شرح الحديث 22 من رياض الصالحين للأستاذ عبد القادر أبي فائزة البوجيسي _حفظه الله_

 

[22] وَعَنْ أبي نُجَيد _بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم_ عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ[1] _رضي الله عنهما_ :

"أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ[2] أتَتْ رسولَ الله _صلى الله عليه وسلم_ وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى،

فقالتْ : "يَا رسولَ الله، أصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ"،

فَدَعَا نَبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَليَّها، فقالَ : «أَحْسِنْ إِلَيْهَا[3]، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني[4]»

فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ[5]، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا.

فقالَ لَهُ عُمَرُ : "تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله، وَقَدْ زَنَتْ؟

قَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ، لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أنْ جَادَتْ بنفْسِها لله _عز وجل_؟![6]» . رواه مسلم.


ترجمة عمران بن الحصين الخزاعي الكعبي أبي نجيد _رضي الله عنه_ :

* وفي الطبقات الكبرى ط العلمية (7/ 6) لابن سعد :

"عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبْدِ نُهْمٍ بْنِ خُرَيْبَةَ بْنِ جَهْمَةَ بْنِ غَاضِرَةَ بْنِ حَبَشِيَّةَ بْن كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو. ويكنى عمران أبا نجيد.

أسلم قديمًا هو وأبوه وأخته وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - غزوات ولم يزل في بلاد قومه وينزل إلى المدينة كثيرًا إِلَى أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - ومصرت البصرة فتحول إليها فَنَزَلَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا. وَلَهُ بِهَا بقية من ولده خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن الحصين ولي قضاء البصرة." اهـ


* وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1208) : "عمران بْن حُصَيْن بْن عُبَيْد بْن خَلَف بْن عبد نهم بْن سَالِم بْن غاضرة بْن سلول بْن حبشية بْن سلول بْن كَعْب بْن عَمْرو الخزاعي الكعبي، يكنى أَبَا نجيد بابنه نجيد بْن عِمْرَان.

أسلم أَبُو هُرَيْرَةَ وعمران بْن حُصَيْن عام خيبر. وكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يَقُول عَنْهُ أهل البصرة: إنه كَانَ يرى الحفظة وكانت تكلمه حَتَّى اكتوى.

قال مُحَمَّد بْن سِيرِين: أفضل من نزل البصرة من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمْرَان بْن حُصَيْن، وَأَبُو بكرة.

سكن عِمْرَان بْن حُصَيْن البصرة، ومات بها سنة ثنتين وخمسين فِي خلافة مُعَاوِيَة. روى عَنْهُ جماعة من تابعي أهل البصرة والكوفة." اهـ باختصار.


* وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2108) :

"أَسْلَمَ وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَوَاتٍ، وَعَقِبُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الْفِتْنَةِ، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُفَقِّهُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ." اهـ 


تخريج الحديث :

 

أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1324) (رقم : 1696)، وأبو داود في سننه (4/ 151) (رقم : 4440)، والترمذي في سننه ت شاكر (4/ 42) (رقم : 1435)، وابن ماجه في سننه (2/ 854) (رقم : 2555)

 

بيان الخلاف في حكم الصلاة على من أصاب حدًّا

 

فتح الباري لابن حجر (12/ 131)

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ :

* فَقَالَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ وَلَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُرْفَعُ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ يُغَسِّلُونَهُ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ رَدْعًا لِأَهْلِ الْمَعَاصِي إِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَجْتَرِئَ النَّاسُ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ

* وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ،

وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَرْجُومِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ،

وَعَنِ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ

* وَعَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَرْجُومِ وَلَا عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ.

* وَعَنْ قَتَادَةَ لَا يُصَلَّى عَلَى الْمَوْلُودِ مِنَ الزِّنَا

وَأَطْلَقَ عِيَاضٌ، فَقَالَ : "لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْفِسْقِ وَالْمَعَاصِي وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَإِنْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إِلَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُحَارِبِينَ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ فِي الْمَيِّتَةِ مِنْ نِفَاسِ الزِّنَا وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ قَالَ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ." اهـ

 

من فوائد الحديث :

 

شرح صحيح البخارى لابن بطال (8/ 443) :

"وحجة جماعة الفقهاء فى أن التوبة لا تُسْقِطُ الحدَّ قول النبى (صلى الله عليه وسلم) فى المرأة الجهينية: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أن جادت بنفسها) . وقال فى الغامدية: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) .

فإقامة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الحد على هاتين مع توبتهما دليل قاطع على أن سقوط الحد بالتوبة إنما خص به المحاربون دون غيرهم." اهـ

 

قلت: أشار إلى قول الله _عز وجل_:

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا[7] أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المائدة: 33، 34]

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 33)

في هذا الحديث: دليل على أنَّ الحد يكفِّرُ الذَّنْبَ، وأنه يصلى على المرجوم.

وفيه: بيان عظم التوبة، وأنها تَجُبُّ الذنب وإن عظم.

وفي رواية: «ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضَّح الدم على وجه خالد فسبَّها، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبّه إياها، فقال: مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفر له، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفنت» .

قال النووي: "فيه: أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، تكرار ذلك منه، وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها." انتهى والله المستعان.

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 47) للمغربي :

"وهو مستحب شد الثياب وجمعها عليها وشدها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرار اضطرابها.

واتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة، وأما الرجل فالجمهور على أنه يرجم قائمًا، وقال مالك: قاعدًا. وقال غيره: يخير الإمام بينهما." اهـ

 

البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 49) :

"وقوله : "لقد تابت توبة".

يدل على أن التوبة لا تسقط بها الحدود، وهذا أصح القولين في مذهب الشافعي، وهو قول غيرهم. والقول الثاني : أن الحد يسقط بالتوبة،

وأما حد المحارب قبل القدرة فيسقط بالتوبة عند الجمهور، كما في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } [المائدة: 34] الآية.

وعند ابن عباس وغيره: لا يسقط الحد." اهـ[8]

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 551) للأمير الصنعاني :

"وفيه أنها لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع، وكذا إذا وجب عليها القصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع." اهـ

 

التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 107) للأمير الصنعاني :

"«....وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها في سبيل الله»، فهو نهي عن سب التائب من ذنبه." اهـ

 

سبل السلام (2/ 417) للأمير الصنعاني :

* وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الرَّجْمِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا شَدُّ ثِيَابِهَا عَلَيْهَا فَلِأَجْلِ أَنْ لَا تُكْشَفَ عِنْدَ اضْطِرَابِهَا مِنْ مَسِّ الْحِجَارَةِ.

وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ قَاعِدَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ قَاعِدًا، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا.

* وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهِ إنْ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ فَصَلَّى بِالْبِنَاءِ لِلْمَعْلُومِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهَا بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِ اللَّامِ، قَالَ: وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي دَاوُد، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لِمُسْلِمٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَظَاهِرُ قَوْلِ عُمَرَ: " تُصَلِّي عَلَيْهَا " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ لِمُسْلِمٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَلَّى أَمَرَ بِأَنْ يُصَلَّى وَأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ الْآمِرَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا أَوْ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ، فَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ يُصَادِمُ النَّصَّ إلَّا أَنْ تُخَصَّ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ رُجِمَ بِغَيْرِ الْإِقْرَارِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ فَهَذَا يَنْزِلُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْفُسَّاقِ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا دَلِيلَ مَعَ الْمَانِعِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ.

* وَفِي الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ.

وَالْخِلَافُ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] ." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 167_168) للعثيمين :

ففي هذا الحديث دليل علي فوائد كثيرة:

منها : أن الزاني إذا زني وهو محصن- يعني قد تزوج- فإنه يجب أن يرجم وجوباً؛ وقد كان هذا في كتاب الله- عز وجل- آية قرأها المسلمون وحفظوها ووعوها ونفذوها، رجم النبي صلي الله عليه وسلم ورجم الخلفاء من بعده، ولكن الله بحكمته نسخها من القرآن لفظاً وأبقي حكمها في هذه الأمة. فإذا زني المحصن- وهو الذي قد تزوج - فإنه يرجم حتى يموت. يوقف في مكان واسع، ويجتمع الناس، ويأخذون من الحصي يرمونه به حتى يموت.

وهذه من حكمه الله عز وجل، أي: أنه لم يأمر الشرع بأن يقتل بالسيف وينتهي أمرهن بل يرجم بهذه الحجارة حتى يتعذب ويذوق ألم العذاب في مقابل ما وجده من لذة الحرام؛ لأن هذا الزني تلذذ جميع جسده بالحرام، فكان من الحكمة أن ينال هذا الجسد من العذاب بقدر ما نال من اللذة.

ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إنه لا يجوز أن يرجم بالحجارة الكبيرة؛ لأن الحجارة الكبيرة تجهز عليه ويموت سريعاً فيستريح، ولا___بالصغيرة جداً لأن هذه تؤذيه وتطيل موته، ولكن بحصي متوسط حتى يذوق اللم ثم يموت." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 168_169)

وفي هذا الحديث : دليل على جواز إقرار الإنسان على نفسه بالزنى، من أجل تطهيره بالحد لا من أجل فضحه نفسه.

فالإنسان الذي يتحدث عن نفسه أنه زنى، عند الإمام أو نائبه؛ من أجل إقامة الحد عليه، هذا لا يلام ولا يذم.___

وأما الإنسان الذي يخبر عن نفسه بأنه زني، يخبر بذلك عامة الناس؛ فهذا فاضح نفسه وهو من غير المعافين؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي معافي إلا المجاهرين. قالوا: من المجاهرون؟ قال: الذي يفعل الذنب ثم يستره الله عليه ثم يصبح يتحدث به)) .

إذا قام قائل هل الأفضل للإنسان إذا زني أن يذهب إلي القاضي ليقر عنده، فيقام عليه الحد، أو الأفضل أن يستر نفسه؟ فالجواب عن هذا أن في ذلك تفصيلاً.

قد يكون الإنسان تاب توبة نصوحاً، وندم، وعرف من نفسه أنه لن يعود فهذا الأفضل أن لا يذهب ولا يخبر عن نفسه، بل يجعل الأمر سرا بينه وبين الله، ومن تاب تاب الله عليه.

واما من خاف أن لا تكون توبته نصوحا، وخاف أن يعود ويرجع إلي الذنب مرة أخري؛ فهذا الأفضل في حقه ان يذهب إلي ولي الأمر، أو إلي القاضي أو غيره، ليقر عنده فيقام عليه الحد." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (19/ 242_244) للشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي :

"في فوائده :

منها : ما بوّب له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو مشروعيّة الصلاة على المرجوم.

ومنها : أن المرأة ترجم إذا زنت، وهي محصنة، كما يُرجم الرجل، وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة، لأن الأحاديث الصحيحة، والإجماع متطابقان على أنه__لا يُرجم غير المحصن. ومنها: أن الحبلى لا تُرجم حتى تضع حملها، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه، لئلا يُقتَل جنينُها، وكذا لو كان حدّها الجلد، وهي حامل لم تُجلد بالإجماع حتى تضع، وكذا من وجب عليها قصاص، وهي حامل لا يُقتصّ منها حتى تضع، وهذا مجمع عليه أيضًا، ثم لا ترجم الحامل الزانية، ولا يقتصّ منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللِّبَأ[9]، ويستغني بلبن غيرها. قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل على أن الجنين، وإن كان مِن زنى له حرمة، وأن الحامل لا تحُدّ حتى تضع حملها، وهذا لا خلاف فيه، إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه. قاله في "المفهم".

ومنها: أن توبة الزاني لا تُسقط عنه حدِّ الزنا، وكذا حكم السرقة، والشرب، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا أصحّ القولين في مذهبنا، ومذهب مالك، والثاني أنها تُسقط ذلك، وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه، فتسقط حدّ المحاربة بلا خلاف عندنا، وعند ابن عباس وغيره لا تسقط انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه عنه -: الرأي الأول هو الحقّ، لظاهر قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: 34]. واللَّه تعالى أعلم.

ومنها: استحباب جمع أثواب المرجومة عليها، وشدّها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلّبها، وتكرارِ اضطرابها. قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة، وأما الرجل فجمهورهم على أنه يُرجم قائمًا، وقال مالك: قاعدًا، وقال غيره: يخير الإمام بينهما انتهى.

ومنها: أن في رواية "فأمر الناسَ، فرجموها"، وكذا قوله في قصّة ماعز: "أمرنا أن نرجمه" دلالة لمذهب الشافعيّ، ومالك، وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور. وقال أبو حنيفة، وأحمد: يحضر الإمام مطلقًا، وكذا الشهود، إن ثبت ببيّنة، ويبدأ الإمام بالرجم، إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأوّل هو الراجح، لثبوت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يحضر الرجم، بل أمر الصحابة به.

وأما ما وقع في رواية أبي داود: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أخذ حصاة مثل الحمّصة، فرماها به، فقال القرطبيّ: هي رواية شاذّة مخالفة للمشهور من حديث الغامديّة انتهى. واللَّه___تعالى أعلم.

ومنها: أن الحدود لا يبطلها طول الزمان، وهو مذهب الجمهور، وقد شذّ بعضهم، فقال: إذا تطاول الزمان على الحدّ بطل. قاله أبو حنيفة فى الشهادة بالزنى، والسرقة القديمين، وهو قول لا أصل له. قاله القرطبيّ.

ومنها: أنه لا يُسبّ من أقيم عليه الحدّ، ولا يؤذى بقَذِع الكلام، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لخالد ابن الوليد لما سبّ الغامديّة - رضي اللَّه عنها -: "مهلاً يا خالد، فوالذي نفسى بيده، لقد تابت توبهّ لو تابها صاحب مَكْس لغُفِر له".

وقد أخرج المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الكبرى" بسند حسن قصّةَ ماعز بن مالك - رضي اللَّه عنه -، وفيه: فأمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يُرجم، فرُجم، فسمع رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظروا إلى هذا الذي ستر اللَّه عليه، فلم تَدَعه نفسه حتى رُجِم رَجْمَ الكلب، فسكت عنهما رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم سار، فمرّ بجيفة حمار شائل برجله، فقال: "أين فلان، وفلان؟ "، فقالا: نحن ذا يا رسول اللَّه قال لهما: "كُلَا من جيفة هذا الحمار"، فقالا: يا رسول اللَّه غفر اللَّه لك مَن يأكل هذا؟ فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما نِلتما من عِرض هذا آنفًا لشرّ من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنّة"[10].

وبقية فوائد الحديث تقدمت في الباب الماضي، وكذا بيان المذاهب في حكم الصلاة على المرجوم، فراجعها تستفد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب". اهـ

 

فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (5/ 356_359) للعثيمين :

"ففي هذا الحديث فوائد :

منها : جواز إقرار الإنسان بالزنا على نفسه وطلبه أن يطهر، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على هذه المرأة، ولكن هل الأفضل أن يقر الإنسان على نفسه بالحد ليحد، أو الأفضل أن يستر على نفسه؟ فيه تفصيل، يقال: إذا كان الرجل يعلم من نفسه أنه سيتوب توبة حقيقية ولا يعود للذنب، فالأفضل أن يستر على نفسه، وإذا كان يخشى أن يعود لكثرة الفتن وضعف عزيمته فالأفضل أن يقر من أجل أن ترفع العقوبة عنه في الآخرة، وهل مجرد إقرار الإنسان عند القاضي يوجب الحد أو لا يوجب حتى يطلب أن يقام عليه الحد؟ الثاني، يعني: لو جاء الإنسان وأقر على نفسه بأنه زنى فإنه لا تجب إقامة الحد عليه حتى يطلب إقامة الحد، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على ماعز، ولا على المرأة التي قالت: "أتريد أن تردني كما رددت ماعزًا" إلَّا بعد أن طلب إقامة الحد، أما مجرد الإقرار فإنه لا يعتبر طلِّبا لإقامة الحد.

ومن فوائد الحديث: جواز التصريح بما يستحيا منه عند الحاجة لقوله: "وهي حبلى من الزنا" لأن هذا يستحيا منه في العادة، لكن إذا دعت الحاجة للتصريح به فلا بأس، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: "أنكتها" لا يكني بذلك أي: لا يكنى عن ذلك.

ومن فوائد الحديث: جواز إطلاق المسبب على السبب لقولها: "أصبت حدًّا"، ويمكن أن يقال فيه أيضًا: جواز التكنية عما يستحيا منه؛ لأنها هي بنفسها لم تقل: إنها زنت، القائل الراوي، ففيه الإشارة إلى أنه ينبغي أن يكنى عما يستحيا منه، ولكن لو صرح فلا بأس.

ومن فوائد الحديث: أن من أقر بما يوجب الحد فإنه لا يجوز أن يساء إليه لا بالقول ولا بالفعل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لوليها: "أحسن إليها".

ومن فوائد الحديث: بيان قصور النساء، وأنه ما من امرأة إلَّا وينبغي أن يكون لها ولي، ويؤيد هذا قول الله تعالى: {الرِّجال قوامون على النِّساء} [النساء: 34].

ومن فوائد أحاديث: جواز رجم الزانية إذا وضعت الحمل بمجرد الوضع، هذا هو ظاهر هذا السياق، ولكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرجم الغامدية حتى أرضعت الولد وفطمته وهذا هو الذي أقره أهل العلم، وقالوا: إنه لا يجوز أن ترجم حتى تضع الولد وترضعه اللِّبا ثم إن وجد من يرضعه وإلَّا تركت حتى تفطمه، إذن لا يجوز أن ترجم وهي حامل؛ لأن في ذلك تعدٍّ على جنينها، وهو لم يفعل شيئًا، ثانيًا: أنه لا يجوز أن ترجم حتى تسقيه اللِّبا وهو أول رضعة تكون من الثدي، فإن هذا اللِّبا - بإذن الله - بمنزلة الدبغ للمعدة ينتفع به الصبي انتفاعًا كاملًا.___

المسألة الثالثة: "هل يجوز بعد أن ترضعه اللِّبا أن ترجم؟ فيه تفصيل إن وجد من يقوم بإرضاعه أقيم عليها الحد، وإلَّا تركت حتى تفطمه كما جاءت بذلك السُّنة.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يحفر للمرجوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفر لها، والسُّنة جاءت بالحفر وبعدم الحفر، وعلى هذا فينظر إلى المصلحة في ذلك.

ومن فوائد الحديث: سد الذرائع لقوله: "فشكت عليها ثيابها"؛ لأن هذا سد لذريعة انكشاف الثوب عند مس الألم.

ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في إقامة الحد لقوله: "ثم أمر بها فرجمت"، وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل أنيسًا.

ومن فوائد الحديث: أن من أقيم عليه الحد بزنًا أو سرقة أو غير ذلك فإنه لا يكفر الدلالة: "فصلى عليها" لأنها لو كفرت بذلك لم يصلّ عليها.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على استطلاع الحق والعلم به لقول عمر: "أتصلي عليها وقد زنت؟ ".

ومن فوائد الحديث: ان الإقرار بالذنب علامة على التوبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة"، ولا شك أنه علامة على التوبة، وأن الإنسان ندم وغضب على نفسه وأراد أن ينتقم لنفسه بنفسه.

فإن قال قائل: هل للتوبة شروط؟

فالجواب: نعم، شروطها خمسة:

أولها: الإخلاص بألًا يكون الحامل للإنسان على التوبة مراعاة الناس أو طلب جاه أو طلب مال. الثاني: الندم على ما فعل من الذنب، وهنا يرد إشكال فيقال: إن الندم انفعال، والانفعال ليس باختيار الإنسان، أرأيت لو وجد سبب الغضب بغضب الإنسان بدون اختيار المحبة، الكراهة ... كلها بدون اختيار، فالندم انفعال نفسي فكيف يندم الإنسان؟

الجواب: ليس المعنى أن توجد في نفسك هذا الانفعال، بل المعنى: أنك تتمنى أنك لم تفعل، يعني: تقول بقلبك أو بلسانك: ليتني لم أفعل، وإلَّا فالندم انفعال نفسي لا يمكن للإنسان أن يدركه.

الثالث: الإقلاع عن الذنب، وقد سأل أحدكم الآن فقال: رد المظالم، فنقول رد المظالم من الإقلاع، ولا تصح التوبة مع الاستمرار في الذنب، فلو قال قائل: أنا تبت إلى الله عز وجل من الغيبة، ثم قال لجاره: تعال يا فلان، ماذا تقول بفلان وصار يشتم فيه فهل تصح التوبة؟ لا، ولو قال: أنا تبت من الربا لكن أمواله في البنوك فلا ينفع، ولو قال: أنا تائب من ظلم الناس وهو قد استولى على أرض غيره ولم يردها عليه فهذا لا تصلح توبته، فلا بد من الإقلاع عن الذنب.___

والرابع: العزم على ألَّا يعود وليس بشرط ألَّا يعود؛ لأن الإنسان قد يعود مع صحة التوبة الأولى، فإذا كان في تلك الساعة عازمًا على ألَّا يعود أبدًا ثم وسوس له الشيطان بعد ذلك فعاد فتوبته الأولى مقبولة صحيحة، ويحتاج إلى أن يجدد توبته للذنب الثاني.

الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه وذلك نوعان: عام وخاص، فالعام الذي تنقطع به التوبة هو طلوع الشمس من مغربها، والخاص حضور الأجل، ودليل ذلك قوله تعالى: {وليست التَّوبة للَّذين يعملون السَّيِّئات حتَّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنِّي تبت الآن} [النساء: 18]. ولهذا لما تاب فرعون لما أدركه الغرق ماذا قيل له: {الآن وقد عصيت قبل} [يونس: 91]. وأما النوع العام فدليله قوله تعالى: {أو يأتي ربُّك أو يأتي بعض آيات ربِّك يوم يأتي بعض آيات ربِّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا}} [الأنعام: 158]. وقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم بعض هذه الآيات بأنه طلوع الشمس من مغربها.

ومن فوائد الحديث: في قوله: "فشكت عليها ثيابها" أن المرأة تجب المحافظة على سوأتها أكثر من الرجل، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بمثل هذا في حديث ماعز.

ومن فوائده: جواز الصلاة على المحدود، وأن الكبائر لا تسقط الصلاة لقوله: "ثم صلى عليها".

فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على قاتل نفسه؟

فالجواب: بلى، لكن هذا من أجل ردع الناس عن هذه الفعلة القبيحة؛ لأن الإنسان إذا علم أنه لم يصلِّ عليه فإنه يرتدع، ولكن هل تترك الصلاة على قاتل نفسه من كل أحد أو ممن يحصل بتركه صلاته عليه ردع لأمثاله؟ الثاني.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يحفر لمن يقام عليه الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالحفر لها، وقد اختلفت الأحاديث في ذلك؛ فمنها ما دل على الحفر للمرجوم، ومنها ما سكت عنه، والقاعدة أنه إذا سكت عن شيء وأثبت في موضع آخر فإنه يؤخذ بالمثبت؛ لأن عدم الذكر ليس ذكرًا للعدم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة هل يحفر للمرجوم حين رجمه أو لا؟ فمن العلماء من قال: إن ثبت الزنا بالبينة فإنه يحفر له؛ لأنه لا يمكنه أن يرجع ولا يمكنه أن يهرب لا بد أن يكمل عليه الحد، وإن ثبت بإقراره فإنه لا يحفر له لأنه لو حفر له وأراد أن يهرب صعب عليه ذلك، مع أن من ثبت الحد بإقراره فإنه يجوز له أن يهرب قبل أن يكمل عليه الحد، ومن العلماء من قال: يحفر للنساء دون الرجال، والأصح في هذا كله أنه يرجع إلى رأي الإمام إن رأى في الحفر مصلحة حفر وإلَّا فلا.___

ومن فوائد ألحديث: جواز استفهام المرء عما يفعله الكبير؛ لقول عمر: "أتصلي عليها وقد زنت" فلا يستحي الإنسان في الاستفهام أمام الكبير؛ لأن الاستحياء في طلب العلم جبنٌ، ولهذا قال بعضهم: لا ينال العلم مستحيٍ ولا مستكبر.

ومن فوائد الحديث: أن هذه المرأة تابت توبة واسعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".

ومن فوائد الحديث: جواز المبالغة في الأشياء قلة وكثرة؛ لقوله: "لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة" وهذا يشبه قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين"، فإن من اقتطع دون الشبر يطوق به، لكن ذكر الشبر على سبيل المبالغة في القلة، منه أيضًا عند بعض المفسرين قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80].

ومن فوائد الحديث: الاستدلال بالقرائن لقوله: "وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى"، فإن هذا يدل على كمال توبتها وصدق توبتها.

ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى الإخلاص في العمل؛ لأنها جادت بنفسها لله لا لغيره.

هل يؤخذ من هذا الحديث أنه يجوز للإنسان ان يهلك نفسه لله؟ قد يقال: إنه يؤخذ من ذلك أن الإنسان يجوز له أن يفعل ما يكون سببا لإهلاك نفسه لله عز وجل، وقد مر بنا أنه لا يجوز للإنسان أن ينتحر في جهاد الأعداء، لكن له أن يغامر مثل أن يدخل في صف الكفار وحده ربما يستلم والكافر جبان عند المؤمن، فإذا رأى شخصا مقدما وسوف يقدم بقوة وانفعال، فإنهم ربما يفرون منه ويهربون منه فيسلم بخلاف من تأكد أنه سيقتل نفسه فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالانتحاريون الذين يركبون السيارات الملغمة حتى يقفوا في صفوف العدو فيفجرونها ليسوا على صواب، لكن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لو كان في التسبب لقتل النفس مصلحة عظمى ن في الإسلام فإنه لا بأس بتلك واستدل بقصة الغلام الذي كان مؤمنًا يدعو إلى توحيد الله وكان ملكٌ ظالم يدعو للشرك وأراد أن يقضي على هذا الغلام فأرسله مرة إلى البحر ومرة إلى رءوس الجبال، وكل هذا يسلم، فدله الغلام على مسألة إذا فعلها قتله، قال: له: تجمع الناس ثم أقوم أمامهم وتأخذ سهمًا من كنانتي، وتقول: باسم رب هذا الغلام، فإذا فعلت هذا قدرت على قتلي، ففعل الملك فآمن الناس كلهم قالوا: لما كانت سلطة الملك لم يقدر على قتله ولما جاء اسم الله قدر على قتله، فإذن الرب رب الغلام فأسلم الناس، وهذه فائدة كبيرة فمثل هذا يجوز، أما أن ينتحر ليقتل شخصًا أو شخصين أو عشرة فهذا لا يوجب انكسار العدو ولا دخوله في الإسلام، بل ربما يوجب ازدياد العدو في الإيغال والإعداد.

 

الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة (4/ 88) :

"الترغيب في التوبة، والمبادرة بها، وإتباع السيئةِ الحسنة." اهـ

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 514) للإثيوبي :

"(أَتَتْ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى) هذا اعتراف منها من غير تكرار، يُطلب منها، ففيه دليلٌ على عدم اشتراطه على ما مرَّ، وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا؛ لأنَّها لم يظهر عليها ما يُوجب ارتيابًا في قولها، ولا شكًّا في حالها، بخلاف حال ماعز، فإنَّه ظهر عليه ما يُشبه الجنون، فلذلك استفصله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَستَثْبِت في أمره، كما تقدَّم

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 515)

(ثُمَّ أَمَرَ بِهَا)؛ أي: أمر - صلى الله عليه وسلم - الناس برجمها (فَرُجِمَتْ) بالبناء للمفعول، وفي رواية النسائيّ: "فرجمها"، وفيه إسناد الفعل إلى السبب الآمر، وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله في بعض الروايات: "فأمر بها فرُجمت"، وفي بعضها: "وأمر الناس فرجموها"، وفي حديث ماعز: "أمَرَنا أن نرجمه"، ونحو ذلك فيها كلها دلالة لمذهب الشافعيّ، ومالك، وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور، وقال أبو حنيفة، وأحمد: يحضر الإمام مطلقًا، وكذا الشهود إن ثبت ببينة، ويبدأ الإمام بالرجم إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود، وحجة الشافعيّ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر أحدًا ممن رُجِم، والله أعلم. انتهى

 

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 515)

(ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا)؛ أي: صلّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على تلك المرأة، وفيه مشروعيّة الصلاة على المرجوم

 



[1] ترجمة عمران بن الحصين الخزاعي الكعبي أبي نجيد _رضي الله عنه_ :

* وفي الطبقات الكبرى ط العلمية (7/ 6) لابن سعد :

"عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ خلف بن عبدنهم بن خريبة بن جهمة بن غاضرة بْن حبشية بْن كعب بْن عَمْرو. ويكنى عمران أبا نجيد.

أسلم قديمًا هو وأبوه وأخته وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - غزوات ولم يزل في بلاد قومه وينزل إلى المدينة كثيرًا إِلَى أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - ومصرت البصرة فتحول إليها فَنَزَلَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا. وَلَهُ بِهَا بقية من ولده خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن الحصين ولي قضاء البصرة." اهـ

* وفي الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1208) : "عمران بْن حُصَيْن بْن عُبَيْد بْن خَلَف بْن عبد نهم بْن سَالِم بْن غاضرة بْن سلول بْن حبشية بْن سلول بْن كَعْب بْن عَمْرو الخزاعي الكعبي، يكنى أَبَا نجيد بابنه نجيد بْن عِمْرَان.

أسلم أَبُو هُرَيْرَةَ وعمران بْن حُصَيْن عام خيبر. وكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، يَقُول عَنْهُ أهل البصرة: إنه كَانَ يرى الحفظة وكانت تكلمه حَتَّى اكتوى.

قال مُحَمَّد بْن سِيرِين: أفضل من نزل البصرة من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمْرَان بْن حُصَيْن، وَأَبُو بكرة.

سكن عِمْرَان بْن حُصَيْن البصرة، ومات بها سنة ثنتين وخمسين فِي خلافة مُعَاوِيَة. روى عَنْهُ جماعة من تابعي أهل البصرة والكوفة." اهـ باختصار.

* وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (4/ 2108) :

"أَسْلَمَ وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَوَاتٍ، وَعَقِبُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الْفِتْنَةِ، مُجَابَ الدَّعْوَةِ، بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُفَقِّهُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ." اهـ

[2] توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 232) لعبد الله آل بسام :

"جُهَيْنَة : قَبِيلة جهينة بن زيد قبائل كثيرة، من قضاعة من القبائل القحطانية، منازلهم كانت ولا زالت على ساحل البحر الأحمر، وهي من الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية، وعاصمة حاضرتهم بلدة أملج، بلدة ساحلية غرب المدينة المنورة." اهـ

وفي البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (29/ 513) للإثيوبي :

"وتقدّم في حديث بُريدة : «جاءت امرأة من غامد، من الأزد»،

قال القرطبيّ - رحمه الله - : كذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى: "من جُهينة"، ولا تباعُد بين الروايتين، فإن غامدًا قبيلة من جُهينة، قاله عياض، وأظنّ جُهينة من الأزد، وبهذا تتّفق الروايات. انتهى.

ثم رأيت الإمام أبا داود - رحمه الله - ذكر في "سُننه" أنها هي الغامديّة المتقدّمة، فقد ترجم في "السنن" برقم (4440) بقوله: "باب المرأة التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجمها من جهينة"، ثم أتى فيه بحديث عمران بن حصين في الجهنيّة، ثم بحديث بريدة في الغامديّة، ثم قال: "قال أبو داود: قال الغسّانيّ: جُهينة، وغامد، وبارقُ واحد". انتهى.___

وقد تقدّم الخلاف في اسم الغامديّة، فقيل: سُبيعة، وقيل: أميّة، وقيل غير ذلك." اهـ كلام الإثيوبي

[3] وفي البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 46) للمغربي :

"وقوله : "أحسن إليها". هذا الإحسان له سببان :

أحدهما : الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم____أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيرًا لهم من ذلك.

والثاني : لرحمتها إذ قد تابت، وحرص على الإحسان إليها؛ لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها وإسماع الكلام المؤذي." اهـ

قاله النووي في "شرح مسلم" (11/ 205)

[4] وفي البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 47)

وقوله: "فإذا وضعت فأتنى بها". ففعل، إلى آخره. ظاهر هذه الرواية أنه كان رجْمُها عقيب الوضع، وفي رواية أخرى لمسلم : أنها إنما رجمت بعد أن فطمت ولدها وأتت به وفي يده كسرة خبز.

والروايتان صحيحتان، وهي قصة واحدة، وهذه رواية صريحة لا يمكن تأويلها، فيتعين تأويل الأولى بأن فيها طيًّا وحذفًا لما ذكر في الرواية الثانية."

[5] وفي البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 47) :

"وفي بعض الروايات : وأمر الناس فرجموها. فيه دلالة على أنه لم يحضر، وأنه لا يجب على الإمام الحضور، وقد تقدم." اهـ

يعني كما في صحيح مسلم

[6] وفي توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 232) : "وجادت بنفسها"؛ أي: بذلتها، وسمحت بها." اهـ

[7] وفي زاد المسير في علم التفسير (1/ 542) لابن الجوزي: "فأما «الفساد» فهو القتل والجراح وأخذ الأموال، وإِخافة السبيل." اهـ

[8] وفي نيل الأوطار (7/ 135) للشوكاني :

"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادِي. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلَى سُقُوطِهَا بِهَا، وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَنْ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ حَتَّى تُرْضِعَ وَتَفْطِمَ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْفِطَامِ إلَّا إذَا عُدِمَ مِثْلُهَا لِلرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ لَمْ تُؤَخَّرْ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ." اهـ

[9] اللّبَأ وزان عِنَبٍ: أول اللبن عند الولادة. اهـ "المصباح".

[10] انظر "السنن الكبرى" ج 5 ص 277 رقم الحديث 7165، وهو حديث ضعيف كما ذكره الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 229) (رقم 1686)، وقال في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (8/ 24) (رقم : 2354) :

"قلت : وهذا إسناد ضعيف , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن ابن الصامت وهو مجهول , وإن ذكره ابن حبان فى " الثقات "." اهـ

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين