شرح الحديث 17 من كتاب رياض الصالبحين للأستاذ أبي فائزة البوجيسي -حفظه الله-

 

[17] وعن أبي هُريرةَ[1] - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ» . رواه مسلم.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2076) (رقم : 2703)، وأحمد في مسنده (15/ 313) (رقم : 9509)، والنسائي في السنن الكبرى (10/ 97) (رقم : 11115)، وابن حبان في صحيحه (2/ 396) (رقم : 629)، والطبراني في المعجم الأوسط (7/ 227) (رقم : 7344)، غيرهم

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 22) للشيخ فيصل آل مبارك النجدي :

"قبول التوبة مستمر ما دام بابها مفتوحًا، فإذا أغلق لم تقبل.

قال الله _تعالى_ : {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام (158) ] ،

يعني : إذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع الكافر إيمانه، ولا العاصي توبته." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 198) :

"وقوله : «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه»

هذا حد للتوبة جعله الله تعالى، ولها باب يسد عند هذه الآية كما جاء فىِ الحديث،

وقد جاء فى التفسير أنه معنى قوله : {يَوْمَ يأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}،

وعلى ظاهره حمله أهل الفقه والحديث، خلاف ما تأوله عليه بعض الغالين من الباطنية." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (17/ 25) :

"قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا حَدٌّ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ،

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "إِنَّ لِلتَّوْبَةِ بَابًا مَفْتُوحًا فَلَا تَزَالُ مَقْبُولَةً حَتَّى يُغْلَقَ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، أُغْلِقَ وَامْتَنَعَتِ التَّوْبَةُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :

{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]

وَمَعْنَى (تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) قَبِلَ تَوْبَتَهُ وَرَضِيَ بِهَا،[2]

وَلِلتَّوْبَةِ شَرْطٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ حَالَةُ النَّزْعِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَلَا غَيْرُهَا." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 355_356)

* فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،

* وَيُؤْخَذُ مِنْهَا : أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ،

* وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ___عَلَى أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْفَلَكِيَّاتِ بَسِيطَةٌ لَا يَخْتَلِفُ مُقْتَضَيَاتُهَا وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَغْيِيرُ مَا هِيَ عَلَيْهِ،

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : "وَقَوَاعِدُهُمْ مَنْقُوضَةٌ وَمُقَدِّمَاتُهُمْ مَمْنُوعَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا امْتِنَاعَ مِنِ انْطِبَاقِ منْطِقَةِ الْبُرُوجِ[3] الَّتِي هِيَ مُعَدَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَشْرِقُ مَغْرِبًا وَبِالْعَكْسِ." اهـ

 

جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (2/ 390) لابن رجب :

"فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُبَادَرَةُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهَا وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، إِمَّا بِمَرَضٍ أَوْ مَوْتٍ، أَوْ بِأَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ مَعَهَا عَمَلٌ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ : "إِنَّ بِضَاعَةَ الْآخِرَةِ كَاسِدَةٌ، يُوشِكُ أَنْ تَنْفَقَ، فَلَا يُوصَلُ مِنْهَا إِلَى قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ. وَمَتَى حِيلَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْعَمَلِ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الْحَسْرَةُ وَالْأَسَفُ عَلَيْهِ، وَيَتَمَنَّى الرُّجُوعَ إِلَى حَالَةٍ يُتْمِكُنَّ فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ، فَلَا تَنْفَعُهُ الْأُمْنِيَّةُ." اهـ

 

الترغيب والترهيب للمنذري، ت. عمارة (4/ 88) :

"الترغيب في التوبة، والمبادرة بها، وإتباع السيئةِ الحسنة"

 

صحيح ابن حبان لأبي حاتم البستي (2/ 396) :

"ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ تَوْبَةَ التَّائِبِ إِنَّمَا تُقْبَلُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، لَا بَعْدَهَا." اهـ

 

الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 152) لابن هبيرة الشيباني الحنبلي :

"* في هذا الحديث وجوب الإيمان بطلوع الشمس من مغربها،

فقد قال عز وجل: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158]،

فقال المفسرون : هي طلوع الشمس من مغربها، وإنما كان طلوعها من مغربها؛ أنه لرؤية أهل المشارق والمغارب." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين" لأبي الليث السمرقندي (ص: 104) :

فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَا يَكُونُ مُصِرًّا عَلَى الذَّنْبِ، فَإِنَّ الرَّاجِعَ عَنْ ذَنْبِهِ لَا يَكُونُ مُصِرًّا، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً

 

التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 167) للأمير الصنعاني :

"فلا ينبغي لعاص أن يبيت يوما من عمره إلا تائبا، لأنه يجوز طلوع الشمس من مغربها في كل غداة." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 226_227) للإثيوبي :

"فوائده :

1 - (منها): الحثّ على المبادرة بالتوبة قبل فوات الأوان.

2 - (ومنها): بيان وقت قبول التوبة، وهو ما قبل طلوع الشمس من مغربها.

3 - (ومنها): بيان الوقت الذي لا تُقبل فيه التوبة، وهو ما بعد طلوعها.

4 - (ومنها): بيان أن طلوع الشمس من مغربها إحدى علامات الساعة___الكبرى، وهي عشر،

كما سيأتي في "كتاب الفتن" حديثُ حذيفة بن أَسِيد الغفاريّ: قال:

"اطَّلَع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- علينا، ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟»

قالوا: "نذكر الساعة"، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-، وياجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد

الناس إلى محشرهم".[4] انتهى، والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}." اهـ



[1] ترجمة أبي هريرة الدوسي :

اختلف فِي اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بْن صخر بن  ذي الشري بْن طريف بْن عيان بْن أَبي صعب بْن هنية بْن سعد ابن ثعلبة بْن سليم بْن فهم بْن غنم بْن دوس بْن عدثان بن عَبد الله بن زهران بن كعب بن الْحَارِثِ بْن كعب بْن عَبد اللَّهِ بن مالك ابن نصر بْن الأزد.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 366_367) للمزي :

"ويُقال: كَانَ اسمه فِي الجاهلية عبد شمس وكنيته أبو الأسود...وروي عَنْهُ أنه قال، إنما كنيت بأبي هُرَيْرة أني وجدت أولاد هرة وحشية فحملتها فِي كمي، فقيل: ما هَذِهِ؟ فقلت: هرة، قِيلَ فأنت أَبُو هُرَيْرة." اهـ

وذكر أَبُو القاسم الطبراني أن اسم أمه ميمونة بنت صبيح.

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 377) : "وَقَال عَمْرو بْن علي: نزل المدينة، وكان مقدمه وإسلامه عام خيبر، وكانت خيبر فِي المحرم سنة سبع."اهـ

وفي تهذيب الكمال في أسماء الرجال (34/ 378)

قال سفيان بْن عُيَيْنَة، عن هشام بْن عروة: مات أَبُو هُرَيْرة، وعائشة سنة سبع وخمسين.

وَقَال أَبُو الحسن المدائني، وعلي ابن المديني، ويحيى بْن بكير، وخليفة بْن خياط، وعَمْرو بْن علي: مات أَبُو هُرَيْرة سنة سبع وخمسين.

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 561) للذهبي :

"قَالَ الْبُخَارِيُّ : رَوَى عَنْهُ: ثمان مائة رَجُلٌ أَوْ أكثر.

قلت: روي لَهُ نَحْو من خمسة آلاف حديث وثلاث مائة وسبعين حديثًا (5370). في الصحيحين منها ثلاث مائة وخمسة وعشرون حديثًا (325)، وانفرد الْبُخَارِيُّ أيضًا لَهُ بثلاثة وتسعين (93)، ومسلم بمائة وتسعين (190)." اهـ

[2] وفي إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 198) للقاضي عياض :

"قيل: معناه: قبل توبته ورضيها. قيل: توبة الله على عباده رجوعه بهم إليها، وقد تكون توبته تثبيتاً لهم وتصحيحاً، ويأتى بعد هذا معنى التوبة." اهـ

وفي المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 178) للمظهري الزيداني: "("تاب الله عليه")؛ أي : قبل الله تعالى توبته وغفر ذنبه." اهـ

وفي شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1842) : "أي قب توبته، وتحقيقه أن الله تعالي رجع متعطفا عليه برحمته، وقبل توبته. اهـ

[3] ويسمى (دائرة البروج)

[4] أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2225) (رقم: 2901)، وأبو داود في سننه (4/ 114) (رقم: 4311)، والترمذي في سننه (4/ 477) (رقم: 2183)، والنسائي في السنن الكبرى (10/ 209 و 10/ 253) (رقم: 11316 و 11418)، وابن ماجه في سننه (2/ 1341 و 2/ 1347) (رقم: 4041 و 4055).

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين