الحديث 39 من الأدب المفرد

 

19_ بَابُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا


الأدب المفرد مخرجا (ص: 28)

39 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»

[قال الشيخ الألباني] :

صحيح

 

تخريج الحديث:

 

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص: 28) (رقم: 39)، وفي "صحيحه" (4/ 7 و 4/ 9 و 4/ 11 و 8/ 142 و 9/ 23) (رقم: 2756 و 2761 و 2762 و 2770 و 6698 و 6959)، ومسلم في "صحيحه" (3/ 1260) (رقم: 1638)، وأبو داود في "سننه" (3/ 118 و 3/ 236) (رقم: 2882 و 3307)، والترمذي في سننه (3/ 47 و 4/ 117) (ؤقم: 669 و 1546)، والنسائي في "سننه" (6/ 252 و 6/ 253) (رقم: 3654 و 3659)، وفي "السنن الكبرى" (6/ 163) (رقم: 6448)، وابن ماجه في "سننه" (1/ 689) (رقم: 2132)، وغيرهم.

 

رواة الحديث:

 

حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ ():

 

يسرة بن صفوان بن جميل اللخمى ، أبو صفوان ، و قيل أبو عبد الرحمن ، الدمشقى البلاطى ( من أهل قرية البلاط من قرى دمشق )

المولد :  110 هـ

الطبقة :  9  : من صغار أتباع التابعين

الوفاة :  215 هـ

روى له :  خ /  ( البخاري )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة

 

قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ():

 

محمد بن مسلم بن سوسن أو سوس أو سس أو سنين أو شونير ، الطائفى ( يعد فى أهل مكة )

الطبقة :  8  : من الوسطى من أتباع التابعين

الوفاة :  قبل 190 هـ بـ مكة

روى له :  خت م د ت س ق  ( البخاري تعليقا - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  صدوق يخطىء من حفظه

 

عَنْ عَمْرٍو():

 

عمرو بن دينار المكى ، أبو محمد الأثرم ، الجمحى مولى موسى بن باذم

الطبقة :  4  : طبقة تلى الوسطى من التابعين

الوفاة :  126 هـ

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة ثبت

 

عَنْ عِكْرِمَةَ ():

 

عكرمة القرشى الهاشمى ، أبو عبد الله المدنى ، مولى عبد الله بن عباس ( أصله من البربر من أهل المغرب )

الطبقة :  3  : من الوسطى من التابعين

الوفاة :  104 هـ و قيل بعد ذلك بـ المدينة

روى له :  خ م د ت س ق  ( البخاري - مسلم - أبو داود - الترمذي - النسائي - ابن ماجه )

رتبته عند ابن حجر :  ثقة ثبت عالم بالتفسير ، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر و لا تثبت عنه بدعة

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ():

 

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى أبو العباس المدنى ( ابن عم رسول الله صلى الله عليه )

المولد :  بـ الشعب

الطبقة :  1 : صحابى

الوفاة :  68 هـ بـ الطائف

روى له :  خ م د ت س ق

 

نص الحديث:

 

أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»

 

وفي رواية خ : ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ[1] صَدَقَةٌ عَلَيْهَا

 

من فوائد الحديث:

 

 

سنن الترمذي ت شاكر (3/ 48):

"وَبِهِ يَقُولُ أَهْلُ العِلْمِ يَقُولُونَ: لَيْسَ شَيْءٌ يَصِلُ إِلَى المَيِّتِ إِلَّا الصَّدَقَةُ وَالدُّعَاء." اهـ

 

مصنف ابن أبي شيبة (3/ 58)

مَا يَتْبَعُ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَوْتِهِ

 

شرح النووي على مسلم (11/ 96):

"أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ طَاعَةً فَإِنْ نذر معصية أو مباحا كدخول السوق لم يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ." اهـ

 

عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 222)

وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن الصَّدَقَة عَن الْمَيِّت تجوز، وَأَنه ينْتَفع بهَا،

وروى أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو :

"أَن الْعَاصِ بن وَائِل نذر فِي الْجَاهِلِيَّة أَن ينْحَر مائَة بَدَنَة، وَأَن هِشَام بن الْعَاصِ نحر عَنهُ خمسين، وَأَن عمرا سَأَلَ رَسُول الله _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_ عَن ذَلِك،

فَقَالَ: «أما أَبوك فَلَو أقرّ بِالتَّوْحِيدِ، فَصمت، وتصدقت عَنهُ، نَفعه ذَلِك»[2]،

وَعند ابْن مَاكُولَا، من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن حبَان عَن أَبِيه عَن جده عَن أنس _رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ_: أَنه قَالَ: "سَأَلت رَسُول الله _صلى الله عَلَيْهِ وَسلم_، فَقلت: "إِنَّا لندعو لموتانا، ونتصدق عَنْهُم، ونحج، فَهَل يصل ذَلِك إِلَيْهِم؟" فَقَالَ: «إِنَّه ليصل إِلَيْهِم ويفرحون بِهِ كَمَا يفرح أحدكُم بالهدية»[3]." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 371) للقاضي عياض:

"وإذن النبى - عليه السلام - لها فى الصدقة عنها، دليل على جواز ذلك، ولا خلاف." اهـ

 

كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (12/ 177) لمحمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ):

* "وفي الحديث من الفوائد جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، ولاسيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}،

ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور، خلافًا للمشهور عند المالكية، وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر،

هل تصل إلى الميت كالحج والصوم؟ ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام الكلام على، ذلك مستوفى.

وفيه: أنَّ ترك الوصية جائزٌ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يذم أُم سعد على ترك الوصية، قاله ابن عبد البَرّ. وتعقب بأن الإنكار عليها قد تعذر لموتها، وسقط عنها التكليف، وأجيب بأن فائدة إنكار ذلك لو كان منكرًا لِيتعظ غيرها ممن سمعه، فلما أقر على ذلك، دل على الجواز.

* وفيه ما كان الصحابة عليه من استشارته _عليه الصلاة والسلام_ في أمور الدين،

* وفيه العمل بالظن الغالب،

* وفيه الجهاد في حياة الأم، وهو محمول على أنه استأذنها. قلت: أو لكونه خارجًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحتاج إلى إذنها.

* وفيه السؤال عن التحمل والمسارعة إلى عمل البر، والمبادرة إلى بر الوالدين،

* وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرًا من إخفائها، وهو عند اغتنام صدق النية فيه،

* وأن للحاكم تحمل الشهادة في غير مجلس الحكم، لقوله في بعض الروايات "أشهدك أنّ حائطَي المخراف صَدَقةٌ عليها"

وعند ابن ماكولا عن أنس أنه قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إنا لندعو لموتانا، ونتصدق عنهم، ونحجّ، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال: إنه ليصل إليهم، ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالهدية." اهـ

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 585):

* وَفِي الْحَدِيثِ قَضَاءُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَنِ الْمَيِّتِ[4]،

وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مَالِيٌّ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ، إِلَّا إِنْ وَقَعَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، فَيَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ،

وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِقِصَّةِ أُمِّ سَعْدٍ هَذِهِ، وَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ إِنَّهَا صَارَتْ سُنَّةً بَعْدُ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ قَضَاهُ مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ.

* وَفِيهِ اسْتِفْتَاءُ الْأَعْلَمِ،

* وَفِيهِ فضل بر الْوَلَدَيْنِ بَعْدَ الْوَفَاةِ،

* وَالتَّوَصُّلُ إِلَى بَرَاءَةِ مَا فِي ذِمَّتِهِمْ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ فِي الْأَمْرِ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ هَلْ يَكُونُ كَالْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ لَا؟

فَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ أَنَّهُ مِثْلُهُ،

وَالرَّاجِحُ عِنْدَ غَيْرِهِ: أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، كَمَا رَجَّحَ جَمَاعَةٌ فِي الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ،

ثمَّ ذكر حَدِيث بن عَبَّاسٍ: «أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ فَقَالَ: "إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَأَنَّهَا مَاتَتْ..." الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «فَاقْضِ دَيْنَ اللَّهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ»،

وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي السَّائِلِ: أَهُوَ رَجُلٌ (كَمَا وَقَعَ هُنَا) أَوِ امْرَأَةٌ كَمَا وَقَعَ هُنَاكَ، وَأَنَّهُ الرَّاجِحُ. وَذَكَرْتُ مَا قِيلَ فِي اسْمِهَا، وَأَنَّهَا حَمْنَةُ، وَبَيَّنْتُ أَنَّهَا هِيَ السَّائِلَةُ عَنِ الصِّيَامِ أَيْضًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ." اهـ

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 385)

وهذا الحديث مما يحتج به الشافعى فى أن مَنْ وجب عليه حق فى ماله من يمين أو نذر أو كفارة - فهى مقضية من ماله كديونه اللازمة. ومالك وأبو حنيفة وأصحابهما يخالفونه فى ذلك، ويرون أنه لا يقضى شىء من ذلك إلّا أن يوصى به.

 

شرح المصابيح لابن الملك (4/ 107)

هذا يدلُّ على أن مَن ماتَ، وعليه نذرٌ أو كفارةٌ، يجب قضاؤُها من رأس المال مقدَّمًا على الوصايا والميراث، كقضاء الديون، أوصى بها أو لا، وبه قال الشافعي.

وعندنا: لا يُقضَى ما لم يُوصِ بها، فإن أوصى يُقضَى من الثلاث.

 

كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 314)

هَذَا الحَدِيث يدل على أَن صَوْم النّذر يَقْضِيه الْوَلِيّ عَن الْمَيِّت. وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد، وَالْقَدِيم من قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد: لَا يصام عَنهُ. والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم.

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 384)

فى هذا الحديث جواز النذر للطاعة. وقد جاء فى كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً، وأمر بالوفاء به وأثنى على فاعل ذلك، وذمّ مَنْ لم يوف به. وما ورد من النهى عنه فمعناه ما كان لمعنى من أمر الدنيا، كقوله: إن شفانى الله من مرضى تصدقت بكذا، وإن قدم غائبى صمت كذا فيكره هذا؛ لما خالطه من غرض الدنيا والاشتراك فى عمله، ولذلك جاء فى الحديث: " إنما هو شىء يستخرج به من البخيل ". فأما إن كان نذرًا مطلقًا لله وإرادة الثواب، وشكراً لما أولاه الله وقضاه من حاجته - فلا يكره. وسنذكر بعد.

والنذر لازم فى الجملة، قال الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُم}،

وقال - عليه السلام -: " مَنْ نَذر أن يطيع الله فليطعه " [خ]، وقال ذامًا للآخرين: " وينذرون ولا يوفون [خ م] "

 

إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 386):

وقوله: «فاقضه عنها»: على غير الوجوب عند كافة العلماء؛ لأنه إنما سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يفعل ذلك؟ فأباح له ذلك، وحمله غيرهم على الندب والترغيب لقوله: " فينفعها "، ولا شك أن كل نافع يرغب فيه، وهذا عند كافتهم ما يتعلق بالمال. وحمل أهل الظاهر هذا على الوجوب، فألزموا الوارث قضاء النذر عن الميت مكانه. وأما غيره يلزم ذلك الأقعد منهم فالأقعد." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (11/ 96_97):

"وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَاقْضِهِ عَنْهَا»: دَلِيلٌ لِقَضَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الحقوق المالية___الْوَاجِبَةَ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ يَجِبُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا لَا يَجِبُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ خِلَافٌ فِي الزَّكَاةِ إِذَا لَمْ يُوصِ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

شرح النووي على مسلم (11/ 97)

وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ،

وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا،

وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُ، وَحَدِيثُ سَعْدٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِلْزَامِهِ ذلك والله أعلم." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (28/ 500_502) للإثيوبي:

"في فوائده:

1 - (منها): بيان صحّة النذر، وجوب الوفاء به، وقضائه،

قال النووي -رحمه الله-: أجمع المسلمون على صحّة النذر، ووجوب الوفاء به، إذا كان الملتَزَم طاعةً، فإن نذر معصيةً، أو مباحًا؛ كدخول السوق لم ينعقد نذره، ولا كفّارة عليه عندنا، وبه قال جمهور العلماء، وقال أحمد، وطائفة: فيه كفّارة يمين. انتهى. ["شرح النوويّ" 11/ 96]

2 - (ومنها): بيان جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه، ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39]، وقد تقدّم تحقيق هذا قريبًا.

3 - (ومنها): قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وقد ذهب الجمهور إلى أن من مات، وعليه نذر ماليّ أنه يجب قضاؤه من رأس ماله، وإن لم يوص، إلا إن وقع النذر في مرض الموت، فيكون من الثلث، وشرط المالكية، والحنفية أن يوصي بذلك مطلقًا.

واستُدِل للجمهور بقصة أم سعد هذه، وقول الزهريّ: إنها صارت سُنَةً بعدُ، ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها، أو تبرع به.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "قضاه من تركتها" فيه ما تقدّم من أنها قالت: "المال مال سعد"، فمن أين تكون لها التركة؟ فتنبّه.

4 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رحمه الله-: فيه من الفقه استفتاء الأعلم ما أمكن، وقد اختَلَف أهل الأصول في ذلك، هل يجب على العامِّيّ أن يبحث عن الأعلم، أو يكتفي بسؤال عالم- أي عالم كان؟ على قولين، وقد أوضحناهما في الأصول، وبيَّنا: أنه يجب عليه أن يبحث عن الأعلم؛ لأن الأعلم أرجح، والعمل بالرَّاجح واجب. انتهى. ["المفهم" 4/ 605]

5 - (ومنها): فضل بِرّ الوالدين بعد الوفاة، والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم.

6 - (ومنها): أنه قد اختَلَف أهل الأصول في الأمر بعد الاستئذان، هل____يكون كالأمر بعد الحظر، أو لا؟ فرَجَّح صاحب "المحصول" أنه مثله، والراجح عند غيره أنه للإباحة، كما رَجّح جماعة في الأمر بعد الحظر أنه للاستحباب، قاله في "الفتح"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار (3/ 1546)

وفيه دليل: على بر الوالدين والأقارب بعد وفاتهم، والتوصل إلى إبراء ذممهم.

وفيه دليل: على سؤال أهل العلم عما يجهله الإنسان، أو لا يجهله، فيسأل للاستثبات، والله أعلم.

 

توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 140_141):

* ما يؤخذ من الحديث:

1 - أنَّ الوفاء بالنَّذر عبادة يجب أداؤها، وقد أثنى الله تعالى على الموفين بالنَّذر في عدَّة آياتٍ كريمات.

2 - أنَّ من مات وعليه نذر طاعة، شُرِعَ لوارثه أنْ يقضيه عنه.

3 - النَّذر الَّذي على أمِّ سعد بن عبادة قيل: كان صومًا، وقيل: عتقًا، وقيل: صدقة، وقيل: نذرًا مطلقًا.

وكلٌّ من هذه الأقوال استدل أصحابها عليها بحديث، ولكن قال القاضي عياض: الَّذي يظهر أنَّه كان نذرها في مال ابنها.

وقال ابن حجر: بل الظَّاهر أنه كان معينًا من سعد.

4 - في الحديث مشروعية بر الوالدين، وأنَّ من أعظم البر وفاء ما عليهما من الديون، والحقوق، والواجبات، سواءٌ أكانت لله تعالى، أو للآدميين.

5 - الحديث من الأدلة على أنَّ الميت يلحقه ما يفعل له من الأعمال الصَّالحة من عتقٍ، أو صدقةٍ، أو صيام، أو غير ذلك؛ وَهَذا بين في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [النجم]. فقد قال ابن القيم: إنَّ القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنَّما نفى ملكه لغير سعيه، وأمَّا سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإنْ شاء أنْ يبذله لغيره، وإنْ شاء أنْ يبقيه لنفسه، وهو تعالى لم____يقل: لا ينتفع إلاَّ بما سعى، وكان شيخنا -ابن تيمية- يختار هذه الطريقة، ويرجحها." اهـ

 

تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 695)

ما يستفاد من الحديث:

1- أن النذر عبادة، يجب الوفاء بها، وأداؤها.

2- أن من مات وعليه ننر، قضاه عنه وارثه.

3- لم يذكر في هذا الحديث نوع النذر: هل هو بدنيٌ أو مالٌي؟.

فأما المالي- ومنه الحج- فتدخله النيابة عند جمهور العلماء.

وقد تقدم أن الصحيح في الصيام أن النيابة تدخل البدني أيضاً، لحديث عائشة في الصحيحين مرفوعا: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه".

ونذر أم سعد قيل، كان صوما. وقيل: عتقا، وقيل: صدقة، وقيل: نذراً مطلقاً. وكل من هذه الأقوال استدل أصحابها عليها بأحاديث.

وحديث الصوم والعتق، قد تكلم فيهما العلماء.

وأما حديث الصدقة، فليس صريحاً أنها نذرت ذلك.

وقال القاضي عياض: (والذي يظهر، أنه كان نذرها في المال أو مبهما) .

وقال ابن حجر: (بل ظاهر حديث الباب أنه كان معينا عن سعد) .

4- وفي الحديث بر الوالدين بعد وفاتهما.

وأعظم برهما وفاء ما عليهما من الديون أو الحقوق والواجبات، سواء كانت لله تعالى أو للآدميين.." اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 134)

ففي هذا الحديث فوائد:

منها: حرص الصحابة- رضي الله عنهم- على العلم، لا لمجرد العلم والنظر ولكن للتطبيق فهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة ليطبقوها، وليس كما يصنعه كثير من الناس اليوم يسأل لينظر ماذا عند العالم، وربما إذا سأله ووجد ما عنده ذهب إلى آخر وسأله ثم قال: قال العالم الفلاني كذا، فضرب آراء العلماء بعضها ببعض.

ومن فوائد الحديث: جواز قضاء النذر عن الأم؛ لأن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه، فهل يقاس عليها الأب؟ الجواب نعم، يقاس عليها الأب، وذلك أن الأولاد من الكسب وكسب الإنسان كعمله، وهل يقاس على ذلك من ليس له صلة بالناذر؟ فيه خلاف، والصحيح أنه يقاس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا بالدَّين، ومعلوم أن الدَّين إذا قضاه الأجنبي والقريب برئت ذمة المدين، فالصواب أنه يجوز قضاء النذر عن الغير، سواء كان أبًا أم أمًا أم أخًا أم عمًا قريبًا كان أم بعيدًا.

ومن فوائد الحديث: أن ظاهره أنه لا يقضي النذر عن الناذر، إلا إذا تمكن من فعله فلم يفعل؛ لقوله: "توفيت قبل أن تقضيه"، وهذا لا يمكن إلا إذا كان متسعًا لقضائه، فأما لو لم____

يمكن فإنه لا يقضي عنه، مثال ذلك: إذا قال لله عليّ نذر أن أصوم شهر شعبان، ولكن لم يدرك الشهر مات قبل ذلك ففي هذه الحال لا يلزم قضاؤه، ولا حاجة لقضائه؛ لأن الوقت الذي عيَّنه للنذر لم يدركه فقد أتى عليه وهو قد انتهى من التكليف فإن أدرك البعض دون البعض فما أدركه وقضاه سقط عنه وما لم يقضه يقضي عنه.

ومن فوائد الحديث: أن الكلام يحمل على ما يقتضيه السياق، كل كلام يحمل على ما يقتضيه السياق وإن خرج عن الأصل، فالأصل في الأمر الطلب، سواء كان إلزامًا أو على سبيل التطوع، لكن إذا دلَّ على أنه ليس للطلب وإنما هو للإباحة كان للإباحة.

ويتفرع على هذه الفائدة فائدة عظيمة وهي: أن السياق والقرائن يعين المعنى المراد، وإذا كان كذلك أيضًا نرتقي إلى شيء آخر وهو أنه لا مجاز في اللغة العربية____



[1] وفي فتح الباري لابن حجر (5/ 386):

"قَوْلُهُ «الْمِخْرَافَ»، بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ، أَيِ: الْمَكَانَ الْمُثْمِرَ،

سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يَخْرُفُ مِنْهُ، أَيْ: يَجْنِي مِنَ الثَّمَرَةِ. تَقُولُ: (شَجَرَةٌ مِخْرَافٌ وَمِثْمَارٌ)، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: «الْمِخْرَفَ»، بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَهُوَ اسْمُ الْحَائِطِ الْمَذْكُور والحائط الْبُسْتَان." اهـ

[2] أخرجه أحمد في "مسنده" – ط. عالم الكتب (2/ 181) (رقم: 6704)، وأبو داود في "سننه" (3/ 118) (رقم: 2883)،

والحديث حسن: حسنه الأرنؤوط في تخريج مسند أحمد، ط. الرسالة (11/ 307)، وقال: "إسناده حسن." اهـ

وقال الألباني _رحمه الله_ بعد تصحيحه للحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (1/ 873_874) (رقم: 484):

"والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان الولد من___سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]،

فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب، مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض.

واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد،

فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى" غير صحيح، لأن الدعوى أعم من الدليل، ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في "نيل الأوطار" (4 / 78 - 80) ، ثم الكاتب في كتابه "أحكام الجنائز وبدعها" يسر الله إتمام طبعه،

من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى. فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة، وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه. والله أعلم." اهـ

[3] لم أظفر به في شيء من كتب السنة، والله المستعان.

[4] وفي المعلم بفوائد مسلم (2/ 359) للمازري: "قد قدمنا أن الميت تقضى عنه الحقوق المالية." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين