ورَحِمًا"، وحديث: "إن أبرّ البرّ أن يصل أهل وُدّ أبيه"، مع أنه لا محرمية.

انتهى ["شرح النوويّ" (16/ 113)]___

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله النوويّ من تصويب القول الثاني

هو الحقّ، لوضوح أدلّته، والله تعالى أعلم." اهـ

 

قال الشيخ محمد لقمان السلفي في "رش البر شرح الأدب المفرد" (ص 45):

"فقه الحديث:

1 ـ التأكيد على حرمة قطيعة الرحم والإعراض عنها

۲ ـ صلة الرحم سبب رحمة الله لعباده وقطيعتها سبب الفساد والإفساد .

3 ـ الاستعاذة لا تكون إلا بالله وحده لا شريك له .

 

قال الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي _رحمه الله_ في "عون الأحد الصمد شرح الأدب المفرد" (1/ 76):

"لا إله إلا الله، هـذا الحديـث الـذي اتفق مع هذه الآية جمع النبي صل الله عليه وسلم فيه بين الترغيب والترهيب، بين الترغيب في الصلة،

أي: أن من وصل الرحم کا سبق بيانه في نصوص مماثلـة وصـلـه الله بخيري الدنيا والآخرة ووصلـه برضاه وإعانته على كل مطلوب محبوب،

وكذلك نجاه من المرهوب، والعكس بالعكس، من قطع الرحم قطعه الله ومن قطعه الله خاب وخسر،

فهذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي جمع فيها النبي _صل الله عليه وسلم_ بين الترغيب في صلة الأرحام وبين الترهيب من قطيعة الأرحام،

وهو متفق مع الآية الكريمة في سورة محمد : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، الآية.

وفي الحديث : دليـل على إثبـات صفة الكلام الله، وأنه يكلم من شـاء من خلقـه، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة الذين يثبتون الله جميع صفات الكمال والجلال، وينفون عنه مشابهته لشيء من مخلوقاته؛ لأنه سبحانه له الكمال المطلق ذاتًا وأسماءً وصفاتٍ؛ « ليس كمثله وهو السميع البصير ﴾ [النوري : 11]." اهـ

 



[1] وقال القاضي عياض _رحمه الله_ في إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 20): "ولا خلاف: أن صلة الرحم واجبة على الجملة، وقطعها كبيرة." اهـ

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام" – ط. المكتبة الإسلامية (6/ 278): "في هذا الحديث: دليل على أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب؛ لأنه رتب عليها عقوبة في الآخرة." اهـ

[2] وقال السفاريني _رحمه الله_ في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" (1/ 355_356):

"تَقَدَّمَ كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ وَنَصَّ الْإِمَامُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالسَّلَامِ وَعَدَمِهِ.

وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَلْبَانِيُّ فِي آدَابِهِ مَا نَصُّهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ مُوَالَاتُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَجْلِ قَرَابَتِهِمْ، وَتَأْكِيدُ الْمُبَادَرَةِ إلَى صُلْحِهِمْ عِنْدَ عَدَاوَتِهِمْ، وَالِاجْتِهَادُ فِي إيصَالِهِمْ كِفَايَتَهُمْ بِطِيبِ نَفْسٍ عِنْدَ فَقْرِهِمْ، وَالْإِسْرَاعُ إلَى مُسَاعَدَتِهِمْ وَمُعَاوَنَتِهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ، وَمُرَاعَاةُ جَبْرِ خَاطِرِهِمْ مَعَ التَّعَطُّفِ وَالتَّلَطُّفِ بِهِمْ، وَتَقْدِيمُهُمْ فِي إجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ، وَالتَّوَاضُعُ مَعَهُمْ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِمْ وَقُوَّتِهِم وَضَعْفِهِمْ، وَمُدَاوَمَةُ مَوَدَّتِهِمْ وَنُصْحُهُمْ فِي كُلِّ شُؤُونِهِمْ، وَالْبُدَاءَةُ بِهِمْ فِي الدَّعْوَةِ وَالضِّيَافَةِ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، وَإِيثَارُهُمْ فِي الْإِحْسَانِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وَفِي مَعْنَاهَا الْهَدِيَّةُ وَنَحْوُهَا.

وَيَتَأَكَّدُ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ الرَّحِمِ الْكَاشِحِ الْمُبْغِضِ عَسَاهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ بُغْضِهِ إلَى مَوَدَّةِ___قَرِيبِهِ وَمَحَبَّتِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» . انْتَهَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ أَكْثَرُهُ مَنْدُوبٌ كَمَا يُعْلَمُ. وَفِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ صِلَةُ الرَّحِمِ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِحْسَانِ إلَى الْأَقْرَبِينَ مِنْ ذَوِي النَّسَبِ وَالْأَصْهَارِ، وَالتَّعَطُّفُ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ، وَالرِّعَايَةُ لِأَحْوَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ إنْ بَعُدُوا وَأَسَاءُوا. وَقَطْعُ الرَّحِمِ ضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ. يُقَالُ وَصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُهَا وَصْلًا وَصِلَةً، وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ، فَكَأَنَّهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ قَدْ وَصَلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ عَلَاقَةِ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ. انْتَهَى.

وَفِي الْفَتْحِ: "قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ رَحِمُ الدِّينِ وَتَجِبُ مُوَاصَلَتُهَا بِالتَّوَادِّ وَالتَّنَاصُحِ وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ. وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّةُ فَتَزَيُّدُ النَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِمْ، وَالتَّغَافُلُ عَنْ زَلَّاتِهِمْ، وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ: تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِدَفْعِ الضَّرَرِ وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَبِالدُّعَاءِ. وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَمِرُّ إذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللَّهِ هِيَ صِلَتُهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي وَعْظِهِمْ ثُمَّ إعْلَامُهُمْ إذَا أَصَرُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ الْحَقِّ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إلَى الطَّرِيقِ الْمُثْلَى. انْتَهَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ." اهـ

وقال المناوي _رحمه الله_ في "فيض القدير" (6/ 448): "والواجب منها : ما يُعَدُّ به في العرف واصلا، وما زاد تفضل ومكرمة. الرحم والقرابة، وهو: من بينك وبينه نسبٌ، وإن لم يرث، ولم يكن محرما على الأصح." اهـ

[3] سنده ضعيف، إلا أنه مر بنا  في الحديث السابق بـ(رقم: 54 و 55)، فانظره، فإنه من شواهده التي تقويها. ومن طريق آخر: تاتعه عليه  معاوية ابن أبي مُزَرِّد (وهو صدوق) كما فواية التخاري في صحيحه.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين