الحديث 19 - باب التوبة من كتاب رياض الصالحين

 

[19] وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ[1]، قَالَ :

"أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ[2] - رضي الله عنه - أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقالَ: ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ؟ فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ، فقالَ: إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ. فقلتُ:

إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ _صلى الله عليه وسلم_،

فَجئتُ أَسْأَلُكَ: "هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً؟"

قَالَ: (نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً _أَوْ مُسَافِرينَ_ أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ.

فقُلْتُ : "هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً؟"

قَالَ : نَعَمْ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ في سَفَرٍ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ: "يَا مُحَمَّدُ"، فأجابهُ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ نَحْواً مِنْ صَوْتِه: «هَاؤُمْ»

فقُلْتُ لَهُ: "وَيْحَكَ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ، فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي _صلى الله عليه وسلم_، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا!"

فقالَ: "والله لا أغْضُضُ."

قَالَ الأعرَابيُّ: "المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ، وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ"

قَالَ النَّبيُّ _صلى الله عليه وسلم_: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ» .

فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ، مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً _قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ_، خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ."

رواه الترمذي وغيره، وَقالَ: «حديث حسن صحيح» .

قوله: «حك» ، أي: أثَّر. والهوى: الحبُّ.

 

تخريج الحديث :

 

أخرجه : الترمذي في سننه (رقم : 3535 و 3536)، وابن ماجه في سننه (1/ 82) (رقم : 226).

 

وهو حديث صحيح : صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 145) (رقم : 85).

 

شرح الحديث:

 

(وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ) بن حُبَاشَةَ بن أوس بن بلال الأسدى الكوفى ، ويكنى بـ"أبي مريم" ، وهو من كبار التابعين، توفي سنة 81 هـ

(قَالَ : "أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ[3] _رضي الله عنه_) "صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبْضِ بْنِ زَاهِرِ بْنُ مُرَادٍ وَكَانَ عِدَادُهُ فِي بَنِي حَمَلٍ، غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ." اهـ من معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1501)

(أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ) يعني: عن توقيت المسح على الحفين.

(فَقالَ: ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ؟ فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ، فقالَ: إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ) الأَجْنِحَة: جمع جَنَاح بالفتح،

وفي التبصرة لابن الجوزي (2/ 192)

وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى وَضْعِهَا أَجْنِحَتَهَا ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: بَسْطُ الأَجْنِحَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّوَاضُعَ لِطَالِبِ الْعِلْمِ. [4]

وَالثَّالِثُ: النُّزُولُ عِنْدَ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَتَرْكُ الطَّيَرَانِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى إِلا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ." [م ت ق][5] [وللفائدة، فانظر: معالم السنن (1/ 61) للخطابي]

(فقلتُ: إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ) "يُقَالُ: حَكَّ الشَّيْءُ فِي نفْسي: إِذَا لَمْ تَكُنْ مُنْشرح الصَّدر بِهِ، وَكَانَ فِي قَلْبِكَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّك والرِّيب، وأوْهَمك أَنَّهُ ذَنْب وخِطيئة." اهـ من النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 418)

(وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ _صلى الله عليه وسلم_،

فَجئتُ أَسْأَلُكَ: "هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً؟"

قَالَ: (نَعَمْ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً _أَوْ مُسَافِرينَ_ أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ.

فقُلْتُ : "هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً؟")

وفي الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 278) لابن الأثير الجزري:

"(الهوى) مقصورًا: هوى النفس، وميلها إلى الشيء، وحبها له، (وهذا الشيء أَهْوى إِليَّ من كذا) أي: أَحَبُّ. تقول: (هَوِىَ بالكسر يَهْوَى بالفتح)، إذا أحبه." اهـ

(قَالَ : نَعَمْ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ في سَفَرٍ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ: "يَا مُحَمَّدُ"، فأجابهُ رسولُ الله _صلى الله عليه وسلم_ نَحْواً مِنْ صَوْتِه: «هَاؤُمْ»)

وفي النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 284):

"هَاؤُمْ: بمعْنَى تَعَالَ، وَبِمَعْنَى خُذْ. وَيُقَالُ للجماعة، كقوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19].

وَإِنَّمَا رَفَع صَوْتَه _عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ_ مِنْ طَريق الشَّفَقَة عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَحْبَطَ عَمَلُه، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي} [الحجرات: 2]،

فَعَذَره لِجَهْله، ورَفَع النَّبيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَه حَتَّى كَانَ مِثْلَ صَوْتِه أَوْ فَوْقَه، لِفَرْطِ رأفِتَه بِهِ." اهـ

قال الله تعالى في تمام الآية:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]

(فقُلْتُ لَهُ: "وَيْحَكَ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ، فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي _صلى الله عليه وسلم_، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا!"

فقالَ: "والله لا أغْضُضُ.") إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا جَافِيًا

(قَالَ الأعرَابيُّ: "المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ، وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ"

قَالَ النَّبيُّ _صلى الله عليه وسلم_: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ»(

قوله (وَلَمَّا يحلق بِهِمْ)، أي: وَلَمْ يَعْمَلْ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُمْ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ وَجَزَاؤُهُ مِثْلَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

(فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ، مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً _قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ_، خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ.")

كَلِمَةُ (أَوْ): لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ «أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا»، وَفِي رواية جاء مجزوما: «سَبْعِينَ عَامًا»، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ

ففي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 546_547) (رقم : 3536)، وحسنه الألباني:

"قَالَ زِرٌّ: فَمَا بَرِحَ يُحَدِّثُنِي حَتَّى حَدَّثَنِي أَنَّ اللَّهَ _عَزَّ وَجَلَّ_ جَعَلَ بِالمَغْرِبِ بَابًا عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَامًا لِلتَّوْبَةِ لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ _عَزَّ وَجَلَّ_: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الآيَةَ." اهـ

 

وفي رواية المعجم الكبير للطبراني (8/ 54) (رقم : 7347): عن صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ قَالَ:

أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بُرْدٍ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بطالبِ الْعِلْمِ، طَالِبُ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّهِمْ لِمَا يَطْلُبُ، فَمَا جِئْتَ تَطْلُبُ؟» ، قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا نَزَالُ نُسَافِرُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَأَفْتِنَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ»

حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 139) (رقم : 71)

 

من فوائد الحديث :

 

تطريز رياض الصالحين (ص: 24) لفيصل بن عبد العزيز الحريملي :

* "وفي الحديث : فضل حب الله ورسوله والأخيار أحياء وأمواتًا.

* وفيه : فضل العلم وأهله،

وفي صحيح مسلم، قال أنس: «ما فرحنا فرحًا أشد ما فرحنا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء مع من أحب» . وقال أنس : «أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بعملهم»." اهـ

 

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 43)

أَلَا تَرَى أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا صَارَ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لَهُ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 108) للعثيمين :

هذا الحديث من أحاديث التوبة التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في بيان متي تنقطع التوبة. لكنه يشتمل على فوائد:

منها: أن زر بن حبيش أتى إلى صفوان بن عسال _رضي الله عنه_ من أجل العلم، يبتغي العلم، فقال له صفوان بن عسال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب».

* وهذه فائدة عظيمة تدل على فضيلة العلم، وطلب العلم؛

والمراد به العلم الشرعي، أي: علم ما جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_، أما علم الدنيا فللدنيا، لكنْ طَلَبُ الْعِلْمِ الذي جاء به النبي _صلى الله عليه وسلم_ : هو الذي فيه الثناء والمدح، والحث عليه في القرآن والسنة. وهو نوع من الجهاد في سبيل الله، لأن هذا الدين قام بأمرين:

قام بالعلم والبيان، وبالسلاح: بالسيف والسنان.

حتى إن بعض العلماء قال: ((إن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله بالسلاح))، لأن حفظ الشريعة إنما يكون بالعلم. والجهاد بالسلاح في سبيل الله مبني على العلم، لا يسير المجاهدُ، ولا يقاتِل، ولا يحجُم، ولا يقسم الغنيمة، ولا يحكم بالأسرى؛ إلا عن طريق العلم، فالعلم هو كل شيء.

ولهذا قال الله عز وجل : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]

ووضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب واحتراماً له، وتعظيماً له، ولا يرِد على هذا أن يقول القائل: "أنا لا___أحس بذلك"، لأنه إذا صح بذلك، لأنه إذا صح الخبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم فإنه كالمشاهد عيانا.

أرأيت قوله صلي الله عليه وسلم: «ينزل ربنا _تبارك وتعالى_ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له» [خ م]

نحن لا نسمع هذا الكلام من الله _عز وجل_، لكن لما صح عن نبينا _صلى الله علي وسلم_، صار كأننا نسمعه،

ولذلك يجب علينا أن نؤمن بما قال الرسول صلي الله عليه وسلم وبما صح عنه مما يذكر في أمور الغيب، وأن نكون متيقنين لها كأنما نشاهدها بأعيننا ونسمعها بآذاننا." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 429_430):

قَالَ الْفَقِيهُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، قَالَ:

«مَا أَعْلَمُ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[6]، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فِي طَلَبِ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ، حَفَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الطُّيُورُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَالسِّبَاعُ فِي الْبَرِّ، وَالْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، وَآتَاهُ اللَّهُ أَجْرَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ صِدِّيقًا،

أَلَا فَاطْلُبُوا الْعِلْمَ، وَاطْلُبُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ، وَالْحِلْمَ، وَالْوَقَارَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ، وَلِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ، وَلَا تُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخْتَلِفُوا بِهِ إِلَى الْأُمَرَاءِ، وَلَا تَطَاوَلُوا بِهِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، فَتَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ سَخَطُ اللَّهِ، فَكَبَّهُمْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، اطْلُبُوا عِلْمًا لا يَضُرُّكُمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَاعْبُدُوا اللَّهَ عِبَادَةً لَا تَضُرُّكُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا إِلَّا هَذَا، وَلَا تَكُونُوا كَأَقْوَامٍ تَرَكُوا طَلَبَ الْعِلْمِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى الْعِبَادَةِ، حَتَّى إِذَا نُحِلَتْ جُلُودُهُمْ عَلَى أَجْسَادِهِمْ، خَرَجُوا عَلَى النَّاسِ بِأَسْيَافِهِمْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَكَانَ الْعِلْمُ يَحْجُزُهُمْ عَمَّا صَنَعُوا، وَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالْحَائِدِ عَنِ الطَّرِيقِ، فَهُوَ لَا يَزْدَادُ اجْتِهَادًا إِلَّا ازْدَادَ بُعْدًا، وَكَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ___مِمَّا يُصْلِحُهُ» ، قِيلَ لَهُ: عَمَّنْ هَذَا يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: «لَقِيتُ فِيهِ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا وَاغْتَرَبْتُ فِي طَلَبِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا»

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ، تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ." اهـ

 

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (ص: 439_440):

"يُقَالُ: مَنِ انْتَهَى إِلَى الْعَالِمِ، وَجَلَسَ مَعَهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْفَظَ الْعِلْمَ، فَلَهُ سَبْعُ كَرَامَاتٍ أَوَّلُهَا: يَنَالُ فَضْلَ الْمُتَعَلِّمِينَ.____

وَالثَّانِي: مَا دَامَ جَالِسًا عِنْدَهُ كَانَ مَحْبُوسًا عَنِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَأِ.

وَالثَّالِثُ: إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ.

وَالرَّابِعُ: إِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ، فَتَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ، فَتُصِيبُهُ بِبَرَكَتِهِمْ.

الخَامِسُ: مَا دَامَ مُسْتَمِعًا تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَةُ.

وَالسَّادِسُ: تَحُفُّ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا رِضًا وَهُوَ فِيهِمْ.

وَالسَّابِعُ: كُلُّ قَدَمٍ يَرْفَعُهُ، وَيَضَعُهُ يَكُونُ كَفَّارَةً لِلذُّنُوبِ، وَرَفْعًا لِلدَّرَجَاتِ لَهُ، وَزِيَادَةً فِي الْحَسَنَاتِ،

ثُمَّ يُكْرِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِسِتِّ كَرَامَاتٍ أُخْرَى:

أَوَّلُهَا: يُكْرِمُهُ بِحُبِّ شُهُودِ مَجْلِسِ الْعُلَمَاءِ.

وَالثَّانِي: كُلُّ مَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ، فَلَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ.

وَالثَّالِثُ: لَوْ غَفَرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، يَشْفَعُ لَهُ.

وَالرَّابِعُ: يُبَرِّدُ قَلْبَهُ مِنْ مَجْلِسِ الْفُسَّاقِ.

وَالْخَامِسُ: يَدْخُلُ فِي طَرِيقِ الْمُتَعَلِّمِينَ وَالصَّالِحِينَ.

وَالسَّادِسُ: يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 79] ، يَعْنِي الْعُلَمَاءَ وَالْفُقَهَاءَ هَذَا لِمَنْ لَمْ يَحْفَظْ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي يَحْفَظُ فَلَهُ أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: (إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى جَنَّةً فِي الدُّنْيَا، مَنْ دَخَلَهَا طَابَ عَيْشُهُ. قِيلَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: (مَجْلِسُ الذِّكْرِ)." اهـ

 

 

فتح الباري لابن حجر (11/ 355_356)

* فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ مِنَ الْمَغْرِبِ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ بَعْدَ ذَلِكَ،

* وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الطُّلُوعِ بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،

* وَيُؤْخَذُ مِنْهَا : أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْإِنْذَارِ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ____عَلَى أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْفَلَكِيَّاتِ بَسِيطَةٌ لَا يَخْتَلِفُ مُقْتَضَيَاتُهَا وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَغْيِيرُ مَا هِيَ عَلَيْهِ،

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: (وَقَوَاعِدُهُمْ مَنْقُوضَةٌ وَمُقَدِّمَاتُهُمْ مَمْنُوعَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا فَلَا امْتِنَاعَ مِنِ انْطِبَاقِ مَنْطِقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مُعَدَّلُ النَّهَارِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَشْرِقُ مَغْرِبًا وَبِالْعَكْسِ)." اهـ

 

التحبير لإيضاح معاني التيسير (2/ 515) للصنعاني:

هذا حد لقبول التوبة، وهو معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158]،

* ودال على أن بعض الآيات المراد في الآية هو طلوع الشمس من مغربها." اهـ

 

نيل الأوطار (7/ 68):

"وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَاضِيَةَ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ مُطْلَقًا أَرْجَحُ لِكَثْرَتِهَا، وَهَكَذَا أَيْضًا يُقَالُ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِخُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ إلْمَامٌ بِكُتُبِ الْحَدِيثِ، تَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ كُلِّ مُوَحِّدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَنْبُهُ الْقَتْلَ أَوْ غَيَرَهُ." اهـ

 

ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (3/ 467_469) للإثيوبي:

"في فوائده:

* مما يستفاد من هذا الحديث تأدب طالب العلم، واحترامه لشيخه، وقد وردت أحاديث تدل عليه ساق الحافظ المنذري منها ما فيه الكفاية.

فمنها حديث جابر _رضي الله عنه_:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد -يعني في القبر-، ثم يقول: "أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ " فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري.

وعن أبي موسى _رضي الله عنه_:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط" رواه أبو داود.

وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البَركَة مع أكابركم" رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، وقال: صحيح على____شرط البخاري،

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا". رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.

وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا". رواه أحمد بإسناد حسن. والطبراني والحاكم إلا أنه قال: "ليس منا".

وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويجل كبيرنا". رواه الطبراني من رواية ابن شهاب، عن واثلة، ولم يسمع منه.

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا". رواه الترمذي، وأبو داود، إلا أنه قال: "ويعرف حق كبيرنا".

وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال:

لقد سمعت حديثا منذ زمان: "إذا كنت في قوم، عشرين رجلا، أو أكثر، فتصفحت وجوههم، فلم تر فيهم رجلا يهاب في الله، فاعلم أن الأمر قد رَقَّ" رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. أورد هذه الأحاديث الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، وهي في ص 44 - 45 من صحيح الترغيب للشيخ الألباني.

* ومنها: أن فيه شرف طالب العلم حيث إن الملائكة تخضع له،

وقد وردت في بيان شرفه أحاديث كثيرة:

منها ما أخرجه مسلم وغيره في حديث طويل : «ومن سلك طريقا، يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»،

ومنها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، فقال: "مرحبا بطالب العلم، إن طالب___العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضا، حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب". رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم. وقال صحيح الإسناد. اهـ صحيح الترغيب ج 1 ص 32 - 34.

* ومنها: اعتناء المرء بسؤال العلماء عما يهمه من أمر دينه،

قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

* ومنها: مشروعية المسح على الخفين في السفر، وتوقيته بثلاثة أيام، وأنه لا ينزع إلا من جنابة.

* ومنها كون البول، والغائط، والنوم، من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له المصنف. ولا خلاف بين أهل العلم في كون البول والغائط ناقضا للضوء، وأما النوم فسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110) :

"ففي هذا دليل واضح على أن الإنسان الذي عليه جوارب، أو عليه خفان؛ أن الأفضل أن يمسح عليهما ولا يغسل رجليه.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110)

ومنها : أنه ينبغي إذا أشكل على الإنسان شيء أن يسأل ويبحث عمن هو أعلم بهذا الشيء؛ حتى لا يبقي في قلبه حرج مما سمع، لأن بعض الناس يسمع الشيء من الأحكام الشرعية ويكون في نفسه حرج، ويبقي متشككاً متردداً، لا يسأل أحداً يزيل عنه هذه الشبهة، وهذا خطأ، بل الإنسان ينبغي له أن يسأل حتى يصل إلي أمر يطمئن إليه ولا يبقي عنده قَلَقٌ.

فهذا زر بن حبيش- رحمه الله- سأل صفوان بن عسال- رضي الله عنه- عن المسح على الخفين؛ وهل عنده شيء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك، فقال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.

 

شرح رياض الصالحين (1/ 110) :

"فهذا الحديث فيه دليل علي ثبوت المسح على الخفين، وقد تواترت الأحاديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك،

وأخذ بهذا أهل السنة، حتى إن بعض____أهل العلم، الذين صنفوا في كتب العقائد، ذكروا المسح على الخفين في كتاب العقائد؛ وذلك لأن الرافضة خالفوا في ذلك؛ فلم يثبتوا المسح على الخفين وأنكروه،

والعَجَبُ: أن ممن روى المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ومع ذلك هم ينكرونه ولا يقولون به، فكان المسح على الخفين من شعار أهل السنة ومن الأمور المتوترة عندهم؛ التي ليس عندهم فيها شك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم." اهـ

 

شرح رياض الصالحين (1/ 114):

فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: «المرء مع من أحب يوم القيامة» نعمة عظيمة _ولله الحمد_، وقد روي أنس بن مالك _رضي الله عنه_ هذه القطعة من الحديث:

أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_قال لرجل يحب الله ورسوله: «إنك مع من أحببت»،

قال أنس: "فأنا أحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وأبا بكر، عمرَ، وأرجو أن أكون معهم." [خ م]

وهكذا أيضاً نحن نشهد الله - عز وجل- على محبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته، وأئمة الهدي من بعدهم، ونسأل الله أن يجعلنا معهم.

هذه بشري للإنسان؛ أنه إذا أحب قوما صار معهم، وإن قصر به عمله؛ يكون معهم في الجنة، ويجمعه الله معهم في الحشر، ويشربون من حوض الرسول _صلى الله عليه وسلم_ جميعاً." اهـ

 

معالم السنن (1/ 62) للخطابي:

* "وفيه: أَنَّهُ أَقَامَ الْمَحَبَّةَ وَالْمُشَايَعةَ فِي الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ مَقَامَ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَجَعَلَ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.

* وفيه: دَلِيْلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ احْتِمَالِ دَالَّةِ التَّلاَمِذَةِ، والصَبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ لِمَا يُرجَى مِنْ عَاقِبْتِهِ مِنَ النَّفْعِ لَهُمْ."



[1] زر بن حبيش بن حُبَاشَةَ بن أوس بن بلال الأسدى الكوفى ، ويكنى بـ"أبي مريم" ، وهو من كبار التابعين، توفي سنة 81 هـ.

[2] ترجمة صفوان بن عسال الْمُرادي _رضي الله عنه_ :

وفي إكمال تهذيب الكمال (6/ 384) لعلاء الدين مغلطاي الحنفي : "صفوان بن عسال المرادي ثم الربضي من بني الربض بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد." اهـ

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1501) :

"صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبْضِ بْنِ زَاهِرِ بْنُ مُرَادٍ وَكَانَ عِدَادُهُ فِي بَنِي حَمَلٍ، غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ." اهـ

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 377) للذهبي : "صَفْوان بْن عَسّال المُرَادِيّ. [الوفاة: 35 - 40 ه] : غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عشرة غزوة. وله أحاديث." اهـ

[3] ترجمة صفوان بن عسال الْمُرادي _رضي الله عنه_ :

وفي إكمال تهذيب الكمال (6/ 384) لعلاء الدين مغلطاي الحنفي : "صفوان بن عسال المرادي ثم الربضي من بني الربض بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد." اهـ

وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1501) :

"صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ مِنْ بَنِي الرَّبْضِ بْنِ زَاهِرِ بْنُ مُرَادٍ وَكَانَ عِدَادُهُ فِي بَنِي حَمَلٍ، غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً سَكَنَ الْكُوفَةَ." اهـ

وفي تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 377) للذهبي : "صَفْوان بْن عَسّال المُرَادِيّ. [الوفاة: 35 - 40 ه] : غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثِنْتَيْ عشرة غزوة. وله أحاديث." اهـ

[4] وفي "بحر الفوائد" للكلاباذي (ص: 327): "يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى «تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا» أَيْ: تَخْضَعُ وَتَتَوَاضَعُ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ الْمُتَوَاضِعِ الْمُنْذَلِّ لِلْحَقِّ خَافِضٌ الْجَنَاحَ،

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] ،

فَوَضْعُ الْجَنَاحِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّوَاضُعِ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ عُمَّالِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمْهَا ذَلِكَ فِي آدَمَ، وَذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ أَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً اسْتَخْبَرَتْ وَسَأَلَتِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الِاسْتِفْهَامِ،

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْكُتُبِيَّةِ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُؤَالَهَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْظَامِ إِنَّ خَلْقًا يَكُونُ مِنْهُمُ الْفَسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ ثُمَّ يَكُونُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] ، وَعَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ} [البقرة: 31] فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] فَقَالَ لِآدَمَ: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [ص:328] فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33] ،

تَصَاغَرَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي نَفْسِهَا وَرَأَتْ فَضْلَ آدَمَ عَلَيْهَا، وَأَلْزَمَهَا اللَّهُ الْخُضُوعَ لَهُ وَالسُّجُودَ، فَسَجَدَتْ لَهُ خُضَّعًا مُتَواضِعِينَ، فَتَأَدَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ الْأَدَبِ، فَلَمَّا ظَهَرَ لَهَا عِلْمُ بَشَرٍ خَضَعَتْ لَهُ وَتَوَاضَعَتْ، وَتَذَلَّلَتْ إِعْظَامًا لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَرِضَا مِنْهُمْ بِالطَّلَبِ لَهُ وَالشُّغُلِ بِهِ، فَهَذَا بِالطُّلَابِ مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْأَخْيَارِ فِيهِمُ الرَّبَّانِيِّينَ مِنْهُمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ بِمَنِّهِ وَطَوْلِهِ إِنَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ." اهـ

[5] وفي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 459) (رقم : 3378) : عَنْ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»

وأخرجه مسلم في "صحيحه" (4/ 2074) (رقم : 2700)، وابن ماجه في "سننه" (2/ 1245) (رقم : 3791)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (2/ 1002) (رقم : 5748)

[6] ففي سنن الترمذي ت شاكر (5/ 29) (رقم : 2647): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 146) (رقم : 88)

وفي سنن ابن ماجه (1/ 82) (رقم : 227): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا، لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ»،

صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 146) (رقم : 87)

Komentar

Postingan populer dari blog ini

شرح الحديث 112 - 113 - الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير - من صحيح الرغيب

شرح الحديث 66 من رياض الصالحين