شرح الحديث 68 من كتاب بهجة قلوب الأبرار للأستاذ أبي فائزة البوجيسي

 

 

الحديث الثامن والستون: الجليس الصالح والجليس السوء

 

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

«مثل الجليس الصالح والسوء: كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الكِير.

فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يَحْذِيَك، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً.

وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وِإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه ريحاً خبيثة» متفق عليه

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه: البخاري في "صحيحه" (7/ 96) (رقم: 5534)،  ومسلم في "صحيحه" (4/ 2026) (رقم: 2628)، مسند أحمد - عالم الكتب (4/ 408) (رقم: 19660)

 

وقال المؤلف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي _رحمه الله_ في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" - ط. الوزارة (ص: 139_141):

"اشتمل هذا الحديث على الحث على اختيار الأصحاب الصالحين، والتحذير من ضدهم.

 

ومثَّل النبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ بهذين المثالين، مبينا أن الجليس الصالح: جميْعُ أحوالك معه، وأنت في مغنمٍ وخيرٍ، كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك: إما بهبة، أو بعوض.

وأقل ذلك: مدة جلوسك معه، وأنت قرير النفس برائحة المسك.

 

فالخير الذي يصيبه العبد من جليسه الصالح أبلغُ وأفضلُ مِنَ الْمِسْك الأَذْفَرِ، فإنه إما أن يُعَلِّمَكَ مَا يَنْفَعُكَ في دِيْنِكَ وَدُنْيَاكَ، أَوْ يُهْدِيَ لَكَ نَصِيْحَةً، أو يُحَذِّرَكَ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى مَا يَضُرُّكَ.

 

فيحثك على طاعة الله وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويبصرك بعيوب نفسك، ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله.

 

فإن الإنسان مجبول على الاقتداء____بصاحبه وجليسه، والطباع والأرواح جنود مجندة، يقود بعضها بعضا إلى الخير، أو إلى ضده.

 

وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح - وهي فائدة لا يستهان بها - :

* أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي، رعاية للصحبة، ومنافسة في الخير، وترفعا عن الشر،

* وأن يحفظك في حضرتك ومغيبك،

* وأن تنفعك محبته ودعاؤه في حال حياتك وبعد مماتك،

* وأن يدافع عنك بسبب اتصاله بك، ومحبته لك.

 

وتلك أمور لا تباشر أنت مدافعتها، كما أنه قد يصلك بأشخاص وأعمال ينفعك اتصالك بهم.

 

وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى. وحسب المرء أن يعتبر بقرينه، وأن يكون على دين خليله." اهـ

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» د ت

 

وقال _تعالى_: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]

 

وأما مصاحبة الأشرار: فإنها بضد جميع ما ذكرنا، وهم مضرة من جميع الوجوه على من صَاحَبَهُمْ، وشر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم أقوام. وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون.

 

ولهذا كان من أعظم نعم الله على العبد المؤمن: أن يوفقه لصحبة الأخيار. ومن عقوبته لعبده: أن يبتليه بصحبة الأشرار.

 

صحبة الأخيار توصل العبد إلى أعلى عليين، وصحبة الأشرار توصله إلى أسفل سافلين.

 

الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 49):

"عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ يَعْنِي الْحَافِي قَالَ: (صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ أَوْرَثَتْ سُوءَ الظَّنِّ بِالْأَخْيَارِ)." اهـ

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (2/ 491):

"الحكمة في الهجرة أن يتمكن المؤمن من الطاعة بلا مانع ولا وازع، ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة، والأفعال الشنيعة، فهي في الحقيقة التحرز عن ذلك، والمهاجر الحقيقي من يتحاشى عنها." اهـ

 

صحبة الأخيار توجب له العلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال___الصالحة،

 

وصحبة الأشرار: تحرمه ذلك أجمع: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا - يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا - لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 27 - 29]

 

من فوائد الحديث:

 

فتح الباري- تعليق ابن باز - (9 / 660)

قال النووي: أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب،

 

شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (5 / 445)

قال : وحديث أبى موسى حجة فى طهارة المسك ؛ لأنه لا يجوز حمل النجاسة ، ولا يأمر ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، فدل على طهارته ، وجل العلماء على هذا . قال ابن المنذر : وممن أجاز الانتفاع بالمسك : على بن أبى طالب وابن عمر وأنس بن مالك وسلمان ، ومن التابعين : سعيد بن المسيب وابن سيرين وجابر بن زيد ، ومن الفقهاء : مالك والليث والشافعى وأحمد وإسحاق .

 

أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) - (3 / 2083)

وفيه دليل على طهارة المِسك وجواز بيعه.

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم - (8 / 108)

قال القاضى: قد ذكر بعض أئمتنا الإجماع على طهارة المسك وطهارة فارغه، وهى جلده التي يوجد فيها، وهى قطعة ميتة أو صيدُ غير مسلم له حكم الميتة. وكذلك توضح قطعها من الغزالة حال الحياة، فما أخذ من الحى وقطع منه فهو ميتة، وكيف ولا يصح أخذها منه حال الحياة، ثم الشىء المجتمع فيه دم متعفن نجس أو مواد حكمها حكم ذلك، كما يجتمع فى الجراحات، ولا معقل عند المحققين من الفقهاء على طهارته إلا على الإجماع باستعماله، والثناء عليه وعلى ريحه وبائعه ومبتاعه ومستعمله؛ ولذلك قال بعض أئمتنا: هى نجسة لكن يصلى بها، يعنى أنه مما خص وعفى عنه شرعاً، والقياس يقضى بنجاسته، وصحة الآثار والاقتداء يقضيان باستعماله،

 

q           عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (21 / 135):

"* وَفِيه: مدح الْمسك المستلزم لطهارته،

* ومدح الصَّحَابَة حَيْثُ كَانَ جليسهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى قيل: لَيْسَ للصحابي فَضِيلَة أفضل من فَضِيلَة الصُّحْبَة، وَلِهَذَا سموا بالصحابة مَعَ أَنهم عُلَمَاء كرماء شجعاء إِلَى تَمام فضائلهم.

 

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - (20 / 112)

وفيه مدح المسك المستلزم لطهارته ومدح الصحابة حيث كان جليسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قيل ليس للصحابي فضيلة أفضل من فضيلة الصحبة ولهذا سمواً بالصحابة مع أنهم علماء كرماء شجعاناً إلى تمام فضائلهم رضي الله عنهم." اهـ

 

q           تطريز رياض الصالحين - (1 / 248)

في هذا الحديث: الحث على مجالسة أهل الخير، والتحذير من مجالسة أهل الشر.

وفيه: الحكم بطهارة المسك.

 

q           شرح صحيح البخارى ـ لابن بطال - (6 / 232)

وهذا الحديث حجة فى جوازه ؛ لأن النبى ضرب مثل الجليس الصالح بصاحب المسك ، وقال : لا تعدم منه أن تشتريه أو تجد ريحه . فأخبر عليه السلام بعادة الناس فى شرائه ، ورغبتهم فى شمه ، ولو لم يجز شراؤه لبين ذلك عليه السلام ، وقد حرم الله بيع الأنجاس ، واستعمال روائح المنتة فلا معنى لقول من كرهه ، وإنما خرج كلامه عليه السلام فى هذا الحديث على المثل فى النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته ، كالمغتاب والخائض فى الباطل ، والندب إلى مجالسة من ينال فى مجالسته الخير من ذكر الله - تعالى - وتعلم العلم وأفعال البر كلها ،

 

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (8 / 3136)

قِيلَ: فِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى الرَّغْبَةِ فِي صُحْبَةِ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَمُجَالَسَتِهِمْ ; فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِلَى الِاجْتِنَابِ عَنْ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ وَالْفُسَّاقِ ; فَإِنَّهَا تَضُرُّ دِينًا وَدُنْيَا.

قِيلَ: مُصَاحَبَةُ الْأَخْيَارِ تُورِثُ الْخَيْرَ وَمُصَاحَبَةُ الْأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ كَالرِّيحِ إِذَا هَبَّتْ عَلَى الطِّيبِ عَبِقَتْ طِيبًا، وَإِنْ مَرَّتْ عَلَى النَّتْنِ حَمَلَتْ نَتْنًا.

وَقِيلَ: إِذَا جَالَسْتَ الْحَمْقَى عُلِّقَ بِكَ مِنْ حَمَاقَتِهِمْ مَا لَا يَعَلَقُ لَكَ مِنَ الْعَقْلِ إِذَا جَالَسْتَ الْعُقَلَاءَ ; لِأَنَّ الْفَسَادَ أَسْرَعُ إِلَى النَّاسِ____وَأَشَدُّ اقْتِحَامَ مَا فِي الطَّبَائِعِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّحْبَةَ تُؤَثِّرُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: كُونُوا مَعَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا أَنَّ تَكُونُوا مَعَ اللَّهِ، فَكُونُوا مَعَ مَنْ يَكُونُ مَعَ اللَّهِ، وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْصِيلُ الْخُلْطَةِ وَالْعُزْلَةِ فِي الْأَحْيَاءِ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْصَاءِ.

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح - (13 / 75_76)

وشبه الجليس الصالح بالعطار إن لم يحذك من متاعه لم تعدم طيب ريحه،

ألا ترى قول لقمان لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله تعالى يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء[1]____

وقال مرة أخرى: فلعل أن تصيبهم رحمة فتنالك معهم. فهذِه ثمرة مجالسة أهل الفضل ولقائهم.

 

شرح رياض الصالحين - (3 / 246)

فالحاصل أن هذه الأحاديث وأمثالها كلها تدل على أنه ينبغي للإنسان أن يصطحب الأخيار، وأن يزورهم ويزوروه لما في ذلك من الخير، والله الموفق.

 

q           المفاتيح في شرح المصابيح - (5 / 231)

مجالسة الصلحاء تنفع في الدنيا والآخرة؛ لأنك تجد منهم التربية وتعليم الخير، وتصل إليك بركتهم، ويَحسن صيتك بين الناس بأن يقال: فلان يجالس الصلحاء، ومجالسة الفسَّاق تكون بعكس هذا.

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير - (6 / 529)

وهذا حث على مجالسة الصالحين، وحث على البعد عن مجالسة العاصين، ولذا قيل:

وقارن إذا قارنت حراً فإنَّما ... يُزين ويُزري بالفتى قرناؤه

 

q           شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - (10 / 3201)

قيل: فيه إرشاد إلى الرغبة في صحبة الصلحاء والعلماء ومجالستهم؛ فإنها تنفع في الدنيا والآخرة، وإلى الاجتناب عن صحبة الأشرار والفساق؛ فإنه تضر دينا ودنيا. قيل: مصاحبة الأخيار تورث الخير، ومصاحبة الأسرار تورث الشر، كالريح إن هبت على الطيب عقبت طيبا، وإن مرت على النتن

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - (10 / 3202)

حملت نتنا. وقيل: إذا جالست الحمقى علق بك من حماقتهم ما لا يعلق بك من العقل إذا جلست العقلاء؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس وأسد اقتحاماً في الطبائع.



[1] رواه مالك في "الموطأ" ص: 619، بلاغًا. ورواه الطبراني 8/ 199 - 200 (7810)، والرامهرمزي في "أمثال الحديث" ص 87 - 88 (52)، والديلمي في "الفردوس" 3/ 196 (4550) من حديث أبي أسامة مرفوعًا.

قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 125: فيه: عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف لا يحتج به، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (78). ورواه ابن المبارك في "الزهد" (1387) عن عبد الوهاب بن بخت المكي، قوله.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين