شرح الحديث 47_48 من الأدب المفرد لأبي فائزة البوجيسي

 

25_ بَابُ وُجُوبِ صِلَةِ الرَّحِمِ

 

47 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ مَنْفَعَةَ قَالَ: قَالَ جَدِّي: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ، وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ»

[قال الشيخ الألباني : ضعيف]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ (ثقة ثبت: ت 223 هـ بـ البصرة):

موسى بن إسماعيل المنقرى ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكى البصرى، من صغار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ (مقبول):

ضمضم بن عمرو الحنفى ، أبو الأسود البصري، من كبار أتباع التابعين، روى له :  بخ 

 

قَالَ: حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ مَنْفَعَةَ (مقبول):

كليب بن منفعة الحنفي البصري، من الذين عاصروا صغار التابعين، روى له :  بخ د 

 

الإصابة في تمييز الصحابة (5/ 466_467):

" روى كليب بن منفعة، عن أبيه، عن جده- حديثا في البر. وأخرجه أبو داود___والبخاري في التاريخ، فقال: عن جده، لم يقل عن أبيه، ولم يسمّ الجد، وسماه ابن مندة من طريق يحيى الحمّاني كليبا، واستغربه أبو نعيم، وقال ابن أبي خيثمة: لا يعرف اسمه.

 

قَالَ: قَالَ جَدِّي:

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (6/ 3024) : "أَبُو مَنْفَعَةَ الْحَنَفِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1762) (رقم: 3190): "أبو منفعة : مذكور فِي الصحابة، حديثه فِي بر الوالدين وصلة الرحم حقّ واجب ورحم موصولة.

 

نص الحديث:

 

قَالَ جَدِّي: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبَرُّ؟"

قَالَ: «أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ، وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه أبو داود في "سننه" (4/ 336) (5140)، والدُّوْلَابِيُّ في "الكنى والأسماء" (1/ 168) (328)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (1/ 102)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 300) (رقم: 7765)

 

============================

 

 

48 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

"لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قَامَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَنَادَى:

«يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا[1]، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهُمَا بِبِلَالِهَا[2]»

[قال الشيخ الألباني: صحيح]

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ

موسى بن إسماعيل المنقرى ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكى البصرى ( مشهور بكنيته و باسمه )، من صغار أتباع التابعين، (ت : 223 هـ بـ البصرة) : خ م د ت س ق

 

قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ (ثقة ثبت : 175 هـ):

الوضاح بن عبد الله اليشكرى أبو عوانة الواسطى البزاز(مولى يزيد بن عطاء بن يزيد اليشكرى ، و يقال الكندى ( مشهور بكنيته )، من كبار أتباع التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ (ثقة فصيح عالم تغير حفظه و ربما دلس : 136 هـ)،

عبد الملك بن عمير بن سويد الفرسى اللخمى ، أبو عمرو و يقال أبو عمر ، الكوفى ، المعروف بالقبطى ( حليف بنى عدى )، طبقة تلى الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ (ثقة جليل : 103 هـ)

موسى بن طلحة بن عبيد الله القرشى التيمى أبو عيسى و يقال أبو محمد المدنى ( نزيل الكوفة ، أمه خولة بنت القعقاع بن معبد )، من كبار التابعين،  

روى له :  خ م د ت س ق 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أبو هريرة الدوسى اليمانى صحابى جليل المتوفى سنة 57 هـ روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

"لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قَامَ النَّبِيُّ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، فَنَادَى:

«يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا[3]، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهُمَا بِبِلَالِهَا[4]»

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 31) (رقم: 48)، وفي "صحيحه" (4/ 6 و 6/ 111) (رقم: 2753 و 4771)، ومسلم في صحيحه (1/ 192) (رقم: 204 و 206)، والترمذي في سننه (5/ 338) (رقم: 3185)، والنسائي في سننه (6/ 248_249) (رقم: 3644 و3646_3647)، وفي السنن الكبرى (6/ 159_161 و 10/ 207) (6438 و 6440_6441 و 11313)، وغيرهم.

 

من فوائد الحديث:

 

&        مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (8 / 3371)

وَهَذَا التَّوْحِيدُ عَلَى وِفْقِ التَّفْرِيدِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بِالشَّفَاعَةِ حَيْثُ يَشْفَعُ وَيُشَفَّعُ، لَكِنْ أَطْلَقَهُ تَرْهِيبًا لَهُمْ عَلَى الِاتِّكَالِ عَلَيْهِ وَتَرْغِيبًا لَهُمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي أَمْرِ زَادَ الْمَعَادَ، وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ،

 

قال مقيده : بل النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يشفع إلا بإذن الله –جل وعلا-، فالشفاعة راجعة إليه تعالى

 

&        تطريز رياض الصالحين - (1 / 229)

في الآية والحديث: دلالة على البداءة بإنذار الأقربين عمومًا وخصوصًا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإني لا أملك لكم من الله شيئًا» ، أي: لا تتكلوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله بكم.

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - (6 / 100)

قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ . هَذَا الْأَمْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِإِنْذَارِهِ خُصُوصَ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ ، لَا يُنَافِي الْأَمْرَ بِالْإِنْذَارِ الْعَامِّ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [25 \ 1] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [6 \ 19] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [19 \ 97] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ .

 

تفسير القرطبي - (13 / 143)

قوله تعالى:" وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" خص عشيرته الأقربين بالإنذار، لتنحسم أطماع سائر عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك. وعشيرته الأقربون قريش. وقيل: بنو عبد مناف.

 

فتح البيان في مقاصد القرآن - (9 / 423)

(وأنذر عشيرتك الأقربين) خصهم لأن الاهتمام بشأنهم أولى وهدايتهم إلى الحق أقدم، قيل هم قريش، وقيل: بنو عبد مناف، وقيل: بنو هاشم وقد ثبت في البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية

 

تفسير القاسمي = محاسن التأويل - (7 / 477)

وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أي الأدنين. وإنه لا يخلص أحدا منه إلا إيمانه بربه عزّ وجلّ.

 

&        جامع العلوم والحكم - (1 / 220_221)

فمن سعى في طاعة الله ، فقد باع نفسَه للهِ ، وأعتقها من عذابه ، ومن سعى في معصيةِ الله ، فقد باعَ نفسَه بالهوان ، وأوبقها بالآثام الموجبة لغضب الله وعقابه ، قال الله - عز وجل - : { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } إلى قوله : { فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (1)، وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } (2)، وقال تعالى : { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } (3).

وفي " الصحيحين "(4) عن أبي هُريرة ، قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين أُنْزِل عليه: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (5): (( يا معشرَ قريشٍ، اشترُوا أنفسَكُم مِنَ اللهِ، لا أُغني عنكُم من الله شيئاً ، يا بني عبد المطلب ، لا أغني عنكم مِنَ اللهِ شيئاً )) ، وفي روايةٍ للبخاري : (( يا بني عبدِ مناف، اشترُوا أنفسَكُم من اللهِ ، يا بني عبد المطلب ، اشتروا أنفسكم من الله ، يا عمَّة رسولِ الله ، يا فاطمة بنت محمد ، اشتريا أنفسكما مِنَ اللهِ ، لا أملِكُ لكُما من الله شيئاً ))____

وفي روايةٍ لمسلم أنَّه دعا قريشاً ، فاجتمعوا ، فعمَّ وخصَّ ، فقال : (( يا بني كعب بن لؤي أنقِذُوا أنفسكم من النار ، يا بني مرَّة بن كعب أنقِذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً )) .

 

وخرَّج الطبراني(1) والخرائطي من حديث ابن عباس مرفوعاً : (( مَنْ قال إذا أصبح : سبحان الله وبحمده ألفَ مرَّة ، فقد اشترى نفسه مِنَ الله تعالى ، وكان من آخر يومه عتيقاً مِنَ النَّار )) .

وقد اشترى جماعةٌ من السَّلف أنفسَهم من الله - عز وجل - بأموالهم ، فمنهم من تصدَّق بماله كحبيب أبي محمد(2) ، ومنهم مَنْ تصدَّق بوزنه فضة ثلاثَ مرَّاتٍ أو أربعاً ، كخالد الطحَّان(3)

 

ومنهم من كان يجتهد في الأعمال الصالحة ويقول : إنَّما أنا أسيرٌ أسعى في فكاك رقبتي ، منهم عمرو بنُ عُتبة(4) ، وكان بعضُهم يسبِّحُ كلَّ يوم اثني عشر ألفَ تسبيحة بقدر دِيَتِه ، كأنَّه قد قتل نفسه ، فهو يَفْتَكُّها بديتها(5) .

 

&        ذخيرة العقبى في شرح المجتبى - (30 / 145)

في فوائده:

(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان أنه إذا أوصى لأقارب فلان، يعمّ القبيلة كلها؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لما قيل له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} عمّم قبيلته كلّها.

(ومنها): أن الأقرب للرجل من كان يجمعه وهو جدٌّ أعلى، وكلّ من اجتمع معه في جدّ دون ذلك كان أقرب إليه.

(ومنها): أن السرّ في الأمر بإنذار الأقربين أوّلاً أن الحجة إذا قامت عليهم تعدّت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علّة للأبعدين في الامتناع، وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب، من العطف، والرأفة، فيحابيهم في الدعوة والتخويف، فلذلك نصّ له على إنذارهم.

(ومنها): أنه استدلّ بعض المالكيّة بقوله: "يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنكِ من اللَّه شيئًا" أن النيابة لا تدخل في أعمال البرّ، إذ لو جاز ذلك لكان يتحمّل عنها - صلى اللَّه عليه وسلم - بما يخلّصها، فإذا كان عمله لا يَقَعُ نيابةً عن ابنته، فغيره أولى بالمنع.

وتُعُقّب بأن هذا كان قبل أن يُعلمه اللَّه سبحانه وتعالى بأنه يشفع فيمن أراد، وتُقبل شفاعته، حتى يدخل قومّا بغير حساب، ويَرقع درجات قوم، ويُخرِج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير. أو أنه أراد المبالغة في الحضّ على العمل، ويكون في قوله: "لا أغني شيئًا" إضمار إلا إن أذن اللَّه لي بالشفاعة. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (5/ 422_425)

في فوائد حديث الباب:

1 - (منها): بيان سبب نزول الآية الكريمة، وامتثال النبيّ _صلى الله عليه وسلم_ الأمر، فبلّغ عشيرته، وأنذرهم.____

2 - (ومنها): استحباب القيام على شيء عال، أو مرتفع من الأرض؛ لإبلاغ الدعوة إذا كثُر العدد، كما فعل - صلى الله عليه وسلم -، حيث صَعِد على الصفا؛ لأن فيه انتشارَ الصوت مع تمكّن السامعين من مشاهدة المتكلّم، وذلك مما يساعد على استقرار الكلام في النفوس.

3 - (ومنها): بيان أن الأقرب للرجل من كان يَجمعه هو وجدٌّ أعلى، وكلُّ من اجتمع معه في جدّ دون ذلك كان أقرب إليه.

4 - (ومنها): مشروعيّة الْهِتَاف بـ "يا صباحاه"[5] ونحوها مما اعتاده الناس لجمعهم، وقد ورد عند الطبريّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ أصابعه في أذنه، ورفع صوته.

5 - (ومنها): وُضوح بيانه - صلى الله عليه وسلم -، وقوّة حجته؛ إذ أخذ إقرارهم أوّلًا على صدقه في مهامّ أمورهم، وأخطرها قبل أن يُخبرهم، ويُنذرهم، فقال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرُج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ ".

6 - (ومنها): بيان صبره - صلى الله عليه وسلم - على أذى قومه، بل على أذى من هو أقرب الناس إليه، وهو عمه، حيث قال له أبو لهب: "تبًّا لك ألهذا جمعتنا؟ " بل رُوي: أنه أخذ بيديه حجرًا؛ ليرمي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل قوله: "تَبًّا لك".

7 - (ومنها): أن السرّ في تخصيص عشيرته - صلى الله عليه وسلم - الأقربين بالإنذار مع عموم رسالته، دفعُ توهّم المحاباة، وأن الاهتمام بشأنهم أهمّ، وأن البداءة تكون بمن يلي، ثم بمن بعده، وهكذا.

وقال في "الفتح": والسرّ في الأمر بإنذار الأقربين أوّلًا أن الحجة إذا قامت عليهم تعدّت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علّة للأبعدين في الامتناع، وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب، من العطف، والرأفة، فَيُحابيهم في الدعوة والتخويف، فلذلك نصّ له على إنذارهم.

8 - (منها): أن إفراده - صلى الله عليه وسلم - فاطمة، وصفيّة، وعبّاسًا - رضي الله عنهم - في الروايات الآتية؛ لشدّة قرابتهم، وشدّة صلته بهم من بين قراباته،

وفاطمة - رضي الله عنها - كانت أصغر أولاده - صلى الله عليه وسلم -، وللصغير زيادة محبّة، فإذا انتفى نفعه لمن يُحب من أقاربه، ومن يَحرص على نفعه انتفى عن غيره من باب أولى.

9 - (ومنها): ما استنبطه الإمام النسائيّ رحمه الله، وترجمه عليه، فقال:___

"بابٌ إذا أوصى لعشيرته الأقربين"، وبيان ذلك أنه إذا أوصى لأقارب فلان، يعمّ القبيلة كلها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قيل له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} عمّم قبيلته كلّها.

10 - (ومنها): أنه استدلّ بعض المالكيّة بقوله: "يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا"، أن النيابة لا تدخل في أعمال البرّ، إذ لو جاز ذلك لكان يتحمّل عنها - صلى الله عليه وسلم - بما يخلّصها، فإذا كان عمله لا ينفع نيابةً عن ابنته، فغيره أولى بالمنع.

وتُعُقّب بأن هذا كان قبل أن يُعلمه الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه يَشفَع فيمن أراد، وتُقبل شفاعته، حتى يُدخل قومًا بغير حساب، ويَرفَع درجات قوم، ويُخرِج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير.

أو أنه أراد المبالغة في الحضّ على العمل، ويكون في قوله: "لا أغني شيئًا" إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة. قاله في "الفتح" ["فتح" 9/ 451 "تفسير سورة الشعراء"].

قال الجامع _عفا الله تعالى عنه_:

في هذا التعقّب نظرٌ لا يخفى؛ لأن الشفاعة المذكورة ليست ملكًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك احتاج إلى الاستئذان فيها، وهي محدودة فيمن يأمره الله تعالى بأن يشفع فيهم، لا في جميع أمته، كما تقدم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيحُدّ لي حدًّا، فأخرجهم من النار، فأُدخلهم الجنة".

والحاصل: أن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ثابتة دون شكّ، إلا أنها ملك لله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44]، فتبيّن أن قوله - صلى الله عليه وسلم - هنا: "لا أملك لكم من الله شيئًا" على ظاهره، ففيه الحثّ على التمسّك بأسباب الشفاعة حتى يدخلوا في شفاعته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا تكون إلا لمن رضي الله عنه، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

11 - (ومنها): ما قاله القاضي عياض رحمه الله: قد استُدِل بالحديث وبسورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]، على جواز تكنية الكافر،

وقد اختَلَف العلماء في ذلك، واختلفت الرواية عن مالك في جواز تكنية الكافر بالجواز والكراهة،

وقال بعضهم: إنما يجوز من ذلك ما كان على جهة التألف، وإلا فلا؛ إذ في___التكنية تعظيم وتكبير،

وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب، فليست من هذا، ولا حجة فيه؛ لأن ترك اسمه لقبحه؛ إذْ كان اسمه عبد العزى، وهذه تسمية باطلة، فلهذا كُنِي عنه، وقيل: لأنه إنما كان يُعْرَف بها،

وقيل: إن أبا لهب لَقَبٌ، وليس بكنية، وكنيته أبو عُتْبَة،

وقيل: إنما ذُكر بكنيته؛ للإشارة إلى ما يؤول إليه أمره من لَهَب جهنّم،

وذهب بعضهم إلى أن الكنية لا تدلّ بمجرّدها على التعظيم، بل قد يكون الاسم أشرف من الكنية، ولهذا ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم دون كناهم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل." اهـ

 

&        نيل الأوطار - (6 / 95)

وفيه دليل على أن جميع من ناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلق عليه لفظ الأقربين لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } واستدل به أيضا على دخول النساء في الأقارب لعموم اللفظ ولذكره صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة .

 

&        شرح رياض الصالحين - (3 / 199)

والواجب على المؤمن أن يتبرأ من ولاية الكافرين، كما قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4] ، فتبرأ منهم مع قرابتهم له.

 

&        شرح رياض الصالحين - (3 / 199)

قال: ((ولكن لهم رحم أبلها ببلها)) يعني سأعطيها حفها من الصلة، وإن كانوا كفاراً.

وهذا يدل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافراً، لكن ليس له الولاية، فلا يوالى ولا يناصر لما عليه من الباطل.

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 125_126) لابن هبيرة:

"وفيه من الفقه أن النذارة قائمة في طرف التخويف؛ إزاء البشارة في طرف الإيمان بقوله سبحانه {وأنذر عشيرتك الأقربين} يعني جل جلاله أن أنذر عشيرتك الأقربين أن تكونوا أول جاحد بحقك. قال: وأول كافر بما أنزل عليك؛ فإنه لا عذر لمن كفر بما جئت من أباعد الناس عنك، فكيف بأقربهم إليك.

من كان من شأنه وعاده أن يذهب في طاعة الشيطان بالعصبية في النسب، والحمية في العشيرة كل مذهب، حتى يهراق منهم الدماء، ويعظم فيهم اللأواء؛ فلما جئتهم بالحق وتلوت عليهم الصدق، حرجت بغضاؤك____إلى أن جحدوا لك الحق الذي يعترفون للبعيد، واطرحوا من وفاقك ما كان من عادتهم في حمية الأهبة للقريب، فأنذر عشيرتك الأقربين حينئذ من عذاب لا تقوم له السموات والأرض.

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 127)

وهذا يدل على شرف العباس وفخامة منزلته، ثم انتقل بعد ذكر العم والعمة إلى الولد؛ فقال: يا فاطمة بنت محمد.

 



[1] وفي رواية للبخاري : (لا أغني عنكم من الله شيئا)، أي: لا أنفعكم شيئا ولا أستطيع أن أدفع عنكم عذاب الله عز وجل إن لم تؤمنوا.

وفي رواية الترمذي: سنن الترمذي: "أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا."

[2] قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بِبِلالِهَا» هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها، «وَالبِلاَلُ» : الماءُ. ومعنى الحديث: سَأصِلُهَا، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ.

[3] وفي رواية للبخاري : (لا أغني عنكم من الله شيئا)، أي: لا أنفعكم شيئا ولا أستطيع أن أدفع عنكم عذاب الله عز وجل إن لم تؤمنوا.

وفي رواية الترمذي: سنن الترمذي: "أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا."

[4] قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بِبِلالِهَا» هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها، «وَالبِلاَلُ» : الماءُ. ومعنى الحديث: سَأصِلُهَا، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ.

[5] وقال ابن الأثير _رَحِمَهُ اللهُ_: "هذه كلمةٌ يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة؛ لأنهم أكثرَ ما يُغيرون عند الصباح، ويُسمُّون يوم الغارةِ يوم الصباح، فكأن القائل: يا صباحاه يقول: قد غَشِيَنا العدوّ، وقيل: إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال، فإذا عاد النهار عاودوه، فكأنه يريد بقوله: يا صباحاه: قد جاء وقت الصباح، فتأهّبوا للقتال." انتهى من "النهاية" (3/ 6 – 7) 

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين