شرح الحديث 32-35 من صحيح الترغيب للأستاذ عبد القادر البوجيسي

 

 الترهيب من الرياء


32 - (11) [صحيح] وعن محمود بن لبيد؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"إنّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ".

قالوا : "وما الشركُ الأصغرُ يا رسولُ اللهِ؟ "

قال: "الرياءُ، يَقولُ اللهُ _عز وجل_ إذا جزى الناسَ بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً".

رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا والبيهقي في "الزهد" وغيره.[1]

 

قال الحافظ رحمه الله[2] :

"ومحمود بن لبيد رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يصح له منه سماع فيما أرى، وقد خَرَّجَ أبو بكر بنُ خزيمة حديث محمود المتقدم في "صحيحه"، مع أنّه لا يُخرج فيه شيئاً من المراسيل، وذكر ابن أبي حاتم أنّ البخاري قال: "له صحبة"، قال: وقال أبي: "لا يُعرَف له صحبة"، ورجح ابن عبد البَر أنَّ له صحبة. وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خُديج وقيل: إنَّ حديث محمود هو الصواب؛ دون ذكر رافع بن خَديج فيه. والله أعلم".[3]



شرح الحديث:

 

ومصداق الحديث: قول الله _عز وجل_: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22]

وقال _تعالى_: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [يونس: 28]

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه أحمد في مسنده (39/ 39) (رقم : 23630)[4]، والبيهقي شعب الإيمان (9/ 154) (رقم : 6412)، والبغوي في شرح السنة (14/ 323) (رقم : 4135)[5]، وإسماعيل بن جعفر الأنصاري في أحاديثه (ص: 447) (رقم : 384)

 

من فوائد الحديث:

 

الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 62_63)

(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ) قَدْ شَهِدَ بِتَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ قَائِلًا : {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أَيْ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ____الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» ." اهـ[6]

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 96)

قال: "وفي الحديث" أي الحديث الذي رواه أحمد والطبراني والبيهقي:

أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»،

الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر وعمر ولسادات المهاجرين والأنصار، الذين بلغوا القمّة في التّوحيد والإيمان والجهاد في سبيل الله، ومع هذا الرسول يخاف عليهم، فمن يأمن بعد هؤلاء؟:

"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسئل عنه فقال: "الرياء"

هذا دليل على اهتمام الصحابة في الأمر، والرياء معناه: أن الإنسان يتصنّع أمام الناس بالتقوى، والعمل الصالح، وإتقان الصلاة، وغير ذلك، من أجل أن يمدحوه،

فالرياء من الرؤية أن يحب الإنسان أن يراه الناس وهو يعمل العمل الصالح من أجل أن___يمدحوه، والسُّمعة أن يحب الإنسان أن الناس يسمعون كلامه ويسمعون عمله ويمدحونه، فالرياء لما يُرى من الأعمال، والسُّمعة لما يسمع منها." اهـ

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 97)

"والسُّمعة أن يحب الإنسان أن الناس يسمعون كلامه ويسمعون عمله ويمدحونه، فالرياء لما يُرى من الأعمال، والسُّمعة لما يسمع منها.

والرياء شرك خفي، لأن الشرك على نوعين: شرك ظاهر وشرك خفي.[7]

الشرك الظاهر: الذي يتمثل في الأعمال والأقوال، بأن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله، أو يستغيث بغير الله، هذا ظاهر يراه الناس ويسمعونه،

لكن هناك شرك خفي: لا يدري عنه الناس، لأنه في القلب، لا يعلمه إلاَّ الله سبحانه وتعالى، وهو الشرك في النيّة والإرادة، فالإنسان إذا سَلِم من الشرك الأكبر فإنه قد لا يسلم من الشرك الأصغر الذي يكون في القلوب، وهذا مما يُعطي المؤمن الحذر الشديد.

والرياء من صفات المنافقين، يقول الله تعالى في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً (142) } والله تعالى توعّد المرائين، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) } فوعدهم الله بالويل، وجاء في الحديث أن الله يقول للمرائين يوم القيامة: "اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا هل تجدون عندهم جزاءً".

 

إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 97)

فهذا الحديث فيه الخوف من الشرك، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خافه على سادات المهاجرين والأنصار، وعلى أفضل هذه الأمة، فكيف بمن دونهم، وإذا كان هذا في الشرك الأصغر الذي لا يُخرج من الملّة فكيف بالشرك الأكبر- والعياذ بالله-.

وفيه دليل على وجوب إخلاص النية لله عزّ وجلّ، وان الإنسان لا يقصد مدح الناس أو ثناء الناس أو مطامع دنيا بأعماله الصالحة، وإنما يخلص النيّة لله عزّ وجلّ، يريد وجه الله، فإن عَمِل من أجل الرياء فعمله باطل.

فهذا الحديث يدل:

أولاً: على الخوف من الشرك.

ثانياً: أن الرياء شرك، ومعناه- كما ذكرنا-: أن يحب الإنسان أن يراه الناس على الطاعة فيُثنوا عليه بها.

وثالثاً: أن الرياء شرك خفي، لا يعلمه الناس، وإنما الله جل وعلا هو الذي يعلمه، لأنه في القلوب." اهـ

 

الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص: 45)

لكمال شفقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورحمته بأمته ونصحه لهم بحيث لم يترك خيراً إلا دلهم عليه ولا شراً إلا حذّرهم منه، ومن الشر الذي حذّر منه الظهور بمظهر العبادة لقصد تحصيل ثناء الناس لأنه شركٌ في العبادة -وهو وإن كان شكاً أصغرَ فخطره عظيم، لأنه يحبط العمل الذي قارنه- ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلا من سلَّم الله كان هذا أخوف ما يُخاف على الصالحين -لقوة الداعي إليه- بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، وإما ضعيف.

 

الملخص في شرح كتاب التوحيد (ص: 46)

ما يستفاد من الحديث:

1- شدة الخوف من الوقوع في الشرك الأصغر، وذلك من وجهين:

الأول: أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تخوَّف من وقوعه تخوفاً شديداً.

الثاني: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تخوَّف من وقوعه في الصالحين الكاملين فمن دونهم من باب أولى.

2- شدة شفقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمته وحرصه على هدايتهم ونصحه لهم.

3- أن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر -فالأكبر هو أن يسوِّي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، والأصغر هو ما أتى في النصوص أنه شرك ولم يصل إلى حد الأكبر- والفرق بينهما:

أ-أن الأكبر يحبط جميع الأعمال، والأصغر يحبط العمل الذي قارنة.

ب- أن الأكبر يخلد صاحبه في النار، والأصغر لا يوجب الخلود في النار.

ج- أن الأكبر ينقل عن الملة، والأصغر لا ينقل عن الملة.

 

============================

 

33 - (12) [حسن] وعن أبي سعيد بن أبي فَضالة[8] -وكان من الصحابة- قال : سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:

"إذا جمعَ اللهُ الأوّلين والآخِرينَ ليومِ القيامةِ، ليومٍ لا ريبَ فيه، نادى منادٍ: من كان أشركَ في عملِه لله أحداً فليطلبْ ثوابَه من عندِه، فإنّ الله أغنى الشركاء[9] عن الشرك".

رواه الترمذي في التفسير من "جامعه" (1)، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي.

__________

(1) قلت: وقال: "حديث حسن".

 

ترجمة أبي سعد بن أبي فضالة _رضي الله عنه_:

 

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 342) للمزي :

"أبو سعد بْن أَبي فضالة الأَنْصارِيّ الحارثي، ويُقال: أَبُو سَعِيد بْن فضالة بْن أَبي فضالة، له صحبة." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1668) لابن عبد البر : "له صحبة. يعد فِي أهل المدينة." اهـ

وفي مختصر تاريخ دمشق (28/ 335):

"وقدم الشام، وشهد الفتوح بها.

وقال: اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام حين ندب أبو بكر البعوث، فقال لي سهيل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعةً خير له من عمله في أهله عمره. فأنا مقيم في سبيل الله حتى أموت، لا أرجع إلى مكة أبداً.

قال خليفة بن خياط: ومن الأنصار، ممن لم يحفظ لنا نسبه إلى أقصى آبائه: أبو سعد بن أبي فضالة." اهـ

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه الترمذي في سننه (5/ 314) (رقم : 3154)، وابن ماجه في سننه (2/ 1406) (رقم : 4203)، وأحمد في مسنده (رقم : 15838 و 17888)، وابن حبان في صحيحه (رقم : 404 و 7345)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 307) (رقم : 778)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 144) (رقم : 6398)، والدولابي في الكنى والأسماء (1/ 101) (رقم : 209)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2908) (رقم : 6820)

 

من فوائد الحديث :

 

شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3371):

"جمع الله الخلق ليوم لا بد من حصوله، ولا يشك في وقوعه، لتجزى كل نفس بما كسبت." اهـ

 

الذخيرة للقرافي (13/ 251)

الرِّيَاءُ هُوَ إِيقَاعُ الْقُرْبَةِ يَقْصِدُ بِهَا النَّاسَ فَلَا رِيَاءَ فِي غَيْرِ قُرْبَةٍ كَالتَّجَمُّلِ بِاللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ لَا رِيَاء فِيهِ وَإِرَادَة غير النَّاس بالقربة لَيْسَ رِيَاءً كَمَنْ حَجَّ لِيَتَّجِرَ أَوْ غَزَا لِيَغْنَمَ لَا يُفْسِدُ بِذَلِكَ قُرْبَتَهُ وَالرِّيَاءُ قِسْمَانِ رِيَاءُ إِخْلَاصٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْعَلَ الْقُرْبَةَ إِلَّا لِلنَّاسِ وَرِيَاءُ شِرْكٍ وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ وَهُوَ أَخَفُّهُمَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاع وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذين هم يراؤن وَيمْنَعُونَ الماعون} وَمَتَى شَمِلَ الرِّيَاءُ الْعِبَادَةَ بَطَلَتْ إِجْمَاعًا لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشَرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لِلشَّرِيكِ فَإِنْ شَمِلَ بَعْضَ الْعِبَادَةِ وَهِيَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا كَالصَّلَاةِ فَقَدْ وَقَعَ لِلْعُلَمَاءِ فِي صِحَّتِهَا تَرَدُّدٌ حَكَاهُ المحاسبي فِي الرِّعَايَة وَالْغَزالِيّ فِي الإحباء وَمَتَى عَرَضَ الرِّيَاءُ فِي الْعِبَادَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا أَمر بِدفع الرقاء وَعَمَلِ الْعِبَادَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَلَصِقَ الرِّيَاءُ بِصَدْرِهِ فَإِنْ كَانَتِ الْقُرْبَةُ مَنْدُوبَةً تَعَيَّنَ التَّرْكُ لِتَقَدُّمِ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْمَنْدُوبِ أَوْ وَاجِبَةً أُمِرَ بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ إِذْ لَا سَبِيلَ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَغْرَاضُ الرِّيَاءِ ثَلَاثَةٌ اسْتِجْلَابُ الْخُيُورِ وَدَرْءُ الشُّرُورِ وَالتَّعْظِيمُ مِنَ الْخَلْقِ وَبَسْطُ هَذَا الْبَابِ وَمُدَاوَاتُهُ إِذَا عَرَضَ مَبْسُوطٌ فِي كِتَابِ الرَّقَائِقِ وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالرِّيَاءِ تَرْكُ الْعَمَلِ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَرْكِ الْمُفْسِدَاتِ لَا بِتَرْكِ الْعَمَلِ لِأَجَلِ الْمُفْسِدَاتِ

 

شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 123)

وأما الرياء فقد قال العراقي في «الفروق» : إنه حرام محصل للإثم ومبطل لثواب العبادة.

الرياء على قسمين:

أحدهما: أن يعمل الذي أمره الله ويقصد به وجه الله تعالى وأن تعظمه الناس أو بعضهم.

ثانيهما: أن يعمل الذي أمره الله ولا يريد وجه الله تعالى بالنية بل الناس فقط،

ويسمى القسم الأول: (رياء الشرك)، لأنه للخلق وللحق،

والثاني: (رياء الإخلاص)، لأنه لا شريك فيه بل هو خالص للخلق، ومقصود المرائي يعمله ثلاثة أشياء: تعظيم الخلق له، وجلب المنافع الدنيوية له، ودفع المضار الدنيوية عنه.

وإنما كان حراماً لأنه شرك وتشريك مع الله في طاعته، وقد صح في صحيح مسلم وغيره: «إن الله تعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته له، أو تركته لشريكي» [م]

فهذا الحديث ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى." اهـ

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (2/ 130)

ذِكْرُ نَفْيِ وُجُودِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْعُقْبَى لِمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فِي عَمَلِهِ

 

التوضيح لشرح الجامع الصحيح (10/ 264) لابن الملقن (ت: 804 هـ):

"فالرياء يبطل الصدقة وجميع الأعمال؛ لأن المرائي إنما يفعل ذلك من أجل الناس ليحمدوه على عمله، فلم يحمده الله تعالى حين رضي بحمد الناس عوضًا من حمد الله وثوابه، وراقب الناس دون ربه." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (1/ 54)

قيل: فيه دليل على أنه لا تجوز الأضحية بسُبعِ بدنة إذا كان فيها شِركةُ لحم، وأنه لا يجوز أكل ذبيحة ذكر عليها اسم الله وغيره كـ: بسم الله ومحمدٍ بالجر.

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 907)

فيه: أن الرياء من الشرك، وهو يحبط ثواب العمل الذي قارنه.

 

صحيح ابن حبان - مخرجا (16/ 340)

ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَّا مِمَّنْ كَانَ مُخْلِصًا فِي إِتْيَانِهَا فِي الدُّنْيَا

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 24)

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَالِصًا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَمَصِيرُهُ إِلَى جَهَنَّمَ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا} [الإسراء: 18]، يَعْنِي:

مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا وَلَا يُرِيدُ ثَوَابَ الْآخِرَةِ أَعْطَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا مِقْدَارَ مَا شِئْنَا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا (لِمَنْ نُرِيدُ)، يَعْنِي لِمَنْ نُرِيدُ أَنْ نُهْلِكَهُ، وَيُقَالُ لِمَنْ نُرِيدُ أَنْ نُعْطِيَهُ بِإِرَادَتِنَا أَيَّ مَتَاعٍ، لَا بِإِرَادَتِهِ

(ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ)، يَعْنِي: أَوْجَبْنَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا يَعْنِي يَدْخُلُهَا مَذْمُومًا،

 

شرح رياض الصالحين (6/ 341_342):

"وفي هذا : دليل على أن الرياء إذا شارك العبادة فإنها لا تقبل فلو أن الإنسان صلى أول ما صلى وهو يرائي الناس لأجل أن يقولوا فلان ما شاء الله يتطوع يصلي ويكثر الصلاة فإنه لا حظ له في صلاته ولا يقبلها الله عز وجل حتى لو أطال ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها____

وصار لا يتحرك وصارت عينه في موضع سجوده فهي غير مقبولة لماذا؟ لأنه أشرك مع الله غيره يصلي لله والناس، الله غني عن عبادته سبحانه وتعالى لا تقبل...

لكن إن طرأ الرياء على الإنسان يعني رجل مخلص شرع في الصلاة ثم صار في قلبه شيء من الرياء فهذا إن دافعه، فلا يضره، لأن الشيطان يأتي للإنسان في عبادته التي هو مخلص فيها من أجل أن يفسدها عليه بالرياء هذا لا يضر،

ولا ينبغي أن يكون ذليلا أمام ما يلقيه الشيطان من الرياء بل يجب أن يصمد وأن يستمر في عبادته لا يقول والله أنا صار معي رياء أخاف أن تبطل لا بل يستمر والشيطان إذا دحرته اندحر من شر الوسواس الخناس " اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 79)

وَتَارَةً يَكُونُ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَيُشَارِكُهُ الرِّيَاءُ، فَإِنْ شَارَكَهُ مِنْ أَصْلِهِ فَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ وَحُبُوطِهِ أَيْضًا. وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشَرِيكَهُ» وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ: فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ.

 

محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهرى (المتوفى: 1367هـ) في «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» (ص: 84)

قال الراغب: وشرك الإنسان في الدين ضربان؛

أحدهما: الشرك العظيم، وهو إثبات شريك لله تعالى، يُقال: أشرك فلان بالله، وذلك أعظم كفر،

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116]

وقال تعالى: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72]

وقال تعالى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} [الممتحنة: 12]

وقال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] .

والثاني: الشرك الصغير، وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور، وهو الرياء، والنفاق المشار إليه بقوله: {شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] وقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] .

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 193)

قد تكلّم العلماء في الرياء، وأقسامه، فمنهم: الغزاليّ _رحمه الله_ حيث قال: "درجات الرياء أربعة أقسام:

الأولى: وهي أغلظها، أن لا يكون مراده الثواب أصلًا، كالذي يصلي بين أظهر الناس، ولو انفرد لكان لا يصلي، بل ربما يصلي من غير طهارة، مع الناس، فهذا جرّد قَصْده للرياء، فهو الممقوت عند الله تعالى.

والثانية: أن يكون له قصد الثواب أيضًا، ولكن قصدًا ضعيفًا بحيث لو___كان في الخلوة، لكان لا يفعله، ولا يحمله ذلك القصد على العمل، ولو لم يكن الثواب لكان قَصد الرياء يحمله على العمل، فقَصْد الثواب فيه لا ينفي عنه المقت.

والثالثة: أن يكون قَصْد الثواب والرياء متساويين، بحيث لو كان واحد خاليًا عن الآخر لم يبعثه على العمل، فلما اجتمعا انبعثت الرغبة، وظواهر الأخبار تدلّ على أنه لا يَسْلَم رأسًا برأس.

والرابعة: أن يكون اطلاع الناس مرجحًا مقويًا لنشاطه، ولو لم يكن، لم يترك العبادة، ولو كان قَصْد الرياء وحده لَمَا أقدم، فالذي نظنه، والعلم عند الله أنه لا يحبَطُ أصلُ الثوابِ، ولكنه يُنقص منه، أو يعاقب على مقدار قَصْد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب.

وأما قوله: "أنا أغنى الشركاء" فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان، أو كان قصد الرياء أرجح. انتهى، ذكره القاري في "المرقاة"[10]

 

قال ابن رجب في شرح الأربعين: العمل لغير الله أقسام:

تارةً يكون: رياءً محضًا؛ بحيث لا يُراد به سوى مراءاة المخلوقين؛ لغرضٍ دنيوي؛ كحال المنافقين في صلاتهم.

وهذا الرِّياء لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصَّلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة، والحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة التي يتعدَّى نفعها؛ فإنَّ الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا شك أنَّه حابط، وأنَّ صاحبه يستحق المقت من الله تعالى، والعقوبة.

وتارةً: يكون العمل لله، ويشاركه الرِّياء:

فإنَّ شاركه من أصله، فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه.

ففي صحيح مسلم (2985) عن أبي هريرة، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشِّرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه".

وممَّن يروى عنه هذا المعنى -أنَّ العمل إذا خالطه شيءٌ من الرِّياء، كان باطلاً- طائفة من السلف؛ منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، والحسن، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.

ولا نعرف عن السلف في هذا خلافًا، وإنْ كانَ فيه خلافٌ عن بعض المتأخرين.

وقد روي عن مجاهد؛ أنَّه قال في حجِّ الجمَّال، وحج التاجر: هو تامٌّ لا ينقص من أجورهم شيء، وهذا محمولٌ على أنَّ قصدهم الأصلي، كان هو الحج دون التكسب.___

وأمَّا إذا كان أصل العمل لله، ثمَّ طرأتْ عليه نية الرِّياء: فإنْ دفعه، فلا يضره بغير خلاف، وإنْ استرسل معه، فهل يحبط عمله، أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟:

في ذلك خلافٌ بين العلماء من السلف، وأرجو أنَّ عمله لا يبطل بذلك، وأنَّه يجازى على نيته الأولى.

ويستدل لهذا القول بما أخرجه أبو داود في مراسيله (ص 242) عن عطاء الخراساني؛ أنَّ رجلاً قال: "يارسول الله، إنَّ بني سلمة كلهم يقاتلون في سبيل الله، منهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نجدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم إذا كان أصل أمره أنْ تكون كلمة الله هي العليا".

وذكر ابن جرير أنَّ هذا الاختلاف إنَّما هو في عملٍ يرتبط آخره بأوله؛ كالصَّلاة، والصيام، والحج، فأمَّا الَّذي لا ارتباط فيه؛ كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنَّه ينقطع بنية الرِّياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية.

وأمَّا إذا عمل العمل خالصًا، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين: فذلك فضل الله ورحمته، فإذا استبشر بذلك، لم يضره ذلك،

وفي هذا المعنى حديث أبي ذرٍّ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه سئل عن الرَّجل يعمل لله عمل الخير، ويحمده النَّاس عليه؟ فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" [رواه مسلم (2642)]." اهـ

 

تحفة الأحوذي (8/ 476):

"وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ هَا هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ _تَعَالَى_: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 181_182):

"* في هذا الحديث من الفقه : أبلغ التشديد في أمر الشرك؛ بأبلغ لطف في النطق، وذلك أن الله سبحانه وتعالى حرم أن يشرك به، فإذا أشرك به أحد من عبيده تنزه سبحانه عن ذلك الشرك نطقا، كما تنزه عنه سبحانه حقيقة،

ثم إنه سبحانه لما كان جالب هذا الإشراك هو هذا العبد بجهله، مع__كونه ملكا لله _عز وجل_، تنزه الله عن ذلك بأن ترك العبد الذي جلب الشرك وما أثاره جهله." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 182):

"والله سبحانه وتعالى خالق القوى غير محتاج إلى شركة غيره، فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك." اهـ

 

المدخل لابن الحاج (2/ 122)

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَالِمِ أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ فِي التَّعْلِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يُظْهِرَ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، ثُمَّ هُوَ فِي حَقِّ الْمُتَعَلِّمِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُتَّصِفٌ بِالْجَهْلِ،

فَيَحْرِصُ عَلَى تَخْلِيصِ نِيَّتِهِ مِنْ الشَّوَائِبِ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، لَا لِأَجْلِ:

* أَنْ يَرْتَفِعَ قَدْرُهُ عِنْدَ النَّاسِ،

* أَوْ يُعْرَفَ بِالْعِلْمِ،

* أَوْ لِمَعْلُومٍ يَأْخُذُهُ بِهِ،

* أَوْ لِأَنْ يَرْأَسَ بِهِ عَلَى الْجُهَّالِ،

* أَوْ لَأَنْ يُشَارَ إلَيْهِ،

* أَوْ لَأَنْ يُسْمَعَ قَوْلُهُ،

* إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُظُوظِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا الَّتِي تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، بَلْ يَفْعَلَ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُرِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ." اهـ

 

المدخل لابن الحاج (2/ 122_123):

"وَلَا تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ فَيَتَعَيَّنُ تَخْلِيصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَبْتَدِئُهُ أَوَّلًا بِالْإِخْلَاصِ الْمَحْضِ، حَتَّى يَكُونَ الْأَصْلُ طَيِّبًا فَتَأْتِيَ الْفُرُوعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الطَّيِّبِ فَيُرْجَى خَيْرُهُ، وَتَكْثُرَ بَرَكَتُهُ، وَالْقَلِيلُ مِنْ الْعِلْمِ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ فِيهِ أَنْفَعُ وَأَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ الْكَثِيرِ مِنْهُ مَعَ تَرْكِ الْمُبَالَاةِ بِالْإِخْلَاصِ فِيهِ___

وَمِنْ مَرَاقِي الزُّلْفَى لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِوَجْهِ اللَّهِ لَمْ يَزَلْ مُعَانًا، وَمَنْ طَلَبَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَزَلْ مُهَانًا انْتَهَى هَذَا إذَا كَانَ هُوَ الدَّاخِلُ بِنَفْسِهِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ وَلِيُّهُ هُوَ الَّذِي يُرْشِدُهُ لِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُعَلِّمَهُ النِّيَّةَ فِيهِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يُرْشِدَهُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ بِسَبَبِ أَنْ يَرْأَسَ بِهِ، أَوْ يَأْخُذَ مَعْلُومًا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنَّ هَذَا سُمٌّ قَاتِلٌ يُخْرِجُ الْعِلْمَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ يَقْرَأُ، وَيَجْتَهِدُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

فَإِنْ جَاءَ شَيْءٌ مِنْ غَيْبِ اللَّهِ تَعَالَى قَبِلَهُ عَلَى سَبِيلِ أَنَّهُ فُتُوحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ لَا لِأَجْلِ إجَارَةٍ، أَوْ مُقَابَلَةٍ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ إذْ أَنَّ أَعْمَالَ الْآخِرَةِ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا عِوَضٌ." اهـ

 

الموافقات (2/ 354_355) للشاطبي:

"فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ التَّعَبُّدِ، فَحَقُّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ حَظٍّ، فَإِنَّ طَلَبَ الْحَظِّ بِالْعَمَلِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِحُقُوقِ السَّيِّدِ بَلْ بِحُظُوظِ نفسه.___

وَأَمَّا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا النَّظَرِ، فَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى إِخْلَاصِ الْأَعْمَالِ لِلَّهِ، وَعَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ مِنْهَا فَلَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} [الْبَيِّنَةِ: 5] .

وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 110] .

وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ." اهـ

 

الموافقات (3/ 9)

فَالْعَمَلُ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَصْدُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ، وَإِذَا عُرِّيَ عَنِ الْقَصْدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا؛ كَفِعْلِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ وَالْمَجْنُونِ.

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 121) :

34 - (13) [صحيح] وعن أبي هريرة؛ أنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

"قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشركِ، فَمَنْ عمِلَ لي عملاً أشركَ فيه غيري فأنا منه بريءٌ، وهو للذي أشركَ (1) ".

رواه ابن ماجه -واللفظ له-، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي، ورواة ابن ماجه ثقات.

__________

(1) هو تأكيد للرد، وإلا فهو عمل باطل.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2289) (رقم : 2985)، وابن ماجه في سننه (2/ 1405) (رقم : 4202)، وأحمد في مسنده (13/ 377) (رقم : 7999)[11]، وفي الزهد (ص: 40) (رقم : 243)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (4/ 288) (رقم : 2682)، وابن خزيمة في صحيحه (2/ 67) (رقم : 938) وابن حبان في صحيحه (2/ 120) (رقم : 395)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 47) (رقم 130)[12]، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 143) (رقم : 6396)، وفي الآداب (ص: 331) (رقم : 821)، وفي الأسماء والصفات (1/ 532) (رقم : 458)، وفي الأربعين الصغرى (ص: 81) (رقم : 38)  وأبو يعلى الموصلي في مسنده (11/ 430) (رقم : 6552)، وابن المقرئ في معجمه (ص: 382) (رقم : 1247)، أبو نعيم في تاريخ أصبهان = أخبار أصبهان (2/ 123)، وغيرهم.

 

من فوائد الحديث:

 

وقال القرطبيّ رحمه الله في "المفهم" (6/ 615):

"أصل الشرك المحرّم: اعتقاد شريك لله تعالى في إلاهيته، وهو الشرك الأعظم، وهو شرك الجاهلية،

* ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى في الفعل، وهو قول من قال: إن موجودًا مّا غير الله تعالى يستقلّ بإحداث فعل، وإيجاده، وإن لم يعتقد كونه إلهًا،

* ويلي هذا في الرتبة: الإلشراكُ في العبادة،

وهو الرياء، وهو أن يفعل شيئًا من العبادات التي أمر الله _تعالى_ بفعلها له لغير الله، وهذا هو الذي سيق الحديث لبيان تحريمه، وأنه مبطلٌ للأعمال؛ لهذا أشار بقوله: "من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشريكه." [م]،

وهذا هو المسمّى بالرياء، وهو على الجملة مبطل للأعمالك، وضده الإخلاص، وهو من شرط صحَّة العبادات، والقُرَب." اهـ

 

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 64_65) للسفاريني:

"وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْوَاسِطِيُّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ:

إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا أَقَامَ فِي قَلْبِهِ شَاهِدًا مِنْ ذِكْرِ الْآخِرَةِ يُرِيهِ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَزَوَالَهَا، وَبَقَاءَ الْآخِرَةِ وَدَوَامَهَا، فَيَزْهَدُ فِي الْفَانِي وَيَرْغَبُ فِي الْبَاقِي، فَيَبْدَأُ بِالسَّيْرِ وَالسُّلُوكِ فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ. وَأَوَّلُ السَّيْرِ فِيهَا تَصْحِيحُ التَّوْبَةِ، وَالتَّوْبَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْمُحَاسَبَةِ وَرِعَايَةِ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِلَخْ، وَكَفِّهَا عَنْ جَمِيعِ الْمَحَارِمِ وَالْمَكَارِهِ وَالْفُضُولِ. هَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ الدِّينِ، وَيَبْقَى الشَّطْرُ الْآخَرُ وَهُوَ الْقِيَامُ بِالْأَوَامِرِ، فَتَحْقِيقُ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَنَاهِي مِنْ قَلْبِهِ وَقَالِبِهِ أَمَّا الْقَالِبُ فَلَا يَعْصِي اللَّهَ بِجَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، وَمَتَى زَلَّ أَوْ أَخْطَأَ تَابَ.

وَأَمَّا الْقَلْبُ فَيُنَقَّى مِنْهُ الْمُوبِقَاتُ الْمُهْلِكَاتُ مِثْلُ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْبُغْضِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَرَدِّ الْحَقِّ وَاسْتِثْقَالِهِ وَالِازْدِرَاءِ بِالْخَلْقِ وَمَقْتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الْكَبَائِرِ الْقَالَبِيَّةِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ كَبَائِرُ ظَاهِرَةٌ وَتِلْكَ كَبَائِرُ بَاطِنَةٌ.

قَالَ فَمَنْ انْطَوَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْبَاطِنِيَّةِ وَلَمْ يَتُبْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِدَلِيلِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» وَجَاءَ أَنَّ «الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» . وَجَاءَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا فَأَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكَهُ» .

وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] فَمَتَى تَنَقَّى الْقَلْبُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخَبَائِثِ وَالرَّذَائِلِ طَهُرَ وَسَكَنَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ فِي مَكَانِ الْبُغْضِ، وَالتَّوَاضُعُ فِي مُقَابَلَةِ الْكِبْرِ، وَالنَّصِيحَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْغِشِّ، وَالْإِخْلَاصُ فِي مُقَابَلَةِ الرِّيَاءِ، وَرُؤْيَةُ الْمِنَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْعُجْبِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزْكُو الْأَعْمَالُ وَتَصْعَدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيَطْهُرُ الْقَلْبُ، وَيَبْقَى مَحَلًّا لِنَظَرِ الْحَقِّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ.

فَهَذَا أَحَدُ شَطْرَيْ___الدِّينِ، وَهُوَ رِعَايَةُ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ عَنْ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ، وَإِنَّمَا تَصْلُحُ وَتَطْهُرُ بِرِعَايَةِ الْقَلْبِ وَطَهَارَتِهِ مِنْ الْمُوبِقَاتِ وَالْجَرَائِمِ وَمَعْنَى الْمُوبِقَاتِ الْمُهْلِكَاتُ.

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله (ص: 19)

وإخلاصُ العمل لله واتّباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هما مقتضى شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، وكلُّ عمل يُتقرَّب به إلى الله لا بدَّ أن يكون خالصاً لله ومطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فُقد الإخلاصُ لم يُقبل العمل؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} ، وقوله تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم (2985) ، وإذا فُقد الاتِّباع رُدَّ العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) ، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، وهذه الجملة أعمُّ من الأولى؛ لأنَّها تشمل مَن فعل البدعة وهو مُحدثٌ لها، ومَن فعلَها متابعاً لغيره فيها.

 

محمد منير بن عبده أغا النقلي الدمشقي الأزهرى (المتوفى: 1367هـ) في «النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية» (ص: 85) ومعه "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية":

"ففيه : حثُّ العباد أن يخلصوا في أعمالهم؛ ليكون العمل مقبولًا، ويثاب عليه، ويكون ذخراً له في يوم هو أحوج ما يكون إليه.

وفيه أيضًا : بيان غنى الله تعالى، وأنه أغنى الأغنياء، بل جميع الأغنياء محتاجون إليه، فهو الغني المطلق، وغيره فقير إليه، فلا ينبغي للعبد أن يطلب، أو يعمل شيئًا إلا لله جل اسمه، وتعالت صفاته، والله أعلم.

 

============================

 

صحيح الترغيب والترهيب (1/ 121) :

35 - (14) [صحيح] وروى البيهقي عن يعلى بن شدادٍ عن أبيه قال:

كنا نَعُدُّ الرياءَ في زَمَنِ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشركَ الأصغرَ (2).

__________

(2) قلت: ورواه الحاكم أيضاً (4/ 329) وقال: "صحيح". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فلو عزاه المصنِّف إليه كان أولى.

 

ترجمة وراة الحديث:

 

يعلى بن شداد بن أوس بن ثابت الأنصارى الخزرجى النجارى أبو ثابت المدنى المقدسى، من الوسطى من التابعين، روى له :  د ق، وهو  صدوق

 

شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري النجاري، أبو يعلى المدني ( ابن أخى حسان بن ثابت شاعر النبى )

ترجمة شداد بن بن ثابت الأنصاري النجاري _رضي الله عنهما_:

 

اسمه وكنيته

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري النجاري، أبو يعلى ، و يقال : أبو عبد الرحمن ، المدنى ، ابن أخى حسان بن ثابت شاعر النبى صلى الله عليه وسلم له و لأبيه صحبة . و

أمه: امرأة من بنى عدى بن النجار اسمها صريمة . نزل بيت المقدس و أعقب بها ، و بها مات . اهـ

 

أبوه :

و قال أحمد بن عبد الله بن البرقى : "وكان أوس بن ثابت شهد بدرا و استشهد يومَ أحد . وتوفى شداد بن أوس بالشام .

و قال أبو القاسم الطبرانى : أوس بن ثابت الأنصارى عقبى و هو أخو حسان بن ثابت

و هو أبو شداد بن أوس .

 

و قال المزى :

قال البخارى : "وقال بعضهم : شهد بدرا ، و لم يصح."

 

مناقبه:

وقال المفضل بن غسان الغلابى : (زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد. وكان عمر بن الخطاب ولاه حمص).

 

عن أسد بن وداعة : "كان شداد بن أوس إذا أخذ مضجعه من الليل كان كالحبة على المقلى ، فيقول : (اللهم، إن النار قد حالت بينى و بين  النوم ، ثم يقوم، فلا يزال يصلى حتى يصبح."

 

و قال سعيد بن عبد العزيز : (فُضِّلَ شدادُ بن أوس الأنصارى بخصلتين: تبيان إذا نطق، ويكظم إذا غضب)

 

قال عبادة بن الصامت : (من الناس من أوتى علما، ولم يؤت حلما. ومنهم من أوتي حلما، ولم يؤت علما. ومنهم من أوتي علما وحلما. وإن شداد بن أوس : من الذين أتوا العلم و الحلم)

 

و قال محمد بن سعد : أخبرنى من سمع ثور بن يزيد يخبر عن خالد بن معدان قال : (لم يبق من أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالشام أحد كان أوثق و لا أفقه ولا أرضى : من عبادة بن الصامت و شداد بن أوس).

 

خالد بن معدان بن أبى كرب الكلاعى (ت : 103 هـ)، أبو عبد الله الشامى الحمصى، من الوسطى من التابعين، روى له :  خ م د ت س ق

 

و قال محمد بن مسلم بن وارة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن شداد بن محمد بن شداد بن أوس : سمعت أبى يذكر عن أبيه ، عن جده ، عن شداد بن أوس : أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو يجود بنفسه ، فقال : ما لك يا شداد ؟ قال :

ضاقت بى الدنيا ، فقال : ليس عليك ، إن الشام يفتح و يفتح بيت المقدس فتكون أنت وولدك أئمة فيهم إن شاء الله .

 

أولاده:

و قال أبو الحسن بن جوصى ، عن أبى عبد الرحمن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس : حدثنى أبى عن أبيه ، عن جده ، قال : كانت كنية شداد أبو يعلى. وكان له خمسة أولاد: أربعة بنين و بنت. و كان أكبرهم يعلى، ثم محمد، وعبد الوهاب، والمنذر، فمات شداد، وعبد الوهاب و المنذر صغيران،

و لم يعقب يعلى و أعقبوا كلهم ، و كانت البنت اسمها خزرج تزوجت فى الأزد.

 

وفاته:

محمد بن عمرو : و توفى شداد سنة أربع و ستين (64 هـ)

و قال إبراهيم بن المنذر الحزامى ، و محمد بن سعد ، و أبو بكر بن أبى خيثمة ، وأبو حاتم الرازى ، وأبو عمر بن عبد البر ، و غير واحد : مات بالشام سنة ثمان و خمسين (58 هـ)، و هو ابن خمس و سبعين .

قال أبو عمر : و يقال : مات سنة إحدى و أربعين ، و يقال : سنة أربع و ستين .

روى له الجماعة . اهـ .

 

قال الحافظ في تهذيب التهذيب 4 / 315 :

و قال ابن حبان : قبره ببيت المقدس ، و مات سنة ثمان و خمسين .

و قال أبو نعيم فى " الصحابة " : توفى بفلسطين فى أيام معاوية ، و عقبه ببيت

المقدس . اهـ .

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه البزار في مسنده = البحر الزخار (8/ 406) (رقم : 3481)، والطبري في "تهذيب الآثار" - مسند عمر (2/ 796) (رقم: 1119)، وابن قانع البغدادي في معجم الصحابة (1/ 34)، والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 70) (رقم : 196)، وفي المعجم الكبير (7/ 289) (رقم : 7160)، وفي مسند الشاميين (3/ 230) (رقم : 2146)، وابن الأعرابي في معجمه (3/ 1044) (رقم: 2246)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/ 365) (رقم : 7937)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 165) (رقم : 6425)[13]

 

والحديث صحيح: صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 121) (رقم: 35)



[1] تتبعت الحديث في كتب ابن أبي الدنيا وفي كتاب الزهد للبيهقي، فما وقفت عليه، والله المستعان.

[2] يعني : المنذري

[3] والصحيح أنه صحابي،

وفي مشاهير علماء الأمصار (ص: 52) لابن حبان : "محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس الاشهلي له صحبة مات سنة ثلاث وتسعين." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1378) لابن عبد البر : "محمود بْن لبيد بْن رَافِع بْن امرئ القيس بْن زَيْد الأَنْصَارِيّ الأشهلي : من بني عبد الأشهل ولد على عهد رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد حدث عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأحاديث." اهـ

وفي إكمال تهذيب الكمال (11/ 102) لمغلطاي الحنفي : "قال المزي: لا تصح له رؤية ولا سماع، كأنه لم ير قول البخاري: قال أبو نعيم، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد: «أسرع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ».

وذكره أحمد بن حنبل في «مسنده» في جملة الصحابة، وكذلك العسكري والبغوي، وذكرا وفاته سنة ست وسبعين." اهـ

وفي الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 35) للحافظ ابن حجر : "محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، الأنصاريّ، الأوسي، الأشهليّ.

قال البخاريّ: له صحبة، ثم روى من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عنه، قال:

أسرع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم مات سعد بن معاذ حتى تقطعت نعالنا، وهذا ظاهره أنه حضر ذلك، ويحتمل أن يكون أرسله، وأراد بقوله: نعالنا من حضر ذلك من قومه من بني عبد الأشهل، ومنهم رهط سعد بن معاذ." اهـ

[4] وفي مسند أحمد (39/ 43) (رقم : 23636)

[5] وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (2/ 635) للألباني : "وقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 217 / 1) عن عبد الله بن شبيب أنبأنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو به، إلا أنه قال: عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج مرفوعا. قلت: وعبد الله بن شبيب واه، فلا تقبل زيادته." اهـ

[6] ثم ذكر حديثنا.

[7] وفي إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 89) للفوزان: "ولَمّا كان الشرك على نوعين: شركٌ ظاهر، وشرك خفي.

فالشرك الظاهر: هو ما يكون في الأعمال الظاهرة كالذي يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله أو يستغيث بغير الله إلى غير ذلك من أنواع الشرك الأكبر الذي يراه النّاس ويسمعونه.

أما النوع الثاني: وهو الشرك الخفي، فهذا لا يراه النّاس ولا يعلمونه؛ لأنه في القلوب.

فالشرك الأول يكون في الأعمال الظاهرة، وهذا في النيّات والمقاصد القلبية التي لا يعلمها إلاَّ الله سبحانه وتعالى." اهـ

[8] وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (33/ 342) للمزي : "أبو سعد بْن أَبي فضالة الأَنْصارِيّ الحارثي، ويُقال: أَبُو سَعِيد بْن فضالة بْن أَبي فضالة، له صحبة." اهـ

وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1668) لابن عبد البر : "له صحبة. يعد فِي أهل المدينة." اهـ

وفي مختصر تاريخ دمشق (28/ 335):

"وقدم الشام، وشهد الفتوح بها.

وقال: اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام حين ندب أبو بكر البعوث، فقال لي سهيل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعةً خير له من عمله في أهله عمره. فأنا مقيم في سبيل الله حتى أموت، لا أرجع إلى مكة أبداً.

قال خليفة بن خياط: ومن الأنصار، ممن لم يحفظ لنا نسبه إلى أقصى آبائه: أبو سعد بن أبي فضالة." اهـ

[9] وفي المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 109) للزيداني:

"يعني: أنا أكثر الشركاء استغناءً، لا حاجة لي إلى شريك، فأفعل التفضيل قد يضاف إلى جمعٍ يكون في المضاف إليهم الشيءُ الذي يكون في المضاف، ولكن يكون في المضاف أكثر، مثل أن تقول: زيدٌ أفضلُ القوم؛ يعني: الفضل في زيدٍ وفي القوم موجودٌ ولكنْ في زيد أكثر، وقد يضاف ولا يكون في المضاف إليهم شيءٌ مما يكون في المضاف، نحو قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] مع أنه لا خيريةَ ولا حُسنَ لأصحاب النار.

يعني: قد يكون بعض الناس غنيًا عن الشريك، ولكن لم يكن استغناؤه عن الشريك في جميع الأوقات، وقد يكون مستغنيًا في بعض الأوقات ومحتاجًا في بعضها، وأنا غنيٌّ عن الشركاء والضِّدِّ والند والظهير أبدًا؛ لأن الحاجة والعجز والفقر وغيرها من أوصاف المخلوقات لا سبيل لشيء منها إليَّ، فمَن عَمِلَ عملًا لا يكون خالصًا لي - بل عملُه للرياء والسمعة - لا أقبلُ ذلك العمل منه." اهـ

وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3369):

"((مح)) [النووي]: معناه: أنا أغنى عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئا لي ولغيري، لم أقبله بل أتركه مع ذلك الغير، ويدل عليه الحديث الول من الفصل الثاني. ويجوز أن يرجع إلى العامل، والمراد بالشرك الشركة." اهـ

[10] بل ذكره من هو أقدم من القاري، وهو الطيبي في شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (11/ 3369). وما قاله الغزالي، فانظره في "إحياء علوم الدين" (3/ 301-302)، ط. دار المعرفة - بيروت.

[11] وفي مسند أحمد مخرجا (13/ 377) (رقم : 8000) و (15/ 381) (رقم : 9619)

[12] وفي المعجم الأوسط (6/ 324) (رقم : 6529)

[13] وفي شعب الإيمان (9/ 165) (رقم : 6426)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين