شرح الحديث 37 من صحيح الترغيب لأبي فائزة البوجيسي

 

 

[2 - كتاب السُّنَّةِ] (1)

 

1 - (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة)

 

37 - (1) [صحيح] عن العِرباض بنِ ساريةَ _رضي الله عنه_ قال :

وعَظنا (2) رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موعظةً وَجِلتْ (3) منها القلوبُ، وذَرَفَتْ (4) منها العيونُ، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصنا. قال:

"أوصيكم بتقوى اللهِ، والسمع والطاعةِ، وإنْ تَأمَّر عليكم عبدٌ، وإنَّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ[1]، عَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدَثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالةٌ".

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح".

 

قوله: "عضوا عليها بالنواجذ" أي: اجتهدوا على السنة والزموها، واحرِصوا عليها كما يلزم العاضُّ على الشيء بنواجذه، خوفاً من ذهابه وتفلته.

و (النواجذ) بالنون والجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل: الأضراس.

__________

(1) هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر.

(2) (الوعظ): التخويف بطريق النصيحة.

(3) بكسر الجيم؛ أي: خافت من أجلها القلوب، وحذرت من الذنوب.

(4) بفتح الذال المعجمة والراء المهملة؛ أي: بكت ودمعت.

 

ترجمة صحابي الحديث:

ترجمة العرباض بن سارية السلمي

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( د ت س ق ) : عرباض بن سارية السلمى ، كنيته أبو نجيح ، له صحبة . و هو من أهل الصفة ، و هو أحد البكائين الذين نزل فيهم * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) * ، نزل الشام و سكن حمص . اهـ .

 

و قال أبو بكر بن البرقى : له بضعة عشر حديثا .

و قال أحمد بن محمد بن عيسى البغدادى صاحب " تاريخ الحمصيين " : سألت عن منزله، فقيل لى : عند قناة الحبشة ، و ذكر أن لهم منزلا بِمَرِيْمِيْنَ[2]، و ولده بها إلى اليوم ، و هو قديم الموت .

 

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضى فيمن نزل حمص من الصحابة : "العرباض بن سارية السلمي، ويكنى (أبا نجيح)، ومنزله فى الحُوْلة."

 

وقال محمد بن عوف : منزله بحمص عند قناة الحبشة ...كل واحد من عمرو بن عبسة و العرباض بن سارية يقول : "أنا رابع الإسلام، لا يدرى أيهما أسلم قبل صاحبه."

 

عن شريح بن عبيد : كان عتبة بن عبيد يقول : "عرباض خير مني." وعرباض يقول : "عتبة خير مني، سبقنى إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسنة."

 

وفاته:

قال خليفة بن خياط : وفى فتنة ابن الزبير مات العرباض بن سارية السلمى وثابت بن الضحاك الأشهلي.

 

وقال أبو مسهر ، و أبو عبيد ، و غير واحد : مات سنة خمس و سبعين .

روى له الأربعة . اهـ .

 

سير أعلام النبلاء (5 / 414) (رقم: 71):

العِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ السُّلَمِيُّ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الصُّفَّةِ، سَكَنَ حِمْصَ، وَرَوَى أَحَادِيْثَ."

 

قال الله _تعالى_ في شأنه:

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)} [التوبة: 91، 92]

 

وفي سنن أبي داود (4/ 200_201) (رقم: 4607):

عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَا:

"أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ." وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 107) (رقم: 2455)

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أبو داود في سننه (4/ 200) (رقم : 4607)، والترمذي في سننه (5/ 44) (رقم : 2676)، وابن ماجه في سننه (1/ 15_16) (رقم : 42 و 43)، وأحمد مسنده (28/ 373) (رقم : 17144)[3]، والدارمي في سننه (1/ 228) (رقم : 96)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 29) (رقم : 54)، والمروزي في السنة (ص: 26) (رقم : 69 و 70)، وابن حبان في صحيحه (1/ 178) (رقم : 5)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 174) (رقم : 329)، المعجم الأوسط (1/ 28) (رقم : 66)، المعجم الكبير للطبراني (18/ 245) (رقم : 617)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 195) (رقم : 20338)، وفي شعب الإيمان (10/ 20 و 21) (رقم : 7109 و 7110)، والآجري في الشريعة (1/ 400 و 403) (رقم : 86 و 88)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 1164) (رقم : 2305)، وغيرهم.

 

صححه الألباني في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (8/ 107) (رقم: 2455)

 

من فوائد الحديث :

 

صحيح ابن حبان (1/ 178):

"ذِكْرُ وَصْفِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ مِنْ بَيْنِ الْفَرَقِ الَّتِي تَفْتَرِقُ عَلَيْهَا أُمَّةُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ."

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (1/ 180):

"فِي قَوْلِهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» عِنْدَ ذِكْرِهِ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ : بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ، قَالَ بِهَا، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْآرَاءِ مِنَ الْفِرَقِ النَّاجِيَةِ فِي الْقِيَامَةِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ." اهـ

 

الشريعة للآجري (1/ 398)

بَابُ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ _تَعَالَى_، وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ _صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_، وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_، وَتَرْكِ الْبِدَعِ، وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالْجِدَالِ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ _رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ_."

 

جامع بيان العلم وفضله (2/ 1161)

بَابُ الْحَضِّ عَلَى لُزُومِ السُّنَّةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا "

 

شرح مشكل الآثار (3/ 224) للطحاوي:

"فِي هَذِهِ الْآثَارِ: تَسْدِيدُ مَا فِي الْآثَارِ الَّتِي فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ , وَكُلُّهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتُخْبِرُ أَنَّ الْأَزْمِنَةَ تَخْتَلِفُ وَتَتَبَايَنُ، وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مِنْهَا لَهُ حُكْمُهُ الَّذِي قَدْ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَأَعْلَمَهُمْ إِيَّاهُ وَعَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْمَلُونَهُ فِيهِ،

فَعَلَى النَّاسِ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ , وَلُزُومُهُ وَوَضْعُ كُلِّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهِ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُوا عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَا سِوَاهُ. وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ." اهـ

 

السنن الواردة في الفتن لأبي عمور الداني (2/ 381):

"بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَخَلْعِهِمْ وَسَبِّهِمْ وَالطَّعْنِ عَلَيْهِمْ وَمَا جَاءَ مِنَ التَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ

 

دلائل النبوة للبيهقي (6/ 541):

"بَابُ مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِظُهُورِ الِاخْتِلَافِ فِي أُمَّتِهِ , وَإِشَارَتِهِ عَلَيْهِمْ بِمُلَازَمَةِ سُنَّتِهِ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ أُمَّتِهِ." اهـ

 

q  معالم السنن (3 / 137) لأبي سليمان الخطابي:

"وقوله: (كل محدثة بدعة)،

فإن هذا خاص في بعض الأمور[4] دون بعض، وكل شيء أحدث على غير أصل من أصول الدين وعلى غير عياره وقياسه .

وأما ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول ومردود إليها فليس ببدعة ولا ضلالة واللّه أعلم." اهـ

 

q  تفسير سنن أبي داود (معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي - (3 / 137)

وفي قوله (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين): دليل على أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولاً ، وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قول الخليفة أولى ." اهـ

 

q           عون المعبود - (12 / 235)

قال الحافظ بن رجب في كتاب جامع العلوم والحكم : "فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله : ( كل بدعة ضلالة)،

والمراد بـ(البدعة)[5]: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه،

وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغةً.

فقوله صلى الله عليه و سلم (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين." اهـ

 

q  تحفة الأحوذي - (7 / 367) عند قوله (...وسنة الخلفاء...) :

((وقال الشوكاني في الفتح الرباني : إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة،

والذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه : هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب،

فالسنة هي الطريقة، فكأنه قال : "الزموا طريقتي، وطريقة الخلفاء الراشدين."

وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها، وعَمَلاً بِهَا في كل شيء)) اهـ

 

q           تحفة الأحوذي - (7 / 367):

((فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر عنهم من الرأي وإن كان من سننه كما تقدم ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل)) اهـ كلام الشوكاني

 

q  تحفة الأحوذي - (7 / 367_368)

وقال القارىء في المرقاة : ((...قال بعض المحققين : "وصف الراشدين بـ(المهديين) لأنه إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح أن يكون هاديا لغيره لأنه يوقع الخلق في الضلالة من حيث لا يشعر،

وهم: الصديق والفاروق وذو النورين وأبو تراب على المرتضى رضي الله عنهم أجمعين،

لأنهم لما كانوا أفضل الصحابة وواظبوا على استمطار الرحمة من الصحابة النبوية وخصهم الله بالمراتب العلية والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مشاق الأسفار ومجاهدة القتال مع الكفار

 أنعم الله عليهم بمنصب الخلافة العظمى والتصدي إلى الرياسة الكبرى لإشاعة أحكام الدين، وإعلاء أعلام الشرع المتين رفعا لدرجاتهم، وإزديادا لمثوباتهم." انتهى." اهـ

 

q  فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين - (1 / 87)

مِمَّا يُستفاد من الحديث:

1 ـ استحباب الموعظة والتذكير في بعض الأحيان؛ لِمَا في ذلك من التأثير على القلوب.

2 ـ حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير؛ لطلبهم الوصيَّة منه *.

3 ـ أنَّ أهمَّ ما يوصى به تقوى الله عزَّ وجلَّ، وهي طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه.

4 ـ أنَّ من أهمِّ ما يوصى به السمع والطاعة لولاة الأمور؛ لِمَا في ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية للمسلمين.

5 ـ المبالغة في الحثِّ على لزوم السمع والطاعة، ولو كان الأمير عبداً.

6 ـ إخبار النَّبيِّ * عن وجود الاختلاف الكثير في أمَّته، ثم حصوله كما أخبر من دلائل نبوته *.

7 ـ أنَّ طريق السلامة عند الاختلاف في الدِّين لزوم سنَّته * وسنَّة الخلفاء الراشدين.

8 ـ بيان فضل الخلفاء الراشدين، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وأنَّهم راشدون مهديُّون.

9 ـ التحذير من كلِّ ما أُحدث في الدِّين مِمَّا لم يكن له أصل فيه.

10 ـ أنَّ البدع كلَّها ضلال، فلا يكون شيء منها حسناً.

11 ـ الجمع بين الترغيب والترهيب؛ لقوله في الترغيب: (( فعليكم ))، وفي الترهيب: (( وإيَّاكم )).

12 ـ بيان أهميَّة الوصية بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمور، واتِّباع السنن وترك البدع؛ لكون النَّبيِّ * أوصى أصحابَه بها بعد قوله عن موعظته: (( كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا ))." اهـ

 

q  التحفة الربانية شرح الأربعين النووية - (29 / 1_2) إسماعيل الأنصاري

يستفاد منه :

1-المبالغة في الموعظة ، لما في ذلك من ترقيق القلوب، فتكون أسرع إلى الإجابة .

2-الاعتماد على القرائن في بعض الأحوال، لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بإبلاغه في الموعظة أكثر من العادة .

3-أنه ينبغي سؤال الواعظ الزيادة في الوعظ والتخويف والنصح.___

4-علم من أعلام النبوة ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يقع بعده في أمته من كثرة الاختلاف _ ووقع الأمر كذلك .

5-الأمر بتقوى الله والسمع والطاعة ، وفي هذه الوصية سعادة الدنيا والآخرة ، أما التقوى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، وأما السمع والطاعة فبهما تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، ويستطيعون إظهار دينهم وطاعاتهم .

6-التمسك بالسنة والصبر على ما يصيب المتمسك من المضض في ذلك ، وقد قيل : إن هذا هو المراد بِعَضِّ النواجذِ عليها .

7-أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا وخالفه فيه غيره كان المصير إلى قول الخليفة أولى .

8-التحذير من ابتداع الأمور التي ليس لها أصل في الشرع ، أما ما كان مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها . فليس ببدعة ولا ضلالة ." اهـ

 

q  الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية –عبد الرحمن البراك - (1 / 47)

هذا الحديث أصل في الاعتصام بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين، وفيه من الفوائد:

1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعظ أصحابه بالترغيب والترهيب.

2- استحباب الوعظ والتذكير.

3- فضل الصحابة - رضي الله عنهم - لتأثرهم بالموعظة.

4- أن وجل القلب ودمع العين علامة التأثر بالموعظة رغبة ورهبة.

5- طلب الصحابة الوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - .

6- استحباب طلب الوصية من العالم وأنها ليست من السؤال المذموم، وكذلك السؤال عن العلم.

7- الوصية بتقوى الله وهي وصية الله للأولين والآخرين.

8- الوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية وإن لم يكن ذا حسب ولا نسب.

9- إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عمّا سيكون من الاختلاف، وقد وقع كما أخبر، ففيه :

10- علم من أعلام النبوة .

11- الواجب عند الاختلاف الاعتصام بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن لم تكن فبسنة الخلفاء الراشدين ويشهد لهذا من القرآن قوله تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} [النساء: 59]

12- فضل الخلفاء الراشدين المهديين للأمر بالأخذ بسنتهم ووصفهم بالرشد والهدى، والمراد بهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-. وقد صار هذا الوصف علماً عليهم.

13- تأكيد الأمر بالتمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء الراشدين. لقوله " تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ".

14- التحذير من المحدثات في الدين في عقائده وشرائعه وأحكامه، وهي البدع.

15- أن كل بدعة ضلالة.

16- الرد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة.

17- أن المرجع في مسائل الدين كلها إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ." اهـ

 

q  تطريز رياض الصالحين - (1 / 133)

وفي الحديث : التمسُّك بالسنَّة في الاعتقاد والأعمال والأقوال ، والتحذير من البِدع ، وهي ما أُحْدث في الدين مما لا أصل له في الشريعة .

 

q           جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 111):

"وَالْبَلَاغَةُ فِي الْمَوْعِظَةِ مُسْتَحْسَنَةٌ، لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى قَبُولِ الْقُلُوبِ وَاسْتِجْلَابِهَا. وَالْبَلَاغَةُ: هِيَ التَّوَصُّلُ إِلَى إِفْهَامِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ، وَإِيصَالُهَا إِلَى قُلُوبِ السَّامِعِينَ بِأَحْسَنِ صُورَةٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا، وَأَفْصَحِهَا وَأَحْلَاهَا لِلْأَسْمَاعِ، وَأَوْقَعِهَا فِي الْقُلُوبِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصُرُ خُطْبَتَهَا، وَلَا يُطِيلُهَا، بَلْ كَانَ يُبْلِغُ وَيُوجِزُ." اهـ

 

q           جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 116) لابن رجب:

"وَقَوْلُهُ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» ،

فَهَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ___تَجْمَعَانِ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

أَمَّا التَّقْوَى فَهِيَ كَافِلَةٌ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا، وَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] [النِّسَاءِ: 131] ،

وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ التَّقْوَى بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ.

وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّ النَّاسَ لَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا إِمَامٌ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ، إِنْ كَانَ فَاجِرًا عَبَدَ الْمُؤْمِنُ فِيهِ رَبَّهُ، وَحُمِلَ الْفَاجِرُ فِيهَا إِلَى أَجَلِهِ."

وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْأُمَرَاءِ: "هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْسًا: الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ، وَاللَّهِ مَا يَسْتَقِيمُ الدِّينُ إِلَّا بِهِمْ، وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا، وَاللَّهِ لَمَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُونَ، مَعَ أَنَّ - وَاللَّهِ - إِنَّ طَاعَتَهُمْ لَغَيْظٌ، وَإِنَّ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ." اهـ

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 448)

في الحديث: استحباب الموعظة بما يحرك القلوب من الكلام الجزل الجامع البليغ.

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 173)

"كلٌّ يدَّعي اعتقادًا غير اعتقاد أهل السُّنة، ويُظهر البدَعَ والأهواءَ." اهـ

 

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 277)

من فوائد هذا الحديث:.

1_ مشروعية الموعظة، ولكن ينبغي أن تكون في محلها، وأن لا يكثر فيُمِل، لأن الناس إذا ملوا ملوا الواعظ والموعظة، وتقاصرت هممهم عن الحضور، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، وكان بعض الصحابة يعظ أصحابه كل يوم خميس، يعني___في الأسبوع مرة.

 

2_ أنه ينبغي للواعظ أن تكون موعظته مؤثرة باختيار الألفاظ الجزلة المثيرة، وهذا على حسب الموضوع، فإن كان يريد أن يعظ الناس لمشاركة في جهاد أو نحوه فالموعظة تكون حماسية، وإن كان لعمل الآخرة فإن الموعظة تكون مرققة للقلوب.

3_ أن المخاطب بالموعظة إذا كانت بليغة فسوف يتأثر لقوله: "وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ، وَذَرَفَت مِنهَا العُيونُ".

4_ أن القلب إذا خاف بكت العين، وإذا كان قاسياً، نسأل الله عزّ وجل أن يبعدنا وإياكم من قسوة القلب، لم تدمع العين.

5_ أنه جرت العادة أن موعظة المودع تكون بليغة مؤثرة، لأن المودع لن يبقى عند قومه حتى يكرر عليهم الموعظة، فيأتي بموعظة مؤثرة يُذَكر بها بعد ذلك لقولهم: "كَأَنَّهَا مَوعِظَةُ موَدِّعٍ".

6_ طلب الإنسان من العالم أن يوصيه، لقولهم رضي الله عنهم "فَأَوصِنَا".

ولكن هل هذا يكون بدون سبب، أو إذا وجد سبب لذلك؟

الظاهر الثاني: بمعنى أنه ليس كلما قابلت أحداً تقول: "أوصني"،

فإن هذا مخالف لهدي الصحابة فيما يظهر، لكن إذا وجد سبب كإنسان قام ووعظ وبيَّن، فلك أن تقول: "أوصنا".

وأما بدون سبب فلا، ومن ذلك السفر، أي إذا أراد الإنسان أن يسافر وقال مثلاً للعالِم أوصني، فهذا مشروع.

7_ أن أهم ما يوصى به العبد تقوى الله عزّ وجل لقوله: "أُوصيكُم بِتَقوَى الله".

8_ فضيلة التقوى حيث كانت أهم وأولى وأول ما يوصى به العبد..

9_ وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولاة الأمور، والسمع والطاعة لهم واجب____بالكتاب والسنة،

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: الآية59)

فجعل طاعة أولي الأمر في المرتبة الثالثة ولكنه لم يأت بالفعل (أطيعوا)، لأن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،

ولهذا لو أمر ولاة الأمور بمعصية الله عزّ وجل فلا سمع ولا طاعة.

وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان يعصي الله _عزّ وجل_، إذا لم يأمرك بمعصية الله _عزّ وجل_، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسمَع وَأَطِع وَإِن ضَرَبَ ظَهرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ" [م]

وضرب الظهر وأخذ المال بلا سبب شرعي معصية لا شك، فلا يقول الإنسان لولي الأمر: "أنا لا أطيعك حتى تطيع ربك"، فهذا حرام، بل يجب أن يطيعه وإن لم يطع ربه.

أما لو أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة، لأن رب ولي الأمر ورب الرعية واحد عزّ وجل، فكلهم يجب أن يخضعوا له عزّ وجل، فإذا أمرنا بمعصية الله قلنا: لا سمع ولا طاعة.

10_ ثبوت إمرة العبد، لقوله: "وَإِن تَأَمرَ عَلَيكُم عَبدٌ" ولكن هل يلزم طاعة الأمير في كل شيء، أو فيما يتعلق بالحكم؟

الجواب: الثاني، أي فيما يتعلق بالحكم ورعاية الناس، فلو قال لك الأمير مثلاً: "لا تأكل اليوم، إلا وجبتين"، أو ما أشبه ذلك، فلم يجب عليك أن توافق إلا أنه يحرم عليك أن تنابذ، بمعنى أن تعصيه جهاراً لأن هذا يفسد الناس عليه.

11_ وجوب طاعة الأمير وإن لم يكن السلطان، لقوله: "وَإِن تَأَمرَ عَلَيكُم" ومعلوم أن الأمة الإسلامية من قديم الزمان فيها خليفة وهو السلطان، وهناك أمراء للبلدان، وإذا وجبت طاعة الأمير فطاعة السلطان من باب أولى.____

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 280)

وهنا سؤال يكثر: إذا أمَّر الناس عليهم أميراً في السفر، فهل تلزمهم طاعته؟

 

فالجواب: نعم، تلزمهم طاعته، وإذا لم نقل بذلك لم يكن هناك فائدة من تأميره، لكن طاعته فيما يتعلق بأمور السفر لا في كل شيء، إلا أن الشيء الذي لا يتعلق بأمور السفر لا تجوز منابذته فيه، مثال ذلك:

 

لو قال أمير السفر: اليوم كل واحد منكم يلبس ثوبين لأنه سيكون الجو بارداً. فهنا لا تلزم طاعته، لكن لا تجوز منابذته بمعنى: لا يجوز لأحد أن يقول لن ألبس ثوبين، لأن مجرد منابذة ولاة الأمور تعتبر معصية.

12_ ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيرَاً" فقد وقع الأمر كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: وهل يمكن أن نطبق هذه الجملة في كل زمان، بمعنى أن نقول: من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؟

فالجواب: لا نستطيع أن نطبقها في كل زمان، لكن الواقع أن من طال عمره رأى اختلافاً كثيراً.

كان الناس فيما سبق أمة واحدة، حزباً واحداً، ليس هناك تشتت ولا تفرق ثم اختلفوا،

في بلادنا هذه كان الناس منقادين لأمرائهم، منقادين لعلمائهم حتى إن الرجل يأتي مع خصمه إلى القاضي وهو يرى أن الحق له فيحكم القاضي عليه، ثم يذهب مطمئن القلب مستريحاً، وإذا قيل له: يا فلان كيف غلبك خصمك؟ قال: الشرع يُخْلِفُ.

والآن الأمر بالعكس، تجد الخصم إذا حُكِم عليه والحكم حق ذهب يماطل، ويطالب برفع المعاملة للتمييز، ومجلس القضاء الأعلى وإن كان يرى الحق عليه وليس له لكن يريد أن يضر بصاحبه،

والاختلاف الآن وقع، أحص مثلاً أفكار الناس لا تكاد تحصيها، منهم من فكره إلحاد، ومنهم من فكره دون ذلك، ومنهم من فكره سيء في الأخلاق،____ومنهم من دون ذلك.

13_ وجوب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف، لقوله: "فَعَلَيكُم بِسنَّتي" والتمسك بها واجب في كل حال لكن يتأكد عند وجود الاختلاف.

14_ أنه يجب على الإنسان أن يتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك: أنه لا يمكن لزومها إلا بعد علمها وإلا فلا يمكن.

15_ أن للخلفاء سنة متبعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فما سنه الخلفاء الراشدون أُعتبر سنة للرسول صلى الله عليه وسلم بإقراره إياهم،

ووجه كونه أقره : أنه أوصى باتباع سنة الخلفاء الراشدين.

وبهذا نعرف سفه هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم متبعون للسنة وهم منكرون لها، ومن أمثلة ذلك:

قالوا: إن الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، لأنه ليس معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من سنة عثمان رضي الله عنه، فيقال لهم: وسنة عثمان رضي الله عنه هل هي هدر أو يؤخذ بها مالم تخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: الثاني لا شك، عثمان رضي الله عنه لم يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في إحداث الأذان الأول، لأن السبب الذي من أجله أحدثه عثمان رضي الله عنه ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت المدينة صغيرة، متقاربة، لا تحتاج إلى أذان أول، أما في عهد عثمان رضي الله عنه اتسعت المدينة وكثر الناس وصار منهم شيء من التهاون فاحتيج إلى أذان آخر قبل الأذان الذي عند مجيء الإمام.

وهذا الذي فعله عثمان رضي الله عنه حق وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن له أصلاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه في رمضان كان يؤذن بلال وابن أم مكتوم رضي الله عنه، بلال رضي الله عنه يؤذن قبل الفجر، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أذانه لا لصلاة الفجر ولكن ليوقظ النائم،___ويرجع القائم للسحور [خ م] ،

فعثمان رضي الله عنه زاد الأذان الأول من أجل أن يقبل الناس البعيدون إلى المسجد ويتأهبوا فهو إذاً سنة من وجهين:

من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء ورأي عثمان رضي الله عنه خير من رأينا.

ومن جهة أخرى أن له أصلاً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

16_ أنه إذا كثرت الأحزاب في الأمة فلا تنتم إلى حزب، فقد ظهرت طوائف من قديم الزمان مثل الخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة،

ثم ظهرت أخيراً إخوانيون وسلفيون وتبليغيون وما أشبه ذلك، فكل هذه الفرق اجعلها على اليسار، وعليك بالأمام وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "عَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّة الخُلَفَاء الرَاشِدين"

ولا شك أن الواجب على جميع المسلمين أن يكون مذهبهم مذهب السلف لا الانتماء إلى حزب معين يسمى (السلفيين)،

والواجب أن تكون الأمة الاسلامية مذهبها مذهب السلف الصالح لا التحزب إلى من يسمى (السلفيون)،

فهناك طريق السلف وهناك حزب يسمى (السلفيون) والمطلوب اتباع السلف، إلا أن الإخوة السلفيين هم أقرب الفرق إلى الصواب،

ولكن مشكلتهم كغيرهم أن بعض هذه الفرق يضلل بعضاً ويبدعه ويفسقه، ونحن لا ننكر هذا إذا كانوا مستحقين،

لكننا ننكر معالجة هذه البدع بهذه الطريقة، والواجب أن يجتمع رؤساء هذه الفرق، ويقولون: (بيننا كتاب الله _عزّ وجل_ وسنة رسوله، فلنتحاكم إليهما لا إلى الأهواء والآراء، ولا إلى فلان أو فلان، فكلٌّ يخطئ ويصيب، مهما بلغ من العلم والعبادة ولكن العصمة في دين الإسلام).

فهذا الحديث أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلوك طريق مستقيم يسلم فيه الإنسان، ولا___

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 283)

ينتمي إلى أي فرقة إلا إلى طريق السلف الصالح سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين.

17_ الحث على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين تمسكاً تاماً، لقوله: "عضوا عَلَيهَا بالنَّوَاجِذِ".

18_ التحذير من البدع، أي من محدثات الأمور، لأن (إيَّا) في قوله "وَإيَّاكم" معناها التحذير من محدثات الأمور لكن في الدين، أما في الدنيا إما مطلوب وإما مذموم حسب ما يؤدي إليه من النتائج.

فمثلاً: أساليب الحرب وأساليب الاتصالات، وأساليب المواصلات كلها محدثة، لم يوجد لها نوع فيما سبق، ولكن منها صالح ومنها فاسد حسب ما تؤدي إليه، فالمُحَذَّر منه المحدث في الدين عقيدة، أو قولاً، أو عملاً، فكل محدثة في الدين صغرت أو كبرت فإنها بدعة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذه الكلية العامة الواضحة البينة: "كُلَّ مُحدَثَةٍ بدعَةٌ" وبين قوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوم القِيامَةِ" [م]

فالجواب من وجهين:

الوجه الأول: أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً" أي من ابتدأ العمل بالسنة، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بعد أن حث على الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها، فجاء الصحابة كلٌّ بما تيسر له، وجاء رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ فَلَهُ أَجرَها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيامَةِ" أي ابتدأ العمل سنة ثابتة، وليس أنه يأتي هو بسنة جديدة، بل يبتدئ العمل لأنه إذا ابتدأ العمل سن الطريق للناس وتأسوا____

شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 284)

به وأخذوا بما فعل.

 

الوجه الثاني: أن يقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً" أي سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة المصاحف على مصحف واحد، فهذا سنة حسنة لاشك، لأن المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل بعضهم بعضاً.

 

كذلك أيضاً جمع السنة وتبويبها وترتيبها، فهذه سنة حسنة يتوصل بها إلى حفظ السنة.

إذاً يُحمَل قوله: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ" على الوسائل إلى أمور ثابتة شرعاً، ووجه هذا أننا نعلم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتناقض، ونعلم أنه لو فُتِحَ الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس منه لتمزقت الأمة وتفرقت، وقد قال الله عزّ وجل: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 159)

19_ أن جميع البدع ضلالة ليس فيها هدى، بل هي شر محض حتى وإن استحسنها من ابتدعها فإنها ليست حسنى، بل ولا حسنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَة" ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً.

وبناءً على هذا يتبين خطأ من قسم البدع إلى خمسة أقسام أو إلى ثلاثة أقسام، وأنه ليس على صواب، لأننا نعلم علم اليقين أن أعلم الناس بشريعة الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أفصح الخلق نطقاً محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أصدق الخلق خبراً رسول الله صلى الله عليه وسلم،

أربعة أوصاف كلها مجتمعة على الأكمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي مَنْ بعده ويقول: البدعة ليست ضلالة، بل هي أقسام: حسنة، ومباحة، ومكروهة، ومحرمة، وواجبة. سبحان الله العظيم، " اهـ



[1] وفي جامع بيان العلم وفضله (2/ 1168) : "قَالَ أَبُو عُمَرَ : «الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَهُمْ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»." اهـ

[2] قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (5/ 119): "(مَرِيمِين):

قال القاضي عبد الصمد بن سعيد في "تاريخ حمص"، قال أحمد بن محمد: "سألت أبا معاوية السلمي عن مسجد عرباض بن سارية السلمي، فقال: "منزله خارج حمص في قرية من قرى حمص، يقال لها (مريمين)، وولده بها إلى اليوم." اهـ

[3] وفي مسند أحمد مخرجا (28/ 375) (رقم : 17145)

[4] يعني : ما يتعلق بالدين، وأما يتعلق بأمور الدنيا، فهو ليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة من حيث اللغة، فاليتنبه به!

[5] يعني : شَرْعًا، لا لغة!

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين