شرح الحديث 28 من رياض الصالحين

 

[28] وعن أنَسٍ[1] _رضي الله عنه_ قَالَ :

"لَمَّا ثَقُلَ[2] النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ،

فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها : "وَاكَربَ أَبَتَاهُ."

فقَالَ : «لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ»[3]

فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ : "يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ! يَا أَبتَاهُ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ! يَا أَبَتَاهُ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ![4]"

فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ _رَضي الله عنها_ : "أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله _صلى الله عليه وسلم_ التُّرَابَ؟![5]" رواه البخاري.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 15) (رقم : 4462)، والنسائي (4/ 12) (رقم: 1844)، وابن ماجه في سننه (1/ 521_522) (رقم : 1629 و 1630)

 

وفي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 588) (رقم: 3618): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا [ص:589] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا»

 

دهشة الصحابة عند وفاة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_

 

قال يحيى بن أبى بكر بن محمد بن يحيى العامري الحَرَضِيُّ[6] (المتوفى: 893هـ) _رحمه الله_ في "بهجة المحافل وبغية الأماثل" (2/ 114_115) واصِفًا دهشة الصحابة يوم توفي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ :

"ولما قبض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وارتفعت الرنة عليه، دهش أصحابه دهشةً عظيمةَ وركَّتْ عقولُهُمْ، وطاشتْ أَحْلَامُهُمْ، وأفحموا، واختلطوا،

وصاروا فرقا وكان ممن اختلط عمر، فجعل يصيح ويحلِفُ : "ما مات رسول الله _صلى الله عليه وسلم_"، وتَهَدَّدَ من قاله، وكأنه لم يتقرر قبلُ عنده موتُه، وأُقْعِدَ عليه، فلم يستطع حَرَاكًا، وأُخْرِسَ عثمانُ، فكان يذهب به ويُجَاءُ، ولا يستطيع كلامًا، وأضنى عبد الله بن أنيس حتى مات كَمْدًا، واضْطَرَبَ الْأَمْرُ، وَجَلَّ الخَطْبُ، وفَدَحَهُمْ هَوْلُ مُصِيْبَتِهِ، وَحَقَّ لَهُمْ،

وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِمْ أَثْبَتُ مِنَ الْعَبَّاسِ وَأَبي بَكْرٍ____

وروينا فيه من رواية عائشة وابن عباس وعمر :

أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهو مغشي بثوب حِبْرةٍ، فكشف عن وجهه فأكب عليه فقبَّله وبكى، ثم قال :

"بأبي وأمي أنت، والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها."

ثم خرج وعمر يكلم الناس، قال : "اِجْلِسْ يا عمر"،

فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر.

فقال أبو بكر : أما بعدُ، من كان منكم يعبدُ محمدًا، فإنَّ محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يموت."

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } [آل عمران: 144]

قال الله : {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...} الآيةَ الى {...الشَّاكِرِينَ}[7]

قال ابن عباس : "والله، لكأنَّ الناسَ لَمْ يَعْلَمُوْا أنَّ اللهَ أَنْزَلَ هذِهِ الآيةَ حَتَّى تَلاَها أبو بكر، فتلقَّاهَا الناسُ مِنْهُ كُلُّهُمْ، فما سمع بشرا من الناس إلا يتلوها."

قال عمر : "والله، ما هو إلَّا إنْ سمعتُ أبَا بكر تلاها، فَعَقِرْتُ حتى ما تُقِلُّنِيْ رِجْلَايَ وحتى أهويت إلى الارض حين سمعته تلاها،

علمت أنَّ النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_ قد مات، كل هذا من أبي بكر وعيناه تَهْمِلَانِ ربك، وليكن ممالك، فلولا ما خلَّفت من السكينة لم نقم لما خلَّفْتُ مِنَ الْوَحْشَةِ، اللهم أَبْلِغْ نَبِيَّكَ عَنَّا واحْفَظْهُ فِيْنَا." اهـ

 

فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (8/ 149)

وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ احْتِضَارِهِ بِمِثْلِ قَوْلِ فَاطِمَةَ _عَلَيْهَا السَّلَامُ_ "وَاكَرْبَ أَبَاهُ"، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النِّيَاحَةِ، لِأَنَّهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ.

وَأما قَوْلهَا بعد أَن قبض: (وَا أبتاه...) إِلَخْ

فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُتَّصِفًا بِهَا لَا يُمْنَعُ ذِكْرُهُ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَتْ فِيهِ ظَاهِرًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ أَوْ لَا يَتَحَقَّقُ اتِّصَافُهُ بِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ." اهـ

 

نيل الأوطار (4/ 130) :

"وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ فَاطِمَةَ. . . إلَخْ جَوَازُ ذِكْرِ الْمَيِّتِ بِمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا،

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : "لَيْسَ هَذَا مِنْ نَوْحِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكَذِبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ نُدْبَةٌ مُبَاحَةٌ." انْتَهَى.[8]

وَعَلَى فَرْضِ صِدْقِ اسْمِ النَّوْحِ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ عَلَى مِثْلِ هَذَا، فَلَيْسَ فِي فِعْلِ فَاطِمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ لَا يَصْلُحُ لِلْحُجِّيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ عَنْهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُمَا بِمَحْضَرِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ حَتَّى يَكُونَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى الْجَوَازِ لِسُكُوتِهِمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ ذَلِكَ." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 306)

* في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على علو شأنه وشرف مكانته انتهى الأمر في مرضه إلى أن ثقلت حاله، وذلك من حكمة الله _عز وجل_ ليكون لكل من ثقلت حاله به أسوةً، فلا يستدل بثقل حال مؤمن على غير الخير.

* وأما قول فاطمة رضي الله عنها: (واكرب أبتاه؟)[9] فإن هذه الألف والهاء في كلام العرب يسميان حرفي نُدْبَةٍ، فلو قال غير فاطمة _عليها السلام_ مِثْلَ هذا القولِ الجميلِ على مَيِّتٍ، جاز، ما لم تقل شيئًا يُسْخِطُ الرب أو يتبع ذلك بنوح أو لطم خد أو شق ثوب، ولتقل هذا المرأة إذا قالته وهي جالسة لئلا تتشبه بالنادبة في قيامها.

* وفي كلام فاطمة _عليها السلام_ دليل على فصاحتها وصدقها؛ لأنها لم تقل واكرباه بل قالت: واكرب أبتاه، يعني الذي منه كربي.

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 201):

"يتشدد عليه الوعك والمرض، كأن يوعك كما يوعك الرجلان من الناس.

والحكمة في هذا، من أجل أن ينال _صلي الله عليه وسلم_ أعلي درجات الصبر. فإن الصبر منزلة عالية، لا ينال إلا بامتحان واختبار من الله _عز وجل_، لأنه لا صبر إلا على مكروه.

فإذا لم يُصَبْ الإنسانُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُ، فكيف يُعْرَفُ صبْرُه، ولهذا قال الله تعالي :

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31]

فكان النبي _صلي الله عليه وسلم_ يوعك كما يوعك الرجلان من الناس." اهـ

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 202):

"ولا شك أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ : مأواه جنة الفردوس، وجنةُ الفردوس هي أعلي درجات الجنة، وسقفها الذي فوقها عرش الرب _جل جلاله_، والنبي _عليه الصلاة والسلام_ في أعلى الدرجات منها.

 

وقال العثيمين _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 203):

الفوائد:

في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كغيرة من البشر، يمرض ويجوع، ويَعْطَشُ، وَيَبْرُدُ، ويحتارُ.

وجميعُ الأمورِ البشريةِ تَعْتَرِيْ النبيَّ _صلى الله عليه وسلم_، كما قال _صلى الله عليه وسلم_: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ»[خ م]." اهـ

 

وقال _رحمه الله_ في "شرح رياض الصالحين" (1/ 204)

وفيه: رد على هؤلاء القوم الذين يشركون بالرسول صلي الله عليه وسلم؛ يدعون الرسول _عليه الصلاة والسلام_، ويستغيثون به وهو في قبره،

بل إن بعضهم _والعياذ بالله_ لا يسأل الله _تعالى_، ويسأل الرسول _صلى الله عليه وسلم_؛

 كأن الذي يجيب هو الرسول _عليه الصلاة والسلام_، ولقد ضلوا في دينهم وسفهوا في عقولهم. فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا فكيف يملك لغيره؟!

قال الله _تعالى_ آمراً نبيه :

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام: 50]

بل هو عبد من عباد الله؛ ولهذا قال :

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } [الأنعام: 50]

وقال الله- سبحانه- له أيضا :

{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجن: 21]

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 22]

(إِلَّا بَلاغاً) أي: هذه وظيفتي (مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) الج

ولما أنزل الله تعالى قوله : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، دعا قرابته صلي الله عليه وسلم وجعل ينادي إلي أن قال: ((يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً)) إلي هذا الحد‍!! التي هي بضعة منه والتي يريبه ما رابه يقول لها : "لا أغني عنك من الله شيئاً."

 

شرح رياض الصالحين (1/ 205) :

"ففيه : ضلال هؤلاء الذين يدعون الرسول صلي الله عليه وسلم تجدهم في المسجد النبوي عند الدعاء يتجهون إلي القبر، ويصمُدون أمام القبر كصمودهم أمام الله في الصلاة أو أشدَّ.

وفي هذا الحديث : دليل على أنه لا باس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذيا بالتسخط على الله عز وجل، لأن فاطمة ندبت النبي _عليه الصلاة والسلام_، لكنه ندب يسير، وليس يِنِمُّ عن اعتراض على قدر الله _عز وجل_.

وفيه دليل: على أن فاطمة بنت محمد _صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنها_ بقيت بعد حياته _صلى الله عليه وسلم_ بقيت فاطمة، ولكن ليس لها ميراث، لا هي، ولا زوجاته، ولا عمه العباس، ولا أحد من عصبته؛ لأن الأنبياء لا يورثون، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة)) [خ م].

وهذا من حكمة الله _عز وجل_ لأنهم لو ورَثوا لقال من يقول: (إن هؤلاء جاءوا بالرسالة يطلبون ملكا، يورث من بعدهم)؛ ولكن الله - عز وجل- منع ذلك.

فالأنبياء لا يورثون، بل ما يتركونه يكون صدقة يصرف للمستحقين له والله الموفق." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/ 273_274)

في فوائده:

منها: ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو جواز البكاء على الميت[10]، إذ لو كان___ممنوعًا لحذّرها النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - حين توجّعت بقولها: "واكرب أباه"، ولأنها - رضي اللَّه عنها - بكت عليه - صلى اللَّه عليه وسلم - بعد موته، ولم ينكر الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ذلك عليها. ومنها: جواز التوجّع للميت عند احتضاره بمثل قول فاطمة - رضي اللَّه عنها - "واكرب أباه"، وأنه ليس من النياحة المحرّمة، لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أقرّها على ذلك. ومنها: أن قولها بعد أن قُبض: "وا أبتاه الخ" يؤخذ منه -كما قال الحافظ- أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متّصفًا بها لا يُمنع ذكره لها بعد موته، بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهرًا، وهو في الباطن بخلافه، أو لا يتحقّق اتصافه بها, فيدخل في المنع. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل." اهـ

 

قال ابن قيم الجوزية _رحمه الله_ في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 102):

"فهذه إثنا عشرة حجة تدل على عدم كراهة البكاء فتعين حمل أحاديث النهى على البكاء الذى معه ندب ونياحة ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر: "الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" وفي بعضها " يعذب بما ينح عليه "

وقال البخارى في صحيحه : قال عمر : "دعهن يبكين على أبى سليمان _يعنى خالد بن الوليد_ ما لم يكن نقع أو لقلقة." والنقع حث التراب واللقلقة الصوت." اهـ

 

قال الشيخ عبد العزيز بن باز كما في "الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري" (3/ 347) :

"سنة الله في عباده؛ فالمؤمن يصيبه الكرب والشدة ويفرج الله عنه فتخرج الروح بأسهل شيء." اهـ



 [1] ترجمة أنس بن مالك الأنصاري  الخزرجي النجاري _رضي الله عنه_ :

وفي سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 395) :

"أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ الأَنْصَارِيُّ * (ع) : ابْنِ زَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ جُنْدُبِ بنِ عَامِرِ بنِ غَنْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ : الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَابَتُهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَتِلْمِيذُهُ، وَتَبَعُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتاً.

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر (9/ 361)

عن أنس قال شهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحديبية وعمرته والحج والفتح وحنينا وخيبر

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 231) :

"تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ: تِسْعِينَ، آخِرُ مِنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْصَّحَابَةِ، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَكَانَتْ نَخْلَاتُهُ تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَوُلِدَ لَهُ مِنْ صُلْبِهِ ثَمَانُونَ وَلَدًا، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ." اهـ

[2] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 74) لبدر الدين العيني : "قَوْله : (لما ثقل) ، أَي: لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض... وَالْمرَاد بالثقل: الكرب الَّذِي هُوَ الْغم الَّذِي يَأْخُذ بِالنَّفسِ والشدة "

[3] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3847) للقاري :

"فَقَالَ : (لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ) . يَعْنِي أَنَّ الْكَرْبَ كَانَ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْأَلَمِ وَصُعُوبَةِ الْوَجَعِ، وَبَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكَرْبَ كَانَ بِسَبَبِ الْعَلَائِقِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَبَعْدَ الْيَوْمِ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الْعَلَائِقُ الصُّورِيَّةُ، وَلَا كَرْبَ فِي التَّعَلُّقَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ." اهـ

[4] وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3847) لعلي القاري :

"وَقَوْلُهُ: نَنْعَاهُ أَيْ: نُظْهِرُ خَبَرَ مَوْتِهِ إِلَيْهِ مِنَ النَّعْيِ كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ. وَفِي الْأَزْهَارِ أَيْ: نَبْكِي إِلَيْهِ، وَقِيلَ نُعَزِّيهِ، وَقِيلَ نُخْبِرُهُ. أَقُولُ: وَأَوْسَطُهَا أَعْلَاهَا." اهـ

[5] وفي فتح الباري لابن حجر (8/ 149) :

"قَوْلُهُ (فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ يَا أَنَسُ) إِلَخْ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ فَاطِمَةَ.

وَأَشَارَتْ _عَلَيْهَا السَّلَامُ_ بِذَلِكَ إِلَى عِتَابِهِمْ عَلَى إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا عَرَفَتْهُ مِنْهُمْ مِنْ رِقَّةِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهِمْ لَهُ،

وَسَكَتَ أَنَسٌ عَنْ جَوَابِهَا رِعَايَةً لَهَا وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ لَمْ تَطِبْ أَنْفُسُنَا بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّا قَهَرْنَاهَا عَلَى فِعْلِهِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ _فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ_ : "وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا."

وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوهَا تَغَيَّرَتْ عَمَّا عَهِدُوهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالصَّفَاءِ وَالرِّقَّةِ لِفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدُّهُمْ بِهِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ." اهـ

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 75) للعيني :

"قَالَت : (أطابت أَنفسكُم) الخ مَعْنَاهُ: كَيفَ طابت أَنفسكُم على حثو التُّرَاب عَلَيْهِ مَعَ شدَّة محبتكم لَهُ؟ وَسكت أنس عَن الْجَواب لَهَا رِعَايَة وتأدباً، وَلكنه أجَاب بِلِسَان الْحَال: قُلُوبنَا لم تطب بذلك وَلَكنَّا قهرنا على فعله امتثالاً لأَمره، وَالله أعلم." اهـ

[6] قال المعلمي في تعليقه على الأنساب للسمعاني (4/ 126) :

"في التبصير عقب الحرضى بالضم ما لفظه :

«وبفتحتين» الحرضى نسبة إلى حرض بلد مشهور بأطراف اليمن خرج منه جماعة فضلاء»

قال المعلمي : منهم شيخ اليمن في عصره الإمام يحيى بن أبى بكر العامري الحرضى مؤلف بهجة المحافل في السيرة وغربال الزمان في التاريخ وغيرهما توفى سنة 893 وله ترجمة في الضوء اللامع والبدر الطالع وغيرهما." اهـ

وقال ياقوت بن عبد الله الحموي في معجم البلدان (2/ 243) :

"حَرَضُ : بفتحتين، وهو في اللغة الذي أذابه الحزن، وهو بلد في أوائل اليمن من جهة مكة، نزله حَرَضُ ابن خولان بن عمرو بن مالك بن حمير فسمّي به، وهو اليوم بين خولان وهمدان." اهـ

[7] قال الله _تعالى_ :

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]

[8] وفي شرح رياض الصالحين (1/ 202) للعثيمين :

"توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، فجعلت، رضي الله عنها- تندبه، لكنه ندب خفيف، لا يدل على التسخط من قضاء الله وقدره."

وفي عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 106) لابن القيم :

"وهذا ونحوه من القول الذى ليس فيه تظلم للمقدور ولا تسخط على الرب ولا اسخاط له فهو كمجرد البكاء." اهـ

[9] وفي الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (16/ 249) للكرماني :

"(واكرب أباه) مندوب، والألف : ألف الندبة، والهاء للوقوف، فان قلت : "هذا نوع من النياحة." قلت : "هو ندبة مباحة، ليس فيها ما يشبه نوح الجاهلية من الكذب ونحوه." اهـ

فائدة نسبية :

وفي اللباب في تهذيب الأنساب (3/ 93) لابن الأ

الْكرْمَانِي بِكَسْر الْكَاف وَقيل بِفَتْحِهَا وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمِيم وَبعد الْألف نون هَذِه النِّسْبَة إِلَى ولَايَة كَبِيرَة تشْتَمل على عدَّة بلدان مِنْهَا الشيرجان وجيرفت وَغَيرهمَا ينْسب إِلَيْهَا خلق عَظِيم من الْعلمَاء

[10] لكن بشرط : عدم النياحة ورفع الصوت وضرب الخدود وشق الجيوب! لقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ : " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفي رواية: " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ". أخرجه الشيخان

قال ابن قيم الجوزية _رحمه الله_ في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 102) :

"فهذه إثنا عشرة حجة تدل على عدم كراهة البكاء فتعين حمل أحاديث النهى على البكاء الذى معه ندب ونياحة ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر: "الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" وفي بعضها " يعذب بما ينح عليه "

وقال البخارى في صحيحه : قال عمر : "دعهن يبكين على أبى سليمان _يعنى خالد بن الوليد_ ما لم يكن نقع أو لقلقة." والنقع حث التراب واللقلقة الصوت." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين