الحديث الخامس من بهجة قلوب الأبرار

 

 

بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 149)

الحديث الخامس والستون: آداب الرؤيا.

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ. والحُلْم مِنَ الشَّيْطَانِ. فَإِذَا رَأَى أحدُكم مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ. وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فليتعوَّذ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ. ولْيَتْفُلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فإنها لن تضره" متفق عليه

 

 

ترجمة أبي قتادة الأنصاري السَّلِمِيِّ (ت 54 بـ المدينة)

 

أبو قتادة الأنصارى ، قيل اسمه : الحارث بن ربعي بن بلدمة السَّلِمِيُّ الْمَدَنِيُّ (أمه كبشة بنت مطهر)، روى له :  خ م د ت س ق

 

قال المزي في تهذيب الكمال  :

( خ م د ت س ق ) : أبو قتادة الأنصارى صاحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وفارسه ، قيل : اسمه الحارث بن ربعى ، و قيل : النعمان بن ربعى ، و قيل : عمرو ابن ربعى ،

و المشهور : الحارث بن رِبْعِيٍّ بْنِ بَلْدَمَةَ بِن خُنَاسِ بْنِ سِنَانٍ بْنِ عُبَيْدٍ بْنِ عَدِيٍّ بْنِ غَنْمٍ بْنِ كَعْبٍ بْنِ سَلِمَةَ السَّلِمِيُّ الْمَدَنِيُّ .

 

وأمه:  كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة .

 

مناقبه:

وقال المزى :

ذكره محمد بن سعد فى الطبقة الثانية، وقال : "شهد أحدا، والخندق، وما بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_" اهـ

 

صحيح مسلم (3/ 1439) (رقم: 1807):

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ»

.

و قال أبو نضرة ، عن أبى سعيد الخدرى : أخبرنى من هو خير مني أبو قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " . م (2915)

 

قال الواقدى ، عن يحيى بن عبد الله بن أبى قتادة : توفى أبو قتادة بالمدينة سنة أربع و خمسين (54 هـ)، و هو ابن سبعين (70) سنة .

 

و قال عمرو بن على : مات بالمدينة سنة أربع و خمسين ، و هو ابن اثنتين و سبعين (72) سنة .

و قال الهيثم بن عدى ، و غير واحد : مات بالكوفة و صلى عليه على . قال بعضهم : سنة ثمان و ثلاثين .

 

قال الواقدى : و لم أر بين ولد أبى قتادة و أهل البلد عندنا اختلافا : أن أبا قتادة توفى بالمدينة ،

وروى أهل الكوفة : أنه توفى بالكوفة و على بن أبى طالب بها و هو صلى عليه ، فالله أعلم .

 

روى له الجماعة . اهـ .

 

تخريج الحديث :

أخرجه مسلم [1/ 5883 و 5884 و 5885 و 5886 و 5887 و 5888 و 5889] (2261)، و (البخاريّ) في "بدء الخلق" (3392) و"الطبّ" (5747) و"التعبير" (6984)، و (أبو داود) في "الأدب" (5021)، و (الترمذيّ) في "الرؤيا" (2277)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (4/ 391 و 6/ 224)، و"عمل اليوم والليلة" (897 و 900 و 901)، و (ابن ماجه) في "تعبير الرؤيا" (3909)، و(مالك) في "الموطّأ" (2/ 957)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه" (11/ 212)، و(ابن أبي شيبة) في "مصنّفه" (11/ 70)، و (الحميديّ) في "مسنده" (1/ 202)، و(أحمد) في "مسنده" (5/ 310)، و (الدارميّ) في "سننه" (2/ 124)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (6059)، و (الطبرانيّ) في "الأوسط" (5/ 170)، و(البيهقيّ) في "شُعَب الإيمان" (4/ 187)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة" (3274)، والله تعالى أعلم.

 

قال المؤلف _رحمه الله_ شارحا للحديث في كتابه "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار" ط الوزارة (ص: 134_136):

"أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: أن الرؤيا الصالحة من الله، أي: السالمة من تخليط الشيطان وتشويشه،

 

وذلك لأن الإنسان إذا نام خرجت روحه، وحصل لها بعض التجرد الذي تتهيأ به لكثير من العلوم والمعارف. وتلطفت مع ما يلهمها الله، ويلقيه إليها الملك في منامها.

 

فتتنبه وقد تجلت لها:

* أمور كانت قبل ذلك مجهولة،

* أو ذكرت أمورا قد غفلت عنها،

* أو تنبهت لأحوال ينفعها معرفتها، أو العمل بها،

* أو حذرت مضارا دينية أو دنيوية لم تكن لها على بال،

* أو اتعظت ورغبت ورهبت عن أعمال قد تلبست بها، أو هي بصدد ذلك،

* أو تنبهت لبعض الأعيان الجزئية لإدخالها في الأحكام الشرعية.

 

فكل هذه الأمور علامة على الرؤيا الصالحة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. وما كان من النبوة فهو لا يكذب.

 

فانظر إلى رؤيا النبي _صلى الله عليه وسلم_ في قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 43]

 

كم حصل بها من منافع واندفع من مضار.

 

وكذلك قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]____،

 

كم حصل بها من زيادة إيمان، وتم بها من كمال إيقان، وكانت من آيات الله العظيمة.

 

وانظر إلى رؤيا ملك مصر، وتأويل يوسف الصديق لها، وكما تولى التأويل فقد ولاه الله ما احتوت عليه من التدبير، فحصل بذلك خيرات كثيرة، ونعم غزيرة، واندفع بها ضرورات وحاجات، ورفع الله بها يوسف فوق العباد درجات.

 

وتأمل رؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - الأذان والإقامة، وكيف صارت سببا لشرع هذه الشعيرة العظيمة التي هي من أعظم الشعائر الدينية.

 

ومرائي الأنبياء والأولياء والصالحين - بل وعموم المؤمنين وغيرهم - معروفة مشهورة، لا يحصى ما اشتملت عليه من المنافع المهمة، والثمرات الطيبة.

 

وهي من جملة نعم الله على عباده، ومن بشارات المؤمنين، وتنبيهات الغافلين، وتذكيره للمعرضين، وإقامة الحجة على المعاندين.

 

وأما الحلم الذي هو أضغاث أحلام، فإنما هو من :

* تخليطِ الشيطان على روح الإنسان،

* وتشويشِه عليها وإفزاعها،

* وجلبِ الأمور التي تكسبها الهم والغم، أو توجب لها الفرح والمرح والبطر، أو تزعجها للشر والفساد والحرص الضار.

 

فأمر النبي _صلى الله عليه وسلم_ عند ذلك :

* أن يأخذ العبد في الأسباب التي تدفع شره، بأن لا يحدث بها أحدا، فإن ذلك سبب لبطلانه واضمحلاله،

* وأن يتفل عن شماله___ثلاث مرات.

* وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الذي هو سبب هذا الحلم والدافع له، وليطمئن قلبه عند ذلك أنه لا يضره، مصداقا لقول رسوله، وثقة بنجاح الأسباب الدافعة له.

 

وأما الرؤيا الصالحة:

* فينبغي أن يحمد الله عليها،

* ويسأله تحقيقها،

* ويحدث بها من يحب ويعلم منه المودة، لِيَسُرَّ لِسُرُوْرِهِ، ويدعو له في ذلك.

* ولا يحدث بها من لا يحب، لئلا يشوش عليه بتأويل يوافق هواه، أو يسعى - حسدا منه - في إزالة النعمة عنه.

 

ولهذا لما رأى يوسف الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر ساجدين له، وحدث بها أباه قال له: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5]

 

ولهذا كان كتم النعم عن الأعداء - مع الإمكان - أولى، إلا إذا كان في ذلك مصلحة راجحة.

 

واعلم أن الرؤيا الصادقة:

تارة يراها العبد على صورتها الخارجية، كما في رؤيا الأذان وغيرها،

وتارة يضرب له فيها أمثال محسوسة، ليعتبر بها الأمور المعقولة، أو المحسوسة التي تشبهها، كرؤيا ملك مصر ونحوها،

 

وهي تختلف باختلاف الرائي والوقت والعادة، وتنوع الأحوال.

 

أشار المؤلف _رحمه الله_ إلى قوله _تعالى_:

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)} [يوسف: 43 - 49]

 

من فوائد الحديث :

 

فتح الباري لابن حجر (12/ 370_371) :

فَحَاصِلُ مَا ذكر من أدب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :

* أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهَا،

* وَأَنْ يَسْتَبْشِرَ بِهَا،

* وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا لَكِنْ لِمَنْ يُحِبُّ دُونَ مَنْ يَكْرَهُ،

وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَدَبِ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ : أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ[1] :

* أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا،

* وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ،

* وَأَنْ يَتْفُلَ حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا،

* وَلَا يَذْكُرُهَا لِأَحَدٍ أَصْلًا،

وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَيْدِ فِي الْمَنَامِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

* خَامِسَةٌ : وَهِيَ الصَّلَاةُ،

وَلَفْظُهُ : "فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ : فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ."

لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحِ الْبُخَارِيُّ بِوَصْلِهِ وَصَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهِ،

وَغَفَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ، فَقَالَ : "زَادَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ." انْتَهَى،

وَزَادَ مُسْلِمٌ :

* سَادِسَةً : وَهِيَ التَّحَوُّلُ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ،

فَقَالَ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدثنَا لَيْث، وَحدثنَا ابن رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ :

"إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا : فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ." ...

وَفِي الْجُمْلَةِ فَتَكْمُلُ الْآدَابُ سِتَّةً : الْأَرْبَعَةَ الْمَاضِيَةَ، وَالصَّلَاةَ، وَالتَّحَوُّلَ.

وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الشُّرُوح____ذِكْرَ :

* سَابِعَةٍ : وَهِيَ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ،

وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَلِكَ مُسْتَنَدًا، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ :

"وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ"، فَيُتَّجَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صَلَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِآدَابِ الْعَابِرِ." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (12/ 369)

"قَوْلِهِ : (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ)

أَنَّ الَّتِي تُضَافُ إِلَى اللَّهِ لَا يُقَالُ لَهَا حُلُمٌ وَالَّتِي تُضَافُ لِلشَّيْطَانِ لَا يُقَالُ لَهَا رُؤْيَا وَهُوَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا فَالْكل يُسَمَّى رُؤْيَا وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرُ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ فَأَطْلَقَ عَلَى كُلٍّ رُؤْيَا." اهـ[2]

 

فتح الباري لابن حجر (12/ 393) :

"وَإِضَافَةُ الْحُلْمِ إِلَى الشَّيْطَانِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُنَاسِبُ صِفَتَهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّهْوِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ[3]،

بِخِلَافِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ فَأُضِيفَتْ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ تَشْرِيف، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، كَمَا أَنَّ الْجَمِيعَ عِبَادُ اللَّهِ، وَلَوْ كَانُوا عُصَاةً،

كَمَا قَالَ : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53]

وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 180)

وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الشَّيْطَان لِأَن الرُّؤْيَا الكاذبة يُرِيد بهَا الشَّيْطَان ليسيء ظَنّه ويحزنه ويقل حَظه من شكر الله، وَلِهَذَا أمره بالبصق عَن يسَاره. وَعَن ابْن الْجَوْزِيّ: الرُّؤْيَا والحلم بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْحلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي نَومه، غير أَن صَاحب الشَّرْع خص الْخَيْر باسم الرُّؤْيَا وَالشَّر باسم الْحلم.

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (15/ 180)

الْحلم هُوَ الرُّؤْيَا السَّيئَة الكاذبة الْمَكْرُوهَة، والرؤيا الْمَكْرُوهَة هِيَ الَّتِي تكون عَن حَدِيث النَّفس وشهواتها، وَكَذَلِكَ رُؤْيا التهويل والتخويف يدْخلهُ الشَّيْطَان على الْإِنْسَان ليشوش عَلَيْهِ فِي الْيَقَظَة، وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْمَأْمُور بالاستعاذة مِنْهُ، لِأَنَّهُ من تخيلاته، فَإِذا فعل الْمَأْمُور بِهِ صَادِقا أذهب الله عَنهُ مَا أَصَابَهُ من ذَلِك." اهـ[4]

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 270)

الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة هِيَ الَّتِي يريها الشَّيْطَان الْإِنْسَان ليحزنه فيسوء ظَنّه بربه، ويقل حَظه من الشُّكْر، فَلذَلِك أمره أَن ينفث أَي: يبصق من جِهَة شِمَاله ثَلَاث مَرَّات، ويتعوذ من شَره كَأَنَّهُ يقْصد بِهِ طرد الشَّيْطَان وتحقيره، واستقذاره.[5]

 

شرح النووي على مسلم (15/ 18)

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فإنها لا تَضُرَّهُ)

مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَيُعْمَلُ بِهَا كُلِّهَا فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا قَائِلًا أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ شَرِّهَا وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبِهِ الْآخَرِ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ فِيَّ دَفْعِ ضَرَرِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ

 

شرح النووي على مسلم (15/ 18)

قَالَ الْقَاضِي : "وَأَمَرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا، وَخصَّتْ بِهِ الْيَسَار لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَنَحْوِهَا، وَالْيَمِينُ ضِدُّهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ : (وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا)،

فَسَبَبُهُ : أَنَّهُ رُبَّمَا فَسَّرَهَا تَفْسِيرًا مَكْرُوهًا عَلَى ظَاهِرِ صُورَتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا فَوَقَعَتْ كَذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الرؤيا على رجل طائر، ومعناه : أنها اذا كَانَتْ مُحْتَمِلَةً وَجْهَيْنِ، فَفُسِّرَتْ بِأَحَدِهِمَا، وَقَعَتْ عَلَى قُرْبِ تِلْكَ الصِّفَةِ قَالُوا وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الرُّؤْيَا مَكْرُوهًا وَيُفَسَّرُ بِمَحْبُوبٍ وَعَكْسُهُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ لِأَهْلِهِ

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةِ الْحَسَنَةِ (لَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا مَنْ تُحِبُّ)

فَسَبَبُهُ : أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ لَا يُحِبُّ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْبُغْضِ أَوِ الْحَسَدُ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَكْرُوهٍ فَقَدْ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَإِلَّا فَيَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَالِ حُزْنٌ وَنَكَدٌ مِنْ سُوءِ تَفْسِيرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (18/ 116)

وقوله : (( والحلم من الشيطان )) ؛ يعني به : ما يلقيه مما يهوِّل ، أو يخوف ، أو يخزن به . وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه ؛ لأنَّه من تخييلات الشيطان وتشويشاته ، فإذا استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله تعالى ، ونفث عن يساره ثلاثًا ، وتحوَّل عن جنبه كما أمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث ، وصلى ؛ أذهب الله عنه ما أصابه ، وما يخافه من مكروه ذلك ، ولم يصبه منه شيء ببركة صدق الالتجاء إلى الله تعالى ، وامتثال أوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (23/ 147)

هَذَا الْحَدِيثُ بَيِّنُ الْمَعْنَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا السَّيِّئَةَ لَا تَضُرُّ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَنَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ وَالرُّؤْيَا السَّيِّئَةُ حُلْمٌ وَتَهْوِيلٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَتَحْزِينٌ لِابْنِ آدَمَ." اهـ

 

تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 193_194) للبيضاوي :

"والرؤيا الصالحة : إعلام وتنبيه من الله بتوسط الملك, ولذلك عدها في الحديث السابق من أجزاء النبوة, وتحقيقه: أن النفوس البشرية خلقت بحيث لها بالذات تعلق واتصال بالملك الموكل على عالمنا[6]، هذا الموكل إليه تدبير أمره, وهو المسمى في هذا الباب بملك الرؤيا, لكنها ما دامت مستغرقة في أمر البدن وتدبير معاشها وتدبر أحوالها, كانت معوقة من ذلك, فإذا نام, وحصل لها____أدنى فراغ, اتصلت بطباعها, فينطبع فيها من المعاني والعلوم الحاصلة له من مطالعة اللوح المحفوظ, والإلهامات الفائضة عليه من جناب القدس= ما هو أليق بها من أحوالها وأحوال ما يقرب إليها من الأهل والولد والمال والبلد وغير ذلك, فتحاكيه القوة المتخيلة بصورة جزئية مناسبة إلى الحس المشترك, فتنطبع فيه, فتصير محسوسة مشاهدة, ثم إن كانت تلك المناسبة ظاهرة جلية, كانت الرؤيا غنية عن التعبير, وإلا كانت مفتقرة إليه, وهو تحليل تلك المناسبة بالرجوع قهقرى إلى المعنى المتلقي من الملك." اهـ

 

شرح المصابيح لابن الملك (5/ 135)

ولمَّا كانت الرؤيا الصالحةُ موسومة بالحقّ أضافَها إلى الله تعالى، ولمَّا كانت الحلم تخليطاً لا حقيقة له أضافها إلى الشيطان وإن كان كل منهما بقضاء الله تعالى.[7]

 

الموافقات (4/ 470) للشاطبي :

"فَكُلُّ مَا حَكَمَ[8] بِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَا نَوْمٍ أَوْ رُؤْيَةِ كَشْفٍ مِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ مِمَّا أَلْقَى إِلَيْهِ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَمَّا أُمَّتُهُ3؛ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَاهُ حُلْمًا وَكَشْفُهُ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ وَإِنْ تَبَيَّنَ فِي الْوُجُودِ صِدْقُهُ، وَاعْتِيدَ ذَلِكَ فِيهِ وَاطُّرِدَ؛ فَإِمْكَانُ الْخَطَأِ وَالْوَهْمِ بَاقٍ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقْطَعَ به حكم." اهـ

 

شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (1/ 189)

والرؤيا الصالحة لا تختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بل يشاركه غيره فيها لكن خص - صلى الله عليه وسلم - بأن جميع ما كان يراه في منامه حق وصدق، ولهذا قالت عائشة «وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» وفلق: بفتح أولهما وثانيهما ضياؤه أي: جاءت مثل الوضوح والبيان.

 

شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 562)

وَقَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: الْحُلْمُ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الرُّؤْيَا، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُعْطَهَا بَلِيغٌ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا حَكِيمٌ، بَلْ سَنَّهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَ مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، فَجَعَلَ الْحُلْمَ عِبَارَةً عَمَّا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ ; لِأَنَّ الْكَلِمَةَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إِلَّا فِيمَا يُخَيَّلُ لِلْحَالِمِ فِي نَوْمِهِ مِنْ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ.

 

فيض الباري على صحيح البخاري (1/ 293) للكشميري :

"ثم اعلم أن الأحاديث عامةٌ في الرؤيا تنبىء عن التقسيم الثنائي: الرؤيا من الله، والحُلُم من الشيطان. وشرحه العلماء بأن ظاهرَه إن كان خيرًا فهو من الله، ويَسألُ عن تعبيره. وإن كان مشوهًا فهو تحزينٌ من الشيطان ولا يَسأل عن تعبيره وأمره كما في الحديث.

وفي بعض الأحاديث التقسيم الثلاثي أيضًا: تحديث النفس، وتخويفٌ من الشيطان، وبشرى من الله، وقد كنت مدةً طويلةً أظن أن حديث الباب يبنىء عن التقسيم الثنائي، فإذا انتفى الحُلم تعيَّنَ أن يكونَ من الله تعالى." اهـ

 

منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (5/ 349_350)

في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإنّها من الله ".

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الرؤيا نوعان: (أ) رؤيا حسنة: تسر النفس وهي تضاف إلى الله تعالى، وتسمى " رؤيا صالحة " وإنما تضاف إلى الله عزّ وجل تشريفاً، وتكريماً لها، كما يضاف إليه كل شيء جميل، أو لأنها بشارة من الله تعالى لمن يراها. (ب) ورؤيا سيئة تخيف الرائي، وتفزعه، وهذه تضاف إلى الشيطان وتسمى حلماً، وفي الواقع أن كل ما يراه النائم في منامه يسمى رؤيا وحلماً معاً، ولكن كما قال القاري: غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والأمر القبيح وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى: " الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان " قال العيني: وهذا العرف شرعي، وإلا فالكل يسمّى رؤيا. ثانياًً: أنه يستحب لمن رأى رؤيا صالحة - أي رؤيا حسنة تسر بها نفسه أن يشكر الله عليها، لأنها نعمة، وأن يحدث بها أحبابه الذين يثق بهم، ويطمئن إلى علمهم ورجاحة عقلهم، وفي الحديث: " لا تحدث بها إلاّ لبيباً أو حبيباً " وفي رواية: لا يقصُّ إلاّ على عالم أو ناصح، لأن العالم يؤولها على الخير مهما أمكن، والناصح يرشد إلى ما ينفع، والحبيب إن عرف خيراً قاله، وإن جهل أو شك سكت، فهؤلاء خير من يتحدث إليهم. ويستحب لمن رأى ما يكره وأراد السلامة من تلك الرؤيا أن يفعل ما يأتي: الأول: أن يستعيذ بالله من شرّها بعد أن ينفث عن يساره ثلاثاً لما في حديث أو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليستعذ بالله من شرها، فإنها لا تضره " أخرجه الشيخان والترمذي وروي في أثر صحيح عن إبراهيم النخعي قال: فليقل إذا استيقظ أعوذ بالله بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكرهه في ديني ودنياي. اهـ. الثاني: أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه، لما في بعض الروايات: " وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ". الثالث: أن يصلي ركعتين كما في حديث أبي هريرة "فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليصلّ ولا يحدث بها____الناس" رواه مسلم. الرابع: كما في حديث الباب: لا يذكرها لأحد لأنها تقع على ما تفسر به."

 

 



[1]  وفي تحفة الأحوذي (9/ 294) : "مِنْ أَدَبِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ :

أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يَسْتَبْشِرَ بِهَا، وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا لَكِنْ لِمَنْ يُحِبُّ دُونَ مَنْ يَكْرَهُ.

وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَدَبِ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ : أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَتْفُلَ حِينَ يَهُبَّ مِنْ نَوْمِهِ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلَا يَذْكُرُهَا لِأَحَدٍ أَصْلًا، وَأَنْ يُصَلِّيَ، وَأَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي بَاب إِذَا رَأَى فِي الْمَنَامِ مَا يَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ." اهـ

[2]  وفي الاستذكار (8/ 459) :

"فِي هَذَا الْحَدِيثِ : نَصٌّ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَا وَدَلِيلٌ،

فَالنَّصُّ مِنْهَا أَنَّ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَنَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى لَمْ تَضُرُّهُ تِلْكَ الرُّؤْيَا،

وَالدَّلِيلُ مِنْهُ : أَنَّ كُلَّ مَا يُكْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرُّؤْيَا فَهُوَ حُلْمٌ وَلَيْسَ بِرُؤْيَا بَلْ هِيَ أَضْغَاثٌ لَا تَضُرُّهُ إِذَا اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ الَّذِي رَآهَا مِنْ شَرِّهَا وَنَفَثَ كَمَا أَتَى فِي الْحَدِيثِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -. اهـ

[3]  وفي تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 194) للبيضاوي :

"وأما الرؤيا الكاذبة فسببه الأكثري تخيل فاسد تركبه القوة المتخيلة بسبب أفكار فاسدة اتفقت لها حال اليقظة, أو سوء مزاج أو امتلاء ونحو ذلك, فيلقيه على الحس المشترك, وقد يكون بسبب استعراض الحس, والتفاته إلى بعض المخزونات الخيالية المرتسمة في الخيال من مشاهدة المحسوسات حال اليقظة.

ولما كان للشيطان مدخل في هذه الأقسام, لأنها تتولد من الاستغراق في أمر البدن, والانهماك في الشهوات, والإعراض الكلي عن عالم الملكوت والاعتناء بأمره, أضاف الحلم إلى الشيطان." اهـ

[4] وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 270) : "الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَة هِيَ الَّتِي يريها الشَّيْطَان الْإِنْسَان ليحزنه فيسوء ظَنّه بربه، ويقل حَظه من الشُّكْر، فَلذَلِك أمره أَن ينفث أَي: يبصق من جِهَة شِمَاله ثَلَاث مَرَّات، ويتعوذ من شَره كَأَنَّهُ يقْصد بِهِ طرد الشَّيْطَان وتحقيره، واستقذاره." اهـ

[5]  وفي أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (3/ 1518) للخطابي :

"قوله : ("الرؤيا الصالحة من الله")،

يريد أنها بشارة من الله يبشر بها عبده ليحسن به ظنه , ويكثر عليها شكره,

وأراد بالحلم الرؤيا الكاذبة التي يريها الشيطان الإنسان ليحزنه فيسوء ظنه بربه ويقلّ حظه من شكره ولذلك أمره أن يبصق عن يساره ويتعوذ بالله." اهـ

[6]  وفي طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 206) : "وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّ لِلرُّؤْيَا مَلَكًا وُكِّلَ بِهَا يُرِي الرَّائِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ أَوْ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ." اهـ

[7]  وفي الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 213) للكوراني :

"الرؤيا الصالحة توجب سرور الرائي، ولذلك نُسِبت إلى الله تعالى، والكاذبة توقع الحزن والوسوسة في قلب الرائي، ولذلك أُمِر بأن يتفل عن يسار." اهـ

[8]  يعني به النبي _صلى الله عليه وسلم_.

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين