شرح الحديث 50 من صحيح الترغيب

 

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 128)

50 - (2) [صحيح] وعن جابر رضي الله عنه قال:

كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، كأنَّهُ منذرُ جيشٍ[1]، يقول: صَبَّحكم ومَسَّاكم[2]. -ويقول:- (1)

"بُعِثْتُ أنا والساعةُ كهاتين". -وَيَقرنُ بين إصبَعَيْه السبابّةِ والوُسطى ويقول:-

"أمّا بعد[3]، فإنّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْيُ محمدٍ[4]، وشرَّ الأمور محدثاتُها[5]، وكل بدعة ضلالة (2)[6] ". ثم يقول:

"أنا أولى بكل مؤمن من نفسِه[7]، من ترك مالاً فلأهلِه[8]، ومن تَرَكَ دَيناً أو ضياعاً (3)[9]، فإليَّ، وعليَّ".

رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما.   

__________

(1) يفعل عليه الصلاة والسلام ذلك حال الخطبة إزالة للغفلة من قلوب الناس، ليتمكّن فيها كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كل التمكّن، أو ليتوجه فكره إلى الموعظة فتظهر عليها النار الهيبة الإلهية.

وقوله: (صبَّحكم ومسَّاكم) هو بتشديد الباء في الأولى، أي: نزل بكم العدو صباحاً. والمراد سينزل، وصيغة الماضي للتحقق، وبتشديد السين المهملة في الثاني.

وقوله: (محدثاتها) بفتح الدال، والمراد بها ما لا أصل له في الدين مما أحدث بعده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(2) زاد النسائي (1/ 234)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 143/ 1785) وغيرهما: "وكل ضلالة في النار"، وإسنادها صحيح، وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "إبطال التحليل".

(3) قوله: (أو ضياعاً) بفتح الضاد المعجمة: العيال، وأصله مصدر، أو بكسرها: جمع ضائع، كجياع جمع جائع. والله أعلم.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (2/ 592) (رقم : 867)، وابن ماجه في سننه (1/ 17) (رقم : 45)، وأحمد في مسنده (22/ 237) (رقم : 14334)،الدارمي في سننه (1/ 289) (رقم : 212)، وغيرهم.

 

ترجمة جابر بن عبد الله _رضي الله عنه_:

 

وفي الأعلام للزركلي (2/ 104)

جابِر بن عبد الله (16 ق هـ - 78 هـ = 607 - 697 م)

جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السملي: صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة. له ولأبيه صحبة. غزا تسع عشرة غزوة. وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. روى له البخاري ومسلم___وغيرهما 1540 حديثا." اهـ


شرح الحديث:

 

الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 50)

فَالْبِدْعَةُ إِذَنْ عِبَارَةٌ عَنْ: طَرِيقَةٍ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٍ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ.

 

من فوائد الحديث:

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (17/ 268_269):

"في فوائده:

1 - (منها): بيان مشروعيّة الخطبة.

2 - (ومنها): بيان وجوب اجتناب البدع، وسيأتي البحث عن البدعة مستوفًى في المسائل الآتية -إن شاء اللَّه تعالى-.

3 - (ومنها): ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من شدّة الاهتمام في التحذير عن المعاصي، والحثّ على الطاعات، ومن أجل شدّة الاهتمام بذلك ينشأ غضبه، بحيث تحمرّ عيناه، ويتغيّر حاله، فكأن من سمع خطبته في تلك الحال يتصوّره كأنه منذر جيش جرّار، قد دنا اجتياحه لقومه، وهم في غفلتهم ساهون، وفي مستلذّاتهم لاهون، وذلك نتيجة حرصه على هداية أمته، ورحمته ورأفته بهم، فكان كما وصفه اللَّه -عزَّ وجلَّ- بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].

4 - (ومنها): أنه ينبغي للخطيب أن يفخِّم أمر الخطبة، فيرفع صوته، ويُجْزِل كلامه؛ حتى يكون مطابقًا للفصل الذي يتكلّم فيه، من ترغيب، أو ترهيب.

5 - (ومنها): بيان قرب الساعة، فإن بعثته -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى علاماتها.

6 - (ومنها): مشروعيّة ضرب المثل للإيضاح.

7 - (ومنها): استحبابُ قولِ: "أما بعدُ" في خُطَب الوعظ، والجمعة، والعيد، وغيرها، وكذا في خُطَب الكتب المصنفة، وقد عقد الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بابًا في استحبابه، وذكر فيه جملةً من الأحاديث، واختَلَف العلماء في أول من تكلم به، فقيل: داود -عليه السلام-، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: قُسّ بن ساعدة. وقال بعض المفسرين، أو كثير منهم: إنه فصل الخطاب الذي أوتيه داود -عليه السلام-، وقال المحققون: فصلُ الخطاب الفصل بين الحقّ والباطل (1)، وقد استوفيت___البحث في هذا في "شرح المقدّمة"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

8 - (ومنها): كون كلام اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خير الكلام، كما قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} الآية [الزمر: 23].

9 - (ومنها): أن هدي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خير الهدي، وأكمله، وأحسنه وأفضله.

10 - (ومنها): أن البِدَعَ التي لا أصل لها من الكتاب والسنة شرُّ الأمور، وأنها هي الضلالة بعينها، فيجب اجتنابها، والحذر منها، والبعد عن أهلها، حتى لا يقع العاقل في مهواتها، فيكون مأواه نار جهنم وبئس المصير.

11 - (ومنها): كون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أولى بكلّ مؤمن من نفسه، كما قال اللَّه تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية [الأحزاب: 6].

12 - (ومنها): أن من مات وعليه دينٌ، ولم يترك وفاءً، أو ترك عيالًا لا كافل لهم، فعلى الإمام أن يتولّى ذلك من بيت المال، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب." اهـ

 

q         عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (35 / 382):

"والمراد به: ما أحدث وليس له أصل في الشرع وسمي في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة." اهـ

 

q         الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف - (4 / 61)

"ذكْرُ صِفَةِ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدْئِهِ فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ." اهـ

 

q         فتح الباري ـ لابن رجب موافقا للمطبوع - (5 / 486_489):

"وقد كان النبي ( يأمر بهذه الخطبة لكل من له حاجة ، أن يبدأ بها قبل ذكر

حاجته،___

فظهر بهذا : أن خطبة النبي ( كانت تشتمل على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، وعلى الشهادة لله بالتوحيد ، ولمحمد بالرسالة .___

وأنه ( كان يعظ الناس ويذكرهم بالله وبوحدانيته ، وتفرده بالربوبية والمشيئة ، ويحثهم على تقواه وطاعته .

وكان - غالباً - يفصل بين التحميد وتوابعه من الشهادتين ، وما بعد ذلك من الوعظ والأمر والنهي ، بقوله : ( ( أما بعد ) ) .

وكان - أيضاً - يتلو من القرآن في خطبته ." اهـ

 

q         شرح النووي على مسلم - (6 / 155_156):

"قوله: (إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش) :

يستدل به على أنه___يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب ولعل اشتداد غضبه كان عند انذاره أمرا عظيما وتحديده خطبا جسيما." اهـ

 

q         شرح النووي على مسلم - (6 / 156)

قَوْله : ( وَيَقُول : أَمَّا بَعْد )

فِيهِ: اِسْتِحْبَاب قَوْل ( أَمَّا بَعْد ) فِي خُطَب الْوَعْظ وَالْجُمْعَة وَالْعِيد وَغَيْرهَا ، وَكَذَا فِي خُطَب الْكُتُب الْمُصَنَّفَة ،

وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيّ بَابًا فِي اِسْتِحْبَابه ، وَذَكَرَ فِيهِ جُمْلَة مِنْ الْأَحَادِيث ،

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ : دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَام ، وَقِيلَ : يَعْرُب بْن قَحْطَان ، وَقِيلَ: قُسّ بْن سَاعِدَة ، وَقَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِير مِنْهُمْ : إِنَّهُ فَصْل الْخِطَاب الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ : فَصْل الْخِطَاب الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل." اهـ

 

q         شرح النووي على مسلم - (6 / 156):

"قَوْله (كَانَتْ خُطْبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْجُمُعَة يَحْمَد اللَّه وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُول)، إِلَى آخِره.

فِيهِ : دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَجِب حَمْد اللَّه تَعَالَى فِي الْخُطْبَة وَيَتَعَيَّن لَفْظه ، وَلَا يَقُوم غَيْره مَقَامه ." اهـ

 

q         التيسير بشرح الجامع الصغير ـ للمناوى - (1 / 466):

"كل فعلة أحدثت على خلاف الشرع ضلالة (أي: توصف بذلك)، لإضلالها. والحق فيما جاء به الشارع فماذا بعد الحق إلا الضلال." اهـ

 

q         فيض القدير - (2 / 171):

"فبادروا إلى التوبة لتسقط عنكم المعاصي وازهدوا في الدنيا ليخف حسابكم وتذكروا الآخرة وأهوالها وما هو إلا من نفس إلى نفس فتصيرون إليها

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 177):

"فَهَذَا الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّارِعِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَهُوَ غَيْرُ مَرْدُودٍ، وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهِ هَاهُنَا: دِينُهُ وَشَرْعُهُ، كَالْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» . فَالْمَعْنَى إِذًا: أَنَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ خَارِجًا عَنِ الشَّرْعِ لَيْسَ مُتَقَيِّدًا بِالشَّرْعِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 177)

وَقَوْلُهُ: " لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْعَامِلِينَ كُلِّهِمْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَتَكُونُ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ حَاكِمَةً عَلَيْهَا بِأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، فَمَنْ كَانَ عَمَلُهُ جَارِيًا تَحْتَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مُوَافِقًا لَهَا، فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ مَرْدُودٌ.

 

q         دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لـ ابن علان الصديقى - (2 / 57):

(ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) هو موافق لقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب:2) أي أحق. قال أصحابنا: كان النبيّ إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه بذله له ، وجاز له أخذه من مالكة المضطرّ له، وهذا وإن جاء له إلا أنه لم يقع

 

q         سبل السلام - (2 / 407)

وَذَكَرَ فِيهِ جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ جَمَعَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ " أَمَّا بَعْدُ " لِبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَأَخْرَجَهَا عَنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَازِمُهَا فِي جَمِيعِ خُطَبِهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ ، وَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ

 

q         سبل السلام - (2 / 407)

وَكَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ كَمَا أَمَرَ الدَّاخِلَ ، وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَذْكُرُ مَعَالِمَ الشَّرَائِعِ فِي

سبل السلام - (2 / 408)

الْخُطْبَةِ ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَالْمَعَادَ وَيَأْمُرُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَيُحَذِّرُ مِنْ غَضَبِهِ وَيُرَغِّبُ فِي مُوجِبَاتِ رِضَاهُ

 

q         الفتاوى الكبرى - (3 / 37)

أفضل العبادات ما وافق هدى رسول الله صلى الله عليه و سلم كما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول في خطبته : [ خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ]

 

q         الفتاوى الكبرى - (1 / 194)

وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يتبع إلا أن يكون موافقا لأمر الله ورسوله ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيرا فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال فإن الدجال يقول للسماء : امطري فتمطر ويقول للأرض انبتي فتنبت

 

q         درء التعارض - (1 / 149):

فدين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة رسوله وما اتفقت عليه الأمة، فهذه الثلاثة هي أصول معصومة.

وما تنازعت فيه الأمة ردوه إلى الله والرسول، وليس لأحد أن ينصبَ للأمة شخصا، يَدْعُوَ إلى طريقته، ويوالي عليها، ويعادي غير النبي _صلى الله عليه و سلم_ وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون

 

q         التحذير من البدع - (1 / 19)

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها ، وأتم عليها نعمته ، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلّغ البلاغ المبين ،

وبيّن للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال ، وأوضح صلى الله عليه وسلم : أن كل ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال فكله بدعة مردود على من أحدثه ، ولو حسن___قصده ،

وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ، وهكذا علماء الإسلام بعدهم ، فأنكروا البدع وحذروا منها ، كما ذكر ذلك كل من صنّف في تعظيم السنة وإنكار البدعة ؛ كابن وضاح ، والطرطوشي ، وأبي شامة ، وغيرهم ." اهـ



[1] (صَبَّحَكُمْ) بتشديد الموحّدة، والفاعل ضمير يعود إلى العدوّ المنذَر به، والضمير المنوب يعود إلى المنذَرين؛ أي: نزل بكم العدوّ صباحًا، والمراد أنه سينزل، وعبّر بصيغة الماضي؛ لتحقّقه.

[2] (وَمَسَّاكُمْ) بتشديد السين المهملة، مثلُ "صَبّحكم"، والمراد: الإنذار بإغارة الجيش في الصباح والمساء.

وقيل: يَحْتَمِل أن يكون ضمير "يقول" للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والجملة حال، وضمير "صبّحكم، ومسّاكم" للعذاب، والمراد به: قَرُب منكم، إن لم تطيعوني هلكتم، والوجه الأول هو الأظهر، واللَّه تعالى أعلم.

[3] (وَيَقُولُ) -صلى اللَّه عليه وسلم- "أمَّا بَعْدُ) "أما" كلمة تَفْصِل ما بعدها عما قبلها، وهي حرفٌ متضمّنٌ للشرط، ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدّرها النحويّون بـ "مهما يكن من شيء"

[4] قال العلماء: لفظ الهدى له معنيان:

[أحدهما]: بمعنى الدلالة والإرشاد، وهو الذي يضاف إلى الرسل، والقرآن، والعباد، قال اللَّه تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، و {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]، أي: بيّنّا لهم الطريق، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} [البلد: 10].

[والثاني]: بمعنى اللطف، والتوفيق، والعصمة، والتأييد، وهو الذي تفرّد اللَّه تعالى به، ومنه قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} الآية [القصص: 56]. وقالت القدرية: حيث جاء الهدى، فهو للبيان، بناءً على أصلهم الفاسد في إنكار القدر، وردّ عليهم أصحابنا وغيرهم من أهل الحقّ، مثبتي القدر للَّه تعالى بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} [يونس: 25]، ففرّق بين الدعاء والهداية. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-

[5] قال في "الفتح": "المحدَثات" بفتح الدال جمع محدثة، والمراد بها ما أُحدث، وليس له أصل في الشرع، وُشممّى في عرف الشرع "بدعةً"، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أُحدث على غير مثال يُسَمَّى بدعةً، سواء كان محمودًا، أو مذمومًا، وكذا القول في المحدَثة، وفي الأمر المحدَث الذي ورد في حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- مرفوعًا: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ". انتهى من "الفتح" (13/ 266 – 267)، طبعة دار الريان

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني: المحدَثات التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحّة والجواز، وهي المسمّاة بالبِدَعِ، ولذلك حُكم عليها بأنّ كل بدعة ضلالة، وحقيقة البدعة: ما ابتدئ، وافْتُتح من غير أصل شرعيّ، وهي التي قال فيها -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ" متّفقٌ عليه. انتهى من "المفهم" (2/ 508)

[6] (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ") هذه الجملة معطوفة على محذوف كما بُيِّن في رواية أخرى؛ تقديره: فكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وعند النسائيّ بإسناد صحيح من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وكلُّ بدعة ضلالة" هذا عامّ مخصوص، والمراد: غالب الْبِدَع، قال أهل اللغة: هي كلُّ شيء عُمِل على غير مثال سابق. قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومُحَرَّمة، ومكروهة، ومباحة، فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للردّ على الملاحدة والمبتدعين، وشبه ذلك، ومن المندوبة تصنيف كتب العلم، وبناء المدارس والربط، وغير ذلك، ومن المباح التبسط في ألوان الأطعمة، وغير ذلك، والحرام والمكروه ظاهران.

فإذا عُرِف ما ذكرته عُلِم أن الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في التراويح: نعمت البدعة، ولا يَمنَع من كون الحديث عامًا مخصوصًا قوله: "كل بدعة" مؤكدًا بـ "كل" بل يدخله التخصيص مع ذلك، كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] انتهى من "شرح مسلم" (6/ 155)

وقال العلامة محمد بن علي الإثيوبي في "البحر المحيط الثجاج" (17/ 264_265) ردا على النووي:

"قول النوويّ: "هذا عامّ مخصوص" فيه نظرٌ لا يخفى؛ إذ ليس كذلك، بل الصواب أنه على عمومه، فإن كل بدعة شرعيّة ضلالة من دون استثناء شيء منها، وأما ما ظنّه أنه مخصوص من العموم، فإنما هو في البدع اللغويّة، فإن البدعة قسمان:

[إحداهما]: شرعيّة، وهي التي أُحدثت بعد كمال الدين، وليس لها أصل في الكتاب، والسنة، والإجماع، فهذه ضلالة دون استثناء.

[والثانية]: لغويةٌ وهي أعمّ من الشرعيّة، إذ هي تشمَلُ كلَّ ما أُحدث بعد____

النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سواء كان له أصل في الشرع أم لا، فكلُّ ما أورده النوويّ من الأمثلة، وظنّ أنه مخصوص من عموم هذا الحديث، فإنه من اللغويّة، لا من الشرعية.

والحاصل أن البدع التي ليس لها مُسْتَنَدٌ من الأدلة الشرعية، فإنها بدعة شرعية ضلالة، وأن البدع التي لها أصل من الأدلة الشرعيّة، فهي من البدع اللغويّة، وليست من الضلالة في شيء، ويدلّ على هذا التقسيم الحديثُ المتّفق عليه: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ"، فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما ليس منه" يدلّ على أن من المحدَث ما هو من الشرع، وهو الذي تدلّ عليه الأدلة الشرعيّة." اهـ

[7] (ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو موافق لقول اللَّه تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]؛ أي: أحقّ، قال أصحابنا -يعني: الشافعيّة-: لو كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مضطرًّا إلى طعام غيره، وهو مضطرّ إليه لنفسه كان للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذه من مالكه المضطرّ، ووجب على مالكه بذله له -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالوا: ولكن هذا -وإن كان جائزًا- فما وقع. انتهى.

[8] (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ) أي: فهو ميراث لأهله.

[9] (وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ") أي: فعليّ وفاء دينه، وإلَيّ كفالة عياله، فالأول راجع إلى الدَّين، والثاني راجع إلى الضياع.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا تفسير لقوله: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه"،

قال أهل اللغة: "الضَّيَاع" -بفتح الضاد-: العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يَضيع ضَيَاعًا، والمراد: من ترك أطفالًا وعيالًا ذوي ضَياع، فأوقع المصدر موضع الاسم. انتهى.

وقال القرطبيّ: الضَّيَاع: العيال، قاله النضر بن شُميل. وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضَاعَ يَضيع ضَيَاعًا، ومثله: مضى يمضي مَضَاءً، وقَضَى يَقْضِي قَضَاءً: أراد من ترك عيالًا، أو أطفالًا، فجاء بالمصدر موضع الاسم، كما تقول: ترك فقرًا: أي: فقراء. و"الضِّيَاع" بالكسر: جمع ضائع، مثل جائع وجياع، وضيعة الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه، من صناعة، أو غلّة، قاله الأزهريّ، وقال شَمِر: ويدخل فيه التجارة، والحِرفة، يقال: ما ضيعتك؟ فتقول: كذا. انتهى من "المفهم" (2/ 509).

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أصحابنا: وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُصلي على من مات وعليه دَين، لم يَخلُف به وفاء؛ لئلا يتساهل الناس في الاستدانة، ويُهمِلوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح اللَّه على المسلمين مبادئ الفتوح قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من ترك دينًا فعليّ"؛ أي: قضاؤه، فكان يقضيه.

واختَلَف أصحابنا: هل كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجِب عليه قضاء ذلك الدين، أم كان يقضيه تَكَرُّمًا؟ والأصح عندهم أنه كان واجبًا عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

واختلفوا هل هذه من الخصائص أم لا؟ ، فقال بعضهم: هو من خصائص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: لا، بل يلزم الإمام أن يقضي من بيت المال دَين من مات، وعليه دين إذا لم يَخلُف وفاءً، وكان في بيت المال سعة، ولم يكن هناك أهم منه. انتهى كلام النوويّ من "شرح مسلم" (6/ 155).

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين